الفكر السياسي لآباء الكنيسة: نموذج الفكر السياسي الأغسطيني

تندرج أفكار القديس أوغسطين Aurelius Augustinus (353م-430م)، ضمن ما يُعرف باسم عصر آباء الكنيسة Patristic Period. وقد تميزت هذه المرحلة بضآلة الإنتاج الفكر، في مقابل التركيز على الدفاع عن الدين المسيحي، في وجه اتهامات الوثنين وغير المسيحيين بشكل عام، التي اعتبرت أن المسيحية هي العامل الأساسي، الذي يقف وراء انهيار الإمبراطورية. لهذا يُمكن الافتراض بأن الأفكار الأوغسطينية، لم تكن تستهدف التنظير للظاهرة السياسية بالأساس، إلا أن محاولات الدفاع الديني المسيحي، أفرزت نتائج جانبية تتمثل في أفكار سياسية، توفر وجهة نظر دينية حول الظواهر السياسية، على رأسها صعود وانهيار الدول.

تأثرت أفكار القديس أوغسطين في المقام الأول، بأعمال القديس أمبروز  St Ambroise (340م-397م)، والذي أنهى حالة الصراع الداخلي لدى أوغسطين، وبالتالي التوجه النهائي نحو اعتناق المسيحية، بعد التذبذب الديني بين المعتقدات الدينية.  وكذلك بالتراث الديني المسيحي، خاصةً أعمال وتصورات القديس بولس، وبدرجة أقل أعمال القديس بطرس، والتي نجدها تنعكس في الكثير من ألأفكار السياسية الأوغسطينية. دون إغفال الدور الذي مارسته التيارات الفكرية في العصور السابقة، على رأسها الأفكار اليونانية، وكذلك التنقيحات الرومانية على الفكر الرواقي. ويظهر ذلك من خلال العديد من أفكار أوغسطين، خاصةً حول العلاقة بين الوجود المادي والروحي، وكذلك الدور الذي تُمارسه الكنيسة...إلخ.

 أولاً: مدينة الله: الدفاع المسيحي أو الانتماء المسيحي المزدوج:  

يندرج كتاب مدينة الله De Civitate Dei، ضمن ما يُعرف باسم "لاهوت الدفاع" Christian Apologestics، والذي يشمل جهود المفكرين ورجال الدين، التي تهدف إلى الدفاع عن المعتقدات المسيحية، في مواجهة انتقادات الديانات والمعتقدات الدينية المعارضة. لهذا فإن الأفكار السياسية المتضمنة في هذا المؤلف، جاءت لخدمة أغراض دينية وليست لأهداف سياسية، كما سيكون عليه الوضع خلال العصر المدرسي، حيث لم تشهد هذه الفترة الصراع بين الكنيسة والسلطة الزمنية. رغم ذلك يُمكن استخلاص العديد من الأطر الفكرية والنظرية السياسية، والتي تجد انعكاساً لها في العصور اللاحقة، وستستعمل بشكل خاص من طرف رجال الدين، من أجل تغليب كفة الكنيسة في مواجهة الملوك.

تظهر آثار التراث الديني المسيحي في الفكرة العامة، التي يتأسس عليها كتاب مدينة الله، تحديداً ازدواجية والوجود والانتماء، أي بين الانتماء الدنيوي المادي من جهة، والانتماء الروحي السماوي من جهة أخرى. فقد خاطب القديس بولس المسيحيين في إحدى رسائله قائلاً "أما نحن فوطننا في السماء ومنها ننتظر بشوق مجيء مخلصنا"، ويتكرر نفس الخطاب كذلك في أعمال القديس بطرس، وغيره من رجال الدين الأوائل. وتستمر هذه الازدواجية في الوجود والانتماء، في كتاب مدينة الله الذي يقر بمبدأ الانتماء إلى مدينة الله، ومدينة الأرض من جهة ثانية.

ولابد قبل التوسع في دراسة الفكر السياسي الأوغسطيني، من إبداء ملاحظات أساسية، تتعلق بالمعتقدات الشائعة حول التسميات، والمضامين الواردة في الكتاب. ويمكن تلخيص ذلك كما يلي:

أ. من حيث المضمون:

إن كتاب مدينة الله ليس مؤلفاً في السياسة، كما كان عليه الوضع مع المفكرين السياسيين، في العصور القديمة (المرحلتين اليونانية والرومانية). بل هو على الأصح مؤلف في علم اللاهوت Theology\Théologie، يتضمن شرحاً مستفيضاً للمعتقدات الدينية والتعاليم المسيحية في المقام الأول. وكذلك دراسة نقدية للمعتقدات الدينية الأخرى، وبشكل خاص الديانات الوضعية أو الوثنية، استناداً على الاستقراء والاستشهاد التاريخيين، اعتماداً على أعمال المؤرخين الرومان. وقد شملت هذه الدراسة التاريخية، الجوانب المتعلقة بالشعوب والحضارات، وكذلك تاريخ الأديان والفلسفة، وبشكل خاص الفلسفة اليونانية. وقد طال النقد حتى بعض أفكار الفيلسوف اليوناني أفلاطون Plato (424 ق.م-347 ق.م)، والفيسلسوف الروماني شيشرون Cicero (106 ق.م-43 ق.م)، والذين يعتبرهما الكثيرون من بين أهم المفكرين، الذين تأثر بهم الفكر السياسي للقديس أوغسطين.

ب. من حيث التسميات الواردة:

يستعمل القديس أوغسطين وصف "مدينة الأرض Civitas Terrena"، وليس مدينة الشيطان وفقاً للاعتقاد والاستعمال الشائعين. ففي هذا الكتاب يقول أوغسطين "إن مدينة الله المجيدة، سواءً أكانت تتابع حجتها أو تعيش إيمانها بين الأمم، أم استقرت في الأبدية التي تتوق إليها بصبر حتى يعود القضاء إلى العدل، والذي ستظفر به أخيراً هذه المدينة بسلام تام...تعهدت الدفاع عنها من أناس يُفضلون آلهتهم عن مؤسسها الإلهي...وسوف أتحدث أيضاً عن مدينة الأرض سيدة الشعوب المستعبدة، التي تكون بدورها أسيرة شهوة التسلط".

كما أنه من غير المنطقي أن يقبل أيٌ من آباء الكنيسة، دعوة المسيحيين إلى العيش في المدينة، التي سيطلق عليها وصف مدينة الشيطان. وهو الوصف الذي لم تتضمنه أعمال رجال الدين الأعلى مرتبةً من القديس أوغسطين، مثل القديس بولس أو القديس بطرس، او حتى آباء الكنيسة المعاصرين لهذه الفترة. وتشير بعض الدراسات إلى أن وصف مدينة الشيطان، هو من استعمال تلاميذ القديس أوغسطين، الذين شكلوا تيار الأوغسطينية The Augustinism.  أما أوغسطين نفسه فقد اعتبر أن الله وحده، من يُمكنه معرفة من ينتمي فعلا إلى مدينته السماوية، ومن ينتمي إلى غيرها من المدن.

كما أن الموضع الوحيد، الذي استعمل فيه أوغسطين وصف مدينة الشيطان، كان في نهاية المجلد الثالث المتضمن موضوع "يوم الدينونة" أو يوم الحساب. لذلك فإن هذا السياق لا يرتبط بالمدينة الأرضية القائمة في هذا العالم، بل يرتبط بما بعد نهاية العالم، والتجسد النهائي والأبدي لمدينة الله. كما أنه في هذا السياق يتحدث عن مدينة الشيطان باعتبارها تجمعاً أبدياً، لكل من لم يؤمن بتعاليم العقيدة المسيحية، في حين أن المدينة الأرضية تضم في نفس الوقت المؤمنين وغير المؤمنين.

ج. المدينة الأرضية والسماوية ذات طبيعة مجردة:      

لا تشير تسمية مدينة الله ومدينة الأرض إلى وقائع مادية بالمقام الأول، فهي تعبر عن فكرة مجردة تتضمن طبيعة الوجود الإنساني، والقيم الأساسية التي يتأسس عليها هذا الوجود. لذلك فإن إجراء القراءة في كتاب مدينة الله، تُشير إلى المدينتان هما عبارة عن نموذجين، يُمكن أن يتجسدا جزئياً في أي من الدول القائمة، دون أن تكون أيً من هذه الأخيرة التجسيد الوحيد لهما. كما لا يعتبر أغسطين أن مدينة الله تتجسد في الكنيسة، فعكس ما تذهب إليه بعض التصورات حول المؤلف، فإن الكنيسة لا تكون أكثر من وسيلة العبور، التي يستعملها المؤمنون من أجل الحصول على مواطنة المدينة السماوية.

يقوم الفكر السياسي الأوغسطيني في كتابه مدينة الله، على الافتراض بأن صعود وانهيار الدول، لا يرتبط بتغييرها لمعتقداتها الدينية، بل بمدى توفر أسباب القوة والضعف. فمن خلال الاستقراء التاريخي، المتضمن في المجلد الثالث من كتاب مدينة الله، يعتبر أوغسطين أن تاريخ الإنسانية قد عرف تعاقب الكثير من الحضارات والإمبراطوريات العظيمة، منذ البابليين والآشوريين وصولاً إلى الإمبراطورية الرومانية. كما أن هذه الأخيرة قد عرفت خلال تاريخها الطويل، فترات متكررة من القوة والازدهار، ومع ذلك فقد عرفت أيضاً فترات طويلة من الضعف والفوضى، حتى قبل اعتناقها للديانة المسيحية. والمبدأ المتكرر في مختلف التجارب التي قام أوغسطين بعرضها في كتابه، أن حالات الضعف والقوة التي تعرفها الدول، تتوقف على عوامل يُمكن دراستها وقياس تأثيرها. فحتى مع إقرار القديس أوغسطين، بالارتباط بين الأحداث السياسية، والإرادة الإلهية كسبب لها، إلا أن إدراك هذه الإرادة لا يكون ممكناً، إلا من خلال إدراك الأسباب المادية المباشرة/غير المباشرة، التي تتحكم في مجريات تلك الأحداث.

فالمُلاحظ أنه حتى خلال زمن الازدهار، لم يحتكم الرومان لتعاليم الآلهة التي يقدسونها، بقدر احتكامهم للقوانين وأساليب الإدارة والممارسة السياسية. فحضور المعتقدات الدينية الرومانية، لا يتجاوز حدود المناسبات والطقوس المرتبطة الآلهة (طقوس التكريم وتقديم القرابين). إضافةً إلى مختلف المظاهر الفنية والثقافية، التي ميزت الحضارة الرومانية، من خلال الملاحم الشعرية والمسرحية، التي كانت الآلهة الرومانية شخصيات أساسية فيها، وهو ما يعني أن الدولة تميزت من الناحية الفعلية بالطابع المدني. ويعتبر القديس أوغسطين في هذا الصدد أنه "لو استطاع الرومان أن يتسلموا من آلهتهم شرائع أدبية، لما راحوا لسنوات من تأسيس روما، يقترضون من الأثينيين قوانين سولون. على أنهم لم يحفظوها كما تسلموها، بل سعوا إلى تحسينها وتطويرها...ومع أن الآلهة مدينة لهم بتنظيم عدة أعياد مقدسة، فلا أحد يقول إنه تسلم منهم تلك الشرائع".

إن إدارة الدول استناداً إلى ذلك، هي ذات طبيعة دنيوية إنسانية، وأن ما ينتج عنها من أخطاء وعيوب، لا يُمكن نسبته بأي حال من الأحوال إلى الله أو المعتقد الديني.  وهو ما يلتقي إلى حد كبير مع النظريات السياسية الحديثة. ومن أهم الأمثلة على ذلك، ما تضمنه كتاب مدينة الله حول أسباب القوة وفترات السلام والأمن، التي عرفتها الإمبراطورية الرومانية خلال مرحلة الجمهورية. حيث يذهب القديس أوغسطين إلى أن الإمبراطورية عرفت مرحلة من الاستقرار والوحدة، خلال المرحلة التي تلت مباشرة الحرب مع القرطاجيين (الحروب البونيقية 264ق.م-146ق.م)، ويعود الفضل في ذلك -حسبه- "لا إلى محبة العدل بل إلى الحذر الدائم من سلام غير ثابت مع قرطاجة، إنه لخوف حريص على الخلاص، منعاً للفوضى وحفظاً للأخلاق". وانطلاقاً من نفس القاعدة فإن يُرجع أسباب الفوضى السياسية وعدم الاستقرار، التي عرفتها الجمهورية الرومانية في فترات تاريخية لاحقة، بغياب التهديد الخارجي بعد القضاء على الخطر القرطاجي، وبالتالي الدخول في حالة من الرخاء وعدم الاستعداد لمواجهة المخاطر. وكثيراً ما نجد نفس الافتراض النظري يتكرر، ضمن ما يُعرف بنظريات العلاقات الدولية، خاصة النظرية الواقعية التي تفترض أن العلاقات بين الدول، هي حالة من الصراع المستمر من أجل القوة والمصلحة الوطنية.

لذلك يُمكن القول أن التفسير الأوغسطيني لانهيار الدول يأخذ طابعاً "علمانيا"، وهو ما يختلف عن الأفكار السياسية ذات الخلفية الدينية، والتي تُرجع العوامل المُحددة لمصير الدول إلى الإرادة الإلهية المنفردة. فالمدينة الأرضية هي دولة كغيرها من الدول، تتصرف وفقاً لقواعد وأنماط سلوكية معروفة ذات درجات متفاوتة من التغير والثبات، كما يُمكن قياس ما تتمتع به من قوة، وكذلك معرفة أسباب صعودها وانهيارها. غير أن هذا التفسير يتراجع، ليحل محله تفسير آخر ذو طابع ديني، عند انتقال القديس أوغسطين للحديث عن مدينة الله، والتي ينتمي إليها المسيحيون المؤمنون دون غيرهم. وهو ما تضمنته أفكار آباء الكنيسة الأوائل، على رأسهم القديس بولس والقديس بطرس، التي تتحدث عن الوطن السماوي الذي لا ينتمي إليه إلا المؤمنون بالعقيد المسيحية.

يقتبس القديس أوغسطين تسمية مدينة الله، من التراث المسيحي خاصة الإنجيل والعهد القديم (التوراة)، خاصة المقاطع الواردة فيما يعرف باسم "سفر المزامير The Book of Psalms". وقد تضمن المجلد الثاني من كتاب مدينة الله، توسعاً في شرح ماهية المصطلح، والعلاقة التي تجمع بين مدينة الله من جهة، والمدينة الأرضية من جهة ثانية. ويبدأ أوغسطين المجلد الثاني من كتابة بتعريف المدينة بقوله "إننا نسمي مدينة الله تلك التي يشهد لها الكتاب المقدس، بما له من سلطة إلهية، قلدته إياها العناية الإلهية ففاقت كل ما أنجزته سائر الأمم، وعلى كل نوع من القوى العقلية". ويتكرر هذا التعريف لمدينة الله في مختلف أقسام الكتاب، دون أن يتميز بالوضوح الذي يتصف به التعريف الممنوح للمدينة الأرضية. حيث يكرر أوغسطين الاستشهاد بالنصوص الدينية، التي تتغنى بمدينة الله وتبالغ في تمجيدها، دون أن تعطيها مضموناً واضحاً، يُمكن استخلاصه من طرف غير المتمكنين من دراسة هذه النصوص.

إن الاختلافات بين المدينة الأرضية والمدينة السماوية، لا يعني بالضرورة وجود حالة من التعارض، أو الصراع حول النفوذ والولاء، بل أن المدينة السماوية تتواجد جنباً إلى جنب مع المدينة الأرضية. فرغم الحيز الكبير الذي خصصه القديس أوغسطين، لانتقاد الحياة الاجتماعية، الثقافية والأخلاقية، التي ميزت المجتمع الروماني قبل اعتناق المسيحية، إلا أن ذلك لم يكن يعني أن القديس أوغسطين يرفض الانتماء إلى المدينة الأرضية. فهذه الأخيرة قد تأخذ أحوالاً مختلفة، تتراوح بين الفساد والإصلاح، وهو ما تؤكده مواقفه من بعض الفترات من التاريخ الروماني، أو حتى من تاريخ الإمبراطوريات الأخرى التي عرفها التاريخ الإنساني. أي أن المدينتين -حسب أوغسطين- "تظهران في العالم متداخلتين ومختلطتين، من حيث الولادة والتقدم والآخرة التي تنتظرهما".

يثير هذا التداخل في الوجود بين المدينة الأرضية ومدينة الله، مسألة أخرى لا تقل أهمية عن المدينة في حد ذاتها، ويتعلق الأمر بالانتماء أو المواطنة. فكما سبقت الإشارة أعلاه، فإن الانتماء إلى إحدى المدينتين، لا يتعارض بالضرورة مع الانتماء إلى الأخرى، فهما متجاورتان ومتداخلتان وفق الوصف الأوغسطيني. إلا أن القراءة السطحية لهذا الافتراض، قد يدفع إلى استخلاص نتائج خاطئة، حول ما يقصده أوغسطين بالتجاور والتداخل بين المدينتين. وعليه يجب بشكل مستمر استحضار بعض المبادئ الأساسية للمعتقد المسيحي، خاصة فكرة الخطيئة الأولى The original sin، وكذلك الطبيعة المزدوجة للموجودات. ووفقاً لذلك فإن فقد استعمل أوغسطين هذين المبدأين، من أجل تفسير أصل نشأة المدينتين، وكذلك تأكيد تلازمهما وتداخلهما المستمر.

- إزدواجية الوجود: وازدواجية الانتماء:

تقوم المسيحية كديانة وكفلسفة على التسليم بالطبيعة المزدوجة للوجود، الذي يتميز بخاصيتين أساسيتين، أولاهما مادية/زمنية، والثانية روحية أبدية. وهو ما يعني إمكانية الانتماء إلى المدينتين، حتى مع اعتبارهما من خاصيتين مختلفتين، زيادةً على أنهما تأسستا من منطلقين متناقضين. ويعتبر أوغسطين أن "حبين بنيا مدينة: حب الذات إلى حد احتقار الله بنى المدينة الأرضية، وحب الله حتى احتقار الذات بنى مدينة الله، إحداهما تستجدي المجد من الناس، والأخرى تضع أعز ما تفاخر به في الله". فحب الذات يشير إلى الطابع المادي الشهواني، بينما يشير حب الله إلى الطابع الروحي، وهما نزعتان متعارضتان يُمكن أن تتواجدا في الإنسان. وهو ما يستند إليه أوغسطين، من أجل الافتراض بتداخل وتعايش المدينتين.

وهذا الاختلاف في أساس النشأة، يفتح المجال أمام التنوع في معايير الانتماء إلى إحدى المدينتين، فالإنسان يُمكنه أن يكون حسب أوغسطين مواطنا في مدينة الأرض بالولادة، أي انطلاقاً من خاصيته الإنسانية المادية. بينما الانتماء إلى مدينة الله لا يكون إلا من خلال اعتناق المبادئ، التي تتبناها هذه المدينة. وهذا ما يُطلق عليه أوغسطين اسم الولادتين، "فالولادة الأولى التي يقدمها لنا الجنس البشري، هي ولادة مواطن هذا العالم، والثانية هي ولادة مواطن مدينة الله، الغريب عن هذا العالم". والمقصود بوصف -الغريب- أو الاغتراب بشكل عام، هو الاختلاف في نمط وأسلوب الحياة، إضافة إلى التناقض بين القيم والمعتقدات الفردية، مقارنةً مع المعتقدات والقيم الاجتماعية الجماعية.

- الخطيئة أساس المدينتين الأرضية والسماوية:

يفترض رجال الدين والفلاسفة المسيحيون، أو الوجود الإنساني هو استمرار للخطيئة الأولى، لكن نشأة المدينتين ترجع إلى خطيئة جديدة، وهي قتل قابيل لأخيه هابيل (إبني آدم عليه السلام). أي أن الصراع بين قيم الخير والشر، كانت السبب في نشأة المدينة الأرضية المؤسسة على قيم الشر، في مواجهة مدينة الله المؤسسة على قيم الخير. فالمسيحية تنسب إلى قابيل قيم: العصيان، الحسد، القتل...إلخ، بينما تنسب إلى هابيل قيم: الطاعة، التضحية...إلخ.

يعتبر أوغسطين انطلاقاً من ذلك، أن قابيل هو المؤسس لمدينة الأرض، في حين يكون هابيل هو المؤسس لمدينة الله السماوية، وتبني الإنسان لقيم أي من المدينتين يُحدد انتماءه في الأخير. ويرتبط تأسيس الدول أو المدن الأرضية بشكل دائم، بتكرار نفس الخطيئة أو القتل، وفق ما يشبه الحتمية التاريخية. فقد اعتبر أوغسطين أن "أول مؤسس لمدينة الأرض هو قاتل أخيه، لقد وقع ضحية الحسد فقتل أخاه مواطن المدينة السماوية...وحين تأسست المدينة الأخرى، كان لها أن تحكم الأرض وتملك على عدة أمم، أن يتجدد كصورة الجريمة الأولى...ولدى ولادة روما يذكر التاريخ الروماني، بأن رومولوس قتل أخاه روموس". ويتكرر نفس المبدأ في أفكار أوغسطين، الذي يعتبر أن كل ما يرتبط بالمدينة الأرضية، هو استمرار للنزعة الإنسانية الشريرة، ونجد هذا الارتباط بشكل خاص في السلطة، والتي تكون استمرار للبحث عن السلام الجسدي، والمنافع المادية.

تتجسد المدينة السماوية بشكل متكرر عبر التاريخ الإنساني، في شخصية الأنبياء والمؤمنين بهم، والذين يشكلون نماذج متصلة لمدينة الله، كما أن هذه التجسيد يؤكد إمكانيات التواجد والتداخل مع المدينة الأرضية. فالأنبياء والمؤمنون بقيم مدينة الله، ليسوا شخصيات اسطورية أو خرافية، لكنهم متواجدون بشكل مادي في العالم، الذي يعتبره أوغسطين على أنه مدينة الأرض. غير أن تواجدهم، يكون باعتبارهم غرباء أو مسافرون نحو المدينة السماوية، وهذا الوصف مقتبس من أعمال رجال الدين الأوائل، خاصة القديس بولس. ونجد هذا كله ضمن المجلد الثاني لكتاب مدينة الله، والذي خُصص قسم كبير لسرد تاريخ الأنبياء، المستمد أساساً من القصص الموجودة في الكتب المقدسة (خاصةً العهد القديم).

ثانياً: الدولة والسلطة السياسية:

يتوجب التذكير بالملاحظة التي تم إبداؤها أعلاه، ومفادها أن القديس أوغسطين لم يكن مفكراً سياسياً، بل عالم لاهوت في المقام الأول، ثم فيلسوفاً مسيحياً في المقام الثاني. أي أن أعماله لم تكن تنظيراً أو فلسفة سياسية، لهذا فإن الحديث عن موضوع الدولة، أو السلطة السياسية، هو استمرار للتوجه اللاهوتي الأساسي، وبنفس المضمون الديني. ويُمكن ملاحظة ذلك عند الحديث بشكل خاص، عن السلطة السياسية باعتبارها من أشكال الشهوة وحب التسلط. كما أن هذه المواضيع الثانوية لم تأخذ نفس الحجم، الذي خصصه أوغسطين مدينة الله ومدينة الأرض، على اعتبار أن الدولة والسلطة هما بمثابة الاستطراد الجانبي، الذي فرضه التوسع والتعمق في التفسير. إضافةً إلى ذلك فإن التطرق إلى موضوعي الدولة والسلطة، لم يأخذ البعد الصراعي، حيث لم يكن أوغسطين بصدد الدفاع عن سلطة الكنيسة كماهو الحال مع توماس الإكويني، بل اهتم بشكل أكبر بالدفاع عن العقيدة المسيحية في حد ذاتها. غير أن أفكاره ستكون منطلقاً للتأسيس لمفهوم السلطة الكنسية، باعتبارها المظهر الأبرز للمدينة السماوية في العالم المادي.

- الدولة عند أوغسطين: أو نقد المفهوم الروماني للدولة:

سبقت الإشارة بالتفصيل في العنصر السابق، إلى مفهوم المدينة الأرضية التي تقف من الناحية النظرية، في مواجهة المدينة السماوية. لهذا يُمكن القول أن هذا المفهوم هو ذو طابع تجريدي، أكثر من كونه تعبيراً عن تجسيد مادي للدولة، حيث لا يتحدث أوغسطين عن الإمبراطورية الرومانية بالتحديد، بل يحاول الوصول إلى مبادئ عامة، تحكم ظاهرة الدولة التي تتبنى قيماً، وأساليب لممارسة السلطة والعمل السياسي، بما يختلف عن القيم المرتبطة بمدينة الله.

يستعمل أوغسطين وصف الجمهورية بشكل متكرر للدلالة على مفهوم الدولة، وذلك بتأثير من كتابات المفكرين الرومان، على رأسهم شيشرون الذي شكلت أفكاره حول الدولة، موضوعاً للنقد الأوغسطيني. فالتعريف الروماني للدولة/الجمهورية، يقوم على اعتبارها بمثابة "الشيء العام Res Publica"، ويعرفها شيشرون على أنها "مصلحة الناس المشتركة، والناس لا يُقصد بهم كل مجموعة من الأفراد يجتمعون حيثما اتفقوا، بل يُقصد بهم أولئك الذين يجتمعون في أعداد كبيرة من الأفراد، والذين يربطهم توافق رأي مشترك بصدد القانون والحقوق والرغبة في المساهمة معاً، فيما يعود عليهم جميعاً بالنفع المشترك". لذلك تقوم الدولة وفق شيشرون، على أساس الصالح العام أو المصلحة المشتركة، وكذلك على القانون والحقوق.

يُشكل هذا الأساس منطلقاً لأوغسطين، من أجل توجيه الانتقاد إلى التعريف السائد للدولة، أو على الأقل تعريف شيشرون المتضمن في كتابه حول الجمهورية. فالمعنى المذكور أعلاه تمت مناقشته ضمن المجلد الثالث من كتاب مدينة الله، من خلال قياس مدى مطابقته لواقع الحياة السياسية والاجتماعية السائدة. ويفترض أوغسطين انطلاقاً من التعريف السابق، أن اجتماع الشعب حول فكرة الحق، يتطلب التأسيس لنظام حقيقي للقانون والعدالة، يُمكن معه تحديد الحقوق وأصحابها بدقة شديدة. فأهمية هذا النظام لا ترتبط بالحصوص على الحقوق فقط، بل تكتسب العدالة أهميتها من مساهمتها في إعطاء الشعب مضمونه السياسي. ويصيغ أوغسطين نقده للمفهوم الروماني للدولة، عبر مجموعة من المراحل تبدأ من تفنيده لتعريف الشعب المتضمن في أفكار شيشرون وغيره من الفلاسفة الرومان. ويُشير أوغسطين إلى أن شيشرون "حدد الشعب جماعةً عديدة تستند على حق معترف به، فهذا ما يشرحه عندما يُبين أن الدولة لا يُمكن أن تساس بلا عدالة، ومن ثمّ، حيث لا عدالة صحيحة فلا يُمكن للحق أن يكون".

أي أن الشعب لا يُمكن أن يُعرف بدلالة العدد، بل انطلاقاً من فكرة الحق المعترف به، ولا يُمكن تحديد هذا الحق استناداً على التقدير الشخصي، أو بناءً على تباين القوة بين أفراد الشعب. وكبديل لذلك فإنه يتم اللجوء إلى فكرة العدالة، التي تتضمن معايير معترف بها من الجميع، وبناءً على ذلك لن يكون تعريف الحق محل صراع داخلي. وهو ما يمنح الدولة مضمونها الذي تختلف به، عن بقية أشكال الجماعات الإنسانية، المستندة في تشكيلها على التناسبية العددية، أو حتى على الانسجام الطبيعي...إلخ. ويُشكل هذا الافتراض منطلقاً للمرحلة الثانية، في صياغة النقد الأوغسطيني للمفهوم الروماني "التقليدي" للدولة، من محاولة قياس إمكانيات توفر نظام موثوق به للعدالة، يُمكنه بشكل مطلق تحديد الحقوق بشكل يُحقق الإجماع، ولا يفتح أي مجال للصراع بين الأفراد.

استمراراً لهذا السياق يعتبر أوغسطين أن "ما يُعمل بحق يُعمل بعدل، وأن ما يُعمل بلا عدالة لا يُعمل بحق، ولا يجوز أن نسمي حقوقاً أو أن نعتبر المؤسسات البشرية الظالمة حقوقاً...وعليه حيث لا عدالة حقيقية، لا مشاركة بين الناس في حق معترف به، وانطلاقاً من ذلك لا شعب...وإن لم يكن هناك شعب فلا شيء يُسمى دولة، بل ما هو جماعة عادية لا تستحق اسم شعب". وبالاستناد إلى هذا القياس لا يُمكن أن نطلق اسم الدولة، على أي من الكيانات السياسية القائمة، والمستندة على المفهوم الروماني/الشيشروني. فأياً منها لا يستند في تحديد الحقوق إلى عدالة حقيقية، والتي ترتبط بالسلطة الإلهية، الوحيدة القادرة حسب أوغسطين، على فرض العدالة الكاملة بين البشر، وبالتالي تحديد معايير إسناد الحقوق.

إن هذا النقد لا يعني نفي القديس أوغسطين لوجود الدولة، بل يتضمن على الأصح نفي وجود الدولة وفق المفهوم الروماني، المتميز بالتجريد الكلي، مقابل طرح صيغة ممكنة متناسبة مع الأشكال السائدة فعلاً للدولة. ووفقاً لهذه الصيغة يُعرف كتاب مدينة الله الدولة على أنها "مجموعة عاقلة تتوحد حول تملكٍ مشترك وهادئ لما تحب، وأراد إنسان أن يعرف شعباً ما عليه بكل تأكيد أن يتأمل في ما يحب، ولكن أياً يكن موضوع حبه واجتمعت مخلوقات عاقلة دون حيوانات، وارتبطت فيما بينها في تملّكٍ مشتركٍ وهادئ لما تحب، حُقّ لها شرعاً اسم دولة".

أي أن الدولة بتعبير أوضح هي الجماعة الإنسانية، التي وصفها أوغسطين بـ "العاقلة"، تتأسس على السعي إلى تحقيق الهدف المشترك، وهو ما يقترب إلى حد ما من بعض المفاهيم المعاصرة. وبذلك فإن إحلال الغايات أو الأهداف المشتركة، والتي يتم التوافق عليها بين أفراد الجماعة، يُمكّن من إحلال إعطاء وصف الشعب، كبعد سياسي لأعضاء الجماعة، وهو ما يُمكن -حسب هذا المفهوم-، تطبيقه على مختلف النماذج والصور الواقعية، التي اتخذتها المدينة الأرضية أو مدينة البشر. 

تلتقي أفكار القديس أوغسطين حول الدولة، مع رواد نظرية في تفسيرهم لأصل التجمع السياسي أو المدني، استناداً إلى كيانات اجتماعية أو طبيعية، سابقة من حيث التكوين لتأسيس الدول. فهذه النظرية تعتبر أن الدولة ككيان سياسي، هي محصلة مسار طويل من التطور، يبدأ بالأسرة في شكلها البسيط، تتحول معها سلطة الأب تدريجياً إلى سلطة سياسية. وضمن سياق مشابه -نسبياً-، يعتبر أوغسطين أن العائلة هي كيان مصغر عن الدولة، تعكس الأوضاع القائمة فيها، والعلاقات السائدة بين الحاكم والمحكوم. حيث يعتبر أن "العائلة هي أصل المدينة وجزء منها، وكما أن كل أهل يرتبط بغاية من المستوى عينه، وكل جزء يرتبط بالكل الذي به يتعلق، من الواضح أن سلام العائلة يوجه إلى سلام المدينة، أي إلى اتفاق السلطة والطاعة بين سكان المنزل الواحد، كما يعود إلى اتفاق السلطة والطاعة بين سكان المدينة". أي أن علاقات السلطة والطاعة، هي ذاتها في كل أشكال الجماعة، لذلك فإن فكرة الدولة تندرج ضمن القوانين الطبيعية، التي تحكم حياة الإنسان منذ بداية وجوده في هذا العالم، باعتباره كائن اجتماعي في المقام الأول، ثم كائن سياسي في المقام الثاني.

- السلطة عند أوغسطين: التأسيس لنظرية السيفين:

تخضع مدينة الله إلى السلطة الإلهية المطلقة، لهذا تبقى بمأمن من الصراعات حول السلطة، والمكاسب السياسية بشكل عام، أو ما أطلق عليه أوغسطين اسم شهوة التسلط، وكذلك النزعة نحو المجد الدنيوي. وعليه فإن معالجة موضوع السلطة السياسية، وموقعها ضمن التصور المسيحي دينياً وسياسياً، هو ما سيكون الموضوع الذي أثاره أوغسطين في مؤلف مدينة الله. وسيشكل مرجعية أساسية للأفكار السياسية، التي اندرجت ضمن وسائل الصراع بين الكنيسة من جهة، والسلطة الزمنية أو الملوك من جهة ثانية.

لا بد من تكرار التأكيد على الطابع الديني الخالص، لأفكار أوغسطين حول السلطة السياسية، والتي يُعالجها من منظور فقهي خالص، حتى مع بعض الاستطرادات الجانبية نحو الطابع السياسي. فقد استمر في هذه المرحلة من تطور الفكر السياسي المسيحي، اعتبار السلطة السياسية تدبير إلهي محض، ولا يجوز لأي مسيحي مؤمن معارضة السلطة القائمة، حتى وإن لم تكن مسيحية. وهي التعاليم التي تضمنتها أعمال رجال الدين الأوائل، وقد سعت أفكار القديس أوغسطين، ليس إلى تعديل هذا الموقف، بل إلى تبريره في المقام الأول، ثم تكييفه مع الأوضاع السائدة في هذه المرحلة التاريخية. فالفرق الأساسي بين عصر رجال الدين الأوائل وعصر أوغسطين، أن المسيحية انتقلت من أقلية دينية مضطهدة، إلى الديانة الرسمية الوحيدة للإمبراطورية الرومانية. لذلك فإن إطلاقية الطاعة أو ما عُرف بالطاعة المسيحية، كما افترضها كل من القديس بولس والقديس بطرس، لم تتعد تتناسب مع هذا الوضع القائم في منتصف القرن الخامس.

غير أن هذا التعديل لم يمس جوهر الطاعة، بقدر ما كان استمراراً لمبدأ ازدواجية الوجود، وكذلك كنتاج للخطيئة الأولى، وفق ما تم توضيحه في العناصر السابقة. فالسلطة السياسية باعتبارها تدبيراً إلهياً، قد تكون حسب أوغسطين أحد مظاهر العقاب، المتوجب على المجتمعات التي تعرف فساداً أخلاقياً، وبعداً عن الالتزام الديني. وقد جسّد أوغسطين ذلك من خلال مثال الإمبراطور نيرون Neron (37م-68م)، الذي تميز حكمه بالوحشية والطغيان والانحلال الأخلاقي، مع ذلك فقد اعتبره أوغسطين عقاباً إلهياً مستحقاً. رغم أن مظاهر الحكم الفاسد والطغيان، الذي عرفته الإمبراطورية الرومانية في عهد نيرون، قد شمل الوثنيين وكذلك المسيحيين في نفس الوقت. إلا أن هذا لم يمنع أوغسطين من اعتبار أن هذه السلطة "لا تًعطى لأمثال هؤلاء الناس إلا بعناية من الله العلي، عندما يستحق العالم بنظره، أمثال أولئك الأسياد".

وبذلك فإن الصياغة العامة لفكرة السلطة كتدبير إلهي، الواردة في رسالة القديس بولس، تصبح أكثر تحديداً في تصور القديس أوغسطين، بمعنى أن التدبير الإلهي قد يأخذ مظهر العقاب، من خلال نموذج الإمبراطور نيرون. وانطلاقاً من ذلك يُمكن -بمفهوم المخالفة-، أن يأخذ مظهر الثواب من خلال نموذج الإمبراطور قسطنطين، الذي سمح بممارسة الشعائر المسيحية بكل حرية، من خلال مرسوم ميلانو سنة 311 م، وبذلك عرفت الإمبراطورية الرومانية في عهده فترة ازدهار طويلة. ويلاحظ من خلال هذا التصور حول السلطة السياسية، مزج أوغسطين بين التصورات الدينية من جهة، والصبغة الطبيعية من جهة ثانية، وهو نفس الأسلوب في دراسة الظواهر السياسية على رأسها الدولة.

سبقت الإشارة إلى أن الدولة في الفكر الأوغسطيني، تتقاطع مع ما يُعرف في العلوم السياسية المعاصرة، باسم نظرية التطور في تفسير أصل نشأة الدولة. فهذه الأخيرة تندرج ضمن الظواهر الطبيعية بالمقام الأول، أي أنه قبل اكتسابها للطابع السياسي فهي تجمع طبيعي، بين أفراد يميلون إلى التجمع بطبيعتهم، استمراراً للمنطق اليوناني والروماني، الذي يعتبر الإنسان حيوان اجتماعي بطبعه. ولا تخرج السلطة السياسية عن هذا المنطق، على اعتبار أنها تتطور في مسار موازي لمسار تطور الدولة، انطلاقاً من الكيانات الاجتماعية الأبسط أي العائلة. وما يُمكن استخلاصه من أفكار أوغسطين في هذا الصدد، أنه بما أن العائلة هي أصل الدولة، فإن السلطة السياسية، هي استمرار للسلطة الأبوية الممارسة ضمن العائلة.

تُمارس السلطة انطلاقاً من ذلك، في مختلف أشكال الجماعات الإنسانية، بأهداف وأساليب متشابهة نسبياً، سواءً تعلق الأمر بسلطة الرئيس أو الملك، أو حتى السلطة الممارسة ضمن الجماعة الإنسانية الأبسط، والتي يُمارسها رب العائلة/الأب. فهذا الأخير -حسب أوغسطين- يفرض سلطته الكاملة، "في بيته، مع زوجته وأولاده، ولربما مع سواهم ومع من يشاركونه السكنى تحت سقف واحد. يسعى إلى التعاطي بسلام، لأنه يفرح بطاعتهم له...وإلا نراه يثور ويؤنب ويعاقب، ويستعمل القسوة عند الحاجة، لكي يضبط السلام في بيته، ويشعر أن ذلك السلام لا يُوطَّد إلا إذا كانت وراءه سلطة يُمثلها في البيت، وإليها يجب أن ينقاد كل من يعايشه". فوجود السلطة لا يرتبط باختيار الأفراد، بل هي ظاهرة حتمية في مختلف أشكال الجماعات، وينطبق نفس الأمر على السلطة السياسية، التي تتدخل عوامل مختلفة في إسنادها، لكن لا يُمكن تصور الدولة ككيان سياسي بدون هذا المتغير.

تُشير القراءة الأولية للفكرة السابقة إلى تناقض واضح، حيث لا يُمكن اعتبار السلطة السياسية ظاهرة طبيعية، ونتيجة للخطيئة في نفس الوقت. فالنصوص الدينية (العهدين القديم والجديد)، تعتبر أن الإنسان لم يُخلق لممارسة السلطة على غيره من البشر. في حين تعتبر الأفكار الطبيعية أن الإنسان يميل بطبعه إلى الاجتماع، وكل ما ينجر عن ذلك فهو يكون نتيجة للطبيعة. وبالتالي فإن التسليم بصحة هذه القراءة الأولية، يعني تبني أوغسطين لموقفين المتعارضين، حول نفس الظاهرة السياسية، فالتسليم بصحة أحد التصورين يعني آلياً نفياً للآخر، وهو ما لا يُمكن تصوره مع مفكر سياسي على هذا المستوى.

لا يتعارض التفسير الأوغسطيني لممارسة السلطة السياسية، مع المبدأ العام للديانة المسيحية المشار إليه سابقاً، الذي يُرجع كل الظواهر الاجتماعية والسياسية، إلى الخطيئتين الأساسيتين المرتبطتان بوجود الإنسان. حيث تُشير النصوص الدينية إلى أن الإنسان، لم يُخلق من أجل ممارسة السلطة على غيره من البشر، بل فقط على الكائنات الأخرى غير البشرية. غير أن السلطة وما يرتبط بها من استبداد واستعباد، ظهرت مع الخطيئة الأولى للإنسان The original sin، التي أوجدت الإنسان على الأرض، ثم الخطيئة الثانية (قتل قابيل لهابيل) التي أدت إلى تأسيس مدينة الأرض. لذلك فإن الافتراض بأن السلطة هي ظاهرة طبيعية، لابد وأن يأخذ بالاعتبار التعديلات الضرورية، التي تم إدخالها على المذهب الطبيعي، من خلال النصوص الدينية المقدسة.

وانطلاقاً من هذه المرحلة تتحول النزعة السلطوية إلى طبيعة إنسانية، ترتبط بمختلف أشكال الجماعات، انطلاقاً من العائلة وصولاً إلى الدولة. وهنا تنسجم الأفكار الدينية المستمدة من النصوص المسيحية، مع الأفكار التي تتبناها المدرسة الطبيعية، وتكون بذلك السلطة بشكل عام -والسلطة السياسية خاصةً- ظاهرة ناتجة عن الخطيئة، والطبيعة البشرية المترتبة عنها. وقد ورد هذا المعنى في كتاب مدينة الله، من خلال اعتبار القديس أوغسطين أن "الطبيعة التي لطختها الخطيئة الد مواطنين لمدينة الأرض، والنعمة التي خلصت الطبيعة من الخطيئة، تلد مواطني السماء...أحدهما يبين بوضوح نظام الطبيعة والآخر يشير إلى النعمة الإلهية". وهذا ما تم الاستناد عليه عند الافتراض بأن بعض أفكار المذهب الطبيعي، والتي اقتبسها المفكرون السياسيون المسيحيون من المدرسة الرواقية، قد خضعت للتعديل من أجل جعلها منسجمة مع الديانة المسيحية.  

لا تقتصر التصورات الأوغسطينية حول السلطة السياسية، على إبراز البعد للاهوتي فحسب، بل يمتد ليشمل الأبعاد السياسية، على اعتبار أن هذه الظاهرة وإن كانت ناتجة عن الخطيئة، إلا أنها مرتبطة كذلك بالدولة كظاهرة مدنية. وفي هذا المجال لا يختلف الفكر السياسي لأوغسطين، عن أفكار سابقيه من الفلاسفة اليونانيين والرمان، من خلال الربط بين ظاهرة السلطة، والخير العام كهدف منشود، حتى مع تعديل مضمون هذا الهدف مقارنة مع الأفكار السابقة. وفي هذا السياق فإن جوهر السلطة السياسية عند أوغسطين، هو التسيير الراشد للشؤون العامة، وهو السبب الوحيد الذي يجيز للإنسان السعي للوصول إليها. ويعتبر أوغسطين أنه "لا يجوز للإنسان أن يحب الكرامة الزمنية ولا السلطة، لأن كل شيء تحت الشمس باطل، بل العمل الذي يعتبر الكرامة والسلطة أدوات له، العمل ذاته إن اختار العدل والمنفعة، أي خلاص المحكومين الذي يقره النظام الإلهي".

يُفهم مما سبق، أن السلطة في هذا السياق هي وسيلة لتحقيق الخير العام، مع أن هذا الأخير يجب أن يكون متوافقاً مع المبادئ الدينية، وليس وفق المنطق الوضعي المعروف في الفكر السياسي اليوناني أو الروماني. ويُمكن استخلاص ذلك من خلال اعتبار أن السلطة السياسية، لابد وأن تكون وسيلة لتحقيق الخلاص الإنساني، على أن يتم ذلك وفق ما يتناسب مع القيم والتعاليم الدينية، وليس اعتماداً على التوجهات الإنسانية. وبذلك يكون القديس أوغسطين قد ضيّق نطاق الخير العام، ليأخذ بعداً محدداً يُمكن قياسه عملياً، من خلال قياس التغير في القيم الاجتماعية السائدة، ومدى مطابقتها مع القيم والتعاليم المسيحية.

لا يُغفل أوغسطين في تصوراته حول السلطة السياسية، التعامل مع الواقع السياسي والاجتماعي الذي قد لا يتماشى بشكل كلي، مع التعاليم والنصوص الدينية المسيحية. فما سبقت الإشارة إليه من اعتبار السلطة السياسية، وسيلةً لتحقيق الخير العام أو الخلاص النهائي، هو افتراض لما ينبغي أن يكون أكثر من كونه وضعاً قائماً فعلاً، حتى في الدول التي تتخذ من المسيحية ديانةً رسمية وحيدةً لها. وفي كل الأحوال فإن السلطة ترتبط بالدولة، أو بمعنى عام ومجرد ترتبط بالمدينة الأرضية ذات الصفة الزمنية، والتي ستخضع في النهاية للسلطان الإلهي عند حلول يوم الدينونة (يوم الحساب بالتعبير المسيحي). حيث تحل المدينة السماوية الأبدية، محل كل أشكال الوجود أو التجمع الأخرى، وتنتفي بذلك كل المنازعات حول السلطة، مع انتفاء كل رغبة في الحصول على أي من الامتيازات المرتبطة بها.

وقبل تحقق ذلك فإن المسيحيين مواطني المدينة السماوية، وفقاً لتعبير القديس أوغسطين، سيكون عليهم طاعة القوانين، والسلطة السياسية السائدة في الدولة أو المدينة الأرضية. فقد جاء في كتاب مدينة الله أن "المدينة السماوية، أو بالأحرى هذا الجزء منها الذي يسير على الأرض، ويحيا بالإيمان...وطالما أنها تُطيل في مدينة السماء، حياة الأسر في مسيرتها الأرضية...وبما أنها تخضع للقوانين الأرضية التي تهتم بالمصالح الزمنية، فإنها تطيع دون تردد". وعليه فإن الطاعة واجبة للسلطة السياسية القائمة، استناداً إلى كونها تدبير إلهي لا يجوز لأي مسيحي معارضته، وفق ما جاء به القديس بولس. وكذلك لكونها ظاهرةً زمنية وليست أبدية، وبالتالي فإن مصيرها إلى الزوال لتحل محلها إرادة وسلطة أسمى منها، وهي السلطة الإلهية الأبدية من خلال مدينة الله. ويُعتبر ذلك تدقيقاً لتصور القديس بولس حول الطاعة المسيحية، حتى وإن كان كل منهما يتبنى نفس الموقف نسبياً من الخضوع للسلطة القائمة.

لا تتوقف التعديلات التي أدخلها القديس أوغسطين، على فكرة الطاعة المسيحية عند حدود الطبيعة الزمنية لظاهرة السلطة، فقد تمت مناقشة هذه الفكرة ضمن بعد جديد، يمثل في المفاضلة بين السلطتين الإلهية والزمنية. بمعنى آخر تحديد مدى إطلاقية الطاعة المسيحية، المتوجبة للسلطة السياسية المرتبة من عند الله، وفق الحدود التي تضمنتها تصورات القديس بولس. ويعتبر أوغسطين في هذا الصدد أنه "فيما يختص بهذه الحياة السريعة الزوال، والقريبة الأجل، ما همّ الإنسان الصائر إلى الموت، أن يعيش تحت هذه السلطة أو تلك، شرط ألاّ يجره القائمون عليها إلى أعمال ظلم وفساد". بمعنى أن الطبيعة الزمنية للسلطة السياسية، يُفقدها أهميتها بالنسبة للإنسان المسيحي، المقتنع بأن حياته الحقيقية لا تكون إلا في المدينة السماوية. غير أن ذلك لا يعني إطلاقية الطاعة وفق تصورات القديس أغسطين، حيث لا ينبغي طاعة السلطة التي تتعارض أحكامها، مع التعاليم والمعتقدات الدينية.

يرجع هذا الاختلاف النسبي بين أوغسطين والقديس بولس، إلى الاختلاف الجذري في البيئة الاجتماعية والسياسية، حيث تحولت المسيحية إلى ديانة رسمية، مع ضعف نسبي في قوة السلطة السياسية مقارنة مع فترة القديس بولس. وبالتالي فقد تحول الحاكم إلى مسيحي معني بكل الواجبات الدينية، والضوابط السلوكية التي يفرضها الدين على المؤمنين به، أي أن تجنب الظلم والفساد، هي واجبات الحاكم باعتباره مسيحي، وليس باعتباره ملزم بقواعد الحكم الصالح. ففي النهاية فإن الطبيعة الزمنية للسلطة السياسية، تلغي أهمية الشكل الذي يمكن أن تتخذه هذه الأخيرة، وتبقى أهميتها مرتبطة فقط بمدى التزامها بالحدود الدينية.

ثالثاً: الأوغسطينية السياسية أو التأسيس للفكر السياسي المسيحي:

سبقت الإشارة أعلاه أن أفكار القديس أغسطين، لم تكن تصورات لمفكر سياسي بقدر ما كانت أفكار لأسقف، عضو في المؤسسة الدينية الرومانية (كأسقف لمدينة هيبون/عنابة). وقد أخذ الأسقف على عاتقه مهمة الدفاع عن العقيدة المسيحية، في مواجهة اتهامات الوثنيين الرومان، المتمسكين باعتبار أن المسيحيين تمتعوا بحماية الإمبراطورية لقرون، دون أن يقدموا ما يتوجب عليهم للدفاع عنها. كما أن روما لاقت مصيرها المحتوم، بالسقوط تحت سيطرة القبائل القوطية سنة 476م، بسبب تراكم آثار تخلي الرومان عن ديانتهم الأصلية. وفي مقابل هذه الاتهامات فقد جاءت أعمال أوغسطين، من أجل شرح التراث والنصوص، وكذلك المعتقدات والمبادئ الدينية المسيحية، فيما يُشبه الحملة "الدعوية" إلى الإيمان، التي تدخل في صميم عمل رجل الدين.

وفي نفس السياق فقد اندرجت هذه الأعمال ضمن لاهوت الدفاع، وبالتالي فقد كانت الأفكار والآراء السياسية، كقراءات وتصورات ثانوية على هامش الموضوع الأساسي، وهو الموضوع الديني/اللاهوتي. لذلك فقد تميزت هذه الأفكار بنوع من الغموض في بعض الأحيان، والتردد في أحيان أخرى، خاصةً عند الحديث عن السلطة السياسية، والتي كانت سلطة ضمن البيئة الرومانية سلطةً مسيحية. وأهم الأمثلة على ذلك هو الإقرار بطاعة السلطة، بشرط ألا يكون ذلك سبباً في تحول المسيحي نحو الفساد والظلم، غير أن هذا المبدأ بقي بدون توضيح للموقف من السلطة الفاسدة. فإذا كانت هذه الأخيرة قائمة في المجتمع المسيحي فعلاً، فهل يُفهم من أفكار أوغسطين أنها دعوة للطاعة والصبر، أم لابد من مواجهة الفساد السياسي بالثورة والتمرد؟ رغم أن السياق العام لأفكار القديس أغسطين في كتاب مدينة الله، لا تتضمن أية إشارة إلى رفض طاعة السلطة السياسية الظالمة أو الفاسدة، بل على الأصح كانت رغم ذلك دعوةً للطاعة، مع التسليم بأن الله هو من يمنح السلطة للحاكم، وهو ذاته من يجرده منها.

لا ينفي هذا الوصف أهمية أفكار القديس أوغسطين، والتي ستؤسس في مراحل لاحقة تياراً فكرياً، يُعرف باسم الأوغسطينية السياسية L’Augustinisme politique. ويقوم هذا التيار على الأفكار السياسية التي تم وضعها، من طرف المفكرين السياسيين المسيحيين، على أساس أفكار مثل المدينتين الأرضية والسماوية، وكذلك دور الكنيسة كممثل لمدينة الله. وهو ما استندت إليه الأفكار السياسية خلال العصر المدرسي، من أجل إثبات سمو السلطة الدينية في مواجهة السلطة الزمنية، خاصةً أفكار القديس غريغوري السابع، وكذلك القديس توماس الإكويني. فقد استندت تصورات هذين المفكرين، على افتراض أوغسطين بانحصار الدولة بمضمونها السياسي ضمن نطاقها الزمني، عكس المدينة السماوية ذات الامتداد الأبدي.

إضافةً إلى ذلك فقد اعتبر أوغسطين أن الكنيسة هي بمثابة تجسيد لسفينة نوح، حيث جاء في كتاب مدينة الله أن "تلك السفينة التي سوف يخلص فيها، صورة واضحة لمدينة الله المسافرة في هذا العالم، أو للكنيسة المفتداة بالخشبة التي عُلِّق عليها الوسيط بين الله والناس". فالدور الذي أُنيط بسفينة نوح، هو نفسه الدور الذي تتولى الكنيسة القيام به، فكلاهما يُمثلان صورة أو مظهراً لمدينة الله، يتوقف عليها نقل الناس من الانتماء إلى مدينة الأرض، إلى الانتماء لمدينة الله، زيادة على مواطنتهم الأرضية.

بدأت ترجمة فكرة المدينتين وإعطائها مضموناً سياسياً، يرتبط بعلاقة السلطتين الزمنية والدينية، من طرف بابا الكنيسة الكاثوليكية جيلاسيوس الأول Gélase1er (؟-496م). فعلى خلفية بداية الصراع مع الإمبراطور البيزنطي، اعتبر جلاسيوس الأول في رسالته للإمبراطور البيزنطي، أن "هناك مبدآن ساميان يُحكم العالم بموجبهما: السلطة المقدسة للبابوات L’auorité sacrée des pontifes والسلطة السياسية الملكية Le pouvoir royal، وفي هذا الصدد فإن مسؤولية الأساقفة أكثر ثقلاً أمام المحكمة الإلهية، لأنهم سيُسألون حتى فيما يخص الملوك أنفسهم".

أي أن رجال الدين يتحملون أمام الله، مسؤولية أعمال الملوك باعتبارهم مسيحيين، وبذلك سيكون عليهم الخضوع لتوجيهات الكنيسة وليس العكس. وبذلك فقد منحت ترجمة جيلاسيوس لمبادئ القديس أغسطين اللاهوتية، مضامين سياسية أكثر وضوحاً من جهة، وجعلتها ذات نزعة هجومية من جهة ثانية. حيث لم يعد الأمر متوقف على تجسيد نظرية السيفين، أو الولاء المسيحي المجزأ بين سلطتين، كبديل لنظرية الطاعة المسيحية، بل تجاوز الفكر السياسي المسيحي هذه المرحلة، نحو إدخال السلطة السياسية ضمن السلطة السامية لرجال الدين. 

انطلاقاً مما سبق فإن الفكر السياسي للقديس أوغسطين، كان بمثابة أرضية انطلاق المدارس الفكرية المسيحية، من خلال نقل التراث الفكر اليوناني والروماني، إلى مفكري العصور الوسطى. وكذلك من خلال وضع الأسس الأولى التي سيعتمد عليها رجال الدين في تصوراتهم للظواهر السياسية، على رأسها ظاهرتي الدولة والسلطة. وذلك رغم التأثيرات التي مارستها النزعة الدفاعية على كتابات أوغسطين، وكذلك الوضع العام السائد في الإمبراطورية الرومانية خلال تلك المرحلة. فالنزعة الدفاعية (أو اللاهوت الدفاعي)، كان سبباً في التركيز على الجانب الديني في المقام الأول، وعليه فإن معالجة الظواهر السياسية، لم تكن إلا مواضيع ثانوية في أعمال أوغسطين.

كما أن الوضع السياسي العام، جعل من الدخول في مواجهة السلطة خياراً غير مجدي، ويضر بالقضية الأساسية أي الدفاع عن المسيحية. خاصةً وأن أغسطين تبنى مبدأ إعادة المسيحيين المرتدين، وكذلك محاربة الهرطقة والأحاد، عن طريق الاستعانة بالقوة التي تمتلكها السلطة السياسية/الزمنية. وعليه لم يكن من المقبول أن يعتبر أوغسطين، أن السلطة السياسية تحتل مرتبة أدنى من سلطة الكنيسة، ثم يطلب مساعدتها وتدخلها في المسائل الدينية، التي تقع أساساً في قلب اختصاصات سلطة رجال الدين.


آخر تعديل: Friday، 15 March 2024، 10:16 PM