نقد الجمهورية: الفكر السياسي الأفلاطوني في محاورة السياسي
تمهيــــــــــــــــد:
لم تنجح أفكار أفلاطون المتضمنة في محاورة الجمهورية، في إحداث التغيير المطلوب على المستوى القيمي أولاً، ثم على المستوى السياسي في مرحلة ثانية. فالشعوب اليونانية لم تتعود على مثل هذه النماذج، خاصة ما يتعلق منها باستبعاد القانون، استبعاد التنظيم الاجتماعي التقليدي...إلخ. وقد يرجع ذلك أيضاً إلى التأثير الذي مارسته الأفكار السياسية الأخرى، التي تقدم تصورات مناقضة للظواهر السياسية، وكيفيات الاستجابة لها، ويظهر تأثير السفسطائيين كأبرز الأمثلة في هذا الصدد.
انطلاقاً من ذلك فقد قدم أفلاطون بديلاً مؤقتاً، يُحاول من خلاله، جعل أفكاره السياسية أكثر تلاؤماً مع الوضع السياسي القائم، ويظهر ذلك في محاورة جديدة حملت اسم السياسي. وبتعبير آخر محاورة الملكي Royal، من باب الكناية عن العلم الملكي، أو علم السياسية، اعتماداً على أسلوب الجدل المستهدف الوصول إلى حقيقة الأشياء. وخلال هذه المحاورة تراجع أفلاطون عن بعض أفكاره، أو على الأقل فقد اعتبرها أن الظروف القائمة، لا تسمح بملاءمة تلك الأفكار مع مجتمعات المدن اليونانية. ومن بين الأفكار التي تعرضت للمراجعة، مواقفه السابقة من القانون والمتضمن في محاورة الجمهورية، حيث يظهر في هذه المرحلة إعادة الاعتبار للقانون، في انتظار توفر الوضع الأمثل لتعويضه بفضيلة الحاكم الفيلسوف. ففي محاورة السياسي يعتبر أفلاطون أنه "من الشر الخطير جداً، والمصيبة الحقيقية أن نرى الناس المجتمعين في شعب، يقومون بمطاردة المعرفة والكفاءة، ويفضلون عليها الحروف المكتوبة بشكل نصوص صاغوها على غير هدى، وأن نراهم خاصة يقدمون للمحكمة، ويحكمون بالموت على الذي يعرف ويمتلك العلم كما فعلوا بسقراط".
1. العلم الملكي: تأسيس علم السياسة:
يندرج الحديث عن عم السياسة، في الفكر السياسي الأفلاطوني في محاورة السياسي، ضمن إقرار الوضع الانتقالي البديل، والذي من شأنه أن يحل محل البرنامج السياسي والأخلاقي المتضمن في محاورة الجمهورية. ففي البداية شكلت الفلسفة أو المعرفة بشكل عام، مصدراً للقيمة الأخلاقية، وأساساً للتنظيم الاجتماعي والسياسي للدولة، كبديل للقانون ومفهوم العدالة المرتبط به. غير أن غياب بيئة فكرية وسياسية، ملائمة لمثل هذه الأفكار، دفع أفلاطون إلى تبني موقف مغاير من المعرفة الفلسفية. وبناءً على ذلك فقد توجه أفلاطون، نحو التأسيس لنوع بديل من المعرفة، يُمكنه أن يتلاءم مع الظرف السياسي والاجتماعي القائم، والازدواجية الفكرية التي لجأ إليها أفلاطون.
تتمثل الازدواجية الفكرية في الفكر السياسي الأفلاطوني، في استمرار الاعتقاد بصحة المبادئ والأفكار، المتضمنة في محاورة الجمهورية، مع التسليم من جهة ثانية بعدم تلاؤمها مع الظروف السياسية، الاجتماعية والفكرية القائمة في المجتمع اليوناني القديم. وعلى هذا الأساس فقد استمر أفلاطون في تبني المثل العليا لمحاورة الجمهورية، وعلى رأسها سمو حكم الملك الفيلسوف، مقارنة مع مختلف أشكال أنظمة الحكم القائمة. غير أن عدم وجود فرصة لقيام مثل هذا النظام، يتطلب إيجاد معرفة جديدة تهتم بالشأن السياسي، وهو ما يُعتبر بداية تشكيل ما سيُعرف لاحقاً بعلم السياسة في الفكر السياسي اليوناني. وعليه فإن علم السياسة، هو أحد أوجه المعرفة المشتقة عن الفلسفة، يُحتكم إليه لمعرفة الطريقة المثلى لإدارة الجماعة (خاصةً الدولة). وهذا الارتباط بين هذا المجال المعرفي، واعتباره الدليل العملي للملوك لحكم الدول، هو ما أكسبه تسمية العلم الملكي.
يُشكل علم السياسة في محاورة السياسي، الشكل الثاني من المعرفة كما يُعرفها أفلاطون، لا ترتبط بشكل خاص بالقيم والمثل (الخير والشر/الخطأ والصواب)، بل ترتبط بشكل خاص بإدارة الجماعة الإنسانية. فقد قام الفكر السياسي الأفلاطوني، على مبدأ أساسي مفاده أن إدارة الأسرة لا تختلف بشكل جوهري عن إدارة المدينة/الدولة، وعلى هذا الأساس فلا يوجد فرق جوهري بين رب الأسرة، ورجل الدولة أو الملك من جهة أخرى. وعلى ذلك فإن إدارة الجماعة الإنسانية، تحتاج إلى شكل مختلف من المعرفة، عن تلك التي يحتاج إليها نظام الحكم في المدينة العادلة (نموذج الجمهورية). ورغم الاختلاف بين طبيعة كل شكل من أشكال المعرفة (الفلسفة وعلم السياسة)، إلا أنهما يُشكلان قسمين متكاملين للمعرفة.
تعتمد الفلسفة كشكل أسمى للمعرفة، الضرورية لضمان الفضيلة في ممارسة السلطة السياسية، على منهج تجريدي عقلي، يستهدف في نهاية المطاف إلى التوصل لمعرفة جهر الأشياء (الخروج من الكهف). وهو وجه الاختلاف الجوهري مع العلم الملكي، الذي تضمنت محاورة السياسي حديثاً مفصلاً عنه، دون الوصول إلى تعريفه بشكل جوهري. فقد بدأت محاورة السياسي بالتساؤل، عن طبيعة رجل الدولة، أي ما إذا كان في حقيقته فيلسوفاً (سوفوقراطي) أم سفسطائي. والجواب عن هذا التساؤل سيوضح المنهج الذي يختلف فيه علم السياسة، عن المعرفة الفلسفية، التي تضمنها نظام التعليم في محاورة الجمهورية.
إن اعتبار رجل الدولة بمثابة السفسطائي، يُشر إلى وجه الشبه بين منهج علم السياسة، والمنهج الذي يستعمله السفسطائيون في أثينا (اليونان القديمة بشكل عام). ويرتبط وجه الشبه بالجدل، والذي يتم خلاله مناقشة الفكرة أو القضية بنقيضها أو بتعبير آخر بنفيها، رغم وجود اختلاف جوهري بين المفهوم الأفلاطوني والسفسطائي للجدل. غير أن أفلاطون لا يتبنى المنهج الجدلي وفق الأسوب السفسطائي، لأنه يهدف إلى تحقيق مصالح شخصية، من خلال الانتصار في المناقشات السياسية العامة. وفي المقابل يعتبر أفلاطون أن الجدل كأساس للمعرفة السياسية، هو المنهج السقراطي في إنتاج المعرفة بشكل عام، من خلال محاولة نقد المعارف العامة المنتشرة، حول الظواهر السياسية والاجتماعية.
وعليه فإن اعتبار علم السياسة كمعرفة عملية، لا يفترض أنها تقوم على التجربة الحسية، أي استخدام المناهج التجريبية، بل عن طريق تأكيد أو نفي صحة الأفكار، من خلال مواجهتها بأفكار مضادة لها، أو بتعبير آخر مقابلة الحجج الموضوعية البعيدة عن المصالح الذاتية، بحجج تُماثلها في الموضوعية والبعد عن الذاتية، ومناقضة لها في المضمون.
2. إعادة الاعتبار للقانون:
اعتبر اليونانيون القدماء أن الخضوع للقانون، هو الفرق الأساسي بين المتحضرين والبرابرة، فبقية الشعوب الهمجية قبلت بالخضوع لشخص واحد، تماماً كما فعلت الشعوب الفارسية. في حين يرفض اليونانيون الخضوع للفرد الواحد، المستند إلى إرادته المنفردة، حتى ولو كان فيلسوفاً يحوز على أرقى درجات المعرفة وبالتالي الفضيلة. فالمشكلة لا تكمن في شخصية الحاكم وخصائصه النفسية، وفضائله الأخلاقية، بل تكمن أساساً في مبدأ رفض الخضوع لحكم الفرد. فالأنظمة الملكية لم تكن منعدمة في المدن اليونانية، لكنها في نفس الوقت كانت مستندة إلى أحكام القوانين والدساتير، ولا تتأسس الملكيات على الحكم الفردي المطلق.
يعتبر أفلاطون أن الناس بدون قوانين لا يختلفون عن أشد الحيوانات وحشية، غير أنه إذا ظهر حاكم كفء انتفت الحاجة إلى اللجوء إلى القوانين، حيث لا يُمكن أن توجد شرعية أعظم من شرعية المعرفة. وبالتالي فإنه يعتبر أن المشكلة لا تكمن في محاورة الجمهورية التي استبعدت القوانين، بل في التقاليد السياسية الراسخة في المدن اليونانية، والتي لم يكن ممكناً لها التخلي عن القانون بسهولة. وعليه فإن الفشل في إحلال الفضيلة محل القانون، يعني أنه لابد من تفادي بقاء الدول بدون قوانين تحكمها، على ما تتميز به هذه القوانين من شر ونقص. فرغم اعتباره رفض تأسيس المدينة على أساس الفضيلة والعدالة، إلا أنه يعتبر أنه من السيئ الحكم بغير الفضيلة، لكنه من الأسوأ ممارسة السلطة بدون قانون. ويذهب إلى القول بأن أسوأ الأشياء هو الرئيس الوحيد الذي يتصرف بدون أن يأخذ بالاعتبار القوانين والأعراف والذي يتذرع...بالخير العام، من أجل من أجل انتهاك القواعد القائمة.
إن استعادة القانون كآلية لتسيير الدولة (الدينة) والمجتمع، يجب ألا تتجاهل المبدأ الأساسي، الذي تقوم عليه محاورة الجمهورية، حتى في حالة عدم توفر الظروف الكافية لتجسيدها كلها. وفي هذا الصدد فإن القانون، لا يجب أن ينفصل عن المعرفة، باعتبارها طريق نحو الفضيلة، ويتحقق ذلك بدفع المواطنين نحو إدراك الغاية من التشريع، أو تغيير القوانين السارية. أي أن اعتماد القانون كبديل مؤقت للمعرفة، لا يكون بالاحتكام إلى القهر أو العنف، حيث يتوجب على المشرعين الذين يضعون القوانين أو يغيرونها، أن يشرحوا لأفراد المجتمع الأسباب الكامنة وراء تشريع قوانين جديدة. كما يتوجب عليهم شرح المضامين الجديدة للقوانين، وكيفية تطبيقها في المجتمع، حتى يُمكن الاحتكام بكل أريحية للمبدأ القانوني، القائل بلا عذر لجاهل القانون.
يُشبه أفلاطون هذه الحالة، بالعلاقة القائمة بين الطبيب والمريض الذي يُشرف على علاجه، والتي لا يُعتمد فيها على الإكراه أو الفرض. فالطبيب يُمكنه تغيير العلاج الذي يصفه للمريض، بناءً على تطور الوضع الصحي للمريض، وينبع ذلك من معرفته بالعلوم الطبية، بما يفوق معرفة غيره. غير أن ذلك لا يُعفي الطبيب بأي حال، من الواجب المني والأخلاقي، في وشرح الأسباب الكامنة وراء هذا التغيير، وكذلك إعلامه بالنتائج المحتملة. فتمتع الطبيب وكذلك المشرع بالسلطة، لا يُعفيهما من مسؤولية الشرح والإقناع، وعدم المبادرة باستعمال القهر والعنف.
3. الأنظمة السياسية:
يقسم أفلاطون النظم السياسية أو الدساتير، إلى مجموعتين أساسيتين، تضم الأولى الدساتير الكاملة، بينما تضم الثانية الدساتير أو الأنظمة غير الكاملة أو الناقصة. ويقتصر وصف الدساتير الكاملة وفق تصور افلاطون، فقط على النظام السياسي المتضمن في محاولة الجمهورية، القائم على سلطة الفلاسفة، المستندة إلى الفضيلة والمعرفة. أما الدساتير الناقصة غير المكتملة، فهي تُصنف حسب اقترابها من المبدأ العام لنموذج الحاكم الفيلسوف. وتتمثل هذه الأنظمة بشكل تقليدي في: أنظمة الفرد، أنظمة الأقلية، وأنظمة الأغلبية، والتي تنقسم بالنظر إلى معياري القانون والخير العام إلى أنظمة صالحة وأخرى فاسدة. رغم أنها جميعاً تشترك في مجالاً لنشاط الوصوليين والسفسطائيين، وكذلك المتملقين والمخادعين، وبالتالي فهي تبقى بعيدة على الفضيلة.
يقول أفلاطون في هذا الصدد أن "الدنو الأقرب الذي تستطيع أن تبلغه أبداً، أشكال الحكومات الأدنى، لذلك الذي لدى الحكومة الحقيقية للحاكم الواحد العالم، إن هذا الدنو هو ألا تفعل الحكومات الأدنى شيئاً معاكساً لقوانينها المكتوبة الخاصة، وعاداتها الوطنية".
- أنظمة الأقلية: الأرستقراطية والأوليغارشية:
لم تتغير نظرة أفلاطون كثيراً حول أنظمة الأقلية، فقد كرر تصوراته حول الأرستقراطية والأوليغارشية، والتي تضمنها كتاب الجمهورية. مع تعديل أساس النظام. فالأرستقراطية تأخذ صفة الأقلية الميسورة مادياً، والعريقة من حيث الانتماء الأسري، وبالتالي لم تعد أقلية من الفلاسفة الذين يُمارسون السلطة بناءً على فضيلتهم المكتسبة بالمعرفة. وبالابتعاد عن الفضائل الارستقراطية، التي تدفع إلى خدمة المصالح العامة، تفتقد هذه الأقلية لكل المؤهلات لممارسة السلطة، والتي ستنحصر فقط في الثروة. ويُعرف أفلاطون أنظمة الأقلية الصالحة والفاسدة، بدلالة اقترابها من المبادئ الأساسية لمحاورة الجمهورية، أي الفضائل المؤسسة للسلطة السياسية. ويعتبر أنه "عندما يُقلد الأغنياء شكل الحكومة الحقيقية، تُسمى هكذا حكومة ارستقراطية،وعندما يُقلدونها بدون مراعاة القوانين تُسمى أوليغارشية". وبذلك تتحول سلطة الأقلية إلى الطابع الأوليغارشي، الذي يستهدف زيادة الثروة الشخصية، على حساب الخير العام، الذي يُشكل الهدف الأساسي للقوانين. مع ذلك فقد اعتبر أفلاطون أن الأوليغارشية كما الارستقراطية، هي أثر الأنظمة اعتدالاً، سواءً في شلها الصالح أو حتى الفاسد، حيث يعتبر أن "حكومة الأقلية يجب اعتبارها وسطاً في الخير والشر".
- أنظمة الفرد: الملكية والطغيان:
يعتبر أفلاطون أن النظام الملكي هو أحسن الأنظمة السياسية القائمة، على اعتبار أنه يقوم على سلطة الفرد القوي، الساعي إلى خدمة المصلحة العامة، والمقيد بالقانون. فقد جاء في محاورة السياسي أنه "عندما يحكم الفرد طبقاً لقانون في تقليد لمن يعرف، نسميه نحن ملكاً، مادام يحكم طبقاً للقانون،..سواءً أكان يحكم هو بالرأي أو بالمعرفة". وبالتالي فإن هذا النظام يكون أبعد عن الطغيان من جهة، وكذلك عن إزالة الفوارق الطبيعية بين الناس، والتي تعتبر أهم خصائص النظام الديمقراطي، القائم على المساواة بين أفراد المجتمع.
وفي مقابل النظام الملكي يظهر نظام الطغيان، القائم على استبعاد القانون كلياً، مع تسخير السلطة والدولة ككل لخدمة المصلحة الخاصة، أو المصالح الضيقة لمن يتولون السلطة إلى جانب الطاغية. حيث اعتبر أفلاطون في محاورة السياسي، أنه "عندما لا يحكم الفرد بالقانون والعرف، بل يقتفي خطوات إنسان العلم الحقيقي، متظاهراً أنه يفعل للأفضل فقط بانتهاكه للدستور، ينما تكون شهوات الطعام والجهل، بواعث التقليد في القيقة، ألا يُمكن لهذا الشخص أن يُدعى مستبداً". وانطلاقاً من ذلك يخلص أفلاطون أن الملكية كشكل صالح للنظام السيسي، هي أفضل أنواع الحكومات، وفي مقابل ذلك يكون الاستبداد ضمن أسوأ أشكال الأنظمة السياسية.
- أنظمة الأغلبية: الديمقراطية والغوغاء:
على عكس ما ورد في محاورة الجمهورية، عرف موقف أفلاطون من النظام الديمقراطي تغيراً نسبياً، مع الاحتفاظ بالموقف العام. أي أن النظام الديمقراطي لم يعد يُنظر إليه فقط بالمقارنة مع الأنظمة الصالحة، بل تتم مقارنته كذلك بالأنظمة الفاسدة. وعليه يعتبر أفلاطون أن الديمقراطية ما زالت أسوأ الأنظمة الصالحة، لكنها في المقابل ستكون أحسن من العيش في ظل نظام فاسد. ويقول في هذا الصدد، أنه إذا كانت كل الأشكال غير منتظمة، فإن الحياة الأفضل تكون في الديمقراطية. أما إذا كانت كل الأشكال منظمة جيداً، فإن الديمقراطية هي الشكل الأخير الذي سنختار العيش فيه.
ينبع موقف أفلاطون من النظام الديمقراطي، من كيفية الوصول إلى السلطة، وكذلك كيفية ممارستها بشل عام. فيعتبر أفلاطون أن "حكومة الأكثرية [الديمقراطية] هي في جهة ضعيفة، وغير قادرة لى أن تفعل أي خير عظيم، أو أيشر عظيم، عندما تُقارن بالحكومات الأخرى. فالمناصب فيها تُقسم إلى أجزاء صغيرة بشكل جزئي، ويشغلها عديد كُثر، لذلك فهي الأسوأ من كل الحكومات القانونية، والأسوأ من كل الحكومات الفوضوية".
ويظهر انظام الغوغاء، أو ما وصفه أفلاطون باسم الأكثرية الفوضوية، كأحد أسوأ أشكال الأنظمة السياسية على الإطلاق. فهو يُضيف إلى مساوئ النظام الديمقراطي، مساوئ أخرى ترتبط بغياب الفضيلة، وممارسة الحكم بيداً عن السعي لتحقي لخير العام، وبعيداً عن خصائص الحكم الدستوري.
رغم أن الهدف من محاورة السياسي، كان إيجاد بدائل مؤقتة لسد الفجوة القائمة، بين البيئة السياسية والاجتماعية السائدة من جهة، والأفكار المتضمنة في محاورة الجمهورية من جهة ثانية. إلا أن هذه المحاورة تحولت إلى تمهيد من أجل التخلي الكلي عن الأفكار السياسية التي دارت حول المدينة العادلة، وهو ما ظهر من خلال محاورة القوانين، التي تُعتبر آخر المؤلفات السياسية لأفلاطون.