موسكا وصياغة جديدة لمفهوم الطبقة الحاكمة:

• يتفق موسكا مع باريتو حول الطبقة الحاكمة كمفهوم للإشارة إلى تلك الفئة من الناس التي تتحكم في زمام القوى والتحكم في المجتمع، فمفهوم الطبقة الحاكمة عند موسكا يندرج ضمن محاولات تفريغ مفهوم الطبقة الحاكمة بالمعنى الماركسي ومضمونه الاقتصادي-المادي، نحو تقديم تفسير جديد يوسع من نطاقه.

مفهوم الطبقة الحاكمة عند موسكا، ليست جماعة ذات مصالح رأسمالية، مثلما ذهب إليه ماركس، وإنما يشير إلى أقلية تحكم أغلبية من الأفراد، وهو ما يقربها من مفهوم الصفوة عند باريتو، حيث يشير موسكا إلى أن المجتمع ينقسم إلى فئات جماهيرية محكومة وأقلية حاكمة، أطلق عليها موسكا ''الطبقة الحاكمة''،

• يذهب موسكا إلى نفس التصور الذي حدده باريتو للنخبة، لاعتباره أن هذه الطبقة تستمد وجودها من ما تملكه من خصائص ذات قيمة عالية من وجهة نظر الأفراد في المجتمع (العلم، الجاه، الأخلاق، الثروة، المكانة الدينية، الاهتمام بالصالح العام، القوة والتحكم في السلطة العسكرية، القدرة التنظيمية،،،).

• أكد موسكا على أن خاصية ''القدرة التنظيمية'' أهم الخصائص السالفة الذكر، لأن قوة الطبقة الحاكمة تنبع من كونها ''أقلية منظمة'' في مواجهة ''أغلبية غير منظمة'' أو تفتقر لإطار ينظمها،

• يذهب موسكا إلى أكثر من ذلك عندما أكد على أن كبر حجم المجتمع واتساعه لا يؤدي إلى مزيد من مشاركة الاغلبية في السلطة، بل العكس من ذلك، كلما ازداد حجم المجتمع واتسع نطاقه، مال حجم الاقلية الحاكمة إلى الصغر، كلما ضعفت فرص الأغلبية في المشاركة، ويصور موسكا هذه الفرضية كأنها قانون عام يحكم سلوك البشر دائما في كل زمان ومكان، وهذا ما يخلق حسب موسكا:

- قانون سيكولوجي عام: يميل فيه البشر إلى النضال من أجل التفوق، مما يؤدي إلى تفوق البعض على البعض الآخر.

- الاستعداد النفسي: لدى البشر رغبة في التفوق على الآخرين، مما يؤدي إلى تفوق الأقلية على الأغلبية.

• إذا موسكا، الذي يعتبر الطبقة الحاكمة هي الاقلية المنظمة التي تتحكم في زمام الامور في المجتمع، يرى ايضا ان تفوقها ليس فطريا وإنما ينبع من عوامل اجتماعية مثل الظروف الاسرية والوضع الاجتماعي والثروة؛ والاستعداد النفسي يتدعم من خلال العوامل التي أشرنا إليها.

• يرى موسكا أن هذه الاقلية التي تتميز بقدرة تنظيمية عالية تمكنها من الوصول إلى الحكم، تسعى فيما بعد دائما لخدمة مصالحها بتوجيه قدراتها التنظيمية، مما يؤدي إلى انفصالها عن المجتمع، فتنسى المصالح العامة التي كانت تدافع عنها في البداية.

• يشير موسكا أيضا إلى أن هذه الأقلية التي تحاول أن تستمر في الحكم وتدوم من خلال السيطرة على القوى الاجتماعية المختلفة مثل الجيش والاقتصاد والسياسة، قد تستخدم أساليب مختلفة تابعة من قدرتها التنظيمية، (كالدخول في الانتخابات في النظم الديمقراطية، واستخدام ما لديها من مصادر فكرية وأسرية واقتصادية ودينية في النظم الأخرى).

• وبالتالي القوة أو القدرة التنظيمية التي تمكن الأفراد أعضاء الأقلية الحاكمة أو الصفوة الحاكمة من الوصول إلى الحكم، لا يكفي لاستمرارها في الحكم واستقرارها، فهي تحتاج إلى جهود أخرى غير قدرتها التنظيمية، واللجوء إلى الاعتماد على مجموعة من المبادئ الأخلاقية العامة، التي تلقى قبولاً لدى الجماهير.

• ولاشك أن مجموعة المبادئ العامة التي أشار إليها موسكا هنا تشكل أيديولوجية الدولة، ولكنه لم يستخدم مفهوم الأيديولوجيا، وإنما استخدم مفهوم ''الصيغة السياسية''.

مفهوم الصيغة السياسية عند موسكا والذي يقترب من مفهوم الأيديولوجيا الذي استخدمه ماركس ، يشير إلى ''مجموعة الأسس التي تستند إليها الدولة في تدعيم استمرارها واستقرارها''، وتختلف الصيغ السياسية التي تستخدمها الحكومات باختلاف الفترات التاريخية (فكرة الحق الإلهى للملك، القومية والليبرالية).

• ومن هذا المنطق يمكن التعرف على نظرية موسكا في التغير السياسي القائمة على فكرة أنه لا تستمر أي صيغة سياسية للأبد، بظهور أفراد من الطبقات الدنيا يسعون إلى الوصول إلى الحكم، حيث تشكل هذه الفئة "الأقلية الموجهة" دولة داخل الدولة، تمارس (هذه الأقلية) تأثيرًا كبيرًا على الجماهير يفوق ذلك الذي تمارسه الطبقة الحاكمة.

• وملخص كل ذلك، أن:

- الصراع السياسي: يتبلور حول مصالح الجماعات المتصارعة، مثل الليبراليين والبيروقراطيين والأرستقراطيين. • الوصول إلى الحكم: يتطلب تنظيمًا داخليًا وترابطًا كأقلية.

- الاختلاف عن ماركس: الصراع بين صفوات وليس طبقات، ولا يرتبط بالاستغلال الاقتصادي. • مفهوم الطبقة الحاكمة: واسع ومرن، ويعتمد على ركائز ذاتية وموضوعية.

- تركيز على النخبة: لا يشير موسكا إلى دور الجماهير في الصراع على السلطة. • تحليل غير شامل: لا يُقدم موسكا تحليلاً شاملاً لجميع عوامل الصراع السياسي.