فلفريدو باريتو ونظرية دورة الصفوة:

باريتو أول من استخدم مفهوم الصفوة (Elite) في دراسة طبيعة الجماعات الحاكمة والأسس التي تستند إليها في الحكم والأسلوب الذي تتغير به هذه الجماعات وتتبدل، ويمكن فهم نظرية الصفوة/النخبة لدى باريتو، بفهم نظريته في المجتمع عامة:

• لقد نظر باريتو إلى المجتمع على أنه نسق في حالة توازن، يتكون من مجموعة من العناصر المتوازنة التي تكون نسقه الكلي:

- العناصر الفيزيقية (كالتربة، المناخ، النبات، الحيوان،،، إلخ)، والعناصر الخارجية (المجتمعات الاخرى التي تتفاعل مع المجتمع)،

- ثم العناصر الداخلية (التي تتضمن السلالة والعواطف والمشاعر والايديولوجيات)،

- وقد كان باريتو ينظر إلى هذه العناصر أنها تتفاعل في منظومة واحدة، ولكنه أولى اهتماما خاصا للعوامل الداخلية الاخيرة، بتأكيده على أن هذه العناصر تشكل نسقا سلوكيا يمكن دراسته من خلال الافعال التي يأتيها الأفراد.

• أكد باريتو من خلال دراسته لهذه العوامل الداخلية أن المصالح والرغبات والرواسب والمشتقات تتجمع في نمطين للفعل الاجتماعي: أفعال منطقية وأخرى غير منطقية، حسب باريتو:

- الفعل المنطقي (logical-action) هو نموذج مثالي غير موجود في الواقع، يتحكم فيه العلم والمنطق، ولا يتأثر بالعواطف والمشاعر أو المصالح.

- الفعل غير المنطقي (non-logical-action)، هو النمط السائد في الواقع، تتحكم فيه العواطف والمشاعر والمصالح والايديولوجيات، يبرر بأفكار ومشتقات متغيرة،

• ولكي يوضح باريتو الأسس التي يستند إليها الفعل غير المنطقي، استخدم باريتو مفاهيم الرواسب (Rsiduese) والمشتقات (Derivations):

- الرواسب: تشير إلى مجموعة من العناصر الثابتة والمستقرة التي تشكل الدوافع والمشاعر والعواطف الكامنة وراء الفعل غير المنطقي، حيث يشبه باريتو هذه السمات الثابتة بالنظريات غير العلمية التي تحكم هذا النوع من الفعل.

- المشتقات: فهي الجوانب المتغيرة، التي تشير إلى مجموعة من الأساليب التي يبرر بها البشر أفعالهم ويشرحونها، فهذه التبريرات والافكار التي تشبه الأيديولوجيات المستخدمة لتبرير أفعال الناس، تتغير بتغير الظروف.

• أكثر الرواسب ارتباطا بنظرية باريتو في الصفوة/النخبة(1)، هما رواسب التكامل ورواسب استمرار الجماعات، حيث ترتبط رواسب التكامل: بالميل نحو الاعتماد على المهارات والقدرات (الذكاء، الخبرة، القدرة على التكامل والتواصل مع الغير، إلخ) نحو تحقيق الغايات؛ أما رواسب استمرار الجماعات: فترتبط بالميل نحو التصلب واستخدام القوة والرغبة في الدخول في ''الصراع'' المفتوح؛

• ويرى باريتو أن وجود هذين النوعين من الرواسب يخلق في بناء المجتمع الداخلي فيما يسميه ''التوازن الاجتماعي''، فهذه الرواسب تؤدي إلى خلق التوازن بين من يملكون رواسب التكامل ومن يملكون رواسب الاستمرار، والفوز هنا مرهون باستخدام ما لدى الجماعة من قدرات رواسبية، وفي سياق تحليله هذا.

• قسم باريتو المجتمع إلى فئتين من الناس:

- اللاصفوة (Non-Elite): التي تمثل الشريحة الدنيا (low-stratum) الصفوة (Elite): التي يعمل بعض اعضائها في السياسة وأمور الحكم فيشكلون صفوة حاكمة وبعضها يعمل في مجالات النشاط غير السياسي، أي أنهم من الصفوة يؤثرون ولا يحكمون.

- أما عن دورة النخبة/الصفوة (circulation-of-Elites): ففي هذه الدورة يرى باريتو ان الصفوة الحاكمة التي تنقسم إلى فئة أقدر على استخدام وسائل الخداع والذكاء (سماها جماعة الثعالب)؛ وجماعة أخرى تستخدم العنف والقوة لأنها تمثل رواسب الاستمرار(وسماها الاسود) لا تتربع على السلطة والحكم للأبد، ولكن يتشكل صراع بين الفئتين، فيتشكل ما يسمى بتداول النخب بين النخبة الحاكمة التي تشمل الاشخاص المعنيين بالحكم يلعبون أدوارا ولهم مكانة سياسية مرموقة في المجتمع؛ والنخب غير الحاكمة التي تشمل الاشخاص الذي ليس لهم علاقة بالحكم ولا يشغلون مناصب في الدولة ولكنهم يحتلون مكانا مرموقا في المجتمع ويؤثرون بطرق مختلفة. ملخص نظرية باريتو في دورة النخبة/الصفوة:

• أن النخبة الحاكمة تتكون من فئتين:

- الثعالب (يعتمدون على الخداع والذكاء)، و الأسود (يعتمدون على العنف والقوة)، ولكن لا تبقى أي نخبة حاكمة في السلطة للأبد، فهناك صراع بين الثعالب والأسود، وهو ما يؤدي إلى تداول النخبة، ويرى باريتو في هذا الشأن أن دورة النخبة تحدث لأن هناك مجموعة من العوامل التي تساهم في تدهور النخبة(الفساد، عدم الكفاءة، فقدان الثقة) إلى غير النخبة وقد ترتفع غير النخبة إلى مستوى النخبة (الذكاء، القدرة، الدعم الشعبي).

ويرى باريتو أن يرى باريتو أن دورة النخبة ضرورية للحفاظ على التوازن في المجتمع. لذلك فإن الباحثين في علم الاجتماع السياسي يجمعون على أن فلفريدو باريتو يميل فكره أكثر إلى الأساس النفسي في تأصيله لنظرية الحكم، ويرى أن الصفوة التي تحكم، تستخدم ما لديها من رواسب استخداما جيدا، وبالتالي قام باريتو باستبدال في التحليل الحتمية الاقتصادية الماركسية بحتمية نفسية، أي أساس سيكولوجي.