رايت ميلز ونظرية صفوة القوة:

• قدم ميلز تحليلًا نقديًا لبناء القوة في المجتمع الأمريكي في منتصف القرن العشرين، معتبراً أن النظرية الماركسية غير كافية لفهم السياق المعاصر. وفي ذلك السياق ركز على أهمية التحكم السياسي والعسكري، وتنوع الفئات والطبقات، وظهور أشكال جديدة من الاستغلال، مثل الاستغلال النفسي.

• ميلز الذي اعتقد أن الماركسية التي لم تعد قادرة على استيعاب الرأسمالية المعاصرة وأنها تحتاج إلى أدوات اخرى لفهمها، ولم يقبل بمفهوم الطبقة الحاكمة ووجه بعض الانتقادات أهمها نذكر:

- مفهوم الطبقة الحاكمة مفهوم اقتصادي لا يستوعب التحكم السياسي والعسكري.

- لا يجب رد مجالات التحكم والسيطرة المتعددة إلى التحكم الاقتصادي فقط.

- الجماعة السياسية الحاكمة ليست جماعة اقتصادية بالضرورة.

- الدولة ليست أداة في أيدي الطبقة البرجوازية، خاصة في ظل ظروف الرأسمالية المعاصرة،

لذلك، فقد شكك ميلز في الفكرة الماركسية بأن المجتمع منقسم إلى فئتين/طبقتين فقط، فبفعل مجموعة التغيرات التي مست بنية المجتمع، لاحظ ميلز خلال دراسته للمجتمع الامريكي:

- ظهور فئات جديدة وطبقات جديدة، أهمها الطبقة الوسطى والجماعات العسكرية والسياسية؛ تغير أسس التحكم السياسي؛ تشعبت (أو تنوع الفئات و) الطبقات على أثر النمو البيروقراطي؛ الجماعات المهنية تشغل حيزًا كبيرًا في المجتمع.

ميلز الذي استمر في انتقاد تركيز الماركسية على الاستغلال الاقتصادي فقط، اشار إلى وجود أشكال جديدة أخرى من الإستغلال، مثل الاستغلال النفسي، واعتبر أن وسائل الإعلام تلعب دورا هاما في هذا النوع من الاستغلال في ظل تطور اساليب التحكم ووسائل الاتصال الجمعي وغيرها.

وإزاء هذا النقد وجه ميلز دراساته للتعرف على خصوصية النظام الرأسمالي الأمريكي وأساليب التحكم السياسي الذي ظهرت فيه، وقد اعتبر ميلز أن:

- النظرية الماركسية غير كافية لفهم خصوصية النظام الرأسمالي الأمريكي. ففي الوقت الذي ركزت النظرية الماركسية على فهم دور الطبقة العاملة في تحقيق الثورة، اعتبر ميلز أن الطبقة العاملة في أمريكا قد تم دمجها في النظام الرأسمالي وفقدت قدرتها على الثورة.

- درس ميلز تطور الطبقة العاملة الأمريكية في دراسته عن قادة العمال عام ١٩٤٨، ومن النتائج أنه وجد أن قادة العمال يتطلعون إلى مكانة في الصفوة القومية بدلاً من نقد النظام الرأسمالي، وهو ما اعتبره ميلز تطورا يرجع إلى تأثير الرأسمالية الجديدة على الطبقة العاملة.

• ميلز الذي درس الطبقة الوسطى في كتابه "ذوي الياقات البيضاء" عام ١٩٥١، استطاع أن يرصد في هذا الكتاب التغير الذي طرأ على الطبقة الوسطى القديمة التي تحولت من صغار المنتجين والتجار إلى موظفين وفنيين،

• استطاع ميلز أن يكشف عن التغير الذي طرأ على الظروف التي تعيش فيها هذه الطبقة وأهمها نمو الفردية وعدم الانتماء والاغتراب والعجز السياسي والاجتماعي وخضوعها المباشر لسيطرة النظام الرأسمالي وأجهزته السياسية والأيديولوجية.

• اقترح ميلز مفهوم ''صفوة القوة'' كبديل لمفهوم الطبقة الذي يركز فقط على التحكم السياسي وتجاهله الجوانب الأخرى مثل التحكم السياسي والعسكري، ويعرف ميلز صفوة القوة بأنها مجموعة من الأفراد الذين يملكون الثروة والقوة والمكانة ويسيطرون على الهيئات النظامية الكبرى: الاقتصاد، والسياسة، والجيش.

• وهكذا من خلال مفهوم صفوة القوة، ركز ميلز على التحالفات بين مختلف الفئات المسيطرة في المجالات الاقتصادية والسياسية والعسكرية على سبيل المثال: الاقتصادية (كبار رجال الاعمال والمستثمرين)؛ والسياسية (كبار المسؤولين الحكوميين والسياسيين)؛ والعسكرية (كبار القادة العسكريين).

• يرى ميلز أن "صفوة القوة" في المجتمع الأمريكي تتكون من تحالف بين كبار رجال الأعمال والسياسيين والعسكريين، وهذا التحالف يعمل على تعزيز الرأسمالية الأمريكية وتوسيع نفوذها في جميع أنحاء العالم. وتضم صفوة القوة حسب ميلز ثلاثة عناصر:

- ذوو الثراء العريض: سيطرة كاملة على الاقتصاد، وامتلاك العديد من الشركات، واحتكار السوق، وإضعاف أو القضاء على الشركات الصغيرة (مثال: عائلة روكفلر، عائلة فورد، عائلة مورغان).

- كبار رجال الجيش: دخول عالم السياسة من خلال الحرب الباردة وسباق التسلح، وتأثير بارز في الدوائر الحكومية والمجال الاقتصادي، وتخطي أدوارهم العسكرية لأداء أدوار سياسية، وتقديم النصح والمشورة والمعلومات لرجال الاقتصاد والسياسة (مثال: الجنرال دوايت أيزنهاور، الجنرال جورج مارشال).

- الساسة أو كبار رجال الأحزاب السياسية: جماعة صغيرة تضم رئيس الجمهورية ونائبه وأعضاء مجلس الوزراء ورؤساء الهيئات واللجان والأجهزة الرئيسية وأعضاء المكتب التنفيذي للرئيس بما فيه هيئة البيت الأبيض (الرئيس جون كينيدي، الرئيس ريتشارد نيكسون). والجدول المقابل يبرز أهم اسهامات مفهوم صفوة القوة: