دمهوف ومحاولات التوفيق بين مفهومي الطبقة والصفوة:
بالرغم من أن ميلز قد رفض مفهوم الطبقة الحاكمة، إلا أن بعض الباحثين الذين تأثروا به لم يسعهم هذا الرفض، فحاولوا التوفيق بين مفهوم الطبقة ومفهوم صفوة القوة بصياغة ميلز وأشهر هؤلاء الباحث الأمريكي دمهوف Domhoff في دراسته بعنوان «من يحكم أمريكا Who Rules America الصادرة عام ١٩٦٧، ويرى دمهوف:
• أن التطورات في النظام الرأسمالي الأمريكي لا تعني غياب الطبقة البرجوازية (أو الطبقة الحاكمة) أو تراجع نفوذها السياسي، وذهب دمهوف إلى أن خصائص الطبقة البرجوازية في أمريكا تتميز:
- إنها صغيرة الحجم، حيث أدت ظروف الاحتكار إلى أن تسيطر الشركات الكبرى على الشركات الصغرى وأن تقضى عليها؛ ولذلك فقد أصبح الاقتصاد في أيدى عدد قليل من الأفراد. مثال: سيطرة عدد قليل من الشركات الكبرى على قطاعات اقتصادية رئيسية (مثل الطاقة والاتصالات).
- وهي بذلك تحظى بنصيب الأسد من ثروة المجتمع. تسيطر على ثروة المجتمع؛ تتمتع بنفوذ سياسي كبير. مثال: ثروات أصحاب المليارات تفوق ثروات ملايين الفقراء. - إن أعضاءها يسعون إلى الانضمام إلى عضوية المؤسسات المؤثرة في المجتمع، وعضوية المؤسسات التي تتحكم في إصدار القرارات السياسية. مثال، تأثير مجموعات الضغط على القرارات السياسية.
• يرى دمهوف أن خصائص هذه الطبقة البرجوازية تمكنها من لعب دور سياسي واضح، من خلال سيطرتها على ثروة المجتمع؛ ونفوذها على المؤسسات المختلفة (السياسية والإعلامية والثقافية)؛ وقدرتها على تجنيد الساسة ورجال الجيش والإدارة. فعلى سبيل المثال: تمويل الحملات الانتخابية من قبل الشركات الكبرى، ضغط مجموعات الضغط على سن القوانين، استخدام وسائل الإعلام لنشر الأفكار التي تخدم مصالح الطبقة البرجوازية، تعيين أعضاء من الطبقة البرجوازية في المناصب السياسية والإدارية.
• هذا من ناحية الطبقة الحاكمة، أما عن ''صفوة القوة''، فقد حاول دمهوف أن يربط بين صياغته لمفهومي
- الطبقة الحاكمة، وهي مجموعة من الأفراد الذين يملكون ثروة كبيرة ويسيطرون على قطاعات اقتصادية رئيسية (مثال: عائلة روتشيلد، عائلة والتون، عائلة بيل غيتس).
- ومفهوم صفوة القوة، وهي مجموعة من الأفراد الذين يشغلون مناصب رفيعة في مؤسسات المجتمع المختلفة سياسية، عسكرية، ثقافية (مثال: الرئيس، وزراء الحكومة، قادة الجيش، مديرو وسائل الإعلام). • باختصار شديد، لفهم العلاقة بين الطبقة الحاكمة وصفوة القوة، يمكن تقديم أمثلة توضيحية من المجتمع الامريكي الحديث:
- تعمل صفوة القوة نيابة عن الطبقة الحاكمة (مثال: ضغط مجموعات الضغط على سن القوانين التي تخدم مصالح الشركات الكبرى).
- بعض أعضاء صفوة القوة ينتمون إلى الطبقة الحاكمة (مثال: الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هو رجل أعمال ثري).
- بعض كبار رجال الأعمال يسعون إلى العمل في الوظائف السياسية العليا ومن ثم فإنهم يصبحون جزءًا لا يتجزأ من صفوة القوة. (مثال: مايكل بلومبيرغ، رئيس بلدية نيويورك السابق، هو رجل أعمال ثري). يتضح من النقاط الأساسية المذكورة آنفا، أن ماركس وميلز تأثيرات على أفكار دمهوف حول الطبقة الحاكمة وصفوة القوة: