النقد السردي الجزائري

النقد السردي الجزائري:

ليس من الحكمة الخوض في بيان أهمية منهج نقدي على حساب آخر، بالنظر إلى الدور المشترك الذي أداه وفعله كل منهج من منظوره في الاقتراب من النص السردي، وإن كان بصورة تتلمس قدرا كبيرا من الانفتاح على العوالم الخارجية، كما اتضح الأمر مع المناهج السياقية، أو كان بصورة مباشرة منهجية قدمتها المناهج النسقية.

التزمت الدراسات النقدية السردية في الجزائر، خط تطور طبيعي؛ ذلك أنها بدأت انطباعية؛ كحال بدايات النقد في العالم الغربي والعربي، حين انصب الاهتمام على إصدار أحكام قيمية، نظرا لدرجة التأثر بالنص أثناء لحظة تذوقه الأولى، دون تعمق في عناصره الداخلية أو تنقيبا في مكوناته الأساسية أو حتى استنادا لعناصر خارجة عنه، ومن ثم كان معيار الحكم مدى تقبل الناقد للنص، والأمثلة على ذلك كثيرة في متون الصحف ومجلات الستينات.

كانت البدايات النقدية في مجال السرد مرافقة للمحاولات القصصية الأولى، التي أسهمت الظروف التاريخية التي عرفتها الجزائر في بلورتها وتشكيل معالمها، وسببا في تأجيل ظهور فن الرواية إلى نهاية الستينات وبداية الاستقلال، لاكتمال الوعي الأدبي والنضوج الفني لكتاب القصة، واتساع رقعة اهتماماتهم، والذين تحولوا إلى الرواية؛ لعدم قدرة القصة على استيعاب الشخصيات والأحداث الكثيرة والمتناقضة، مع كتاب من أمثال عبد الحميد بن هدوقة، الطاهر وطار.

عرفت كل مرحلة تاريخية مسارها النقدي الخاص بها، وفتحت الثورة المجال واسعا أمام أقلام النقاد بعد أن سيطر الشعر على الاهتمام الدرسي، فكانت فاتحة غيرت مسار الأدب بعامة؛ بالانتقال إلى فن القصة أولا فالرواية، وفتحت المجال واسعا للدراسات النقدية السردية، عند أقلام مارست الكتابة والنقد على حد سواء؛ من أمثال عبد الله ركيبي ومحمد مصايف، وما يجمع بينها تلك الإشارات الصريحة التي تقر بأهمية الثورة، ودورها الفاعل في ظهور فن القصة، في رؤية متشبعة بالفكر الواقعي المتأثر بالتوجه الاشتراكي السائد في تلك الفترة؛ ويتجلى ذلك في مناقشة بعض المفاهيم كالالتزام والانعكاس وغيرها من الايديولوجيات المنظمة للخط الاشتراكي في تمظهرها الأدبي.

اجتاحت التغيرات التي مست النقد في الغرب، وخاصة في فرنسا موطن رولان بارت مفجر هذه الثورة النقدية تحت شعار "موت المؤلف"، النقد في الجزائر، رغم الفجوة الزمنية الفاصلة بينهما، التي أوجدت مناهج نسقية فرضت قطيعة معرفية بالمناهج السياقية، وكانت الوسائط في هذا التأثر؛ البعثات العلمية التي التقطت تلك التطورات، وتتلمذ أهم نقادنا(رشيد بن مالك، السعيد بوطاجين، حسين خمري)، على يد أسماء نقدية (غريماس، جيرار جنيت، جوليا كرستيفا)، كان له الدور الأساسي في التعريف بمنجزاتهم، ونقل هؤلاء النقاد مبادئ البنيوية والشكلانية والسميائية في مؤلفاتهم فيما بعد، وعكفوا على تطبيق إجراءاتها على نصوص سردية جزائرية بحتة، بالإضافة إلى تأثير الترجمات الوافدة من المغرب والمشرق لأهم النصوص السردية كنصوص الشكلانيين الروس، ودراسات كل من تودوروف، ميخائيل باختين، رولان بارت...

لقد لمست من خلال هذه الدراسة، طواعية النصوص السردية الجزائرية وقابليتها لتقبل بعض المناهج النقدية التي ظلت لفترة طويلة مستبعدة من طرف النقاد لأسباب ثقافية بحتة، حيث جازف بعض نقادنا(أحمد حيدوش، صالح مفقودة)، وتمكنوا من توظيف بعض إجراءات ومفردات المنهج النفسي في محاولة لقراءة جديدة، استطاعت أن تحافظ على جوهر المنهج كما جاء به أعلامه (فرويد وتلاميذه)، والاهتمام بالنص والارتكاز عليه، لتحليل نفسية الشخصيات التي تحرك مسار الأحداث به، ومن ثمة استثمار وسائل التحليل النفسي خدمة للنص.

ومن خلال قراءتي لأهم المدونات والدراسات النقدية السردية، أخلص إلى مجموعة من الملاحظات أهمها:

- ارتباط الأدب بالواقع، وبالظروف التاريخية التي أنتجته، "فكما تكون الشجرة يكون ثمرها" كما يقول بذلك المنهج التاريخي، وبذلك استلهم الأدب - موضوع النقد- هذه المعطيات، وعبر عن كل مرحلة تاريخية عرفتها الجزائر احتلالا وثورة واستقلالا، كما عبر النقد برؤية فوتوغرافية عن واقع المجتمع وتناقضاته.

- الاهتمام بالدراسات السردية خاصة في مجال العرض النظري عند الناقد عبد الحميد بورايو في مقدمة كتابه "منطق السرد"، والتي تعتبر عرضا لأهم الاتجاهات البنيوية في مجال الدراسات السردية، ومناقشة أهم الآراء السردية ومعارضتها أحيانا، كما نجده عند الناقد عبد الملك مرتاض في كتابه "في نظرية الرواية"، أو تقديم البديل الإجرائي، كما جاء به الناقد السعيد بوطاجين في "الاشتغال العاملي"، وتجاوز ما هو قائم بانتهاج مقاربات جديدة، كما قدمه الناقد محمد بشير بويجرة في "بنية الزمن"، وكان الناقد رشيد بن مالك أول من قدم التوجه السميائي، حسب طرح غريماس ومدرسة باريس ممارسة وتنظيرا.

- استنتج من خلال دراسة إحصائية تقف على الكم الهائل من الدراسات البنيوية والسميائية، التطور النوعي والكمي الناتج عن تراكم الدراسات النقدية التي استفادت من الممارسات البنيوية في قراءتها للواقع النقدي السردي في الجزائر، مقارنة بما حقق في ظل الدراسات السياقية، في مقاربة النصوص روائية أو قصصية أو تراثية، وطواعيتها لاستقبال آليات المحايثة.

- طواعية النصوص الشعبية الجزائرية للتحليل، وفق إجراءات المناهج الحديثة، وهو المؤشر الذي يجمعها بعائلة الحكايات الشعبية العالمية، التي تناسب المنهج الشكلي ومجموعة الوظائف التي حددها فلاديمير بروب، وهو ما برهن عليه الناقد عبد الحميد بورايو في دراساته لمختلف القصص الشعبية.

 

 


Modifié le: lundi 11 janvier 2021, 14:56