المحاضرة رقم 04: فواعل العلاقات الدولية: اللاعبين الدولاتيين

تمهيـــــــــــد:

توحي تسمية الفاعلين الدولاتيين، بصورتين مختلفتين إلى حد بعيد، تتضمن الأولى معنى الدولة State، وبذلك تتضمن هذه الصورة المعنى الضيق للمفهوم. أما الصورة الثانية فهي ذات نطاق أوسع نسبياً، وتعني الدولة كفاعل، وما يتفرع عنها من امتدادات طبيعية، أو بتعبير أدق المنظمات الدولية الحكومية International Governmental Organizations (IGO)، التي تنشأ من منطلق ممارسة الدولة لسيادتها الوطنية. ولقد لعبت هذه الفواعل الدور الأساسي، في تشكيل التفاعلات الدولية، منذ مراحل زمنية قديمة، بدايةً بالدولة، ثم مع تشكيل المنظمات الدولية الأولى، خلال القرن الـ19. ويستمر الاعتقاد بمحورية دور الدول والمنظمات الدولية الحكومية، رغم تزايد وتيرة مساهمة فاعلين آخرين، في مختلف أوجه التفاعلات الدولية.

تعكس صورة هذا الصنف من الفواعل، علاقة تأثير بين الدور الذي تمارسه الدولة، أو على الأقل تسعى للقيام به، مقابل الحدود المختلفة، التي تحد من قدرتها. فالحدود السياسية، حجم الموارد ومصادر القوة النسبية، البيئة السياسية والاجتماعية الداخلية، تُشكل عوامل مؤثرة على دزر الدولة، ومحفز على التوجه، نحو تشكيل كيانات عبر/فوق وطنية، وفق مناهج كونفدرالية، شبه فدرالية...إلخ، دون أن يُفضي ذلك إلى تشكيل دولة. غير أن ذلك يُحافظ على حالة التكامل الوظيفي، بين الدولة وامتداداتها الطبيعية، على اعتبار أن المنظمات الدولية، تحتاج إلى الخاصية التأسيسية للدولة، بينما تحتاج هذه الأخيرة للمنظمات الدولية، من أجل ردم الهوة بين الأهداف والموارد.   

أولاً: الدولة كفاعل أساسي وليس الوحيد:

يُستعمل مصطلح الدولة، بصفة مجردة للتعبير عن أحد اللاعبين الأساسيين في العلاقات الدولية، أي من خلال مناقشة افتراضات نظرية، تربط بين القدرات والدور. عادة ما تُعرف كمفهوم سياسي، استناداً إلى منظورات متعددة، سياسية، دستورية، اجتماعية، وهو ما يمنحها دوراً خاصاً ينسجم مع عناصر التعريف المختلفة، وهذا يُفضي أحيانا إلى بعض النتائج المتضاربة. فاعتماد المقاربة الدستورية/القانونية، يجعل من الدول متساوية أمام أحكام القانون الدولي، بينما تدفعنا المقاربة السياسية، نحو التشكيك في هذا الافتراض. وعليه يتطلب الإلمام بدور الدولة كفاعل، يمر حتماً عبر تحديد المعاني المختلفة لهذا المفهوم، استناداً إلى مختلف المقاربات: القانونية، الاجتماعية والسياسية. ثم محاولة البحث في الافتراض القانوني، القائل بالمساواة بين الدول، كمدخل لتحليل تأثرها في التفاعلات الدولية، من خلال التركيز على التصنيف السائد للدول ذات السيادة.     

1.     الدولة الوطنية/القومية: مقاربات متعددة لمفهوم واحد:

تُشكل الدولة موضوعاً أساسياً في علم السياسة، باعتبارها الإطار السوسيو-سياسي، لسير وتطور الحياة الإنسانية، بمختلف أوجهها: الاقتصادية، الاجتماعية، السياسة وحتى الفردية. وقد تم توصيف الدول، بالعديد من التسميات، أولها الاسم التقليدي الدولة State\Etat، وهي التسمية المستعملة لوصف ظاهرة سياسية مجردة إضافةً. إلى وصف الدولة الأمة Nation-State\Etat-Nation، وهي التسمية التي ارتبطت بمسارات إعادة تشكيل الخريطة السياسية الأوروبية، على أسس قومية، ترتبط بمفهوم الأمة، ككيان متميز هوياتياً. أو حتى الدولة الوطنية National-State\Etat-National، والتي تختلف عن الدولة الأمة، في كونها لا ترتبط ببعد قومي أو هوياتي متميز، نظراً للعوامل المختلفة، التي أثرت على الأبعاد الديمغرافية للدول، وعلى رأسها نتائج الحركة الاستعمارية، وحتى موجات الهجرة بمختلف صورها. وهو ما أنتج حالة من التعدد الثقافي والهوياتي، دفع إلى البحث عن ثقافة وطنية، كبديل عن الهوية القومية المتآكلة.

تُعرف الدولة من منظور سوسيولوجي، انطلاقاً من مبدأ احتكار شرعية استعمال العنف، مقارنة مع الجماعات الإنسانية والسياسية الأخرى. ومن هذا المنطلق يعتبرها ماكس فيبر M. Weber (1864-1920)، "الجماعة الإنسانية التي تدعي، داخل أرض محددة وبنجاح، حقها باحتكار العنف الطبيعي المشروع، علماً أن مفهوم الأرض هو معلم من معالم الدولة. إذ إن ما صار مَزيةً يتميز بها عصرنا الحاضر، هو ألا تُمنح التجمعات الأخرى، أو الأشخاص الأفراد، الحق باستخدام العنف الطبيعي، إلا بقدر ما تسمح لهم الدولة بذلك، إذ أن الدولة وحدها مصدر الحق باستعمال العنف". وبالنظر إلى هذا التعريف، يُمكن استنباط مجموعة من العناصر، التي يتكون منها مفهوم الدولة، على رأسها الجماعة، كدلالة على وجود شعب محدد الخصائص. وكذلك الأرض المحددة، كدلالة على الإقليم. الذي يوضح المعالم المكانية للدولة (المساحة، طبيعة الحدود...إلخ)، وبعلاقة متعدية حدود سلطتها وصلاحياتها. ويأتي على رأس هذه المكونات، شرعية احتكار العنف أو السلطة، والحق الحصري في تفويض شرعية ممارسة العنف، وفق القدر الذي تعتبره مناسباً لتحقيق الهدف منه، وينعكس هذا من خلال مفهومين أساسيين هما السلطة والسيادة.

وقد أضاف بيار بورديو P. Bourdieu (1930-2002)، تعديلات على مفهوم العنف المشروع، المتضمن في التعريف السابق لماكس فيبر للدولة، وذلك بإضافة بعد جديد للمفهوم. وفي هذا الصدد يعتبر بورديو، أن الدولة كيان سياسي/اجتماعي "يعترف بامتلاكه الاحتكار المشروع/الشرعي للعنف المادي والرمزي...حيث أن العنف الرمزي هو شرط تملك ممارسة العنف المادي نفسه". حيث يُعتبر العنف الرمزي، على أنه نوع غير محسوس، أو غير قابل للإدراك من العنف، يدخل ضمن مفهوم التنشئة الاجتماعية والسياسية، وبذلك فهو أساس مختلف أشكال العنف، المرتبط بالدولة، وبالتفاعلات السياسية بشكل عام. وقد يتجسد في شكل مجموعة من القيم الاجتماعية والأخلاقية، التي تُحدد أنماط ردود الأفراد، تجاه بعض القضايا الاجتماعية، والمسائل الفكرية والثقافية، المطروحة على الساحة السياسية الوطنية.

يُمكن في المقابل، الحديث عن الدولة من منظور دستوري/قانوني، باعتبارها مجموعة من المكونات، المحددة على سبيل الحصر، لا يُمكن بدون أي منها، منح صفة الدولة للجماعات السياسية المختلفة. حتى أن هذه المكونات يُطلق عليها وصف الأركان، وتستعمل لتمييز الدولة، عن غيرها من الأشكال، التي عرفها القانون الدولي في فترات تاريخية سابقة، تحت مسمى الدول ناقصة السيادة. وينبع وصف هذه التعاريف بالمقاربة الدستورية، من كونها نابعة من تعريف قانوني للدولة، مستمد من القانون الدولي، وتصورات الأمم المتحدة. انطلاقاً من هذه المقاربة، يُنظر إلى الدولة على أنها "مجموعة من الأفراد يقيمون بصفة دائمة، في إقليم معين، تسيطر عليهم هيئة منظم، استقر الناس على تسميتها الحكومة". وقد حدد هذا التعريف على سبيل الحصر، مجموعة العناصر، والتي يُطلق عليها اسم الأركان، والتي بدونها كلها -أو بعضها-، لا يُمكن أن تكتسب أية جماعة سياسية وصف الدولة، ويتعلق الأمر بـ: الشعب، الإقليم، السلطة والسيادة. ومن هذا المنطلق يُمكن ببساطة، إجراء الفرق بكل وضوح، بين الدولة وغيرها من الكيانات الاجتماعية والسياسية، التي تدعي هذه الصفة (أي صفة الدولة).

ويطرح هذا التصور، إشكاليات مفاهيمية عديدة، تتحور حول الاستعمال السياسي لمفهوم الدولة، في إطار العلاقات الدولية، والسياسات الخارجية الوطنية. فالدولة الجزائرية، سبق لها الاعتراف بقيام دولة فلسطين، والجمهورية العربية الصحراوية، كما أنها تتعامل معهما بصفتهما دولة كاملة الصفة، من خلال تبادل التمثيل الدبلوماسي، والتعاون بين الحكومي في مجالات مختلفة (التعليم العالي، الصحة، الثقافة...إلخ)، إضافة إلى تنسيق المواقف الرسمية على المستويين الدولي والإقليمي. وينطبق ذلك على الكثير من الدول، التي تشترك مع الجزائر، في الاعتراف بدولة فلسطين، والجمهورية العربية الصحراوية (جوب إفريقيا، موريتانيا، سوريا، المكسيك...إلخ). حتى أن منظمة الاتحاد الإفريقي، حافظ على عضوية الجمهورية الصحراوية، والذي ورثته عن منظمة الوحدة الإفريقية منذ سنة 1963. غير أن المنظمات الدولية المختلفة، مثل الأمم المتحدة، الاتحاد الأوروبي، صندوق النقد...إلخ، مازالت في أحسن الحالات، تعتبر النموذجين السابقين، كيانين سياسيين في طريق الاستقلال، أو بتعبير آخر، في طريق التحول إلى دولة مستقلة ذات سيادة.

أما من وجهة نظر سياسية، فيُنظر إلى الدولة، ليس من خلال قيود الأركان القانونية، بل انطلاقاً من الوظيفة السياسية المسندة إليها. وبذلك تكون الدولة "إحدى أشكال التنظيم السياسي، الذي بواسطته تؤكد الجماعة وحدتها السياسية، وترسم مستقبلها ومصيرها، فهي في الدرجة الأولى، مسؤولة عن حياة الجماعة وازدهارها، وحماية وصون وحدتها". وعكس المقاربة القانونية/الدستورية، لم يتضمن هذا التعريف، أية إشارة إلى الأركان التي يتوجب توفرها، أو تنفرد بها الدولة مقارنة بالأشكال الأخرى من الكيانات السياسية. ومن جهة ثانية فإن المقاربة السياسية، تضع الدولة ضمن صنف أشكال التنظيم السياسي، وقد يخلق ذلك تداخلاً بين مختلف المفاهيم السياسية والاجتماعية، المندرجة ضمن هذا الصنف.

غير أن هذا التعريف في المقابل، يوحي بمضمون مفهوم الدولة، في سياق تفاعلات العلاقات الدولية، أو بتعبير أصح الدور الذي يُمكن لها، أو يتوجب عليها القيام به. فالعناوين العامة الواردة في التصور السابق، من قبيل: تأكيد الوحدة السياسية للجماعة، رسم مستقبل ومصير هذه الأخيرة، الاهتمام بحياة الجماعة وازدهارها، والدفاع عن وحدتها، يُمكن تحويلها إلى أدوار وأهداف الدول، على الصعيدين الداخلي والدولي. حيث تتقاطع مع أهداف عملية من قبيل: تأكيد الانسجام والاستقرار السياسي والاجتماعي الداخلي، حماية المصالح الوطنية، حماية السيادة والأمن الوطنيين...إلخ.       

2.     الدولة الوطنية/القومية: فاعل أساسي رغم التحديات:

تشكلت العلاقات الدولية، بغض النظر عن الانتماءات النظرية والفكرية، انطلاقاً من احتكار الدولة بمختلف صورها، لديناميكيات الفعل ورد الفعل. فمنذ اكتساب الجماعات الإنسانية، للطابع القانوني والمؤسساتي، والتحول إلى مستوى الدولة، احتكرت هذه الأخيرة الشرعية/القدرة، على تشكيل التفاعلات الدولية، الممتدة بين حدي الحرب والسلام. غير انه يجب تجريد هذا المبدأ العام، من طابعه التجريدي المُمرِط، والذي يُمكن أن يؤدي بنا إلى الاعتقاد، بأن الدول تُمارس نفس الدور/الوظيفة، في تفاعلات العلاقات/النظام الدوليين. فالدور الذي تُمارسه الدولة، لا يرتبط بكونها فاعل فحسب، بل يرتبط بشكل أدق، بالخصائص العامة المميزة لهذا الفاعل، وهو ما يُفسر التفاوت في الدور والتأثير، الذي تُمارسه كل دولة في التفاعلات الدولية.

أشارت العديد من الدراسات النظرية، إلى ضرورة عدم إهمال الخصائص المميزة للدول، لفهم دورها في العلاقات الدولية، ويأتي عامل القوة المادية، كأحد أهم الخصائص. وبناءً على ثنائية القوة-الدور، فإن الدول تنقسم إلى أربع مجموعات أساسية: مجموعة الدول/القوى العظمى، مجموعة الدول الكبرى، مجموعة الدول المتوسطة، وأخيراً مجموعة الدول الصغرى أو الهامشية.

­          الدول العظمى:

يعتبر جون ميرشهايمر J. Mearsheimer، أن العامل الأساسي في تعريف القوى/الدول العظمى Great Powers، هو حجم القدرات العسكرية. حيث يعتبر أن القوى العظمى تتحدد "على أساس قدراتها العسكرية النسبية Relative military capabilities. فحتى توصف كقوة عظمى، يجب أن تمتلك الدولة، قدرات عسكرية Military assets، كافية لخوض قتال جدي، في حرب تقليدية شاملة All-out conventional war، ضد أقوى دولة في العالم". ويُفهم من هذا أن الدول العظمى، واقعة تحت سيطرة نزعتين متعارضتين، حيث تتبنى بعضها نزعة محافظة، تستهدف الإبقاء التوزيع الراهن للأدوار. في مقابل تبني دول أخرى نزعة تعديلية، تستهدف تغيير الوضع القائم، وإعادة النظر في توزيع الأدوار ومجال النفوذ، بين القوى الأساسية.

وقد انطبق هذا التعريف إلى حد كبير، على القوتين الأساسيتين في النظام الدولي، خلال مرحلة الحرب الباردة، أي الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي. رغم أن تعريف مبرشهايمر، اقتصر على التركيز على القوة العسكرية، إلا أن القدرات التي تمتعت بها الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، تميزت بتعدد أبعادها: الاقتصادية، السياسية والدبلوماسية، إضافةً إلى القدرات العسكرية. إضافةً إلى النطاق العالمي للدور، الذي مارسه كل منهما خلال التفاعلات الدولية، من خلال مشاركتهما في صنع وإدارة السياسات الدولية، على أوسع نطاق ممكن، مقابل الدور المحدود التي شكلته القوى الأخرى الحليفة.   

­          الدول الكبرى:

 لا تتمتع القوى/الدول الكبرى، بنفس القدرات التي تتمتع بها دول الصنف الأول، كما أنها تتمتع بنطاق نفوذ وتأثير أقل. مع ذلك تتميز بقدرتها على التأثير على المستويين الدولي والعالمي، حتى وإن كان ذلك بدرجة أقل مقارنة مع الصنف الأول. وتُعرّف الدول الكبرى بشكل عام، على أنها "مجموعة صغيرة من الدول تملك الموارد Ressources، وعدد السكان Une population، ما يُمكّنها من تأكيد تأثيرها/نفوذها Influence، على المستوى العالمي. وتشمل كذلك الدول السائرة نحو احتلال هذا الوضع، بقدر معين من اليقين Une certitude raisonnable".

تُشارك الدول الكبرى انطلاقاً من ذلك، في مختلف التفاعلات الدولية على المستويين الإقليمي والعالمي، غير أنها مع ذلك لا يُمكنها ممارسة نفس التأثير بشكل عام. لكنها لا تملك ما يكفي من القوة/القدرات، الإرادة، التصور، لممارسة نفس الدور العالمي للقوى العظمى، أي التأثير المتزامن في مختلف القضايا الدولية.  فالدراسة المقارنة، تُمكِّننا من ملاحظة الفرق بين التدخل الأمريكي في التفاعلات الدولية، مقارنة بحالات التدخل الروسي، الفرنسي أو حتى البريطاني. ففي الحالة الأولى، يُمكن للولايات المتحدة التدخل في قضايا متعددة، في مناطق أو أنظمة إقليمية متعددة، بينما يقتصر التدخل في الحالة الثانية، على قضايا مختارة، بناءً على عوامل جغرافية، تاريخية، جيوسياسية...إلخ. رغم السعي المستمر لهذه الدول، للاحتفاظ بمجال نفوذها، بشكل خاص بالنسبة للقوى الاستعمارية السابقة، على غرار السياسة الخارجية الفرنسية، في إفريقيا، وبدرجة أقل في الشرق الأوسط.

­          الدول المتوسطة:

تعود تسمية القوى/الدول المتوسطة Middle power، إلى فترات تاريخية سابقة، يُمكن تحديدها في القرن الـ16، حيث يُنسب هذا المصطلح للمفكر الإيطالي جيوفاني بوتيرو G. Botero (1544-1617). فقد استعمل هذا الأخير وصف القوى المتوسطة، في إطار تصنيفه لدول العالم، وفقاً لمعيار القوة أو الهيمنة، إلى قوى عظمى Grandissime (إمبراطوريات)، قوى متوسطة Mezano، وقوى صغرى Piccioli. وعادةً ما يتداخل مفهوم القوى المتوسطة، مع مفاهيم أخرى مثل القوى الصاعدة Emerging Power، أو القوى الإقليمية Regional Power...إلخ.

تُعرف القوى المتوسطة بشكل عام، بالتوفيق بين متغيرين أساسيين، هما الدور وكذلك القدرات/الموارد، بمختلف أشكالها. لذلك يُنظر إليها على أنها "أولاً قوى إقليمية Regional Power، تُمارس زعامة إقليمية Regional leaders، إضافةً إلى كونها دولة متوسطة بالنظر إلى مصادر القوة Power resources التي تملكها ضمن نطاق عالمي A global scale".  فبالنظر إلى مصادر القوة المتوفرة لديها، فإن الدور الذي تُمارسه هذه المجموعة من الدول، يتمحور حول القضايا الدولية الإقليمية (الزعامة)، أو حتى ممارسة الوكالة على المستوى الإقليمي، نيابة عن الدول الكبرى/العظمى. مع عدم إقصاء فرضية الطموح، لممارسة دور فوق إقليمي، وبالتالي الانتقال إلى مصف أعلى، في الهرمية السياسية العالمية، وهو ما تتضمنه تسمية القوى الصاعدة.

­          الدول الصغرى:

تُعرّف الدول الصغرى على أنها "تلك التي يدرك قادتها (وكذلك قادتها من قوى أخرى) أن الثقل السياسي لدولتهم يقتصر على الساحة المحلية وليس الساحة العالمية، وأنها تعتمد على قوى سياسية خارجية لتحقيق قدر كبير من أمنها، وأن قدرة دولتها الخاصة على التأثير على العالم الخارجي محدودة". فدور هذه الدول يبقى منحصراً، في أضيق نطاق ممكن، وعادةً ما تسعى فقط للحفاظ على بقائها الفيزيولوجي، دون أن يرافق ذلك أي شكل من أشكال الطموح، لممارسة أي من الأدوار المتاحة، على المستويين الإقليمي Regional، أو تحت الإقليمي Sub-regional.

انطلاقاً من مستوى قدراتها، وعجزها عن تحقيق أهدافها بشكل منفرد، فإن الدول الصغرى، عادةً ما تميل إلى الانخراط، في مسارات للتحالف أو التعاون الإقليميين (تكامل إقليمي، تحالف عسكري...إلخ. مع ما يُمكن أن يتضمنه ذلك، من القبول بدرجات متفاوتة من الخضوع لهيمنة دولة/دول أكبر، تنتمي إلى الأصناف المشار إليها سابقاً. مثل الهيمنة التي مارستها الولايات المتحدة، على الدول الأوروبية الأصغر (دول أوروبا الوسطى والشرقية، ودول البلطيق)، سواءً ضمن الاتحاد الأوروبي، أو حتى ضمن حلف شمال الأطلسي. حيث تجد هذه الدول/ في الولايات المتحدة، الحليف الموثوق، القادر على حمايتها من التهديدات الروسية.

يبقى تصنيف الدول وفق النحو السابق، مرتبطاً بالتوزيع المادي لموارد القوة، بشكل منعزل عن السياق العام للتفاعلات الدولية، أو بتعبير آخر تعكس توزيعاً مجرداً للقوة والأدوار. في حين أن النظر في تاريخ العلاقات الدولية، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، يسمح لنا بملاحظة أن سياقات معينة لأحداث، تجعل من القوة العظمى والكبرى، في موقف أكثر ضعفاً، في مواجهة قوى صغرى، بسبب تجريدها من ميزتها النسبية (والمطلقة من منظور مجرد). فالدول الاستعمارية خلال مرحلة التحرر من الاستعمار، وقفت عاجزة في مواجهة حركات التحرر الوطني، رغم التفاوت الكبير في حجم القوة، لصالح الدول الاستعمارية. وفي نفس السياق، شهدت الحرب الباردة وما بعدها، العديد من المواجهات: العسكرية، السياسية/الدبلوماسية، دارت بين القوى الكبرى/العظمى، ومجموعة من الدول الصغرى، حققت هذه الأخيرة خلالها، انتصارات سياسية والعسكرية كبيرة، أضعفت -أو على الأقل أحرجت- الدول الكبرى/العظمى. وعليه، يجب أن تؤخذ سياقات التفاعلات بشكل جدي في الاعتبار، عند محاولة دراسة تأثير الدول بمختلف أصنافها، ضمن تفاعلات العلاقات الدولية. والتي يُمكن أن توصل الباحث إلى نتائج مختلفة، عن تلك المترتبة عن الاكتفاء بالمعطيات المجردة. 

ثانيًا: المنظمات الدولية الحكومية

شكلت الدولة بمختلف صورها، منذ عصر دولة المدينة في العالم القديم، الفاعل المحوري في العلاقات الدولية، باعتبارها المحرك الأساسي للتفاعلات الدولية، الواقعة بين حدي الحرب والسلام. ويتأسس دور الدولة في جوهره، من واجباتها تجاه مواطنيها، حيث قامت ظاهرة الدولة، على واجب إشباع الحاجات المختلفة لمواطنيها، أي الحاجة إلى الأمن، إلى التنظيم السياسي والاجتماعي، وتلبية الحاجات المادية للأفراد...إلخ. ومن أجل ذلك تنشأ مختلف التفاعلات، التي تنخرط فيها الدول، والتي تجعل الحاجات المختلفة للأفراد، ضمن قائمة أهدافها الوطنية، وبعلاقة متعدية جزءً من مصالحها السياسية. وهو ما طرح/يطرح إشكالية العلاقة بين: أهداف ومصالح الدولة، وكذلك حجم القدرات المتوفرة لديها، في مواجهة الطبيعة العابرة للحدود والقدرات، المميزة للحاجات. وعليه فقد استقرت القناعة، بعدم قدرة الدولة، على مجاراة الحاجات الإنسانية المختلفة، من حيث نطاقها العابر للحدود، أو من حيث تجاوزها لحجم القدرات المتوفر، وهو ما شكّل تفسيراً لنشأة المنظمات الدولية.

1.     المنظمات الدولية الحكومية: بين المجتمع الدولي والعلاقات الدولية:

تُشكل المنظمات الدولية في نفس الوقت، جزءً من المجتمع الدولي، وكذلك العلاقات الدولية، أي أنها أحد مصادر التنظيم الدولي من جهة، وأحد مصادر/صور التفاعلات الدولية. لذلك عادةً ما يُنظر إليها، من منظور قانوني محض، وكذلك من منظور سياسي، يتجاوز الخصائص القانونية التقنية، من أجل الاهتمام بالدور/التأثير، الذي تُمارسه في مجال العلاقات الدولية.

أ‌.      المنظمات الدولية من منظور القانون الدولي:

يُنظر إلى المنظمات الدولية، من منظور القانون الدولي، بنفس الطريقة التي تم من خلالها تعريف الدولة، أي بالتركيز على مجموعة من الأركان الأساسية، التي لا يُمكن للمفهوم أن يكتسب مضمونه، إلا ن خلالها. مع إعطاء أهمية أقل -نسبياً-، للدور الذي تُمارسه المنظمات الدولية، كأحد اللاعبين الأساسيين في العلاقات الدوية، حيث يُبرز هذا المنظور أهميتها، فقط من خلال اعتبارها أحد مصادر القانون الدولي.

تُعرف المنظمة الدولية من هذا المنطلق على أنها "هيئة دائمة، تُنشئها الدولة، لممارسة اختصاصات دولية، في مجال حفظ السلم والأمن الدوليين". فالديمومة والاستمرارية، هي الخاصية التي تُميز المنظمة الدولية، عن غيرها من أشكال التجمع الخاصة Ad Hoc، التي تجمع الدول. إضافةً إلى ذلك فإن المنظمة، تنشأ لممارسة اختصاصات دولية، لا تعلق بالبيئة الداخلية للدولة، بل بمجالات تتجاوز في كثير من الأحيان، نطاق صلاحيات الدولة. غير أن هذا التصور، حصر نطاق عمال المنظمة الدولية، في المجالات ذات العلاقة، بحفظ السلم والأمن الدوليين.

غير أنه لا يُمكن الجزم، بإمكانية حصول فكرة حصر نطاق عمل المنظمة الدولية، في المجالات المتعلقة بحفظ السلم والأمن الدوليين. فحتى مع التسليم بأن المنظمات الدولية، تفرض نمطاً خاصاً للعلاقات بين أعضائها، مثل تسوية الخلافات بالطرق الدبلوماسية، إلا أن ذلك لا يمنع تبني الدول لخيارات مخالفة لهذا النمط. فالدول الأعضاء وإن التزمت بالسلوك السلمي/التعاوني، إلا أنها لا تلتزم بنفس الشيء، في مواجهة الدول الأخرى غير الأعضاء، وهو ما يُمكن أن يجر المنظمة، إلى التورط في علاقات نزاعية مع دول الغير (الدول غير الأعضاء). إضافةً إلى أن قواعد السلوك، التي تفرضها المنظمات الدولية، لا تؤدي بالضرورة إلى منع التوتر، أو حتى نشوب الخلافات/النزاعات بين الدول الأعضاء، ويُعتبر النزاع/التوتر التركي اليوناني، كأحد الأمثلة على ذلك.

تُعرف المنظمات الدولية كذلك، على أنها "تجمع إرادي لعدد من أشخاص القانون الدولية، في شكل هيئة دائمة، يتم إنشاؤها بموجب اتفاق دولي، وتتمتع بإرادة ذاتية، ومزود بنظام قانوني متميز، وبأجهزة مستقلة يُمارس من خلالها نشاطه، لتحقيق الهدف المشترك، الذي من أجله تم إنشاؤها". وقد تضمن هذا التصور مجموعة من العناصر الإضافية، التي يُمكن وصفها -بتحفظ- بالأركان، والتي يجب توفرها من أدل تحديد ماهية المنظمات الدولية. ويتعلق الأمر في المقام الأول، بخاصية الإرادة المنشئة، والتي تُعبر عن رغبة الدول في إنشاء إطار مؤسساتي عبر وطني. وعدةً ما يتم التعبير عن هذه الإرادة، عن طريق الاتفاقيات المُنشئة للمنظمات الدولية، والتي تجمع بين الإرادات المنفردة للدول الأعضاء.

تضمن التصور السابق -أيضاً-، الحديث عن بعد التنظيم الداخلي، سواءً من الناحية القانونية، أو من الناحية الهيكلية أو المؤسساتية. فالتنظيم الداخلي، يُحدد طبيعة العلاقات بين الأطراف، ويوضح الأبعاد الإجرائية، لعمل المؤسسة، مثل تسوية الخلافات، نظام العضوية، العلاقات مع دولة المقر...إلخ. بينما يُحدد البعد المؤسساتي للتنظيم الداخلي، آليات العمل واتخاذ القرار، وكذلك آليات تنظيم العلاقات الخارجية مع دول الغير...إلخ. إضافةً إلى تحديد طبيعة المنظمة، واختصاصاتها، وكذلك موقعها في مواجهة الدول الأعضاء، حيث يُمكن التمييز بين المنظمات بين حكومية، وبدرجة أقل المنظمات فوق وطنية. ويُمكن انطلاقاً من ذلك، التمييز بين حالتين مختلفتين، تتمثل الأولى في تفويض الصلاحيات، الذي تقوم به الدولة لصالح المنظمة الدولية، بينما تتمثل الحالة الثانية، في نقل الصلاحيات بشكل كلي، مع ما يرافقه ذلك من نقل للسلطة.

وأخيراً، ينتج عن تأسيس المنظمة الدولية، تمتع هذه الأخيرة بإرادة ذاتية، مستقلة عن إرادة الدول الأعضاء فيها، وبالتالي فهي أحد أشخاص المجتمع الدولي، أو بتعبير آخر، أحد المساهمين في صياغة القانون الدولي. كما أنها أحد الفواعل الأساسيين في العلاقات الدولية، بغض النظر عن الجوانب القانونية، حيث ترتبط بمصالح الدول الأعضاء، وتوازن القوى، والتوزيع النسبي للنفوذ، بين القوى الأساسية في النظام الدولي. ففي الكثير من الأحيان، تتعارض إرادة الدول المنفردة، وتقديرها للمواقف الدولية، مع التصور العام للمنظمة، الذي تُشكله الأجهزة الأساسية، مثل الرئاسة، أو الأمانة العامة. ويظهر ذلك بشكل واضح، في الكثير من الحالات العملية، نذكر من بينها منظمة الدول المنتجة والمصدرة للنفط OPEC، وحلف شمال الأطلسي NATO.  

غير أن هذا التصور من جهة مقابلة، اندرج بشكل تقني ضمن الطابع القانوني، الذي يعتبر أن الاتفاقية الدولية، المنشئة للمنظمة الدولية، هي تعبير كافي عن إرادة الدولة. وهو ما يتجاهل الحالات التي تتأسس فيها المنظمات، أو يتم الانضمام إليها بناءً على إكراهات خارجية، قد تُمارسها القوى العظمى/الكبرى. خاصةً عندما يتعلق الأمر، بمجالات قد يكون لها تأثير، على المصالح الأساسية، أو الأمن الوطني لتلك القوى. ومن الأمثلة على ذلك/ بعض التكتلات الإقليمية، التي تم تأسيسها خلال مرحلة الحرب الباردة، بتشجيع/ضغوط من الولايات المتحدة، أو حتى الاتحاد السوفياتي. وهو ما يُعزز الطرح القائل، بأن المنظمات الدولية، تفتقد للاستقلالية في مجال العلاقات الدولية، على اعتبار أن توجهاتها، مواقفها وقراراتها، تخضع بشكل مباشر لتأثير القوى الأساسية في النظام الدولي.

يُمكن -إضافةً إلى ما سبق-، إضافة وجه آخر من أوجه القصور، الملاحظة ي هذا التصور، أنه اعتبر أن المنظمة تنشأ بإرادة عدد من أشخاص القانون الدولي. ويُفهم من ذلك أن هذه الصفة، تنطبق فقط على الدولة القومية، بحيث لا يندرج ضمن الأشخاص المعترف بهم، بقية الفاعلين مثل الشركات متعددة الجنسيات، أو حتى لمنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية...إلخ. في حين أن الأصح، هو اعتبار أن المنظمات الدولية، تكون تجمعاً إرادياً للدول المستقلة، المتمتعة بالسيادة الوطنية، رغم نسبية ومحدودية هذه الصفة، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية على الأقل.

أما من المنظر السياسي، يُمكن اعتبار المنظمة الدولية، على أنها "اتحاد أو هيئة دولية متعددة الجنسيات، تتنازل فيها الدول الأعضاء، عن السلطة والسيادة، على بعض الأمور الداخلية على الأقل للمنظمة، التي تكون قراراتها ملزمة لأعضائها، التي تشارك الدول الأعضاء، في صنع القرار بشأن الأمور، التي تؤثر على مواطني كل دولة".

ب‌.  المنظمات الدولية من منظور العلاقات الدولية:

لم تهتم العلاقات الدولية كمجال أكاديمي، بتعريف المنظمات الدولي، وتحديد خصائصها الدقيقة، كما هو الحال بالنسبة للقانون الدولي. حيث يتركز الاهتمام بشكل أساسي، بالنسبة لهذا المجال، حول اعتبار أن الدولة هي المكون الوحيد للمنظمات الدولية الحكومية. إضافةً إلى آليات تنظيم العلاقات بين الأعضاء، واتخاذ القرار ضمن الأجهزة الرئيسية، والتي تنقسم ما بين النمط ما بين حكومي Intergovernmental، وفوق الوطني Supranational. فتحتفظ الدول في الإطار الأول، بقدرتها على التحكم في مخرجات عل المنظمات، من خلال القدرة على تعطيل اتخاذ القرار، من خلال قاعدة الإجماع. أما ضمن الإطار الثاني، فيكون اتخاذ القرار أكثر مرونة، مقارنة مع النمط الأول، وتكفي في هذا الصدد قاعدة الأغلبية، حيث يكون القرار ملزم للدول الأعضاء. مع ضرورة الإشارة إلى الحالات الاستثنائية، التي تُمارس على مستوى بعض المنظمات الدولية، والتي تمزج بين الإطارين السابقين، باستعمال الطابع بين حكومي في مجالات ذات طايع سيادي _الأمن والدفاع)، بينما تعتمد الطابع فوق الوطني في المجالات الوظيفية (الاقتصاد، الحماية الاجتماعية، الخدمات...إلخ). وتبرز في هذا الصدد الاختلافات، بين المجالات المندرجة ضمن ما يُعرف باسم السياسة العليا High Politics، مقارنة مع مجالات السياسة الدنيا Law Politics.  

كما يتركز الاهتمام في إطار البحوث، في مجال العلاقات الدولية، حيث يتركز الاهتمام على الدور، الذي تُمارسه المنظمات الدولية، كفاعل يتمتع بقدر من الاستقلالية، بغض النظر عن العناصر المشكلة له، ومدى تمتعه بالشخصية القانونية. ويتمحور هذا الدور، حول شبكة الاتصالات القائمة بين الدول، من خلال نقل نمط العلاقات بين الدول، من طابعها الخاص وغير الدائم Ad Hoc، إلى طابع مؤسساتي ودائم. وتُشكل بذلك إطاراً دائماً، لمعالجة القضايا المختلفة، التي لا يُمكن معالجتها في الإطار الوطني، بسبب قيود السيادة، الحدود، وحدود الصلاحيات أمام الأجهزة الوطنية.

ونتيجةً لذلك فقد تجسدت من خلال المنظمات الدولية الحكومية، إحدى أهم فرضيات المنظور اللبرالي في العلاقات الدولية، التي تعتبر من خلاله أن العمل المشترك والتعاون، في إطار مؤسسة دولية، يُفضي إلى تكريس السلام والأمن الدوليين. أما من الناحية العملية، فقد زاد حجم وتردد العمل المشترك بين الدول، بفضل خلق المنظمات الدولية، لفضاء عمل يُمكن من خلاله، إيجاد حد أدنى مقبول من الانسجام في المصالح الوطنية. والملاحظ أن عمل المنظمات الدولية، لم يعد مقتصراً على المجالات الوظيفية، التي تقبل فيها الدول التنازل أو تفويض جزء من سياتها الوطنية. بل امتد الدور الذي تلعبه هذه الفواعل، إلى غاية المجالات التي اعتبرت لفترات طويلة، على أنها مجالات سيادية، لا يُمكن لأي فاعل آخر، مزاحمة الدولة في إدارته. ويتعلق الأمر بمجالات السياسة الخارجية، أين أصبحت المنظمات الدولية، إطاراً لتنسيق مواقف الدول، وتبني خيارات مشتركة في السياسة الخارجة، على الأقل بالنسبة للقضايا ذات الاهتمام المشترك. كما أنها كذلك عرفت تنسيق الأنشطة والسياسات الأمنية والدفاعية، بل أن بعض المؤسسات الدولية، أنشأت هيئات دفاعية وأمنية جماعية، على غرار هيئة الأركان الأوروبية المشتركة، وجهاز الشرطة الأوروبي.

غير أنه يُمكن القول في النهاية، أن دور المنظمات الدولي، سواءً أكانت ذات طبيعة ما بين حكومية، أو فوق وطنية، لا يُمكن لها إلا أن تكون امتداداً طبيعياً ووظيفياً للدولة، وليس فاعلاً مستقلاً عنه. حيث تُساعد هذه الفواعل على تجاوز الطابع الوطني للقدرات والصلاحيات، لتتمكن من مجاراة الطابع العابر للحدود، الذي تتميز به القضايا والمواقف الدولية. لذلك فإن بعض المواقف لا تُفرق بين الدور الذي تقوم به المنظمات لدولية، مقارنة مع دور الدولة في العلاقات الدولية، على اعتبار أنهما وجهان لنفس العملة.      

خاتمـــــــــــة:

شكلت الدولة، النواة الأولى لما يُعرف بالفاعلين الحكوميين في العلاقات الدولية، على اعتبار أن المنظمات الدولية، ليست في نهاية المطاف، إلا امتداد لإرادة الدولة، في تنسيق الأدوار التي تقوم بها على المستويين الوطني والدولي. وعلى هذا الأساس تم اعتبار أن الدولة وامتداداتها، فقط من يُمكن منحها صفة الفاعل في العلاقات الدولية، بالنظر إلى احتكارها صنع القرار الدولي، وامتلاك شرعية اللجوء إلى القوة، وكذلك التحدث باسم الشعوب. غير أن هذا لا يمنع امتلاك فاعلين آخرين، للقدرة على تصورات الدول والمنظمات الدولية، حول القضايا المختلفة المطروحة وطنيا ودولياً. وبالتالي امتلاك القدرة الكافية، على التأثير على تشكيل أنماط الفعل ورد الفعل، لدى الفاعلين الحكوميين، وهو الدور الذي تُمارسه شبكة الفواعل غير الحكومية، التي أخذت هذه الصفة، انطلاقاً من التصورات التعددية والبنيوية في العلاقات الدولية.        


آخر تعديل: Saturday، 28 December 2024، 1:42 PM