مخطط الموضوع

  • عام

  • المحاضرة 01/ الشعر العربي المعاصر مدخل تاريخي

    01ملخص المحاضرة

    مدخل إلى الأدب العربي المعاصر

    من المعروف أن الأدب هو مرآة المجتمع، حيث أنه تعبير عن المشاعر الجماعية والأخلاق والنزعات الجمالية الفردية لكل هؤلاء الناس الذين يعيشون فيه مؤثرين ومتأثرين، أو فاعلين ومنفعلين، والمقصود بالأدب هو الكتابات الإبداعية والتي تكمن قيمتها في جمال الشكل كما تكمن قيمتها في تأثيرها العاطفي والفكري. 

    إن النزعات التجديدية في الفترة المعاصرة لم تظهر بشكل عفوي، وإن كانت أحيانا تبدو كذلك، فقد وجدت جذور التجديد منذ عصر النهضة، فحركة الإحياء الثقافي بدأت في منتصف القرن التاسع عشر ونتج عنها ظهور النخبة المثقفة العربية والتي كانت تصر على إصلاح المجتمع، وعلى التأكيد على الهوية العربية، والثقافة العربية .

    لقد ذهبت تشعبات هذه النزعات في تأثيرها إلى أبعد من الشأن الأدبي، إن الأجيال الجديدة من الكتاب والشعراء بتبنّيهم الأشكال الغربية الجديدة إنما التزموا بموقف التغيير الثوري، حيث أصبح ينظر إلى دور الأديب على أنه التزام بتغيير المجتمع بل وحتى السياسة، وقد كان المصلحون الجدد يؤكدون أن العالم العربي يواجه مشكلات سياسية واجتماعية واقتصادية خطيرة. والكاتب أو الشاعر عند تمسكه بالتقاليد البالية إنما يتمسك بحالة الركود الراهنة، بدون أية إشارة إلى إمكانية مواجهة تحديات العصر الحديث، وتأكيد التقليديين على ضرورة التوازن بين الحاجات الأخروية. والأدب هو أفضل الوسائل للتعبير عن هذا التغيير الجوهري في النظر إلى الحياة والإنسان.

    لقد كان الأدباء والكتاب، إلى حد كبير، أكثر تأثيرا من الفلاسفة في إرساء أهداف التغيير، ولقد دعا رجال الأدب التقدميون إلى مجتمع أكثر فعالية ، وإلى البعث الذي قد يولد حياة جديدة في جفاف هذه الأرض، رغم غناها الطبيعي، ولقد تحدث الجيل الجديد من الأدباء والكتاب عن الدور الحضاري الذي حاولوا أن يلعبوه، كما أن التقليدية كانت بنظر أنصار التغيير هي السبب في الركود والخنوع النفسي الذي أصاب المجتمع، وذلك بتشديدها على القضايا والموضوعات والأشكال والأساليب الكلاسيكية، بينما المقومات المؤدية للحداثة تعني أن يكون لدى الفرد رؤية أقرب إلى العلمانية، كما أن يكون هناك اندفاع قوي ونزوع إلى تحرير المرأة والطبقات العاملة، ومن هذا الفهم للحداثة تشجعت نزعة الكتابة بأسلوب الواقعية الاجتماعية وارتقت ووصل معها " الأدب الملتزم، إلى وضع لم يسبق له الحدوث.




  • المحاضرة 02/ قصيدة الشعر العمودي

    ملخص المحاضرة 02

    قصيدة الشعر العمودي:

     إن قصة الشعر العربي الحديث هي قصة نزعتين متعارضتين: نزعة تجره نحو الماضي ونزعة تدفعه نحو التحديث. ومن المهم أن نذكر أن الشعراء المجددين والمبدعين استطاعوا التخلص من سيطرة التقاليد غير المرغوب فيها، وذلك بحكم تضلعهم في الشعر القديم. وأفضل من يمثل هؤلاء الشعراء: بدر شاكر السياب"، وخليل حاوي، وأدونيس (علي أحمد سعيد)، ونازك الملائكة.

    مع بدايات القرن التاسع عشر كان الشعر العربي يعيش عصرا مظلما في كل النواحي، وكان قد أصبح نمطيا وسطحيا موجها للزينة والتسلية الخفيفة .

    وعندما بدأت النهضة الأدبية خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر، أظهر الشعراء ميلا غريزيا إلى العودة للتعلم من أفضل نماذج التعبير الشعري الكلاسيكي. وكان هذا اندفاعا صحيا، أملته حاجة الفن نفسه، لكي يكتسب من جديد قوة السبك و احکام التعبير، وذلك ليتغلب على الضعف اللغوي والأسلوبي الذي تولد خلال قرون من الركود الشعري.

    خلال العقدين الثاني والثالث من القرن العشرين، أصبح واضحا ، أن الينابيع الجديدة للإلهام الشعري ستكون ضرورية، في حال نزع الشعر العربي إلى أن يكون مواكبا للشعر العالمي، وأصبح من الواضح كذلك أن هذه الينابيع لا بد أن تستقي من التجربة الشعرية الغربية.

     ثلاثة من ملامح هذه الفترة لها أهمية خاصة هي:

     اولا: نزعة التقليد، الشعراء تبنوا تقنيات وأساليب جديدة من الشعر الغربي مباشرة، ومن ثم أخذوا يطعمون بها التقاليد الشعرية العربية

     ثانيا : اهتمام ناشئ بالنقد الغربي والذي كانت له نتائج باهرة عند الشعراء - النقاد من أمثال ميخائيل نعيمة" وعبد الرحمن شكري (1886 - 1958)، و عباس محمود العقاد (1889 - 1964)، وقد كان هؤلاء - مع آخرين طبعا - الوسيلة لفرض أفكار جديدة في النظرية الشعرية .

    ثالثا: أعمال شعراء الجماعة المهجر الشمالي.

    إن عمليتي التقليد والاهتمام بالنقد العربي ما زالت مستمر تين، أما العملية الثالثة ، فقد كانت ظاهرة منعزلة، محدودة بمدتها الزمنية، ويجب التعامل معها على أنها تجربة أعطت كل ما لديها في الوقت الذي ازدهرت فيه.

    شهدت حقبة الثلاثينيات، خاصية في لبنان، تكريسا لنزعة رمزية كانت قد بثت تباشيرها الأولى في العقد السابق. لم تكن الرمزية العربية وليدة ردود الفعل الفنية والنفسية والتعقيدات الاجتماعية، تلك التي انتجت الرمزية الغربية في القرن التاسع عشر. إذ لم يكن هناك أي عند العرب - احتجاج على الصعيد الاجتماعي مثلا، ضد «عبادة البورجوازية للنشاط و النجاح، أي: ضد المذهب الوضعي والمذهب المادي ولا على الصعيد الفني، حيث نشأت حركة تعوض عن السطحية والمباشرة في الكلاسيكية الجديدة، وعن الاستغراق في الوهم والعاطفة والغموض والتحليق في الخيال المبالغ فيه عند الرومنطيقية .

     ومع أن الشعر العربي المعاصر قد استغرق بعمق بالحياة فيما حوله، إلا أنه ظل بطبيعته رمزيا ، يستعمل بكثرة عناصر التورية واللعب بالألفاظ والعبارات، وكثيرا ما يمزج بين الرموز والأساطير والخرافات والنماذج البدائية و بین عناصر من الحكايات الشعبية، وهذا الجيل من الشعراء يقف بأسلوبه الفني غير المباشر على طرفي نقيض مع الأسلوب المباشر عند شعراء الكلاسيكية الجديدة وبعض شعراء الرومنطيقية .

    يعتبر عقد الخمسينيات واحدا من أكثر الفترات حسما في تاريخ الشعر العربي ككل. في ذلك الوقت لم تكن فقط حركة الشعر الحر (والتي أعقبت تجارب ناجحة ظهرت في الأربعينيات) قد انطلقت رسميا ولاقت دعما نقديا ، و إنما كان هناك استكشاف وتنوير لكل جوانب الشعر.




  • المحاضرة 03/ الرواد والتجربة الشعرية 01

    ملخص المحاضرة 03 

    خصائص شعراء التفعيلة :

    1 ـ الأسلوب:

    هل يتوجب أن تكون ألفاظ الشعر منتقاة ومتميزة تتسامی بذلك على لغة النثر؟ وهل يتوجب على لغة الشعر أن تقارب الكلام العادي؟

    كان لشعر التفعيلة نزعتان متناقضتان في اللغة والخيال تطورتا في وقت واحد.

    النزعة الأولى:

     وأهم ممثليها الشاعر السوري نزار قباني والمصري صلاح عبد الصبور" قد اتجهت لاستعمال مفردات حديثة جدا وتآلفت مع إيقاعات الكلام المعاصر.

     أما النزعة الثانية:

     والتي تزعمها أدونيس، فإنها استخدمت لغة أرفع، وهي مع كونها جديدة، وغير مألوفة ومبتكرة، إلا أنها تنحدر بقوة من الأصول الكلاسيكية، وهي بفصاحتها وإحكام عباراتها وتراكيبها تذكر بعبارات الشعر الكلاسيكي وأدق معانيه، بما في ذلك الكتابات الصوفية المنحدرة إلينا من عدة قرون. كل ذلك يؤكد أنه لا يمكن أن يكون هناك أحكام صارمة وحاسمة لا تقبل التغيير وتنسحب على كل حالات التطور الفني

    ومن المثير للدهشة أن غالبية الشعراء الشباب الطامحين قد افتتنوا بالشكل الثاني للتعبير اللفظي، بكل ما دعا إليه من أنواع خاصة من المجاز، وأخذوا يقلدونه إلى أقصى حد.

    ومن الجدير بالذكر أن كلا النزعتين جعلت اللغة الشعرية أكثر مرونة ، وفتحتها على تجربة أكثر حداثة ، وفي كل اتجاه، فمن جهة أصبح لدينا شعراء مثل الشاعر المصري أمل دنقل"، والبحريني قاسم حداد" ، والعراقيين يوسف الصايغ وسامي مهدي ، الذين استعملوا في شعرهم أبسط عبارة وأعمقها تأثيرا. وهو ما يتآلف تماما ولغة الكتابة الحديثة .

    أما محمود درويش"، أشهر شعراء المقاومة الفلسطينية، فقد بدأ تعاطيه مع الشعر متبعا الأسلوب الأول بلغة بسيطة ومباشرة، إلا أنها عاطفية جدة وقادرة على التعبير عن كل أبعاد المأساة الفلسطينية.

    إلا أنه ما لبث أن انطلق فيما بعد نحو تعقيد أكبر مستعملا لغة ومجازا أكثر غموضا، وقد غلب ذلك على شعره وأعطاه تأثيرا وقوة وتعقيدا، وأحيانا بدا متمردا ومتفلتا من كل قيد.

    2 ـ المجاز :

    إن إرث الرمزية أعطى مجالا واسعا للتلاعب المجازي في الشعر، علاوة على ذلك فإن الوضع العام الذي طغى في السنوات التي أعقبت 1945، بما فيها من الاضطراب السياسي، دعا إلى الحاجة إلى التلميح عوضا عن التعبير المباشر عن الآراء والمواقف. ونشوء ذلك الاهتمام المكثف بموضوعات خاصة كموضوع المقاومة الفلسطينية، و موضوع رفض الجوانب السلبية لعصرنا الراهن، وإعلان الغضب ضد المؤسسات وطرائق العيش القديمة.

    لقد كانت الظروف العامة شنيعة وشائنة إلى حد جعل الشعراء العرب غير قادرين على النظر إلى الحياة إلا من منظور الأزمات والمآزق على المستويين الاجتماعي والسياسي، عازفين من نواح كثيرة تتعلق بالتجارب الكونية الخالدة، لقد تجنب الشعراء الخوض في الحالات الشخصية ، وكذلك الخوف الخاص والإخفاق الشخصي والشك والموقف من الموت والشيخوخة التي زخر بها الشعر القديم ، أصبحت نادرا ما يتطرق إليها الشعراء الجدد، وذلك ما جعل المجال ضيقا، ودفع الشعراء إلى البحث عن الجدة والتميز في عناصر أخرى للقصيدة.

    لذلك فقد أصبحت الصورة الشعرية هي الوسيلة الأساس لإبداعهم، وابتدع بعض الشعراء طرقا جديدة خاصة بهم تألقت ابتکاراتهم المتميزة في استعمال التصوير المجازي، وبموازاة ذلك، إن الفترة المعاصرة قد أنتجت تجديدات ملحوظة في استعمال المجاز ، فقد كان هناك ، مثلا ، قليل من الوصف لأجل الوصف، إلا أنه من جهة أخرى يلاحظ أن استعمال الصورة الموسعة المعنی قد توسع انتشارها، كما نرى في سوق القرية لعبد الوهاب البياتي، و«البحار والدرویش لخليل حاوي، ومن الأعماق أناديك ، أيها الموت» لتوفيق صايغ.

    3 ـ الأساليب الجديدة في شعر التفعيلة:

    إن البحث الدائب عن اتجاهات وطرق جديدة دفعت الشعراء لاقتحام مجالات جديدة للإلهام، فقد استخدموا بغزارة رموزا تتصل بكثير من مواد التراث الشعبي (الفولكلور) والأساطير والنماذج البدائية، سواء منها الخرافية أو التاريخية ، هذا وقد أدت كتابات النقاد والشعراء الغربيين إلى كثير من الفائدة وإلى بعض التشويش في هذا المجال.

    ومن أهم الأمثلة على هذه الرموز المستوردة، هو استخدام أسطورة تموز («ادونیس، او بعل»)، أو غيرهم من آلهة الخصب المستقاة من الأساطير الآشورية والبابلية ، وهذا الاستخدام كان غزيرا لا سيما في فترة الخمسينيات، وذلك يدل على الشعور العميق بالحاجة إلى الإيمان المتجدد في إمكانية الإحياء والانبعاث، هذا الإيمان الذي تزعزع بسبب نكبة فلسطين عام 1945.

    إلا أن الشعراء كان عليهم ألا يفترضوا أن يكون استعمال هذه الأساطير التي تقع أحداثها في زمان ما قبل العرب والإسلام، تجربة مقبولة من جمهور الشعر كله في الوقت الحاضر . فقد ظلت هذه الرموز، على الأرجح غريبة الملامح ودخيلة. ومع ذلك وبفضل طبيعتها التضمينية وجدّتها وصلتها بما يماثلها عند الشعراء الغربيين أصبح استعمال هذه الأساطير شائعة في الشعر العربي ردحا من الزمن.




  • المحاضرة 04 / الرواد والتجربة الشعرية الجديدة 02

    ملخص المحاضرة 04

    ٭ توظيف الأسطورة في الشعر المعاصر:

    إن تعامل الشاعر المعاصر مع الأسطورة أو مع شخوصها، يخضع لنفس المبادئ التي تحكم استخدام سائر الرموز الشعرية الأخرى. ذلك أن الأسطورة أقرب إلى أن تكون جمعاً بين طائفة من الرموز المتجاوبة، يجسّم فيها الإنسان وجهة نظر شاملة في الحقيقة الواقعة. وهذا التجاوب بين رموز الأسطورة لا يمثل علاقات واضحة ومنطقية بينهما، وإنما يخضعها الشاعر لمنطق السياق الشعري، شأنها في ذلك شأن الرموز غير المرتبطة بالأسطورة.

    وفي هذا لا تختلف العناصر الرمزية في الأسطورة عن شخوص الأسطورة، فحيثما يظهر السندباد أو سيزيف في القصيدة ينبغي أن يكون ظهورهما نابعاً من منطق السياق الشعوري للقصيدة، شأنهما في ذلك شأن الرموز. ومن هنا عنَّ لبعض النقاد أن يطلقوا عل هذا النوع من الرمز عبارة "الرمز الأسطوري ".

    إن المتأمل في رموز الشعر المعاصر، القديم منها والجديد، والأسطوري منها وغير الأسطوري، يدرك مدى توفيق الشاعر أو إخفاقه في توظيفها توظيفاً شعرياً جمالياً. وأغلب هذه العناصر يرتبط بشخوص أسطوريين.« وأبرز هذه " الرموز الأسطورية " وأكثرها دوراناً هي شخوص السندباد وسيزيف وتموز وعشتروت وأيوب وهابيل وقابيل وأنيياس والخضر وعنتر وعبلة وشهريار وهرقل والتتار ( وإن كان اسماً لجماعة ) والسيرين وسقراط وغيرهم ».

    وإلى جانب ظهور هؤلاء الشخوص الأسطوريين، نجد الشعراء أحياناً يستلهمون الأسطورة القديمة في مجملها من حيث هي تعبير قديم ذو معنى معيّن، كاستلهامهم أسطورة أوديب وأبي الهول، أو قصة بينيلوب وأوليس، أو حكاية نوم الإمام علي في فراش الرسول ليلة الهجرة. فالعناصر الرمزية التي يستخدمها الشاعر المعاصر، بعد أن يستكشف لها بعداً نفسياً خاصاً في واقع تجربته الشعورية، معظمها مرتبط في الأسطورة أو القصة القديمة بالشخوص أو بالمواقف، وهذه الشخوص أو المواقف إنما تستدعيها التجربة الشعرية ـ الشعورية الراهنة لكي تضفي عليها أهمية خاصة. فالتجربة إنما تتعامل مع هذه الشخوص والمواقف تعاملاً شعرياً على مستوى الرمز، فتستغل فيها خاصية الامتلاء بالرمز والمغزى.


  • المحاضرة 05/ الحداثة الشعرية 01

    ملخص المحاضرة 05 

    التشكيل الموسيقي في الشعر العربي المعاصر 

           إن القصيدة ـ مهما كان نوعها ـ لا يكتمل بناؤها ما لم يكن للموسيقى مجال في هيكلة لغتها وتركيبها. فموسيقى الشعر عنصر أساسي في البناء الشعري، بل إن الذي يفرق بين الشعر والنثر ـ كما تقول إليزابيت درو ـ « هو تجربة الأذن، ذلك أن الشعر كلام يمتاز بزخرفة موسيقية ». وجاء في كتاب الصناعتين للعسكري:« الألحان منظومة، والألفاظ منثورة ».

           والموسيقى في الشعر تهيّئ الجو، وتخلق الاستعداد النفسي عند المتلقي لاستقبال اهتزازات الشاعر وانفعالاته، أي أجواء التجربة الشعرية. وهذا يعني أن ثمة تجاوباً بين النفس وبين إيقاعات الشعر أو موسيقاه. لأن« موسيقى النفس تتوقف على موسيقى اللفظ ».

           وليس ضرورياً أن يكون الإيقاع الشعري نابعاً من أوزان الخليل، ولكن الضروري أن يكون ثمة إيقاع شعري ـ موسيقى، يصنعه الشاعر تبعاً للتجربة، ويستسيغه الذوق العام، ويحس به إحساساً جميلاً.

           وموسيقى الشعر العربي قائمة أساساً على الأوزان الرئيسية التي وضعها الخليل الفراهيدي (100 ـ 170 هـ)، وعلى القافية التي تشكل بدورها ركناً مُهِماً من أركان الشعر العربي. وكما يقول الجاحظ، فإن حظ جودتها، وإن كانت كلمة واحدة، أرفع من حظ سائر البيت.

           وعندما نقول الوزن نفهم " الإيقاع "، أو " التفعيلة "، أو " الرنة ". وقد حاول الشعراء العرب بداية من العصر الحديث، نقل الشعر إلى أنماط جديدة، أو أشكال جديدة تتيح للشاعر حرية أكبر في التعبير.

           ويجدر بنا، قبل أن نتطرق إلى تقنيات التشكيل الموسيقي في الشعر الجديد، أن نوضح بعض المصطلحات: 

    ٭ الشعر المنتظم:

    ويقصد به البيت التقليدي ـ العمودي، عند العرب.

     

    ٭ الشعر المرسل:

    ويقصد به ما يسمى بالفرنسية (vers blancs)، وبالإنجليزية (blanc verse)، وهو الشعر المطلق غير المقفى، على أن المصطلح الذي يحظى بالشيوع في الاستعمال هو " الشعر المرسل " وهو الشعر الموزون غير المقفى.

     

    ٭ الشعر الحر:

    وهو ما يقابله بالفرنسية (vers libre)، وبالإنجليزية (free verse). ويتحدد هذا النوع من الشعر بعدد المقطوعات، لا ينتظم فيها عدد الأبيات، ولا عدد التفعيلات في البيت الواحد، ولا أسلوب التقفية.

    ونضيف في هذا المجال أن هناك نمطاً آخر، هو الشعر المقطوعي والذي يسمى بالإنجليزية (strophie verse)، قائم على المقطوعة ذات الوزن الواحد والقافية المتغيرة بين مقطوعة وأخرى في القصيدة الواحدة. وشبيهة في الشعر الفرنسي بشعر السونيت (sonne).

     

    ٭ الشعر المنثور ـ وقصيدة النثر:

    الشعر المنثور هو شكل يغاير كل الأطروحات التي تكلمنا عنها آنفاً حتى أن هناك بعض اللبس بين الشعر المنثور وقصيدة النثر.. فالشعر المنثور ـ في نظر بعض النقاد ـ يخضع لشكل من التلوين الموسيقي الخارجي المعتمد على بعض الزخرفة اللفظية، وهو بهذا يقترب من الشعر المرسل. أم قصيدة النثر، فهي قفزة خارج الأطر والحواجز المقررة المفروضة في أشكال الشعر المتعارف عليها. وهي بالتالي تمرد على جميع القوانين المسبقة. لذلك تقوم قصيدة النثر على اعتمادها على صورتها الإيقاعية الموسيقية الذاتية الخاصة.

    ٭ موسيقى الشعر الجديد:

           تكلّمت نازك الملائكة عن موقفها من موسيقى البحور الشعرية، في مقدمة ديوانها " شظايا ورماد " فقالت:« ألم تصدأ لطول ما لامستها الأقلام والشفاه منذ سنين وسنين ؟ ألم تألفها أسماعنا وترددها شفاهنا، وتعلكها أقلامنا حتّى مجّتها ؟... منذ قرون ونحن نصف انفعالاتنا بهذا الأسلوب حتى لم يعد له طعم ولا لون، لقد سارت الحياة وتقلّبت عليها الصور والألوان والأحاسيس، ومع ذلك ما زال شعرنا صورة لقفا نبك، وبانت سعاد، والأوزان هي هي، والقوافي هي هي.. وتكاد المعاني تكون هي هي ».

           ودعت الشاعرة في هذه المقدمة إلى التحرر من عبودية الشطرين، فالبيت ذو التفاعيل الست الثابتة يضطر الشاعر معها إلى أن يختتم الكلام عند التفعيلة السادسة، وإن كان المعنى الذي يريده قد انتهى عند التفعيلة الرابعة.

           ودعت الشاعرة أن تتصرف في عدد التفاعيل وترتيبها مستخدمة في هذا التصرف تفاعيل البحور الصافية، وهي التفاعيل المفردة. وضربت مثلاً بتفعيلة الكامل (متفاعلن) فرأت أنه من الممكن أن تكتب السطور الشعرية متفاوتة القدر من هذه التفاعيل حتى يتمكن الشاعر من الوقوف عند تمام المعنى، وحتى يستطيع أن يتخلص من الحشو الزائد.

    وفي سنة 1957 ألقى الشاعر اللبناني يوسف الخال محاضرة في الندوة اللبنانية في بيروت تحدث فيها عن حركة الشعر الجديد.. وحدد صورة هذا الشعر الموسيقية كذلك في حوار أجراه لمجلة الحوادث.. يقول:« يمكننا تسمية الإيقاع بالنغم أو الموسيقى أو حتى بالوزن على أن ذلك ليس من الضروري أن يكون تقليدياً أو موروثاً أو مفروضاً مسبقاً على الشاعر. فالشاعر ملء الحرية في إيجاد إيقاعه الخاص، وهذا ما يميز المفهوم الحديث في الشعر عن المفهوم القديم الذي كان يصر على نوع معيّن من قواعد الوزن ».

    وفي كتاب " الشعر قنديل أخضر " حاول نزار قباني أن يتخذ من موسيقى البحور العربية أساساً كذلك للتجديد في الأوزان فقال:« إن بحور الشعر العربي الستة عشر بتعدد قراءاتها وتفاوت نغماتها ثروة موسيقية ثمينة بين أيدينا وبإمكاننا أن نتخذها نقطة انطلاق لكتابة معادلات موسيقية جديدة في شعرنا ».

           كما يرى نزار قباني بضرورة القضاء على القافية بشكلها التقليدي.« فبرغم كل سحرها وإثارتها فهي نهاية يقف عندها خيال الشاعر لاهثا. إنها اللافتة الحمراء التي تصرخ بالشاعر (قف) حين يكون في ذروة اندفاعه وانسيابه، فتقطع أنفاسه وتسكب الثلج على وقوده المشتعل وتضطره إلى بدء الشوط من جديد. والبدء من جديد معناه الدخول بعد الصدمة في مرحلة اليقظة أي مرحلة النثر، وبتكرار الصدمات تصبح أبيات القصيدة عوالم نائية، وطوابق مستقلة في بناية شاهقة ».


  • المحاضرة 06/ الحداثة الشعرية 02

    ملخص المحاضرة 06 

    قضايا القصيدة الجديدة:

    إن الانعطاف الشعري الذي أنجزته القصيدة الجديدة تمثل في شكل تحوّل طرأ على الشعر العربي. ويمكن حصر هذا الانعطاف في النقاط التالية:

    أ ـ إعادة النظر في مفهوم الشعر ووظيفته، وذلك بكسر قوالب الشعر الموروث، والبحث عن فضاءات جديدة قوامها الإحاطة بالمتناقضات المتصارعة في الواقع. وهذا أمر يتطلب إيجاد شكل يستجيب لهذا المنحى.

    ب ـ تفجير الوحدة الصغرى التي قال العرب باستقلالها في صلب القصيدة، ونعني بذلك البيت الشعري، لصالح الوحدة الكبرى، أي القصيدة. فلم نعد نجد الحدود الفاصلة بين الوحدات. معنى ذلك أن التوجّه الشعري الجديد يطرح النص بكامله كوحدة كلّية متناغمة.

    ج ـ أدّى هذا التوجّه الدرامي إلى بروز إيقاع داخلي جديد لا يقوم على المحسنات البديعية، بل يتولّد عن نظام الحركات والعلاقات التي تنشأ بين الشخصيات والصور، أي من طريقة تشكيل النص ودفعه نحو ذرى درامية.

           ويذهب أغلب المشتغلين بالشعر المعاصر إلى أنّ هذا التحوّل في شكل القصيدة ومفهومها، أخذ في التحقق الفعلي مع السياب. بتعبير آخر، يمكن أن نقول دون مجازفة بأن قصيدة " أنشودة المطر " (وما شابهها من قصائد السياب، كالمومس العمياء، وحفّار القبور...) تمثل البداية التي أعلنت عملية التغيير على نحو فعلي. ذلك أنها كانت بمثابة تحسس صارم للآفاق التي يمكن أن يرتادها الشعر العربي في المستقبل، بل إنها قد تمكّنت ـ على مستوى التشكيل البنائي ـ من الدخول إلى مناطق لم يعرفها الشعر العربي، سواء من حيث التنويع الإيقاعي والقدرة اللغوية على الإمساك بتجربة حياتية كاملة ( تجربة السياب ومن ورائه العراق بأسره ). أو من حيث استدعاؤها الشكل الشعري القديم ( الوزن والقافية وبعض التقنيات البلاغية )، وتوظيفه بطريقة تجعلها تسير على درب المستقبل، مستندة على ما في الماضي من طاقات تساعد على المصالحة بين النقيضين، حتى تفلت من الاستلاب الثقافي.

           تبعاً لذلك، يمكن أن نقول إن هذه القصيدة، تحمل في طياتها كل إشكاليات الشعر العربي المعاصر. وبذلك فإن قصيدة السياب تشكّل فضاءً فسيحاً يحتوي على إرهاصات الآفاق الجديدة، وبالتالي فإنها صارت بمثابة المنهل أو الذاكرة التي ينهل الشعر الجديد من مخزونها ويطوّره.

    مسألة اللغة:

           شكلت هذه المسألة محوراً رئيسياً من محاور التوجهات التي سلكتها التجربة المعاصرة وتمظهرت على صعيد الممارسة في شكل بحث دائم عن مسالك جديدة تسمح بدفع اللغة نحو ذُرى تعبيرية جديدة.

           ولقد أدّى هذا الموقف إلى فتح جملة من الآفاق أدت بدورها إلى التخلي عن التصور القديم الذي يصنّف الألفاظ حسب مداليلها، إلى ألفاظ شعرية وأخرى غير شعرية. وهذا موقف هام يتضمن قناعة أوّلية مفادها أن اللغة ليست مجموعة دوال محددة المعاني بصفة نهائية، بل هي مجموعة أشكال تستمد كل إمكاناتها الدلالية وطاقاتها الإيحائية من السياقات، أي من شبكة العلاقات التي تؤسس مجتمعة جوهر النص الشعري، ذلك أن الكلمة هي في الحقيقة بؤرة تحمل إمكانات لامتناهية من الدلالات.

           وهكذا صار البحث اللغوي بمثابة المدار الذي تتحرك ضمن أُطُره القصيدة العربية المعاصرة. ومن ثَمّ تغيرت الموسيقى التي كان الشعر القديم ينهض عليها.. تراجعت المحسنات البديعية والأوزان الخليلية.. وجاءت الصورة لتحتل مكاناً هاماً في حيز النص، وترفده بطاقات موسيقية بالغة الأهمية. لقد صار الشاعر، بمعنى من المعاني، خالق صُور تلتقي عندها حركات النص وتنكشف بواسطتها رؤية الشاعر وتمنح نفسها للمتلقي.

    ٭ مسألة الغموض:

           إن الشعر الجديد ـ وبعكس الشعر القديم ـ يتسم في معظمه بالغموض، وخاصة في أروع نماذجه. وهناك قاعدة عامة تقول إنه إذا كان " الوضوح " ممكناً، فإن " الغموض " عجز. وهي حقيقة ينبغي إعادة النظر فيها بخاصة حين الكلام عن الشعر، ولكنها على كل حال حجة أولائك الذين يرفضون الشعر الجديد، لما يغلب عليه من طابع الغموض. فهم يقولون حينئذ إن هناك قدراً هائلاً من الشعر الذي يتسم بالوضوح والبساطة، وهو في الوقت نفسه قادر على أن يهزنا ويثيرنا، وكم انفعلنا بهذا الشعر الواضح البسيط.. فالعدول ـ والحال هذه ـ عن البساطة والوضوح إلى الغموض لا يمثل ضرورة فنية وشعرية على الإطلاق.


  • المحاضرة 07 الحداثة الشعرية في الجزائر

    ملخص المحاضرة 07 

    الحداثة الشعرية في الجزائر

    ملمح عام عن بدايات الحركة الشعرية في الجزائر:

    الشعر الجزائري في إطار تشكيله المرجعي ذي ثنائية ضدية كتب فيها صنف من الشعراء المؤيدين بوعي أساسه الخصوصية الحضارية التي جعلتهم يتوفرون على توترات حضارية، فهم يبحثون بشعرهم، وهم يسألون ويرفضون وهم الطامحون إلى تشكيل قصيدة شعرية تحكمها ثقافة الإيجاب التي تؤهلهم لأن يكونوا شعراء عصرهم وبيئتهم، وكل منطلق فكري يساهم في بناء كينونتهم.

             وكتب صنف آخر من الشعراء في إطار ثقافة الصدى التي أجبرتهم على الانخراط في عالم الآخرين الذي أملى عليهم بعد استقلال الجزائر- بخاصة - أن يكونوا أرقاما ثانوية في عالم الإبداع.

             و مشكلتنا الثقافية لا في الجزائر وحدها، بل هي عامة بنيتها العالم العربي الذي توكأت مرجعيته الثقافية في أغلب الأحيان على مفاجآت الغرب التي أصابتها بتشويه ناتج عن خلل في البناء الذي ولد نوعا من الانشطارية المنهجية التي أثرت سلبا في المبدع والمتلقي على السواء، كما ساهم في التداخل مع مفاهيم ذات خصوصية غريبة انطلاقا من وسائل خاطئة بدايتها المناهج المتعلقة بالبحث، والتي اعتمدت في ثقافتنا بأساليب غير علمية منها النقل المنبهر المؤيد بغياب النقد والمراجعة.

    وضروري أن نشير هنا إلى أن إعجاب الشعراء الجزائريين بشوقي وحافظ لم يكن لأي سبب إلا للاحتفاء بشعرهما الذي يستلهم الموروث الماجد للعربية والإسلام، يقول عبد الحميد بن باديس (ت 1940م):>> إننا  باحتفالنا  بذكرى  شاعري العربية العظيمين شوقي وحافظ نكرم سبعين مليونا من أبناء العربية الذين يعدون العربية لغتهم الدينية ونكرم الأمم المتمدنة جمعاء التي يعرف أكابر علمائها المنصفين مزية اللغة العربية التاريخية على العلم والمدنية<<.

             ومع حافظ وشوقي نجد شعراء المهجر>> ويمكن القول بأن جريدة ( الشهاب) في العشرينيات والثلاثينيات كانت مصدرا هاما لمن يرغب في الاطلاع على الأدب المهجري في الجزائر، فقد كانت تنشر مقالات وقصائد لأكبر أدباء العرب وأشهرهم بأمريكا من أمثال جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة وإيليا أبي ماضي، ورشيد سليم الخوري...<< وتبدو العناية بأدب جبران خليل جبران وشعر إيليا أبي ماضي والقروي أكثر وضوحا إذ أقبلوا على إنتاجهم الأدبي إقبالا شديدا لما امتاز به هؤلاء من تفرد وجموح وثورة.

             ويضاف إلى هذا ما قرأه الشعراء الجزائريون عن جماعة "أبولو" إذ كان إنتاجها معروفا لدى الجزائريين وتأثيرها كان واضحا في أشعارهم.

    وبعد الحرب العالمية الثانية جاء التأثير الجديد الذي أحدثته القصيدة العربية المعاصرة بقيادة نازك الملائكة وعبد الوهاب البياتي والسياب وصلاح عبد الصبورويمكننا أن نقرأ هذا التأثير في قصائد الشاعر الجزائري( أبو القاسم سعد الله) الذي يحدثنا عن ذلك بقوله:>> وكنت أتردد على إدارة مجلة الرسالة الجديدة التي كان يختلف إليها عدد من الأدباء أمثال عبد الرحمن الخميسي، وعبد الرحمن الشرقاوي، ومحمود أمين العالم، كما كنت ألتقي في مؤتمرات ونوادي الطلبة العرب بالأدباء الشباب المجددين أمثال رجاء النقاش وأحمد عبد المعطي حجازي  وصلاح عبد الصبور، والفيتوري، وغيرهم<<.

  • المحاضرة 08 / شعر التفعيلة

    ملخص المحاضرة 08 

    قصيدة التفعيلة

    قصيدة التفعيلة : النشأة

    إن إنجاز شعر التفعيلة في العربية كان انفراجا قدم، بنجاح، البديل الفعال لأسلوب الشطرين والقافية الواحدة في القصيدة العربية. هذه القصيدة التي ظلت الأداة الوحيدة للشعر المنهجي أكثر من خمسة عشر قرنا. بينما لم تلق أشكال المقطعات کالموشحات والأزجال انتشارا واسعا.

    ورغم أنه كان هناك تطور متواصل في اللغة والمجاز وفي الأسلوب والموضوع الشعري، إلا أنه لم يحدث أي تغيير في شكل القصيدة الصارم بتوازنها المتناسق المتين، ونظام القوافي الثابتة.

     إن بيت الشعر الواحد في الشكل الشعري التقليدي هو عادة منقسم إلى شطرين متساويين تقريبا.

     وهذا التقسيم يرجع إلى الامتداد الطويل الذي يصل في بحور معينة إلى اثنين وثلاثين مقطع صوتي، والعروض في منتصف البيت، أي نهاية الشطر الأول، تحدث قطعة لطول البيت. وهو وإن كان قلعة كيفية، فإن الشعراء يلجأون إليه كثيرا إن لم يكن دائما، وهذا النظام يدل على أن البيت يجب أن ينتهي بقافية معينة، والتي بدورها تدل على أن البيت الواحد يجب أن يجسد وحدة معنوية وخيالية مستقلة، وهذا هو السبب الذي خلف كثيرا من الخصائص الجذرية والفنية للشعر القديم.

    وهو أيضا يساعد على تفسير الصرامة في الشكل القديم، ليس مهمًّا عدد الشعراء الذين حاولوا إحداث تغيير في شكل القصيدة، لأنهم كلهم كانوا غير قادرين على تجاوز العناد في الشكل المتماثل والمتوازن، ما دام هناك العروض في آخر الشطر الأول من البيت، طبعا باستثناء بعض حالات الموشحات، حيث كانت هناك أسباب خارجة على الشعر .

     لقد كان الحل لهذه المشكلة هو شعر التفعيلة ، ففيه كانت التفعيلة المفردة ، وليس البيت المفرد، هي الوحدة التركيبية للشعر .

    والتفعيلة هنا يمكن أن تكرر حسب الرغبة ، و كذلك طول البيت المفرد يمكن أن يتنوع حسب ما تمليه رغبة الشاعر ، دون الارتباط بعدد مسبق من التفعيلات.

    خصائص شعر التفعيلة:

    إن الثورة الشعرية في الخمسينيات لم تحصر نفسها في تغييرات الشكل فقط، ولكنها التزمت بتغيير كل عناصر القصيدة : الأسلوب، والمجاز، والموقف والنعمة، والموضوع، والمزج بين الأساليب غير المباشرة.

     لقد أقر الشعراء القواعد التي تقول بأن على الشعر أن يكون تعبيرا عن التجربة الحقيقية التي أدركها الشاعر بعقله وقلبه، كما أن على اللغة أن تكون جديدة مبتكرة وحديثة، وأن تطرح جانبا كل الكلمات القديمة والمبتذلة.

     وأن لا يكون التصوير المجازي بعد الآن مجرد وصف عقلي أو تجريدي للطبيعة، بل عليه أن يقلع عن النماذج البيانية الكلاسيكية، ويحدث تحديا للمنطق.

    وأما الأشكال والإيقاعات فيجب ألا ينظر إليها بعد الآن وكأنها شيء مقدس، فهي ليست أشياء منزلة ، إنما يجب أن تكون متناسبة مع مضمون القصيدة، وأن تكون جريئة .

     يجب أن يعتمد بناء القصيدة على وحدة التجربة. ولا تكون تسلسلا لأفكار عقلية بحثة .

    لقد سلط الشعر الجديد هجومه على عيوب المذاهب الشعرية السابقة كلها، وعلى التعبير البلاغي المنمق، والنبرة العالية والأسلوب المباشر عند الكلاسيكية الجديدة، وعلى العاطفية والميوعة والهروب والغموض والتجريد عند الرومانسية، وعلى العزلة، والانطواء على الذات، والنظر من البرج العاجي عند الرمزية. وعدا عن هذه التغييرات في الشكل، فقد أنجزت بعض التغييرات المهمة في حقلي التعبير والمجاز.

     


  • المحاضرة 09/ قصيدة النثر

    ملخص المحاضرة 09

    إشكاليات قصيدة النثر العربية

    التجربة الشعرية الجديدة في العالم العربي من أهم الظواهر الإشكالية إثارة للجدل والنقاش في الأدب العربي المعاصر، ومن أكثر القضايا إلحاحا على توسيع دائرة التفكير والحوار والبحث النظري والتحليل النصي ضمن حركة النقد الأدبي المعاصر، فما يزال الكثير من بلادنا وشعرائنا يرفضون الاعتراف بانتماء تجارب قصيدة النثر إلى أن الشعر برغم ما فيها من نصوص جيدة تتوفر على المميزات الجوهرية لفن الشعر، ورغم ما تطفح به من شاعرية وتميز فني إبداعي، وما يقترحه بعض شعرائها من تجديدات وإبدالات في بنية النص الشعري العربي ومن جهة أخرى ما يزال الاختلاف قائما بين شعرائها وأنصارها أنفسهم في التصور النظري لطبيعتها ومكوناتها النصية ومميزاتها الفنية، فرغم انتشارها الواسع واكتساحها الساحة الأدبية والشعرية في مختلف أرجاء العالم العربي فإن كثيرا من الإشكاليات النظرية والظواهر النصية التي أثارتها يكتنفها اللبس والغموض، ولم تنل ما تستحقه من بحث نظري وتحليل نصي وضبط للمفاهيم والمصطحات.

    - قصيدة النثر من صميم جنس الشعر، وهي شكل من أشكال التحول في الشعر العربي، فرضته الظروف الثقافية والحضارية الجديدة، ولبست جنسا أدبيا جديدا

    - إن الدفاع عن شكل قصيدة النثر لا يعني التعصب لها أو إقصاء الأشكال الشعرية الأخرى وإنكار قيمتها الفنية والإبداعية

    ـ  التشكيل الإيقاعي، وليس الوزن العروضي ، خاصية جوهرية ومميزة للخطاب الشعري، يمكن تحقيقه بآيات وتشكيلات عديدة لا نهائية وليس بالتشكيل العروضي فقط.


  • المحاضرة 10/ الفنون النثرية المعاصرة (القصة)

    ملخص المحاضرة 10 

    - القصـة القصيـرة المعاصرة-

    * أوليــات الرؤيــة الفنيــة.

    ظل الكتاب العرب في مصر وبلاد الشام والعراق منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وحتى أوائل القرن العشرين يتخبطون بين الأشكال القصصية المختلفة دون أن يهتدوا إلى شكل فني يرضون عنه، ويبدو أنهم قد ضاقوا ذرعا بهذه المحاولات التقليدية التي يقلدون فيها القصص المترجمة، أو المقامة، أو القصص الموضوعة، وأرادوا أن يشكلوا فنا قصصيا يعبرون فيه عن بيئتهم، وأصالتهم وواقعهم الذي يعيشونه، بدلا من استخدامهم الأسماء الأجنبية، والبيئات الأوربية مسرحا لأعمالهم القصصية، ولاسيما أنهم ترجموا آلاف القصص الأوربية دون أن تعبر عن واقعهم الحقيقي.

    يضاف إلى ذلك أن الحركات الوطنية التحررية كانت قد اندلعت في كثير من البلدان العربية، منادية بالتحرر والاستقلال. وكانت هذه الحركات قد أخذت في الازدياد والنمو نتيجة لانتشار الوعي الثقافي والفكري في بعض المجتمعات العربية.

    وأهم الظواهر التي طرأت على القصة القصيرة العربية منذ الستينيات وحتى منتصف التسعينيات هي ظاهرة التفتيت، الصورة التجسدية، التتابع الزماني والمكاني " الزمكاني "، الرمز التراثي، الرؤية الحلمية.

    وهذه الظواهر نجدها عند معظم الكتاب المجددين في الوطن العربي، وبخاصة الجيل المعاصر الذي يمارس الكتابة القصصية منذ الستينيات وحتى (منتصف التسعينيات) ففي مصر نجد أعمال ادوار الخراط، والشاروني، وجميل عطية إبراهيم وأحمد الشيخ، وإبراهيم عبد المجيد، ومجيد طوبيا، وأحمد هاشم الشريف، ومحمد عوض عبد العال، ومحمد حافظ رجب، وعبد الحكيم قاسم، وإبراهيم أصلان، ومحمد إبراهيم مبروك، ويحي الطاهر عبد الله، ومحمد المخزنجي، ومحمد مستجاب ويوسف أبو رية، وبهاء طاهر ومحمود الوزداني، ومحمد المنسي قنديل، وجمال الغيطاني، وعز الدين نجيب، وفاروق خورشيد، وعلي عيد، ورفقي بدوي، ورفيق الفرماوي، ومحمد جبريل، وصلاح هاشم، وجار النبي الحلو، وقاسم مسعد عليوة وعلاء الديب وغيرهم.

    وفي بلاد الشام نجد أعمال غسان كنفاني، وهاني الراهب، ووليد إخلاصي، وجورج سالم، ومحسن يوسف، وجبران إبراهيم جبران، ومحمد كامل الخطيب، وغادة السمان، وخليل الجاسم الحميدي، وعبد الله أبو هيف، وزكريا شريقي، وإبراهيم خليل، وأميل حبيبي، وحنا مينا وزكريا تامر وغيرهم.

    وفي العراق نجد أعمال شاكر خصباك، وعبد الرحمن مجيد الربيعي، وغائب طعمة فرمان، ومهدي عيسى الصقر، وغانم الدباغ، وفؤاد التكرلي، وعبد الحق فاضل، وعبد الملك نوري، وغيرهم.

    وفي الخليج العربي نجد أعمال أحمد يوسف، وعبد الله أحمد باقازي، وفوزية رشيد، وليلى العثمان، وكلثم جبر، ومريم جمعة فرج، وسلمى مطر وغيرهم.

    وفي بلاد المغرب العربي نجد بعض أعمال عبد الله العروي، ومحمد زفزاف، وطاهر ابن جلون، وإبراهيم الكوني، وعبد الحميد هدوقة وغيرهم.

    ولعل هذا الكم الكبير من الكتاب الذين ازدهر إنتاجهم القصصي منذ الستينيات وحتى منتصف العقد الأخير من القرن العشرين، يوضح إلى أي مدى ازدهر فن القصة القصيرة، وتطور في أدبنا العربي وأصبح له كتاب في كل قطر عربي، ولعلنا لا نبالغ لو قلنا إن كل قطر من الأقطار العربية لا يخلو من وجود كتاب مجددين في القصة القصيرة، وقد تجاوزوا الشكل الواقعي المألوف، وانطلقوا يحددون في الرؤية والأداة معا. حتى أفرزت أعمالهم هذه الظواهر الفنية المستحدثة. ولما كان من غير اليسير الوقوف عند أعمال كل هؤلاء الكتاب، لذلك سنقف عند نماذج من قصص بعضهم على سبيل التمثيل، لتوضيح أهم هذه السمات المستحدثة في القصة القصيرة.

    ومن الجدير بالذكر أن إرهاصات هذه الملامح المستحدثة قد ظهرت في مرحلة سابقة على الستينيات ولكنها بدأت تزدهر وتنضج وتشكل ظاهرة بارزة في القصة القصيرة منذ أواخر الستينيات وحتى الآن 1995. ونحن نقيس الظاهرة الأدبية وفقا لشيوعها وازدهارها. ولا نقيسها على الحالات الفردية المتناثرة التي ظهرت في بعض الكتابات السابقة على الستينيات.



  • (المحاضرة 11/ الفن القصصي (القصة القصيرة

    ملخص المحاضرة 11

    القصة القصيرة

    من أعظم كتاب القصة القصيرة، الأمريكي إدغار ألان بوEdgar Allan Poe

    و قد قال عنها: " إن القصة القصيرة بحق تختلف بصفة أساسية عن القصة الطويلة (أو الرواية) بوحدة الانطباع (impression). و يمكن أن نلاحظ بهذه المناسبة أن القصة القصيرة غالبا ما تحقق الوحدات الثلاث التي عرفتها المسرحية الفرنسية الكلاسيكية، فهي تمثل حدثا واحدا يقع في وقت واحد. و تتناول القصة القصيرة شخصية مفردة أو حادثة مفردة أو عاطفة، أو مجموعة من العواطف التي أثارها موقف مفرد".

    يجعل صفة "التركيز" أساسية في القصة القصيرة، فهي أساسية في الموضوع، و في الحادثة، و طريقة سردها، أو في الموقف و طريقة تصويره أي في لغتها، و يبلغ التركيز حدا لا تستخدم فيه لفظة واحدة يمكن الاستغناء عنها، أو يمكن أن يستبدل بها غيرها. فكل لفظة تكون موحية، و يكون لها دورها، تماما كما هو الشأن في الشعر.

    و من الصعب أن نجد تحديدا نهائيا لمنهج القصة القصيرة، برغم الاتفاق الذي يكاد ينعقد حول مجموعة من الأصول و الظواهرالعامة التي تبرز في هذا الفن. فبرغم الإطار الضيق نسبيا، الذي تتحرك فيه القصة القصيرة، ما زال هناك تنوع ملحوظ في المناهج التي يتبعها كتاب هذا الفن. و كل من هؤلاء الكتاب إنما يصدر عن منهج خاص  في تصوره لعوامل التأثير في القصة القصيرة و في الهدف منها، فهم ـ بمعنى آخر ـ يختلفون في المنهج من حيث الغاية و الوسيلة. المؤكد أن غاية الجميع هي أن يبدعوا عملا فنيا، فهم في ذلك متفقون لا محالة، و إنما نقصد بالغاية هنا، الغاية التي يحققها كل منهم بالنسبة إلى قارئه. فمن الكتاب من يحرص على أن يقول كل شيء للقارئ بالتفصيل، و ألا يترك شيئا يستكشفه بنفسه، أو يترك له فرصة استنباط شيء وراء المواقف و وراء الكلمات. و هذا النمط من الكتاب يعنى في الغالب بعنصر الحادثة في القصة التي يكتبها، و من ثم يركز الكاتب كل عنايته في سرد المواقف و العناية بالأسلوب. و قصص محمود تيمور القصيرة تمثل هذا النمط أحسن تمثيل.

    و من الكتاب من يؤثر التركيز على الشخصية، يرسمها في دقة و أناة، و يجعلها المحور الذي تدور حوله كل الأحداث، و من ثم لا يرد من المواقف و الأحداث في القصة إلا ما يترجم الشخصية و يبرزها.

    ثم هناك القصة القصيرة ذات الطابع الرومانسي. و في هذا النمط يركز الكاتب على عواطف الشخصية التي يصورها و كثيرا ما نجد الكاتب في هذه الحالة يرتاد الموضوعات التي تتيح له مستوى عال من العاطفة، و كثيرا ما يكون الموضوع ذا طابع مأساوي.

    ثم هناك القصة القصيرة التي تهتم بالفكرة و هي نوعان: رمزية و أسطورية. و في هذا النمط يستغل الكاتب الرموز الشعبية و الأساطير الجاهزة في أن يضمنها وجهة نظر خاصة أو فكرة خاصة، و في هذه الحالة لا يأخذ الكاتب من الرمز و الأسطورة إلا الإطار العام.

    ثم هناك كذلك القصة القصيرة الكاريكاتورية، و فيها يهتم الكاتب بالموقف و الشخصية معا، و لكنه يرسمها بطريقة الكاريكاتور، فيجرد الشخصية و الموقف من العناصر العادية، و لا يلتفت فيها إلا إلى البارز المميز ذي الدلالة الخاصة فيجسمه و يضخمه لكي يلفت النظر إليه، تماما كما يفعل رسام الكاريكاتور

  • المحاضرة 12/ الرواية المعاصرة 01

    ملخص المحاضرة 12

    نشأة الرواية العربية:

    اختلف النقاد حول نشأة الرواية  و هل هي ذات صلة بالتراث أم تقليد للرواية الغربية؟ 

    و قد اتخذت الرواية مسارات متعددة و غنية و متطورة بفعل تطور المجتمع ،فهناك من يتحمس إلى أصلها العربي و يرى أنها وليدة التراث القديم و استمرارا له ،و قد درسوا الأعمال الروائية الأولى و حاولوا إثبات الصلة بين الرواية و المقامة و بقية التراث القصصي عند العرب ،و هناك من ينفي ذلك و يرى أنه لا توجد صلة بين هذا التراث القصصي و الرواية الجديدة و يرى أنها وليدة الاحتكاك بالغرب و التعرف على إنتاجه و نقله إلى العربية و يستند أصحاب هذا الرأي في تعليل فقدانها في الأدب العربي إلى ضعف الخيال العربي و اختلاف لغة الأدب عن لغة الكلام عند العرب و انتشار الأمية في البلاد العربية قلة الأساطير و سجال الحروب و اعتزال المرأة عن التواجد الظاهر ... كل هذا أفقد الأدب العربي وجود الرواية. لذا يؤكد هؤلاء النقاد أن  الرواية العربية كشكل أدبي متطور لم تظهر في عالمنا العربي إلا مع بداية الاجتياح الأوروبي للبلدان العربية و بالتحديد مع أواخر القرن 19 و بداية القرن 20 ،اذ بدأت تبرز المحاولات الأولى للرواية عند بعض الكتاب العائدين من البعثات الطلابية خاصة من فرنسا.

    و يمكن القول أن الرواية العربية الحديثة ـ حسب أغلب النقاد ـ ظهرت متأثرة بالأدب الغربي و ان كانت في بدايتها تأثرت بالتراث القديم من ناحية المادة و المضمون لكنها سرعان ما انقطعت صلتها بالتراث و تأثرت بالرواية الغربية فتراجعت المحاولات الأولى والمتأثرة بالتراث و الكثير من كتاب هذه المرحلة اهتموا بترجمة الرواية الغربية الرومانسية و تركوا الاهتمام بتطوير تراثهم مما أدى الى رفض هذا التراث القديم و قطع الصلة بينه و بين الرواية الفنية.            

    اتخذت الرواية مسارات متعددة غنية و متطورة بفعل تطور المجتمع العربي و ظهرت عدة روايات و انتشرت و توج التراكم الروائي بظهور العديد من الروائيين المتميزين أهمهم "نجيب محفوظ" الأب الروحي للرواية العربية.


  • المحاضرة 13/ الرواية المعاصرة 02

    ملخص المحاضرة 13

    الرواية الجديدة :

    بدأت فترة نهضوية متميزة بالأحداث و من أهمها "هزيمة1976" هذه الهزيمة التي أجبرت الروائي العربي  إلى إعادة النظر في تيار الرواية الذي كان سائدا قبل الهزيمة ،فهذه الفترة التاريخية  ذات الخصوصيات الواضحة دفعت الرواية كشكل أدبي مستحدث أن تنشأ و تتطور عبر كثير من التجارب. و ارتبطت الرواية العربية الجديدة بالتغييرات التي سيعرفها المجتمع العربي  و ستنعكس في الرواية لطبيعتها القابلة للتعبير عن كل مظاهر المجتمع الجديدة، حيث يتداخل فيها المتخيل بالواقع. و حاول الروائيون الجدد استيعاب كل التحولات التي وقعت في المجتمع العربي دون العناية بطابع المحلية و حصرهم فيها كما فعل الجيل السابق.

    و يؤكد الروائي "عبد الرحمان منيف" على أن هذه الهزيمة شكلت ولادة جديدة للرواية العربية لأنها أحدثت تراكما على مستوى الإنتاج  إذ دفعت إلى السطح العديد من الأسئلة و المواضيع الساخنة و التي تتطلب المواجهة والمعالجة ،و ظهر هذا التأثير الذي أحدثته الهزيمة حسب "عبد الرحمان منيف" من خلال ما يلي :

    ـ تراجع التيار الوجودي و الواقعي الذي ساد في الخمسينات و الستينات لتطرح بدلا منه رواية تهتم بالهم القومي و قضايا أخرى. 

    ـ بهذا التطور تراجع المركز الموجه و المسيطر سابقا و الذي هو "مصر" قياسا بالماضي لتبدأ بقية المناطق العربية تعرف تطو ر هذا الجنس مما أدى الى تغيير خريطة الرواية التي امتلأت بأسماء عربية و إنتاج متنوع تفترق على المستوى الجغرافي و لكنها تلتقي في قضايا و موضوعات مشتركة كالحرية ،و التحرر ،و السياسة ،و الانتماء الوطني و القومي ،و القضية الفلسطينية و الصراع الطبقي.

    فهذه الرواية الجديدة عرفت تحويرات في مضامينها و أشكالها، بالمقارنة مع الشكل الروائي السابق  ،و خرجت عن نمطها الكلاسيكي المتمثل في الرواية التعليمية و الرومانسية و الواقعية لتصبح ضمن الإطار العام حاملة لخلفية فكرية وراء شكلها الإبداعي.

     في هذه المرحلة إذن استطاعت الرواية أن تتطور وتتقدم  حيث تخلصت من عيوب  الأسلوب و التشكيل، مما جعل الرواية تنفصل أكثر فأكثر عن التقليد الأوروبي و جعلها تعرف التطور و التقدم كمثيلتها  الغربية.

    فالهزيمة أبعدت الروائيين الجدد عن الرواية التقليدية و أظهرت أنماطا روائية جديدة. فجاءت أغلب الروايات منقطعة عن جذورها الكلاسيكية.                                                                

    الروّاية العربيةّ المعاصرة :

    الرواية كما سبق و ذكرنا هي التي يعالج  فيها المؤلف موضوعا كاملا أو أكثر زاخرا بحياة تامة واحدة أو أكثر، فلا يفرغ القارئ من قراءتها إلا  و قد أل م بحياة البطل أو الأبطال في مراحلهم المختلفة ،ميدان الرواية فسيح أمام القاص يستطيع أن يكشف أستارا عن حياة أبطاله و يجلو الحوادث مهما استغرقت من وقت.

    اتجاهات الرواية في السبعينيات :

    جاءت الرواية في فترة السبعينات و ما بعدها بصورة جديدة. فقد تنوعت الرواية إلى حد كبير من ناحية الأساليب و السرد و التخلص من الأسس التقليدية للسرد : كالعرض ،و العقدة ،و الحل . كما تقدمت في التخييل و التصوير.

    ـ من ناحية المضامين حاولت استيعاب جميع التحولات التي حدثت في المجتمع العربي مع الخروج عن طابع المحلية ،فتناولت بالتصوير و التمثيل بالأحداث أينما وقعت و اهتمت باله م القومي و القضايا السياسية.

    ـ ما يمكن نقول أنه حدثت ثورات عنيفة على الرواية التقليدية و أدت هذه الثورة إلى ظهور اتجاهات جديدة ،و إن كانت متأثرة إلى حد بعيد بالغرب إلا أ ن التأصيل و التكوين ظهرا فيها في أسرع وقت .

    و قد تأثر الكثير من الروائيين العرب بهذا الذي أدى إلى ظهور التعبيرات الرمزية في أعمالهم ،مثل رواية " الشحاذ" ل"نجيب محفوظ" و رواية " الزمن الموحش" ل "حيدر حيدر".... 

    و الذي ساعد على انتشار هذه المدرسة الروائية هي الروايات المترجمة المكتوبة بهذا الأسلوب ،ثم ترجمة مفاهيم علم النفس...

    - الروّاية الطلّيعيةّ :

    هذا هو الاتجاه الآخر الذي انتشر بعد السبعينيات و هو الاتجاه الطليعي أو الرواية الطليعية ، و هي تعني استخدام تقنيات فنية جديدة تتجاوز الأساليب و الجماليات السائدة و المعروفة بهدوء و بطء.

    و قد تميزت الرواية الطليعية باستخدام تقنيات السينما و تقطيع الصور و لوحات مستقلة تعطي مجتمعة انطباعا وإحساسا واحدا.

    كما تميزت باستخدام المونولوج الداخلي ،والفلاش باك في التصوير و كذلك من مميزاتها الأخرى أسلوبها الشعري ، والنظر إلى الحادثة الواحدة من زوايا متعددة ومختلفة.

    من الروائي ين الذين تجل ت هذه العناصر في أعمالهم ،"جمال الغيطاني" و "صنع الله إبراهيم" و "إميل حبيبي" و "جبرا إبراهيم جبرا" "عبد الرحمان منيف" و "إلياس خوري"...

    3- الرواية التجّريبيةّ :

    هذا الاتجاه  أحدث اتجاه ظهر في عالم الرواية و اعتمده المعاصرون بوصفه تقنية جديدة من أجل تجاوز واقعهم الفني المستهلك.

    قامت الرواية التجريبية على توظيف البناءات و الأحلام ،و استغلال تقنيات الشعر و اللا شعور و الاعتماد على الوعي واللاوعي و إلغاء عنصري الزمان والمكان. وقد ظهر هذا الاتجاه لبناء أدب مضاد للإبداع المتعارف عليه عن طريق تدمير البنيات الشكلية للرواية و عناصرها الفني ة و تفجير اللغة و الخروج عن الأنماط الروائية السائدة و السير نحو الابتكار. و الدخول إلى عالم مجهول منقطع عن الماضي و الحاضر متفائل بالمستقبل ،و من أشهر هؤلاء الروائيين "أحمد المديني" حيث يرى الرواية فيض لغوي و ثراء لفظي يتجاوز العادي و المألوف خارجا عن البناء الروائي السابق ...


  • المحاضرة 14 / المسرحية

    ملخص المحاضرة 14 

    المسرحية.

    إن كان الأدب العربي القديم لم يعرف المسرحية لأسباب اختلف الدارسون حولها، فإن الأدب في العصر الحديث عرف شيئًا من بواكير الحركة المسرحية خلال الحملة الفرنسية على مصر والشام، ولكن الحياة الأدبية لم تتأثر كثيرًا بتلك المسرحيات التي كانت تقدم باللغة الفرنسية. وفي النصف الثاني من القرن التاسع عشر أنشئت دار الأوبرا في القاهرة لتعرض عليها الفرق الأجنبية مسرحياتها التمثيلية والغنائية. أما في لبنان فقد سبق الفن التمثيلي مصر بسنوات حين أسس مارون النقاش فرقة من الهواة تولى أمرها بعد وفاته أخوه سليم النقاش الذي انتقل بفرقته من بيروت للإسكندرية.

     

    وخلال تلك الفترة تعددت الفرق المسرحية في مصر وكان من أشهرها فرقة يعقوب صنوع وفرقة سليمان القرداحي وفرقة أبي خليل القباني وفرقة إسكندر فرح. وكانت هذه الفرق تقدم روايات فرنسية مترجمة أو ممصرة حتى تناسب ذوق الجمهور. وأكثر تلك المسرحيات نقد للحياة الاجتماعية والأخلاقية.

     

    وفي أوائل القرن العشرين نهض فن المسرح في مصر نهضة عظيمة على يد عزيز عيد و جورج أبيض. ففي عام 1912م ظهرت جمعية أنصار التمثيل وقدمت مسرحًا يقوم على قواعد علمية صحيحة، ازدهر فيه نشاط التمثيل والتأليف. ويعد محمد عثمان جلال رائدًا من رواد الفن المسرحي، حيث قام بتعريب مسرحيات موليير الهزلية بأسلوب صحيح.

     

    بدأ فن التأليف للمسرح على يد فرسان ثلاثة هم: فرح أنطوان، الذي كتب مسرحية مصر الجديدة ومصر القديمة (1913م)، وهي رؤية اجتماعية عن عيوب المجتمع بسبب مساوئ الحضارة الغربية ومفاسدها. وبعدها بعام كتب مسرحية تاريخية هي السلطان صلاح الدين ومملكة أورشليم، وهي أفضل من سابقتها في دقة رسم شخوصها، وحيوية حوارها وتصميمها المسرحي، وتحكي عن الصراع الحاد بين شجاعة الشرق المسلم ومكر الاستعمار الغربي. وثاني هؤلاء الرواد هو إبراهيم رمزي الذي كتب أبطال المنصورة (1915م)، وهي مسرحية تاريخية تصوّر جانبًا من حياة البطولة العربية الإسلامية أثناء الحروب الصليبية. والثالث هو محمد تيمور، الذي درس التمثيل في فرنسا بعد تخرجه في كلية الحقوق، فكتب أربع مسرحيات هي العصفور في قفص؛ عبد السَّتار أفندي؛ الهاوية؛ العشْرَة الطيبة.

     

    وازدهرت الحركة المسرحية حين كثرت الفرق والجمعيات القائمة على دراسة التمثيل والتأليف المسرحي. وارتبط أدباء العرب بأصول هذا الفن في الغرب، فترسخ أسسه في العالم العربي تمثيلاً وتأليفًا، إلى أن ظهر رائد المسرح العربي الحديث توفيق الحكيم الذي يعد أقوى دعائم المسرح العربي الحديث، إذ تخصص في الكتابة له وكان شغوفًا بالأعمال المسرحية، كما نقل اتجاهات المسرح الحديث في الغرب إلى مسرحنا العربي، وأربت مسرحياته على الأربعين.

     

    انفتح مجال التأليف المسرحي فدخل إلى حلبته عدد كبير من الكتّاب العرب، وتجاوز نطاقه مصر وبيروت، كما تنوعت لغته بين النثر والشعر، ووجدت المسرحية الشعرية مكانها اللائق بها. أما من ناحية الأفكار والموضوعات فقد تنوعت دلالاتها بين السياسية والاجتماعية والفكرية والفلسفية والصوفية. وأصبح المسرح، بحق، أبًا لكل الفنون، كما وجد من الجمهور إقبالاً واحتفالاً لا يقل عن الاحتفال بدُنْيا القصص والروايات.

    فكرة وموضوع المسرحيّة

    هي المعنى المُراد من المسرحيّة والتي تتضمّن القضايا والعاطفة التي تنتج من العمل الدّراميّ، وقد تُذكر الفكرة بصريح العِبارة كعنوان واضح للمسرحيّة أو من خلال الحوارات التي تتقمّصها الشّخصيّات كما يُصوّرها الكاتب المسرحيّ، بالإضافة إلى أنّه يُمكن ألا تكون ظاهرة بشكل واضح للعيان إلّا بعد التّمحيص والتّفكير.


    بناء المسرحيّة

    إنّ هيكلة المسرحيّة وتركيبها يختلف عن هيكلة القصّة وتركيبها في جانبين هُما:


    الشّكل العامّ لبناء النّص:

    هناك تشابه بين فنّ المسرحيّة المكوّنة من فصل واحد، وبين القصّة القصيرة في الحجم عامّة، لكنّ المسرحيّة متعددة المشاهد تكون في إطار مُحدّد، وذلك على عكس القصّة والرّواية اللتين لا يتمّ حصرهما في قالب مُعيّن، خاصّةً الرّواية.


    أسلوب بناء النّص:

    يختلف الأسلوب البنائيّ للمسرحيّة عن القصّة، فهو في القصة يُبنى على أساس التّعقيد القصصيّ المُتمثّل بالانتقال من حالة الهدوء حتّى الوصول إلى الحلّ في نهاية القصّة، أمّا الأسلوب البنائيّ المسرحيّ فيُبنى على منهج التّدرّج تصاعديّاً في الحبكة مروراً بالغاية على شكل خطّ متصاعد، ويصحب هذا شحنات من التّوتر حتّى الوصول في النّهاية إلى القرار الحازم.


    شخصيّات المسرحيّة:

     هم الأشخاص الذين تقع على عاتقهم مهمّة الأداء المسرحيّ، والذين يتميّزون بامتلاك كلّ شخصيّة منهم شيئاً مُميّزاً سواء كان في المظهر، أم العمر، أم التّوجهات المُختلفة الاقتصاديّة منها والاجتماعيّة والّلغويّة، حيث تنقسم شخصيات المسرحية إلى قسمين


    شخصيّات رئيسيّة:

    هي الشّخصيّات المركزيّة في المسرحيّة التي تتمحور الأحداث حولها منذ البداية إلى النّهاية، والتي تتميّز بأنّها شخصيّات نامية طيلة أحداث المسرحيّة، وغالباً ما تبرز شخصيّة أو أكثر منهم والتي يُطلق عليها اسم "البطل".


    شخصيّات ثانويّة:

    هي الشّخصيّات المُكمّلة للشّخصيّات الرّئيسيّة وتكون واضحة ومفهومة، ويتمّ فهمها من خلال أدائها المسرحيّ من الحركة وطريقة الكلام، ومن الجدير بالذِّكر أنّ القدرة على إظهار هذه الشّخصيّات أمام الجمهور بشكل يسمح إبراز السلوكيّات الخاصّة فيها علامة للكاتب المسرحيّ الماهر، أمّا تقديمه الشّخصيّات بشكل ثابت وغير مُتنامٍ فهذا يُوجِد عيباً يزرع فيها السّطحيّة وعدم العمق.


    الّلغة والحِوار:

     يتمثّل عُنصر الّلغة والحوار بالأسلوب الذي يتّبعه الكاتب المسرحيّ في إنشاء الشّخصيّات المسرحيّة والحوارات النّاشئة بينهما، سواء كان ذلك باختيار المُفردات من قِبل الكاتب، أم بتمثيلها من قِبل مُمثّلي المسرح، وهذا مع الخيارات المُتاحة لاستخدام الّلغة المُناسبة، ومن الجدير بالذِّكر أنّ تنوّع استخدام الّلغة والحوار يعمل على إيجاد الحركة في الأداء المسرحيّ، ويحدّد الشّخصيّات ويميّزها، لكن مع ظهور مشكلة الاختلاف في استخدام الكلام الفصيح أم العاميّ في المواسم الأدبيّة أصبحت المسرحيّات لا تتخذ لغة واحدة، كما يرى الأستاذ توفيق الحكيم الذي يعدّ أحد روّاد الحوار الأدب العربيّ أنّه على الفنان التخلص من كلّ تقييد يقف بينه وبين حريّته في التّعبير وصحّة أدائه، بالإضافة إلى أنّه عندما يشعر الفنّان أنّ عمله لن يكون كاملاً مُتكاملاً وحيّاً إلّا عند استخدامه أسلوباً ما فيجب عليه اعتماده.


    المسرح التّراجيديّ:

    تكون لغة المسرحيّة فيه على هيئة شِعر.

    المسرح المصريّ:

     كانت لغة المسرحيّة فيه سابقاً على هيئة الشِّعر، وذلك في مسرحيّات شوقي التي عُرفت حتّى وقتنا بمسرحيّات "عزيز أباظة"، بالإضافة إلى مسرحيّات عبد الرحمن الشّرقاوي، وصلاح عبد الصّبور وغيرهم، لكنّ المسرح المصريّ انتقل حاليّاً إلى النّثر لأنّ النّاس لا يتكلّمون الفصيح في حياتهم، فلجؤوا إلى التّحدث بالحوارات العاميّة.


    موسيقى المسرحيّة:

     هي كافّة المُؤثّرات الصوتيّة التي تتمثّل في أصوات المُمثّلين، مثل الخِطابات والحوارات الإيقاعيّة لهم، والأغاني المُدرجة، والآلات الموسيقيّة المُدرجة في العرض المسرحيّ، ومن الجدير بالذِّكر أنّ الموسيقى ليست جُزءاً أساسيّاً في كلّ مسرحيّة إلّا أنّها تُوجِد حالة من الإيقاع في المسرح خاصّة في الحالات التي يُراد فيها تقديم الحدث بشكل أكثر بروزاً وقوّة، ممّا يجعله أمام المُشاهد بمستوى عالٍ، لذلك يتمّ التّعامل مع ملحنين وكُتّاب أغانٍ للعمل على رفع مستوى موضوعات المسرحيّة وأفكارها، وإن لم تتواجد الموسيقى في العرض المسرحيّ يُمكن إضافتها له لاحقاً في برامج الإنتاج، كما يتميّز كلّ عرض مسرحيّ بلحن مُختلف عن غيره وبأسلوب خاصّ به