ملخص المحاضرة 03
خصائص شعراء التفعيلة :
1 ـ الأسلوب:
هل يتوجب أن تكون ألفاظ الشعر منتقاة
ومتميزة تتسامی بذلك على لغة النثر؟ وهل يتوجب على لغة الشعر أن تقارب الكلام
العادي؟
كان
لشعر التفعيلة نزعتان متناقضتان في اللغة والخيال تطورتا في وقت واحد.
النزعة
الأولى:
وأهم ممثليها الشاعر السوري نزار قباني والمصري صلاح
عبد الصبور" قد اتجهت لاستعمال مفردات حديثة جدا وتآلفت مع إيقاعات الكلام
المعاصر.
أما النزعة الثانية:
والتي تزعمها أدونيس، فإنها استخدمت لغة
أرفع، وهي مع كونها جديدة، وغير مألوفة ومبتكرة، إلا أنها تنحدر بقوة من الأصول
الكلاسيكية، وهي بفصاحتها وإحكام عباراتها وتراكيبها تذكر بعبارات الشعر الكلاسيكي
وأدق معانيه، بما في ذلك الكتابات الصوفية المنحدرة إلينا من عدة قرون. كل ذلك
يؤكد أنه لا يمكن أن يكون هناك أحكام صارمة وحاسمة لا تقبل التغيير وتنسحب على كل
حالات التطور الفني
ومن
المثير للدهشة أن غالبية الشعراء الشباب الطامحين قد افتتنوا بالشكل الثاني
للتعبير اللفظي، بكل ما دعا إليه من أنواع خاصة من المجاز، وأخذوا يقلدونه إلى
أقصى حد.
ومن
الجدير بالذكر أن كلا النزعتين جعلت اللغة الشعرية أكثر مرونة ، وفتحتها على
تجربة أكثر حداثة ، وفي كل اتجاه، فمن جهة أصبح لدينا شعراء مثل الشاعر المصري
أمل دنقل"، والبحريني قاسم حداد" ، والعراقيين يوسف الصايغ وسامي مهدي ،
الذين استعملوا في شعرهم أبسط عبارة وأعمقها تأثيرا. وهو ما يتآلف تماما ولغة
الكتابة الحديثة .
أما
محمود درويش"، أشهر شعراء المقاومة الفلسطينية، فقد
بدأ تعاطيه مع الشعر متبعا الأسلوب الأول بلغة بسيطة ومباشرة، إلا أنها عاطفية جدة
وقادرة على التعبير عن كل أبعاد المأساة الفلسطينية.
إلا
أنه ما لبث أن انطلق فيما بعد نحو تعقيد أكبر مستعملا لغة ومجازا أكثر غموضا، وقد
غلب ذلك على شعره وأعطاه تأثيرا وقوة وتعقيدا، وأحيانا بدا متمردا ومتفلتا من كل
قيد.
2 ـ المجاز :
إن إرث الرمزية أعطى مجالا واسعا
للتلاعب المجازي في الشعر، علاوة على ذلك فإن الوضع العام الذي طغى في السنوات
التي أعقبت 1945، بما فيها من الاضطراب السياسي، دعا
إلى الحاجة إلى التلميح عوضا عن التعبير المباشر عن الآراء والمواقف. ونشوء ذلك
الاهتمام المكثف بموضوعات خاصة كموضوع المقاومة الفلسطينية، و موضوع رفض الجوانب
السلبية لعصرنا الراهن، وإعلان الغضب ضد المؤسسات وطرائق العيش القديمة.
لقد كانت الظروف العامة شنيعة وشائنة
إلى حد جعل الشعراء العرب غير قادرين على النظر إلى الحياة إلا من منظور الأزمات والمآزق
على المستويين الاجتماعي والسياسي، عازفين من نواح كثيرة تتعلق بالتجارب الكونية
الخالدة، لقد تجنب الشعراء الخوض في الحالات الشخصية ، وكذلك الخوف الخاص والإخفاق
الشخصي والشك والموقف من الموت والشيخوخة التي زخر بها الشعر القديم ، أصبحت نادرا
ما يتطرق إليها الشعراء الجدد، وذلك ما جعل المجال ضيقا، ودفع الشعراء إلى البحث
عن الجدة والتميز في عناصر أخرى للقصيدة.
لذلك
فقد أصبحت الصورة الشعرية هي الوسيلة الأساس لإبداعهم، وابتدع بعض الشعراء طرقا
جديدة خاصة بهم تألقت ابتکاراتهم المتميزة في استعمال التصوير المجازي، وبموازاة
ذلك، إن الفترة المعاصرة قد أنتجت تجديدات ملحوظة في استعمال المجاز ، فقد كان
هناك ، مثلا ، قليل من الوصف لأجل الوصف، إلا أنه من جهة أخرى يلاحظ أن استعمال
الصورة الموسعة المعنی قد توسع انتشارها، كما نرى في سوق القرية لعبد الوهاب البياتي،
و«البحار والدرویش لخليل حاوي، ومن الأعماق أناديك ، أيها الموت» لتوفيق صايغ.
3 ـ الأساليب
الجديدة في شعر التفعيلة:
إن
البحث الدائب عن اتجاهات وطرق جديدة دفعت الشعراء لاقتحام مجالات جديدة للإلهام،
فقد استخدموا بغزارة رموزا تتصل بكثير من مواد التراث الشعبي (الفولكلور)
والأساطير والنماذج البدائية، سواء منها الخرافية أو التاريخية ، هذا وقد أدت
كتابات النقاد والشعراء الغربيين إلى كثير من الفائدة وإلى بعض التشويش في هذا
المجال.
ومن
أهم الأمثلة على هذه الرموز المستوردة، هو استخدام أسطورة تموز («ادونیس، او
بعل»)، أو غيرهم من آلهة الخصب المستقاة من الأساطير الآشورية والبابلية ، وهذا
الاستخدام كان غزيرا لا سيما في فترة الخمسينيات، وذلك يدل على الشعور العميق
بالحاجة إلى الإيمان المتجدد في إمكانية الإحياء والانبعاث، هذا الإيمان الذي
تزعزع بسبب نكبة فلسطين عام 1945.
إلا
أن الشعراء كان عليهم ألا يفترضوا أن يكون استعمال هذه الأساطير التي تقع أحداثها
في زمان ما قبل العرب والإسلام، تجربة مقبولة من جمهور الشعر كله في الوقت الحاضر
. فقد ظلت هذه الرموز، على الأرجح غريبة الملامح ودخيلة. ومع ذلك وبفضل طبيعتها
التضمينية وجدّتها وصلتها بما يماثلها عند الشعراء الغربيين أصبح استعمال هذه
الأساطير شائعة في الشعر العربي ردحا من الزمن.