تعريف علم الاجتماع السياسي:

الانطلاق من مسلمة وجود علم الاجتماع ونشأته، يفرض علينا أن نقدم له تعريفا. وفي هذا الشأن نجد أن هناك اتفاق بين العلماء في هذا المجال أن علم الاجتماع السياسي كفرع من فروع حقل علم الاجتماع يهتم بدراسة العلاقة بين السلوك السياسي والسلوك الاجتماعي؛ ومن ثم العلاقة بين البنى السياسية والبنى الاجتماعية، إذاً، علم الاجتماع السياسي هو ذلك العلم الذي يدرس الظواهر و النظم السياسية في ضوء البناء الاجتماعي والثقافة السائدة في المجتمع، وبقدر ما يحدد النظام السياسي مسار المجتمع ويضع أسسه وتنظيمه، هذا المجال الذي يحاول أن يحدد أسس الحكم مع قيمه وأفكاره، هو مصطلح اختلف العلماء في تحديده، وهناك مفهومين يتصارعان حول الاستحواذ على مضمون هذا العلم:

• حيث يتجه المفهوم الأول: إلى اعتبار علم الاجتماع السياسي هو علم الدولة (science of state): ويشير هذا المفهوم إلى أن علم الاجتماع السياسي يدرس الدولة كنمط حديث للمجتمع السياسي الذي ارتبط بحقبة تاريخية محددة بدأت في عصر النهضة وعصر التنوير. أي ربط مجال علم الاجتماع السياسي بالدولة القومية. وقد احتل مفهوم الدولة في هذا الاتجاه مكانا بارزا في التيارات المرتبطة ارتباطا كبيرا بالفكر الماركسي البارز في المحاولات التي بذلت لدراسة العلاقة بين الدولة والطبقة، وفهم الظواهر السياسة بوصفها ظواهر تضرب بجذورها في التركيب الطبقي للمجتمع. • أما المفهوم الثاني: فيشير إلى علم الاجتماع السياسي باعتباره علم دراسة القوة/السلطة (power study)؛

ويسيطر المفهوم الثاني الذي يعتبر أن علم الاجتماع هو علم القوة، كما يقول ''موريس دوفرجيه'' أن علم الاجتماع ليس قاصرا على المجتمع القومي فقط وإنما يمتد لدراسة العلاقات السائدة بين الحاكم والمحكوم، بين الأقلية الذين بيدهم السلطة بفضل امتلاكهم السلطة وزمام القوة، وبين الأغلبية المأمورة التي يجب عليها أن تفعل ما يأمر (شرعنة القوة مبررات امتلاك القوة لممارسة السلطة)؛

وبالتالي المؤيدون للمفهوم الثاني يميلون اعتبار أن القوة في الدولة لا تختلف بطبيعتها ماهي عليه في المجتمعات الإنسانية الأخرى. أما الدكتور ''مولود زايد الطبيب''، فهو يرى أن علم الاجتماع السياسي كعلم للقوة طبقا للنظرية العلمية، يعد أكثر واقعية من المفهوم الأول علم الدولة، وهو التعريف الذي يجد قبولا لدى مختلف التيارات الفكرية في علم الاجتماع، فنجد :

• ''لويس كوزر'' يعرف علم الاجتماع السياسي، بأنه يهتم بدراسة توزيع القوة في نطاق الجماعات، ودراسة الصراعات الاجتماعية والسياسية التي تؤدي إلى (إعادة) توزيع القوة

• ويعرفه ''توم بوتومور'': بأنه العلم الذي يهتم بدراسة القوة في سياقها الاجتماعي (ويقصد بالقوة قدرة فرد أو جماعة اجتماعية على يأتي بأفعال أي صنع القرارات وتنفيذها).

• كما تعرف ''الموسوعة الدولية للعلوم الاجتماعية'' علم الاجتماع السياسي، بانه يهتم بدراسة الأسس الاجتماعية للقوة في كل المجالات النظامية(المؤسسية) في المجتمع.

• تؤكد مجموعة من التعريفات المقدمة لعلم الاجتماع السياسي على ذلك: • فقد أشار ''بندكس'' و''ليبست'' وهم المؤسسون الأوائل لعلم الاجتماع السياسي، أن هذا العلم لا يهتم فقط بالأنظمة السياسية للدولة في حد ذاتها وغنما يسعى إلى وضع النظم في سياقها الاجتماعي.

• بجانبهما، يؤكد ''فرانسيس كاستلس'' على نفس الحقيقة بقوله أن علم الاجتماع السياسي يشتمل على كل المجالات التي تربط البنى الحكومية الرسمية بالبيئة الاجتماعية الأوسع.

• أما ''انتوني أوريم''، يؤكد في تعريفه لعلم الاجتماع السياسي انه محاولة لكشف الظروف الاجتماعي التي تشكل السياسة، وكيف تؤثر السياسة في تشكيل الأحداث الاجتماعية في المجتمع، وكأن العلاقة المنوطة بهذا المجال هي دراسة العلاقات المتبادلة بين السياسة والمجتمع.

ويشير ذلك إلى أن هناك إجماع على أن علم الاجتماع يهتم بدراسة علاقات القوة والسلطة في سياقها الاجتماعي، ويرجع السبب في اتخذا مفهوم القوة كمحور لتعريف علم الاجتماع السياسي، لاعتبار القوة عنصرا يتغلغل في معظم العلاقات الاجتماعية إن لم تكن كلها.

وهكذا يمكن أن يكون مفهوم القوة مفهوما محوريا يلتف حوله البحث عند دراسة العلاقة بين السياسة والمجتمع. لكن لا يجب أن نغفل عن اعتراضات البعض على ربط تعريف علم الاجتماع السياسي بمفهوم القوة، على حد قول أنصار التيار التعددي بأن دراسة بناء القوة ماهي غلا أحد مجالات علم الاجتماع السياسي، كما يظهر ذلك في عديد التعريفات الواسعة التي لا يمكن ذكرها كلها.