تاريخ العلاقة بين علم الاجتماع (السياسي) وعلم السياسة:

على الرغم من اهتمام علماء الاجتماع الأوائل العميق بدراسة النظم السياسية، فإن علم السياسة (تأسس في القرن 19) يعد أقدم ظهورا من علم الاجتماع السياسي الذي لم يظهر إلى الوجود إلا في العقد الخامس من القرن العشرين.

ولقد أدرك علماء السياسة في البداية على أهمية استقلال هذا العلم وتميزه عن الدراسات الاجتماعية والتاريخية، وهو ما يظهر في الإسهامات والتصورات المقدمة لعلم السياسة والتي تخلو من أية رؤية اجتماعية، ليضع العلم في حدود تميزه كعلم مستقل، فادى ذلك للابتعاد كثيرا عن علم الاجتماع والتركيز على الدراسة النظامية والدستورية للمؤسسات الحكومية أو المؤسسات السياسية للدولة بشكل عام، فانحصرت في دراسة الأبنية الرسمية أو الشكلية (formal) للمؤسسات التشريعية والتنفيذية والقضائية من حيث مكوناتها الداخلية وأطرها القانونية.

إلا أن نطاق البحث في علم السياسة توسع لاحقا، فقد واجه محور البحث في العلم السياسة القائم على التمييز بين ما هو اجتماعي وسياسي، انتقادات واسعة لإهمال التحليل الظروف الاجتماعية والثقافية والاقتصادية للمجتمع في التحليل وفهم النظم السياسية كأطر مجردة متعالية على التاريخ والمجتمع، حيث أشار عدد من الباحثين أن هذا الاتجاه النظامي فشل في الفصل بين ما هو اجتماعي وما هو سياسي.

أدت هذه الانتقادات إلى ظهور المدرسة السلوكية في نطاق علم السياسة التي حاولت الابتعاد عن الاتجاه الصوري الذي تبنته المدرسة النظامية، بتقديم منهج يركز على دراسة السلوك السياسي والأفعال السياسية التي يمارسها الناس ودراسة الاتجاهات والمعاني الكامنة خلف السلوك السياسي وخلف التنظيمات السياسية.

وفي ضوء ذلك بدأ بعض الباحثين في علم السياسة التخلي عن النظرية الشكلية في تحليل النظم السياسية وتجاوز مفهوم النظام السياسي نحو مفاهيم جديدة كمفهوم السلوك السياسي ومفهوم الفعل السياسي، فأصبح النظام السياسي بمثابة عملية تتألف من سلوك الأفراد وتفاعل الجماعات؛ ومن ثم فإن وحدة التحليل لن تكون النظام السياسي أو الحكومة وإنما الأفراد كفاعلين سياسيين، وأنماط التفاعل تظهر من خلال العلاقات بين الأفراد والجماعات.

بالإضافة إلى إسهامات الاتجاه السلوكي بتطوير أطر تحليلية عامة لدراسة السلوك والفعل السياسي، كانت الدراسات السياسية المرتبطة بعلم السياسة بصورتها النظامية أيضا تتعرض للانتقادات في الوقت الذي بدأ فيه علماء الاجتماع بتطوير أطروحات حول النظم السياسية وعلاقتها ببنية المجتمع، نحو تأسيس فرع جديد يرتكز على إسهامات رواد علم الاجتماع ويسعى إلى تطوير الدراسات التي كانت محور علماء الاجتماع أمثال كارل ماركس وماكس فيبر وباريتو وسان سيمون، وأوجست كونت. فقد كانت هذه الإسهامات نقطة الانطلاق نحو صياغة أطر جديدة تجعل علم الاجتماع السياسي فرعا معترفا به في الدوائر الأكاديمية. ومن أهم معالم هذا الاهتمام الذي أرسى دعائم علم الاجتماع السياسي المعاصر نذكر:

• جهود تطوير آراء ماكس فيبر حول السلطة وأشكالها والعلاقة بين المكانة والطبقة والسلطة؛

• الاهتمام بتطوير آراء باريتو حول التوازن النسقي وحول تركيب الصفوة والعوامل المؤثرة في تشكيلها (إحياء مفهوم النسق الاجتماعي)؛

• الاهتمام بإحياء آراء كارل ماركس في ضوء الظروف المتغيرة للرأسمالية الحديثة (أهمية مفهوم الطبقة الاجتماعية ودورها في تشكيل التنظيمات السياسية والأيديولوجيات).

ولقد ساهم هذا الاهتمام والتطوير في توسيع هذا المجال الفرعي واعتماد متغيرات جديدة للبحث من قبل علماء السياسة، وقد كان علم الاجتماع السياسي الناشئ هو مصدر هذه المتغيرات الجديدة. فإلى جانب مفهوم السلوك والفعل السياسي، بدأ علماء السياسة استخدام مفهوم النسق السياسي (مع ديفيد ايستون)، واستخدام مفهوم القوة (روبرت دال)، وغيرها من الدراسات اللاحقة.

ويمكن القول في ضوء التحليلات السابقة أن هذه المتغيرات الجديدة أوجدت قدرا كبيرا من الالتقاء بين الدراسات السياسية وعلم الاجتماع السياسي مع صعوبة الفصل بين الموضوعات التي يتناولها كل منهما؛ (مثل دراسة الأحزاب السياسية، الجماعات الضاغطة والاتجاهات والأيديولوجيات السياسة والدراسات المقارنة التي أتاحت لعلماء السياسة أن يأخذوا بعين الاعتبار العلاقات المتبادلة بين السلوك السياسي والأنظمة السياسة والنظم الاجتماعية الأخرى.