المحور الأول: مفهوم التراث الثقافي

مقدمة:
لقد شغل مفهوم التراث الثقافي اهتمام الهيئات الثقافية الدولية والوطنية، لأن تراث كل أمة هو رصيدها الباقي وذخيرتها الثابتة، المعبّر عن مدى ما كانت عليه من تقدم في كل مجالات الحضارة والثقافة؛ بل هو الحافز الأول، والدافع القوي  إلى تتبع خطوات الأقدمين في نشاطاهم وثقافاتهم وآداء واجبهم، وتعتبر الجزائر من أهم الدول التي تمتلك مخزونا تراثيا وثقافيا عريقا، ثمين القيمة، ومتنوع الأصناف وهائل العدد، وواسع الحجم، وهو التراث الذي تراكم طيلة مراحل، وعبر قرون من الزمن، وهو ما جعل منها مرآة عاكسة لماضيها وحاضرها ومستقبلها؛ من الأمازيغية إلى الرومانية والإسلامية العثمانية والاستدمار الفرنسي، وغيرها مما تركوه من موروث يترجم مختلف الثقافات والابداعات الفنية الوطنية الامر الذي أكسب الجزائر هوية ثقافية متميزة على صعيد دول العالم العربي والإسلامي وحتى العالمي.
يعد التراث الثقافي من أهم معالم الهوية الحضارية، ويطلق لفظ التراث على كل نتاج الحضارات السابقة التي ورّثتها البشرية خلفا عن السلف، فهو بذلك خلاصة تجارب الإنسان في كل الميادين المادية والمعنوية، ويعتبر الذاكرة الجماعية للشعوب، والمترجم للهوية وللتنوع الحضاري للأمم، فالتراث الثقافي سجل يحفظ المعطيات التاريخية، ويخلد تطور الإنسان لحقب وأزمنة متفاوتة.
لقد تطور مفهوم التراث الثقافي؛ حيث اقتصر في العقود الماضية على الأعمال الهامة التي تحوي قيما فنية وتاريخية، أما الأن فهو يستعمل على نطاق واسع للدلالة على كل ما يحمل قيمة عند الإنسان.
أمضت الجزائر، على غرار باقي الدول، العديد من الاتفاقيات والبروتوكولات، من أبرزها المصادقة على الاتفاقية الخاصة بحماية التراث العالمي الثقافي والطبيعي المبرمة بباريس في 23 نوفمبر 1972، مما اعتبر انطلاقة هامة في مجال حماية التراث الثقافي، ثم تلتها خطوة أخرى لا تقل أهمية عن الأولى؛ وهي اصدار قانون يقضي بحماية التراث الثقافي الوطني، تحت رقم 98-04، والمؤرخ، في 20 صفر 1419 ، لكن في مقابل هذا كان هنالك تسلسل تاريخي في سن عدة مراسيم وانشاء مؤسسات وهياكل تضمن الحماية الشاملة للتراث الثقافي.
تتكون البيئة–عموما- من عنصرين وهما: العنصر  الطبيعي؛ ويشمل المكونات التي أودعها الله في الطبيعة دون تدخل من الإنسان، مثل الماء والهواء والتضاريس، أما العنصر الثاني، فهو العنصر المشيد أو الصناعي؛ ويندرج ضمنه كل ما أوجده الإنسان وتعامل معه كالمدن والمصانع والتراث الثقافي.
هذا ويُعد التراث الثقافي جزء من مكونات النظام البيئي، فكما أن الإنسان يتصل بالبيئة المحيطة به فيتفاعل مع عناصر البيئة الطبيعية والصناعية سلبا وإيجابا، ومثلما تُغذى عوامل البيئة الطبيعية من ماء وهواء وتربة، التي من شأنها تحديد تكوينه المادي؛ فإن العناصر البيئية المشيدة، ومن أهمها التراث الثقافي، تُغذي روح الإنسان، وتساهم في الارتقاء بتكوينه المعنوي؛ إذ يتأثر الفرد بالعوامل التربوية والعلمية والثقافية، وغيرها من العوامل التي تُوجه سلوكه ونمط تفكيره على نحو ما من هنا نطرح الإشكالية التالية: ما مدى كفاية الآليات القانونية في حماية التراث الثقافي؟

إنّ خصوصية التراث الثقافي تتحدد من حيث مدلوله اللفظي، وفق ما ذهب إليه اللغويين، وعلماء الآثار، ناهيك عن المقاربات القانونية لهذا المصطلح المركب، في منظور الصكوك الدولية، والتشريع الوضعي الجزائري،
كما تبرز خصوصية هذا الممتلك كمحل مشمول بالحماية؛ باعتباره مالا عاما، يضم جملة من الآثار التي سوف نحرص على إجلائها في هذا المحور.

مفهوم التراث الثقافي

Click المحور الأول.pdf link to view the file.