مظاهر الفساد واثاره على البلد

- مظاهر الفساد الإداري والمالي .

للفساد الإداري و المالي العديد من الممارسات التي تعبر عن الظاهرة، و عادة ما تكون متشابهة و متداخلة و

يمكن تقسيمها إلى الأشكال التالية [1]:

-1 الرشوة .

عرف الفقه الرشوة بأنها متاجرة الموظف بأعمال وظيفته عن طريق طلب أو قبول أو تلقي ما يعرضه صاحب

الحاجة مقابل أداء خدمة أو الامتناع عن أدائها ، و عرف القانون الجزائري مرتكب الرشوة من خلال المادة 127 من قانون العقوبات على أنه " يعد مرتشيا و يعاقب بالحبس من سنة إلى 5 سنوات و بغرامة مالية تتراوح من 500 إلى 5000 دج لكل عامل أو مندوب بأجر أو مرتب على أي صورة كانت طلبا أو قبل عطية..... إلا أن من شأن وظيفته أن تسهل له أداءه أو كان من الممكن أن سهله له .

-2 المحسوبية :

المحسوبية هي إصرار ما تؤيده التنظيمات من خلال نفوذهم دون استحقاقهم له أصلا و يترتب عن انتشار ظاهرة المحسوبية شغل الوظائف العامة بأشخاص غير مؤهلين مما يوثر على انخفاض كفاءة الإدارة في تقديم الخدمات و زيادة الإنتاج .

-3 المحاباة

يقصد بالمحاباة تفضيل جهة على أخرى بغير وجه حق كما في منح المقاولات و عقود الاستئجار والاستثمار.

و تعتبر المحاباة و المحسوبية من أكثر مظاهر الفساد خطورة و الأصعب علاجا يترتب عنها آثار سلبية تنعكس علىحياة المجتمعات نتيجة لتلك الممارسات ، و من أمثلة ذلك ما شهدته المحاكم المصرية لواحدة من أشهر قضايا الفساد سنة 1997 كما أن التحيز و المحاباة لطبقة ما و لاعتبارات عرقية أو عقائدية يؤدي إلى شق الوحدة الوطنية و غرس العداء و الحقد في النفوس و إضعاف ثقتهم بنزاهة الإدارة و عدالتها .

-4 الوساطة :

و تعد من الظواهر الاجتماعية العامة التي تسود معظم المجتمعات ، و تعرف على أنها تدخل شخص ذو مركز

و نفوذ لصالح من لا يستحق التعيين ، أو إحالة العقد ، أو إشغال المنصب ، و ترجع أسباب الوساطة إلى :

- دور التنظيمات البيروقراطية الرسمية و واجباتها و إمكانياتها ؛

- التفاوت الاجتماعي و الاقتصادي لفئات المجتمع ؛

- مستوى انتشار التعليم ؛

و تظهر الوساطة في المجتمعات التي تسود فيها عدة عوامل مثل :

- عدم وضوح النظام و القوانين للتنظيمات العامة و الخاصة ؛

- علاقة المواطنين بالمنظمة التي يتعاملون معها ، فهناك علاقة عكسية بين الثقة و اللجوء للوساطة ؛

- شيوع فكرة أن لكل قاعدة استثناء و منها الوساطة .

-5 الإبتزاز والتزوير .

الابتزاز هو الحصول على أموال من طرف معين في المجتمع مقابل تنفيذ مصالح مرتبطة بوظيفة الشخص المتصف بالفساد ، والتزوير يتعلق بتحريف محتوى الوثائق الرسمية والمحررات الإدارية بغية الحصول على منافع شخصية وقد يكون لطمس الحقائق أو للهروب من المتابعات القضائية وطمس الأخطاء الإدارية ، ومثال ذلك تزوير تاريخ الميلاد مثلا للإستفادة سواءا من زيادته أو نقصانه ) الزيادة لبلوغ سن العمل مثلا ، والنقصان للهروب من العدالة والعقاب بحجة عدم البلوغ (.

-6 نهب المال العام والإنفاق الغير قانوني له.

يظهر الفساد أيضا في صورة الاعتداء على المال العام ، و هو ذلك الاعتداء الصادر من أصحاب الوظيفة العامة لتعدد و تزايد حالات اختلاس المال العام ، و الذي يقع على مبالغ كبيرة خاصة في مجال الصفقات العمومية و الاستثمارات عموما.

-7 التباطؤ في إنجاز المعاملات .

والمقصود هنا هو ذلك المظهر المتعلق بلا مبالاة الموظف العمومي وإستهتاره بالمواطنين أو الهيئات المفترض أن

يقدم لها الخدمة المنوطة به والمكلف بها قانونا فنجده لا يقوم بعمله في الوقت المناسب مما يضيع حقوق الأفراد والجماعات ، بل وقد يؤدي ذلك إلى الى العصيان الإجتماعي ما يهدد الإستقرار الإجتماعي والسياسي للدول ، وغالبا ما يكون التباطؤ بنية الإبتزاز والحصول على منافع شخصية للإسراع في إنجاز المعاملات .

-8 الإنحرافات الإدارية والوظيفية أو التنظيمية من قبل الموظف المسؤول.

-9 المخالفات التي تصدر عن الموظف العام أثناء تأديته لمهام وظيفته .

10 - عدم إحترام أوقات العمل ومواعيد العمل في الحضور والإنصراف او تأدية الوقت في قراءة الصحف

، وأستقبال الزوار والإمتناع عن العمل أو التراخي أو التكاسل وعدم تحمل المسؤولية :

و يظهر بعدم التزام الموظف وقت العمل ، أو بحسب تفضيل العلاقات فإنه بذلك يصرف وقتا هو ملك

للدولة فيلحق الضرر بالمراجعين من خلال سرقته لوقتهم و تأخيره و إنجاز معاملاتهم ، مما يؤدي إلى ظهور الفساد الإداري و المالي لأن المراجع سيلجأ في مثل هذه الحالة إلى البحث عن مصادر غير قانونية لتسوية معاملاته حتى قبل المراجعة.

كما أن تخوف الموظفين و عدم تحملهم المسؤولية يدفعهم إلى تجزئة إجراءات المعاملة الواحدة بين عدة أشخاص ، لاعتقادهم بأن زيادة عدد متخذي القرار يتناسب عكسيا مع احتمال التعرض للمسؤولية ، على الرغم من أن قرار بعض المعاملات لا يتحمل على أساسه الموظف أي مسؤولية .

-11 إفشاء أسرار الوظيفة والخروج عن العمل الجماعي والمحاباة في التعيين في مناصب المسؤولية .

الخروج عن العمل الجماعي أو الإنفراد بالعمل والخروج عن العمل المؤسساتي الجماعي كثيرا ما يوقع المصالح

والإدارات والهيئآت في مشاكل قد تؤدي إلى ضياع حقوق الناس وربما اللجوء إلى القضاء ، لأن الأعمال الفردية مهما يكن صاحبها ففيها نقصان ، والعمل الجماعي أكثر مصداقية واقل خطصأ .

-12 مخالفة القواعد المالية و الأحكام المالية القانونية :

إن الميل نحو مخالفة القواعد و الأحكام المالية المنصوص عليها في القانون أو داخل المنظمة و محاولة تجاوزها

و اعتبار ذلك نوع من الوجاهة أو دليل على النفوذ و السلطة هو أحد المظاهر البارزة للفساد الإداري و المالي الذي يتعايش معه السلوك الإنساني إلى درجة تحول الفساد من مجرد سلوك يتقبله البعض إلى سلوك معتمد و مبرر من قبل الأكثرية و كنتيجة لذلك تسود الرغبة في مخالفة أحكام القانون و الخروج عن ضوابطه للحصول على المنافع الشخصية التي تخدم مرتكبيه .



[1] نقماري سفيان ، مداخلة بعنوان  الاطار الفلسفي والتنظيمي للفساد م في الملتقى الوطني المنظم يومي 6/7 ماي 2012 بجامعة بسكرة 


الابعاد والاثار الاقتصادية ، الاجتماعية والسياسية للفساد :

آثار الفساد الإد اري والمالي : هناك عدة آثار للفساد الإداري يمكن عرضها على النحو التالي :

-1 أثر الفساد الإداري والمالي على النواحي الإجتماعية[1] .

1-1 انتشار مظاهر الفساد في أجهزة الدولة له انعكاساته في عملية تنشئة الأطفال و الشباب فعندما يلاحظ

هؤلاء أن الأفراد الفاسدين يعيشون في وضع مادي أو اجتماعي أفضل من الأفراد ذوي السلوك المستقيم

بسبب الرشاوى و العمولات أو غيرها فإن ذلك يشكل دافعا و حافزا للسلوك الفاسد و يعطي انطباعا بأن

للفساد مردود يستحق المخاطرة . و قد يصل الأمر إلى إضعاف القيم و اهتزاز معايير المجتمع فيقبل السلوك

الفاسد على انه سلوك غير مشين ولا مستنكر .

1-2 عدم تحقيق العدالة الاجتماعية. فتسرب الفساد إلى الجهاز الضريبي سيؤدي إلى تحميل ذوي الدخول البسيطة نسبيا عبء الضرائب بينما يتمكن دافعوا الرشوة من التهرب من دفع المبالغ المفروضة عليهم ، و هذا بالتالي سيؤدي إلى تعميق الفجوة بين طبقات المجتمع بالإضافة إلى عدم وصول الدعم و المساندة الذي يفرض أن تقدمه الدولة إلى مستحقيه من الجماعات المحرومة .

1-3 يعتبر الفساد أولا و قبل كل شيء هو مشكلة أخلاقية فإنه في حالة استمراره و استشراءه يقيم نظاما قيميا

منحرفا و ثقافة فساد تهدد ليس فقط أسس الحكومة و إنما أيضا ثقافة المجتمع .

1-4 يؤدي الفساد الإداري إلى المساس بالأمن و الصحة العامة. فالرشاوى التي تدفع إلى الجهات المسئولة عن

التفتيش على المسائل المتعلقة بالشروط الصحية تدفع للتغاضي عن المخاطر التي قد تلحق بالمواطنين من

حيث نظافة المطاعم و المستشفيات و أنظمة الأمان في المصانع و التخلص من النفايات الضارة بالبيئة. هذا

بالإضافة إلى التساهل في تطبيق أنظمة المرور و تسهيل تهريب البضائع الفاسدة إلى داخل البلاد و ربما حتى

تهريب المخدرات و بالتالي زيادة معدل الجرائم .

1-5 يؤدي الفساد الإداري إلى تقليل الاتفاق على مشروعات البنية الأساسية و توفير الخدمات الصحية و

التعليمية و ذلك نتيجة لانخفاض إيرادات الدولة مما يحمل المواطنين نفقات إضافية للحصول على خدمات

صحية و تعليمية مناسبة .

1-6 يترتب على انتشار الفساد في أجهزة الدولة عدم إسهام المواطنين في المشروعات التي تقام عادة عن طريق

الجهود الذاتية و يرجع ذلك لما يصيب المجتمع من موجات اضطراب و فوضى نتيجة لانتشار مظاهر

الانحراف الإداري وما يترتب عليها من إضعاف القيم الراسخة .

1-7 يترتب عن فرض العقوبة على الفاسدين بالحبس أو الفصل من العمل العديد من المشاكل الاجتماعية المتعلقة برعاية الأسرة و تربية الأبناء .

-3 تأثير الفساد الإداري والمالي على النظام السياسي والإستقرار .

3-1 إن الفساد الإداري والمالي يخلق فجوة بين المواطنين و الحكومة مما يدفعهم إلى مساندة القوى المعارضة

للإطاحة بالحكومة القائمة بسبب الاستياء من الفساد المنتشر داخل أجهزة الحكومة .

3-2 إن شعور الفئات الفقيرة بالحرمان نتيجة تعميق الفجوة بين فئات المجتمع بسبب الفساد سيدفع هذه الفئة الفقيرة إلى الالتجاء إلى العنف و الثورة على النظام القائم للتنفيس عما يرتبط بشعورها بالحرمان .

3-3 يساهم الفساد الإداري في التقليل من شرعية النظام السياسي في نظر المواطنين و عدم الثقة في الحكومة حيث يدرك المواطنون أن الموظفين الحكوميين على مستوياتهم المختلفة مجرد عناصر متورطة في الفساد و لا يعنيها سوى تحقيق مصالحها الخاصة و نتيجة لذلك الإدراك يكون النظام السياسي محروما من الناحية الواقعية من أي مساندة شعبية ، بل تظهر السلبية و عدم إقبال المواطنين على التعاون مع النظام القائم  وزيادة تمسكه بولايته المحدودة كالأسرة و العشيرة و فقدان الثقة بالسياسات العامة .

أثار الفساد على الصعيد الاقتصادي[2] يؤدي الفساد على الصعيد الاقتصادي إلى:

- إعاقة النمو الاقتصادي، مما يقوض كل مستهدفات التنمية طويلة او قصيرة الأجل.

- اهدار موارد الدولة أو على الأقل تقدير سوء استغلالها بما يعدم الفائدة المرجوة من الإستغلال الأمثل،

- هروب الإستثمارات الوطنية والأجنبية لغياب حوافزها.

- الإخلال بالعدالة التوزيعية للدخول والموارد واضعاف الفعالية الإقتصلدية وازدياد الهوة بين الفئات الغنية والفقيرة،

- تفاقم وعجز الموازنة، من خلال إضعاف الإيرادات العامة للدولة نتيجة التهرب من دفع الرسوم والجمركة والضرائب، باستخدام وسائل الحيلة والإلتفاف على القوانين النافذة، وهي ممارسات يقوم بها المكلفون بدفعها بهدف تجنب الحدث المنشىء لها.

- التأثير السلبي لسوء الإنفاق العام لموارد الدولة عن طريق اهدارها في المشاريع الكبرى بما يحرم قطاعات هامة مثل الصحة والتعليم والخدمات من الإستفادة من هذه الموارد.

- تدني كفاءة الإستثمارات العامة واضعاف مستوى الجودة في البنى التحتية العامة بفعل الرشاوي التي تدفع للتغاضي عن المواصفات القياسية المطلوبة.

- تشويه الأسواق وسوء التخصيص في الموارد، من خلال تخفيض قدرة الحكومة على فرض الرقابة ونظم التفتيش لتصحيح فشل الأسواق، مما يفقد الحكومة سيطرتها الرقابية على البنوك والتجارةالداخلية.



[1] محاضرات مسكين عبد الحفيظ، مرجع سابق،  ص 32

[2] - المجلة الجزائرية للعولمة والسياسات الاقتصادية / العدد2016: 07ص 205


Modifié le: jeudi 7 mai 2020, 15:24