الفساد تعاريف ومفاهيم

1-مدخل وإطار مفاهيمي للفساد

أ‌-       اصطلاحا :  أخذ مفهوم الفساد عدة مسميات وذلك لاختاف زاوية النظر إليه ،

1-     البنك الدولي عرف الفساد بأنه سوء إستغلال السلطة العامة من أجل الحصول على مكاسب خاصة ، فالفساد من وجهة نظر البنك يكون في الحالات التالية على سبيل المثال :قبول أو طلب رشوة من قبل الموظف العمومي بغرض تسهيل إجراءات إدارية لفائدة جهة ما أو تسريع

إجراءات عقود.

تقديم رشاوى من القبل الشركات أو وسطائها للإستفادة من إمتيازات تنافسية وتحقيق أرباح غير قانونية في

الأصل .

إستغلال الوظيفة من أجل توظيف الأقارب أو ترقيتهم بطرق غير شرعية .

2-     المؤسسة العربية لضمان الإستثمار فتضع الفساد في خانة الإبتزاز والرشوة والإحتيال واستغلال النفوذ، و قد يشمل طرف أو أكثر من طرف ،

3-      منظمة الشفافية الدولية عرفت الفساد على أنه " إساءة استعمال السلطة العامة أو الوظيفة العامة للكسب الخاص بشكل مباشر أو غير مباشر لتحقيق أغراض شخصية مستندة للمحسوبية ،

4-     بينما يختصره صندوق النقد الدولي في علاقة الأيدي الطويلة المتعمدة والمستفيدة لشخص واحد أو مجموعة أشخاص " [1]


[1] بن عزوز محمد : الفساد الاداري والمالي ، المجلة الجزائرية للعولمة والسياسات الاقتصادية ، العدد7 ، 2016، ص 201

أ)- تعريف الفساد في الاصطلاح الشرعي:[1] لقد عرف الفساد في الشرع الإسلامي على أنه جميع المحرمات والمكروهات شرعا،كما عرفه جمهور الفقهاء على أنه مخالفة الفعل الشرع ، فالفساد يعني خروج الشيء عن الاعتدال ،سواء كان هذا الخروج قليلا أو كثيرا ،ويستعمل في النفس والبدن والأشياء الخارجة عن الاستقامةغير أن الفساد يأخذ معنى مغايرا عند الحنفية عما هو عليه عند الجمهور ،حيث يرون أن المقصود بالفساد في باب المعاملات هو كونه الفعل مشروع بأصله أي أن جميع أركانه صحيحة،وغير مشروع بوصفه أي بشروطه،وبالتالي هم يترلون الفساد مترلة وسطى بين الصحة والبطلان، وعلى ذلك هم يرتبون بعض الآثار الشرعية على المعاملات الفاسدة دون الباطلة.

 وفي الفقه الإسلامي ميز الدين الحنيف بين المصلح والمفسد،

حيث ورد في   قوله تعالى  وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَىٰ  قُلْ إِصْلَاحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ  وَإِن تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ  وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ  إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ()")سورة البقرة الآية(220

وإذا كانت عبارة الفساد تعني الشكل الظاهر والعام منها، فإن عبارة " الإفسادتعني المضمون والفعل والسلوك الممنهج للقيام بأعمال غير مشروعة، والمقصود هنا، الأشخاص الذين يسعون للقيام بالفساد الممنهج كإفساد التعليم بإدخال مناهج تدريسية تفكك المجتمع وتمجد الطبقية ، والعمل على انجاح الموظفين غير الاكفاء بالاعتماد على الوساطة والمحابات حتى في تعيين المسؤولين الكبار، القضاء بغير الحق في المحاكم نظرا لتدخل المال في القضايا ، إهدار المال العام على مشاريع ليست ذات أولوية ، العمل على تمزيق الاسرة وتقليل فرص العمل والسكن ، ...إلخ

 بيان أنواع الفساد من خلال القرآن والسنة

1* الفساد في الدين :

وهو فساد الدين الذي يتبعه الانسان  ، فسعي الإنسان في دين فاسد يجعل الفساد يعم وينتشر بحكم الاعتقاد الفاسد

الذي يزين للشخص عمله فيراه من جهة اعتقاده بالدين صلاحا  ، وإذا كان المعتقد صحيحاً صالحاً صلح سعيه، قال تعالى﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾  ]البقرة: 11 [12

وكل من الكفر والنفاق اعتقاد فاسد، يفسد به سلوك المرء فيسعى في الأرض فساداً ، وكيف يصلح من سلب الإيمان من قلبه ؟ فالكفر والنفاق نوع من أنواع الفساد بل أقبح الأنواع لأنه المؤثر على مسلك الإنسان وسلوكه .

2* الفساد الأمني والاجتماعي .

يعتبر الأمن أساس قيام المجتمع ، ومن فقد الأمن لا يشعر بطعم الحياة  ... وللنبي صلى الله عليه وسلم حديث رائع يبين فيه ترتيب حاجيات الانسان فيقول : ( من أصبح منكم آمناً في سربه، معافاً في بدنه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا([2] فبدأ بالأمن لما يترتب عنه من حياة مجتمع ، ثم إلى الصحة وما يتطلبه البدن للقيام بمهامه وقضاء حاجياته، ثم برزقه الذي يحرك به جسده فكأنما ملك كل الدنيا.

وكما أسلفنا فإن أغلب آيات القرآن التي جاء فيها ذكر الفساد جاءت مرتبطة بالأرض التي هي موطن الإنسان

وفيها نشاطه .ويتعرض القرآن بشكل مفصَّل تحت تعبير الإفساد في الأرض إلى ضمانات الأمن الاجتماعي خصوصاً

الداخلي منه يقول تعالى﴿ إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ  ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) المائدة:[، ويقول وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ  وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205 ]البقرة:

وأن هناك حاجات رئيسية وحقوقاً أساسية يحتاجها المجتمع، وبدون تحققها لا يمكن أن يستمر نحو تحقيق أهدافه

، وهي حاجات طبيعية تفرضها ظروف الإنسان الطبيعية من غذاء ، وسكن وسلامة وطمأنينة، وتعد حقوقاً أساسية

في كل مجتمع ، وأي تهديد لهذه الحاجات أو خلل في تلبيتها أو كفايتها يعد فساداً أمنياً واجتماعياً يهدِّّد مسيرة

الإنسان لأداء رسالته.

3* الفساد المالي .

يعتبر المال أحد وسائل الحياة ، وقد تطرق إليه الاسلام بالشكل الذي يصح وبين الخلل والعلة التي تأتي من خلاله ، فوضح لنا طرق الحصول عليه فأمر بطرق وحذر من أخرى ، وأخبرنا بطريقة انفاقه فأمر بطرق وحذر من أخرى ، فمن الطرق المشروعة في كسبه البيع ، ومن الطرق المحذر منها الربا وما شابهه  وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا  ]البقرة: 275 [ومن الطرق التي حذر الله منها في صرف المال هي أكله بالباطل أو استعماله لأخذ مال الغير عند الحكام ،وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ (188البقرة ) ومن المفاهيم التي تناولها القرآن نموذج غياب الأمانة في الأسواق، وسوء الإنتاج متمثلاً في الغش والسرقة في البيع، وعدم الصدق في العقود .

4* الفساد الأخلاقي .[3]

وهو من أخطر أنواع الفساد لأنه تعَدٍّى على العروض، خادش لشعور الناسوقد نظم الله العلاقة الجنسية فقصرها

على الزواج، وجعل غير ذلك تعدياً، قال تعالى في وصف المؤمنين :وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (29إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30فَمَنِ ابْتَغَىٰ وَرَاءَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (31)المعارج

فالزنا نوع من أنواع الفساد الأخلاقي مشين ويذكر القرآن نوعاً من الفساد الأخلاقي ضمن دعوات قوم لوط وقوم شعيب، فالقرآن يعتبر أن عمل قوم لوط من صور الفساد في الأرض، وهذا العمل الشائن يؤدي بالإضافة إلى الأمراض المختلفة إلى تهديد النسل، واستمرار الوجود البشري، الأمر الذي لا يحتاج إلى مزيد بيان. والموضوع يطرح في حضارة اليوم تحت عنوان: )المشكلة الجنسيةالتي أصبحت معلماً بارزاً وسيئاً وخطيراً لا سيما في الحضارة الغربية التي تريد أن تحكم العالم اليوم، والجنسية المثلية التي يريد الغرب أن يقننها كظاهرة إنسانية مقبولة، يعتبرها القرآن من صور ونماذج الفساد في الأرض. هذه الظاهرة خرابها يعُمُّ الأرض الآن بما أفرزته من أمراض عجيبة مثل الأيدز )طاعون العصرولعل هذه المشكلة وتعقدها تعتبر معلماً في حساب درجة الإفساد في الأرض ، وما تعيشه حضارة الغرب التي تلقي بظلالها

السيئة على كل العالم، وهي نموذج جلي لانهيار المجتمع وفساده وتفككه .والإحصاءات لآثار هذه الظاهرة تملأ الصحف وتفيض بها المجلات .

5* الفساد البيئي .

إن قضايا البيئة واجهت البشر في أخريات القرن الماضي ، والتلوث البيئي أصبح هاجساً لجميع الأمم المتقدمة

وغيرها، وأصبحت مكونات البيئة من مكان وهواء وماء مهددة بالفساد والاستهلاك، ويجمع المختصون أن السلوك

البشري يعتبر أول مهددات البيئة بالإسراف والتبذير والتلوث.

ولعلنا نجد الإشارة لهذا في قوله تعالى: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41) الروم .

وقد أولى الشرع الحنيف أمور البيئة كل العناية، فمن مبادئ الشرع عدم الإسراف في استهلاك كل شيء، فمثلاً

نهى عن الإسراف في الماء، ولو كان ذلك في الطهارة، ولو كان المتوضي على ضفة نهر جار . وحمى الماء من التلوث،

فنهى عن البول في الماء، وعن التبول في أماكن الناس ومواردهم، وإن الاعتداء على البيئة نوع من أنواع الفساد .__

 -3 الفساد في السنة النبوية الشريفة .

وردت أحاديث كثيرة تتحدث عن الفساد والمفسدين ،لعل أهمها ما يلي :

• حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " الحلال بين

والحرام بين وبينهما متشابهات لا يعلمها كثير من الناس ، فمن أتقى الشبهات إستبرأ لدينه وعرضه ، ومن

وقع في الشبهات كراع يرعى حول الحمى ، يوشك أن يواقعه ، ألا وأن لكل ملك حمى ، ألا وأن حمى الله في

أرضه محارمه ، ألا وأن في الجسد مضغة أذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ، ألا

وهي القلب " الحديث أخرجه البخاري .

• حديث معاوية بن قرة ، عن أبيه رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أذا فسد أهل

الشام فلا خير فيكم ، لا تزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة " أخرجه

أحمد وقال الألباني حديث حسن صحيح .

• حديث معاوية بن ابي سفيان رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إنما الأعمال

كالوعاء إذا طاب اسفله طاب أعلاه ، وأذا فسد أسفله فسد أعلاهأخرجه أبن ماجة في سننه ، وصححه

الالباني .

• حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الإسلام بدا

غريبا وسيعود غريبا ، فطوبى للغرباء ، قالوا يارسول الله وما الغرباء ؟ قال الذين يصلحون عن فساد الناس " ،

أخرجه الترميذي في سننه .



[1]  محمد المدني بوساق"التعريف بالفساد وصوره من الجهة الشرعية" دار الخلدونية،الجزائر، سنة2009،ص06 .

[2] برقم (2346)، وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي (2/274) برقم (1913)

رابط الموضوع http://www.alukah.net/sharia/0/67424/#ixzz5RMzhDBlW

[3]  مسكين عبد الحفيظ ،أخلاقيات المهنة ،  ص 15



Modifié le: samedi 2 mai 2020, 15:58