اتجاهات النقد الأدبي الجزائري الحديث: مدخل نظري

اتجاهات النقد الأدبي الجزائري الحديث: مدخل نظري

تبحث المناهج السياقية في دراستها عن عناصر خارج مجال النص الأدبي، "تجعل من حياة المؤلف وسيرته شرطا أساسيا لتحليل النص، وعاملا مساعدا على تفسير إبداعاته"([1])، تتخذ من السياق منطلقا مرجعيا يعتمد عليه في "سبر أغوار النص وإضاءة جوانبه الداخلية"([2])، كما تتيح للناقد أدوات إجرائية ينطلق منها محاولا الشرح والتفسير والتأويل، باللجوء إلى مجالات معرفية تبرر استنتاجاته.

       يجسد النص الأدبي المنظور الاجتماعي والفكري والأيديولوجي للأديب، ويعرض ميزات العصر الذي ينتمي إليه، مع درجة من الإلمام "بمحيطه الداخلي سواء تعلق الأمر بعائلته أم قوميته أم حقبته التاريخية"([3])، وقد تعرض النقاد إلى حياة الأديب الخاصة دراسة وتحليلا منذ القرن السادس عشر، ليتبلور في نصف القرن التاسع عشر، وأوائل القرن العشرين، حين ركز على السياق النفسي، و"على تاريخ وحياة المؤلف ومشاعره وعواطفه وسيرته الذاتية الباطنية، وتعامل مع النص على أنه وثيقة نفسية"([4]).

       إن السياق الذي يتفاعل ضمنه النص الأدبي، يتداخل ليحمل في طياته المناهج التاريخية والاجتماعية والنفسية، ليشمل كل الظروف التي ظهر فيها وانبثق منها، لأن وجوده لم يصدر من عدم، إنما انطلق من خلفيات متباينة، فالمجتمع يؤثر في تفكير الكاتب وانتمائه، وتوجهاته الأيديولوجية، "باعتبار أن الأدب أرض الأيديولوجيات الخصبة بلا منازع، ذلك ما قاد الدارسين إلى البحث في البنى الاجتماعية، وعن تأثير وعي المؤلف وحركية الواقع والتاريخ في الكتابة، وفي رؤية الكاتب للعالم، وقد أتكأ هذا الاتجاه على الفلسفة وعلم الاجتماع"([5])، وأخذ على عاتقه نقل تاريخ عصره وأحداثها، ومن أبرز أسباب نشوء هذه المناهج، تطلعها لضم النقد لساحة العلوم الطبيعية، التي تتمتع بنتائج صارمة ويقينية، والارتقاء بها من مجرد انطباعات مغرقة في السطحية والذاتية، إلى مستويات أكثر منهجية وعلمية.

تتجلى أهمية المناهج السياقية في كونها آليات حاضرة باستمرار، في كل مقاربة نقدية، على أساس أن النص الأدبي متصل بمرجعه، ومحكوم بسياقه الداخلي، يخضع في الآن نفسه، لمجموعة من السياقات التاريخية والاجتماعية والنفسية.

إذن، فالمناهج السياقية تقارب النص الإبداعي مستندة إلى المؤثرات الخارجية (سواء أكانت تاريخية أم نفسية أم مثيودينية أم اجتماعية)، والتي أحاطت بميلاده واحتضنت تكونه، فكان لها "التأثير المباشر أو غير المباشر، عبر مستوياتها المختلفة وأصولها المعرفية وتطبيقاتها الميدانية موضوع الدراسة، وليس الأعمال الإبداعية، ومن ثم فحقل بحثها ليس المعرفة، وإنما معرفة المعرفة، باعتبار أن النص في جوهره حامل لمعرفة أولى، وأن الممارسة النقدية، هي معرفة ثانية تشتغل على معرفة أولى"([6]).

غير أن المناهج السياقية في عمومها، تبقى عاجزة عن إصدار أحكام نقدية تشمل جميع العناصر الفنية المكونة للنص؛ بسبب الاقتصار على المضامين الفكرية، أو معرفة المشاكل النفسية التي كانت سببا في وجود النص، لهذا توصف بأنها مناهج لفهم النص، ووفقا لهذا التصور ففهمنا للنص يختلف ويتباين من منهج لآخر.

 



[1] - يوسف، أحمد. القراءة النسقية، ص: 198 .

[2] - وغليسي، يوسف. الخطاب النقدي عند عبد الملك مرتاض، ص: 118.

[3] - يوسف، أحمد. القراءة النسقية، ص: 176 .

[4] - المرجع نفسه، ص:177.

[5] - حيدوش، أحمد. إغراءات المنهج وتمنع الخطاب. ط1. دار الأوطان، الجزائر، 2003، ص:54.

[6] - بلوحي، محمد. آليات الخطاب النقدي الحديث في مقاربة الشعر الجاهلي، اتحاد الكتاب العرب، دمشق http://www.awu-dam.org/


Modifié le: lundi 11 janvier 2021, 15:04