اللسانيات التطبيقية وعلوم التربية

1-           مفهوم علم التربية :

      لا يبتعد معنى التربية في تراثنا العربي عن معاني التنمية والتغذية والتنشئة والتأديب والتهذيب ، ويرتبط بمفهوم الأخلاق والفضائل والسلوك القويم والتعليم الجيد.

      وقريب منه مفهومها لدى الإغريق القدامى؛ حيث يقابل التربية مصطلح " البيداغوجيا" "Pedagogy"  بمعنى: توجيه الأولاد ، ثم تطور مفهومها لتدل على "فن التربية".

     وتحمل التربية مفهوما سلوكيا يشير إلى التغييرات التي تطرأ على الفرد محدثة تحسنا في سلوكه وتعامله، بملاحظة معيار نموه ونضجه العقلي والعاطفي المتجلي في تصرفاته.

    ولذلك قيل: "التربية تنمية الوظائف الجسمية والعقلية والخلقية كي تبلغ كمالها عن طريق التدريب والتثقيف".

إذ ليس كل فرد في المجتمع ينشأ صالحا من البداية، بل يجب أن يحاط بمربين ومثقفين يوجهون سلوكه

     أما التربية بالمعنى الواسع، فهي تتضمن كل عملية تساعد على تشكيل عقل الفرد وخلقه وجسمه، أي تنمية الفرد من كل جوانبه، وليس تقويم سلوكه فقط، باستثناء ما قد يتدخل في هذا التشكل من عمليات تكوينية أو وراثية، التي يرثها الطفل من أفراد عائلته، كما يقال: "فرخ البط عوام".

      وبناء عليه تكون علوم التربية هي مجموع المعارف المنظمة لعملية تربية الأطفال وتحسين سلوكات الأفراد، من أجل تحقيق التنمية الاجتماعية على الصعيد الفردي والجماعي.

    علاقة علوم التربية باللسانيات التطبيقية:

     يأخذ علم التربية من كل علم بطرف، فالفلاسفة يرون أنّ التربية تابعة للفلسفة التي يتبناها المربي، فكل صاحب راية يدعو إلى لوائه، ولذلك ترتبط التربية مفهوما وإجراء بفلسفة المجتمع الذي يسعى إلى تبنيها ونشرها.

     وكذلك الأمر بالنسبة إلى علم النفس فإذا كان يهتم بالنفس الإنسانية وما تتميز به من خصائص وما يعتريها من ظواهر، وكانت التربية تسعى إلى إصلاح النفس وتطويعها وتخليصها من ميولها السلبية، فإنّ علم النفس التربوي هو مضمار اللقاء وميدان الاشتراك، فيستفيد كل من العلمين من الآخر (علم النفس وعلم التربية)، ويستثمر ذلك علم النفس التربوي.

     وكذلك الأمر مع علم الاجتماع والأنتربولوجيا والتاريخ والبيولوجيا... فتتضمن نقاط اتفاق ونقاط افتراق مع علوم التربية كل بحسبه.

      أمّا اللسانيات التطبيقية التي تهتم أساسا بالعملية التعليمية عبر كل مراحلها، ترتكز على نتائج علم التربية وتعتمدها في عمليتي التعلم والتعليم، لأنّ المعلم ينقل إلى المتعلم مجموعة من الآداب والأخلاق والمعارف التي تتطلب استعدادات نفسية وقدرات عقلية لهضمها واستيعابها وتوظيفها، فتكون عمليتا التعليم والتربية متصاحبتين خاصة في أطوار التعليم الأولى وتستمر هذه المصاحبة ما استمرت الحياة، مع تغير أساليب التعليم وفنون التربية.

    فتكون العلاقة بين اللسانيات التطبيقية وعلوم التربية علاقة شراكة في ميداني التربية والتعليم اللّذين نادرا ما ينفصلان، وعلاقة تكامل بينهما ، فكل حقل يمدّ الآخر بما ينقصه ويسدّ حاجته.

ينظر: مزهورة شكنون، مدخل إلى علوم التربية، ص:1-50.


Modifié le: mardi 21 avril 2020, 17:49