خصائص حقوق الإنسان
· خصائص حقوق الإنسان:
من خلال العرض السابق يتضح أن مصطلح "حقوق الإنسان" ورغم من أهميته البالغة ليست فقط على الصعيد الفردي بل وأيضا على صعيد الممارسات والسياسات الوطنية والدولية لم يحظ بتعريف جامع مانع يحدد معالمه وأطره بشكل دقيق، والسبب في ذلك حتما هو الخصائص التي اكتسبتها هذه الحقوق عبر مسيرة الشعوب الطويلة في الكفاح لأجلها، ومن أهم هذه الخصائص نذكر:
1ـ خاصية العالمية: لعالمية حقوق الإنسان بعدين: الأول جغرافي يضمن عدم تقييد هذه الحقوق برقعة جغرافية معينة لأن الإنسان هو نفسه في أي بقعة من العالم، وبعد شخصي يؤكد أنها مكفولة لجميع البشر دون تمييز مهما كان أساسه، فعند النظر للمادة 55 من ميثاق الأمم المتحدة نجد أنها تؤكد على أن :" يشيع في العالم احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين، ولا تفريق بين الرجال والنساء ومراعاة تلك الحقوق والحربات فعلا"، وقد امتدت فكرة العالمية من الميثاق إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أريد إظهار عالميته من خلال تسميته، والذي نص أيضا في ديباجته على أن هذه الحقوق مكفولة لأعضاء الأسرة البشرية لما لهم من كرامة أصيلة فيهم ومن حقوق متساوية وثابتة، وأكد في المادة الأولى منه على أنه:" يولد جميع الناس أحرار ا متساوين في الكرامة والحقوق..."
2ـ الشمولية: يقصد بالشمولية أن الحقوق الإنسانية مكفولة للبشر بجميع فئاتهم رجال أو نساء أطفال أو شيوخ، أقليات، شعوب أصلية، عمال مهاجرين.....، وشاملة أيضا لجميع مناحي الحياة مدنية كانت أو سياسية، اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية، وما يؤكد هذه الخاصية وجود منظومة قانونية لا تشمل فقط النصوص العامة الممثلة في الشرعة العالمية لحقوق الإنسان بل كانت مرحلة صياغة الإعلان والعهدين الدوليين للعام 1966 نقطة الانطلاق للعمل على صياغة نصوص واتفاقيات وإعلانات خاصة بحقوق معينة أو بفئة من الفئات البشرية، ولا نكاد اليوم نرى مجالا أو فئة إلا وخصها القانون الدولي والتشريعات الوطنية بضمانات قانونية تكفل لها الحقوق والحريات اللازمة لحياة كريمة.
3ـ الترابط وعدم القابلية للتجزئة: استخدمت هذه الخاصية الثابتة لحقوق الإنسان من قبل البعض لانتقاد التصنيفات التي وضعت لهذه الحقوق على النحو الذي سنوضحه لا حقا، وبرزت بشكل واضح خلال عملية صياغة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وما شهدته من جدل حاد حول أسبقية فئة من الحقوق عن غيرها، ففي الوقت الذي تمسك المعسكر الاشتراكي بأولوية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية ذات الطابع الجماعي، ركزت الولايات المتحدة وحلفائها على أولوية الحقوق والحريات الفردية، وحسم هذا الجدل في نص الإعلان بأن هذه الحقوق جميعها مترابطة ولا يمكن تجزئتها لأن فقدان الإنسان لأي حق من الحقوق مهما كانت صفته وطبيعته سيؤثر دون شك على أعمال بقية الحقوق الأخرى.
4ـ المرونة والتطور: لقد كان الإنسان ولا يزال في كفاح مستمر لأجل حقوقه وحرياته، ولأن الحصول على هذه الحقوق يتوقف في النهاية على سلطات حاكمة تكفلها وتضمنها، فإن الصراع بين مصلحة الفرد والجماعة لا يزال قائما وسيظل كذلك مؤثرا على كمية الحقوق المكفولة للأفراد في مجتمع معين وفي فترة معينة، ومن جهة أخرى فإن الحقوق الإنسانية تتأثر بالثقافات والإيديولوجيات السائدة في كل مجتمع، ومادامت هذه الأخيرة غير مستقرة وتتطور من جيل إلى جيل فمن الطبيعي أيضا أن تتغير مطالب كل جيل من الأجيال ونظرته لحقوقه على الأقل غير الأساسية منها كالحق في الحياة والغذاء والصحة والعمل وغيرها.....
5ـ الطبيعة الآمرة: لقد ربط ميثاق الأمم المتحدة بين انتهاكات حقوق الإنسان وتهديد السلم والأمن العالميين، ولأن هذا الأخير هو الهدف والمقصد الرئيسي للمجتمع الدولي المعاصر فإن فكرة الحقوق الإنسانية تكتسي طابعا إلزاميا آمرا لا يجوز انتهاكه مهما كانت الظروف، وهو ما نراه واضحا في الفقرة الرابعة من ديباجة الميثاق حيث نصت على أنه:" ولما كانت شعوب الأمم المتحدة قد أعادت في الميثاق تأكيد إيمانها بحقوق الإنسان الأساسية، وبكرامة الإنسان وقدره وبتساوي الرجال والنساء في الحقوق، وحزمت أمرها على النهوض بالتقدم الاجتماعي وبتحسين مستويات الحياة في جو من الحرية ...."، وأضاف في الفقرة الأخيرة أن الفهم المشترك للحقوق والحريات هو أمر" بالغ الضرورة لتمام الوفاء بهذا التعهد".