المبحث الثاني / تطور النظام القضائي الجزائري فيما بعد الاستقلال
.مر التنظيم القضائي في الجزائر المستقلة بتطورات تاريخية
غيرت ملامحه كثيرا ، بدءا من فترة ما بعد
الاستقلال التى استمرت الى غاية سنة 1965
، مرورا بمرحلة وحدة القضاء التي امتدت بعدها الى غاية سنة 1996 ، ثم مرحلة
التحول الى الازدواجية القضائية التي تعرف عدة إصلاحات الى غاية وقتنا الحالي ،
لذلك سنحاول التعرف عليها فيما يلي :
المرحلة
الأولى / مرحلة انتقالية ما بين سنة 1962 الى غاية 1965
:
لم تكن الجزائر تملك غداة استقلالها مباشرة الإمكانيات
الكافية لإنشاء أجهزة قضائية جديدة، و لا المؤسسات الكفيلة بسن التشريعات ، لذلك
تم إصدار القانون رقم 62-157 المؤرخ في 31 ديسمبر1962، الذي أقر استمرار العمل
بالتشريعات النافذة بتاريخه إلى غاية إشعار جديد، باستثناء ما يتنافى منها مع
السيادة الوطنية أو ما يتضمن أفكارا استعمارية أو عنصرية تتنافى والممارسة العادية
للحريات والديمقراطية .
ففي هذه
المرحلة، كانت الجزائر تعتمد نظام الإزدواجية القضائية : قضاء عادي يبث في القضايا
المتعلقة بالقانون الخاص، وقضاء إداري يفصل في النزاعات التي تكون الدولة طرفا
فيها قاعدته ثلاثة محاكم إدارية بوهران و قسنطينة و الجزائر العاصمة و هرمه مجلس
الدولة الفرنسي .
ليتخلى المشرع عن نظام
ازدواجية القضاء الذي كرسه المشرع الفرنسي، بإنشاء المجلس القضائي الأعلى بموجب
الأمر رقم 63-218 الصادر في 18 جوان 1963، الذي تولى اختصاصات مجلس الدولة ومحكمة
النقض الفرنسية، حيث أصبح
المجلس القضائي هو قمة الهرم، مع الإبقاء على الإزدواجية القضائية على مستوى
المحاكم الإدارية الثلاث التي تفصل في المنازعات ذات الطابع الإداري ، مما أدى إلى
ظهور نظام قضائي مختلط.
المرحلة الثانية / مرحلة وحدة القضاء و ازدواجية
المنازعة ( 1965 – 1996 )
ابتدأت هذه
المرحلة بصدور الأمر رقم 65- 287 المؤرخ في 16 نوفمبر 1965المتضمن إصلاح القطاع
القضائي في الجزائر الذي ألغى المحاكم الإدارية
، و أنشأ بدلها غرف إدارية بالمجالس القضائية الثلاث( الجزائر العاصمة،
وهران وقسنطينة)، تابعة لجهاز قضائي واحد، تفصل في المنازعات الإدارية كمحكمة أول
درجة بحكم قابل للاستئناف أمام الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى ، هذه الأخيرة منح
لها أيضا الاختصاص بالفصل ابتدائيا و نهائيا في الطعون بالبطلان ضد قرارات السلطة الإدارية
و تقدير و تفسير مشروعية قراراتها .
أي ان الجزائر في هذه المرحلة اتجهت الى اعتماد نظام
وحدة القضاء نظرا لنقص الكفاءات في البلاد و عدم توفر قضاة متخصصين ، ولبساطة نظام
وحدة القضاء لوجود قانون اجرائي واحد و ملاءمته للوضع ، غير ان هذه الوحدة كانت
نسبية ، مما أدى بالبعض الى القول ان النظام القضائي الجزائري كان مختلطا في هذه المرحلة : يأخذ ببعض مزايا النظام
القضائي الموحد و المزدوج في آن واحد ، من حيث :
-
وجود غرف إدارية على مستوى المجالس القضائية ، و غرفة إدارية
على مستوى المجلس الأعلى للفصل في المنازعة الإدارية ، أي ان هناك ازدواجية في
المنازعة في اطار نفس الهياكل .
-
وحدة الإجراءات في قانون واحد هو قانون الإجراءات المدنية
، الذي ادرج فيه المشرع بعض الاحكام الخاصة بالمنازعة الإدارية العامة التي لا
تخضع للمحاكم الابتدائية .
و ما تجدر الإشارة اليه في هذا المقام هو أن هذه الأجهزة ( المجلس الأعلى
و المجالس القضائية و كذا الغرف الإدارية ) قد مستها عدة تعديلات من حيث زيادة عدد
المجالس القضائية و عدد الغرف الإدارية على مستواها الذي وصل الى 31 مجلسا قضائيا
و 31 غرفة إدارية ، كما تم احداث تغيير على مستوى الاختصاص النوعي للغرف الإدارية ،
بحيث تم تصنيف المنازعات الإدارية الى ثلاثة أصناف :
-
منازعات إدارية تفصل فيها الغرف الإدارية المحلية على
مستوى جميع المجالس القضائية ، و هي دعاوى الإلغاء و تفسير و تقدير مشروعية القرارات
الصادرة عن رؤساء المجالس الشعبية البلدية و المؤسسات ذات الطابع الإداري ، و
دعاوى المسؤولية المدنية للدولة ، الولاية ، البلدية و المؤسسات العمومية ذات
الصبغة الإدارية .
-
منازعات إدارية تفصل فيها الغرف الإدارية الجهوية على
مستوى 05 غرف بالمجالس القضائية : الجزائر ، وهران ، قسنطينة ، بشار ، ورقلة ، و هي دعاوى الإلغاء و تفسير و تقدير مشروعية القرارات
الصادرة عن الولاة .
-
منازعات إدارية تفصل فيها الغرف الإدارية بالمحكمة
العليا ، و تتمثل في الطعون بالبطلان في القرارات التنظيمية و الفردية الصادرة عن
السلطة الإدارية المركزية و الطعون الخاصة بتفسير و تقدير مشروعية هذه القرارات ، بالإضافة
الى أن الغرف الإدارية بالمحكمة العليا لها اختصاص النظر في الطعون بالاستئناف ضد
الاحكام الصادرة عن الغرف الإدارية بالمجالس القضائية و كذا الطعن بالنقض .
المحلة الثالثة / العودة إلى نظام الإزدواجية القضائية منذ سنة
1996 إلى يومنا الحالي
تبنى المشرع الجزائري نظام الإزدواجية
القضائية من جديد بموجب المادة 152 من التعديل الدستوري لسنة 1996، وهذا بإنشائها
لمجلس الدولة كهيئة مقومة لأعمال الجهات القضائية الإدارية، كما نصت المادة 153
منه على إنشاء محكمة التنازع.
ولتكريس الإزدواجية القضائية
تم إصدار: القانون العضوي رقم 98-01 المؤرخ في 30 ماي 1998 ، والقانون العضوي رقم
98-02 المتعلق بالمحاكم الإدارية والقانون العضوي رقم 98-03 المتعلق بإنشاء محكمة
التنازع، ثم القانون رقم 08-09 المؤرخ في 25 -02- 2008 المتضمن قانون الإجراءات المدنية والإدارية، المعدل
والمتمم، الذي أقر إجراءات خاصة بالقضاء الإداري.
ثم جاء التعديل الدستوري لسنة 2020 لينص في
مادته 179 على أن مجلس الدولة يعد هيئة مقومة لأعمال المحاكم الإدارية للاستئناف
حيث كرس التقاضي في المادة الإدارية على درجتين، وهو ما تأكد بصدور القانون رقم
22-07 المؤرخ في 09 جوان 2022 المتعلق بالتقسيم القضائي، الذي نص من خلاله المشرع
على استحداث ست (6) محاكم إدارية للاستئناف.
كما أكدت المادة 02 من القانون العضوي 22-10 المؤرخ في 09 جوان 2022 اعتماد
الجزائر على نظام الازدواجية القضائية بقولها : " يشمل التنظيم القضائي
النظام القضائي العادي و النظام القضائي الإداري ، إضافة الى محكمة التنازع "
. و يشمل النظام القضائي العادي حسب المادة 03 منه : المحاكم ، المجالس القضائية ،
المحكمة العليا ، أما النظام القضائي الإداري فنصت المادة 04 من نفس القانون على
انه يشمل : المحاكم الإدارية ، المحاكم الإدارية للاستئناف و مجلس الدولة .
آخر تعديل: Sunday، 7 December 2025، 6:56 AM