ميادين علم النفس العمل و التنظيم

1-    السلوك التنظيمي :

إن علم السلوك التنظيمي يحاول أن يقدم إطارًا لكيفية تفسير وتحليل السلوك الإنساني، وذلك بغرض التنبؤ به مستقبلًا والسيطرة عليه أو التحكم فيه، ويقصد بالسلوك الاستجابات التي تصدر عن الفرد نتيجة لاحتكاكه بغيره من الأفراد أو نتيجة لاتصاله بالبيئة الخارجية  من حوله، ويتضمن السلوك بهذا المعنى كل ما يصدر عن الفرد من عمل حركي أو تفكير أو سلوك لغوي أو مشاعر أو انفعالات أو إدراك.

و يعرف السلوك التنظيمي بانه الاستجابات التي تصدر عن الفرد نتيجه لاحتكاكه بغيره من الافراد أو نتيجه لاتصاله بالبيئه الخارجيه من حوله ويتضمن بهذا المعنى كل مايصدرعن الفرد من عمل حركي، تفكير،سلوك لغوي، مشاعر، أدراك ، أنفعالات .

كما يقصد بالمنظمات تلك المؤسسات التي ننتمي إليها، وتهدف إلى تقديم نفع وقيمة جديدة، كالمصانع والبنوك والشركات والمصالح الحكومية والمدارس والنوادي والمستشفيات وغيرها.

فالسلوك التنظيمي تفاعل علمي النفس والاجتماع مع علوم أخرى أهمهما علم الإدارة والاقتصاد والسياسة، وذلك لكي يخرج مجال علمي جديد هو المجال العلمي الخاص بالسلوك التنظيمي، والذي يهتم بسلوك الناس داخل المنظمات.

ويعنى السلوك التنظيمي أساسًا بدراسة سلوك الناس في محيط تنظيمي، وهذا يتطلب فهم هذا السلوك والتنبؤ به والسيطرة عليه وعلى العوامل المؤثرة في أداء الناس كأعضاء في المنظمة.

وعرف كلا من Greenberg &Baron السلوك التنظيمي بأنه (مجال يهتم بمعرفة كل جوانب السلوك الإنساني في المنظمات، وذلك من خلال الدراسة النظامية للفرد، والجماعة، والعمليات التنظيمية، وأن الهدف الأساسي لهذه المعرفة هو زيادة الفعالية التنظيمية وزيادة رفاهية الفرد.

بالرغم من أن السلوك التنظيمي هو مجال نامي للمعرفة وبه كثير من المبادئ العلمية الهامة، والتي تساعد في فهم سلوك الناس داخل منظمات العمل وفي بلاده، إلا أنه ليس علما بالمعنى المعترف به، فهو ليس مستقلًا، وليس له مجال معرفي محدد خاص به، كما أنه لا يخرج أناسًا ذوي مستقبل وظيفي متميز في هذا المجال، فعلم السلوك التنظيمي هو محصلة علوم أخرى، وأهم هذه العلوم المستقرة هي علم النفس، وعلم الاجتماع، ويقدم علم النفس محاولة لتفسير السلوك الفردي، وأهم مجالاته: هي التعلم، والإدراك والحكم على الآخرين، والشخصية، والدافعية، والقدرات، والاتجاهات النفسية وغيرها، أما علم الاجتماع فيقصد به ذلك العلم الذي يدرس التفاعلات الإنسانية أو ذلك العلم الذي يدرس الجماعات، واهم الموضوعات التي يتناولها علم الاجتماع هي: تكوين الجماعة، والتماسك والصراع داخل الجماعات والقوة والنفوذ، والقيادة داخل الجماعات، والاتصالات.

 

 

أهمية السلوك التنظيمي:

يمكن تلخيص أهمية السلوك التنظيمي في بعض النقاط وهي:

1- أهمية الموارد البشرية للمنظمة استلزم ضرورة الاهتمام بدراسة وفهم سلوك الأفراد بما لها من تأثير على فعالية المنظمة.

2- تغيير النظرة إلى الموارد البشرية، جذب الإنتباه إلى ضرورة الإهتمام بتنمية وتطوير هذا المورد، ويمكن تحقيق هذا بالإستثمار فيه لزيادة كفاءته وتحسين مهاراته، ومن ثم فإن الفهم الصحيح لسلوك الأفراد يمكن المنظمة من التعامل مع الأفراد بطريقة صحيحة، وإتخاذ الإجراءات السلوكية التصحيحية كلما تطلب الأمر.

3- تعقد الطبيعة البشرية ووجود الإختلافات الفردية التي تميز هذا السلوك مما تطلب من المنظمة، فهم وتحليل هذه الإختلافات للوصول إلى طرق تعامل متمايزة تتناسب مع هذه الإختلافات، وهذا زيادة لتأثير والتحكم في هذا السلوك.

فيولد معظم الأفراد ويتعلمون في منظمات، ويكتسبون ثرواتهم المادية من المنظمات، وأيضًا ينهون حياتهم كأعضاء في منظمات، فكثير من أنشطة حياتنا تنظم من خلال منظمات ، سواء كانت حكومية أو غير حكومية، كما أن كثير من الأفراد يمضون أمتع أيام حياتهم يعملون في منظمات، ولأن المنظمات تؤثر تأثيرًا قويًا على حياتنا فإنه من الضروري التعرف على هذه المنظمات، وعلى كيفية عملها، ولماذا تقوم بتقديم أنشطتها.

وبذلك يتضح لنا مدى أهمية السلوك التنظيمي فهو يركز على فهم وتوجيه سلوكيات وتفاعلات العنصر البشري، والذي يعتبر أهم عناصر الإنتاج في المنظمة، ونجاح المنظمة مرهون بنجاح تفعيل العنصر البشري وتحسين أدائه ، وبجانب هذه الأهمية يجب أن نعترف بصعوبة إدارة السلوك الإنساني.

أهداف السلوك التنظيمي:

يهتم السلوك التنظيمي بتنمية مهارات الأفراد، ويهدف السلوك التنظيمي إلى تفسير، والتنبؤ، والسيطرة والتحكم في السلوك التنظيمي.

1- تفسير السلوك التنظيمي: عندما نسعى للإجابة على السؤال (لماذا) تصرف فرد ما أو جماعة من الأفراد بطريقة معينة، فنحن ندخل في مجال هدف التفسير للسلوك الإنساني، وقد يكون هذا الهدف هو أقل الأهداف الثلاثة أهمية من وجهة نظر الإدارة، لأنه يتم بعد حدوث الأمر أو الحدث، ولكن بالرغم من هذا، فإن فهم أي ظاهرة يبدأ بمحاولة التفسير، ثم إستخدام هذا الفهم لتحديد سبب التصرف، فمثلًا إذا قدم عدد من الأفراد ذوي القيمة العالية بالنسبة للمنظمة طلب إستقالة جماعية، فإن الإدارة بالطبع تسعى لمعرفة السبب لتحدد ما إذا كان من الممكن تجنبه في المستقبل، فالأفراد قد يتركون العمل لأسباب عديدة، ولكن عندما يفسر معدل ترك العمل العالي كنتيجة لإنخفاض الأجر، أو الروتين في العمل، فإن المديرين غالبًا ما يستطيعون إتخاذ الإجراءات التصحيحية المناسبة في المستقبل.

2- التنبؤ بالسوك: يهدف التنبؤ إلى التركيز على الأحداث في المستقبل، فهو يسعى لتحديد النواتج المترتبة على تصرف معين، وإعتمادًا على المعلومات و المعرفة المتوافرة من السلوك التنظيمي، يمكن للمدير أن يتنبأ بإستخدامات سلوكية تجاه التغيير، ويمكن للمدير من خلال التنبؤ بإستجابات الأفراد، أن يتعرف على المداخل التي يكون فيها أقل درجة من مقاومة الأفراد للتغيير، ومن ثم يستطيع أن يتخذ المدير قراراته بطريقة صحيحة.

 

3- السيطرة والتحكم في السلوك: يعد هدف السيطرة والتحكم في السلوك التنظيمي من أهم وأصعب الأهداف، فعندما يفكر المدير كيف يمكنه أن يجعل فرد من الأفراد يبذل جهدًا أكبر في العمل، فإن هذا المدير يهتم بالسيطرة والتحكم في السلوك، ومن وجهة نظر المديرين فإن أعظم إسهام للسلوك التنظيمي، يتمثل في تحقيق هدف السيطرة والتحكم في السلوك والذي يؤدي إلى تحقيق هدف الكفاءة والفعالية في أداء المهام.

وبالرغم من أن السلوك التنظيمي ليس وظيفة تؤدى يوميًا مثلها مثل المحاسبة أو التسويق أو التمويل، إلا أنها تتغلغل في كل وظيفة تقريبًا على مستوى المنظمات، وعلى مستوى الأعمال، وعلى مستوى جميع التخصصات، فكل فرد يخطط لأن يشغل عملًا في أي منظمة، سواء كانت كبيرة أو صغيرة الحجم، عامة أو خاصة، لابد له أن يدرس ويفهم السلوك التنظيمي ليتعامل مع الآخرين.

عناصر السلوك التنظيمي :-

أن عناصر السلوك التنظيمي تتمثل في كل من الفرد والجماعة

أ- بالنسبة الى الفرد:- الإدراكالتعلم-الدافعية-الشخصية-الاتجاهات النفسية....

ب- بالنسبة للجماعة:- جماعات العملالقيادة- الاتصال...

 

2-    الارغونوميا :

المراحل التاريخية للبحث في الهندسة البشرية

منذ ترسيمه كاختصاص مستقل في نهاية الحرب العالمية الثانية، مر نشاط البحث الأرغونومي بثلاث مراحل هامة. يمكننا إقتفاء أثرها من خلال مانشر من أعمال، ومن خلال الموجات النظرية والإمبريقية التي سيطرت على إهتمام الباحثين وطفت على السطح، خلال فترة أو أخرى، على مدار النصف الأخير من القرن العشرين.

المرحلة الأولى: الأرغونوميا الكلاسيكية

يمكن تسمية النظرة الكلاسيكية للأرغونوميا بالنظرة العلائقية، التي تهتم [بالعلاقة بين الإنسان والآلة Man/Machine Interface ]، حيث تركز بالدرجة الأولى على وسائل العرض وأدوات المراقبة Controls and Displays . ومن أهم إسهامات النظرة الكللاسيكية تلك المتعلقة بتحسين تصميم المزاول (أو الأقراص) وأجهزة القياس Meters وأزرار المراقبة Control knobs وترتيب ألواح العرض Panallayout . وقد تعدى إهتمام النظرة الكلاسيكية من مجرد وظائف المدخلات Inputs والمخرجات Outputs إلى التصميم الشامل لمجال العمل Workspace آخذة في الحسبان ترتيب الأجهزة Layout of equipment وتصميم المقاعد والطاولات والمناضد والآلات، وإلى حد ما خصوصية المحيط الفيزيقي المناسب للعمل.

لقد توجه البحث الأرغونومي الكلاسيكي في معظمه إلى التطبيقات العسكرية كأجهزة مراقبة الطائرات وتوجيه الصواريخ والتصميمات الداخلية للغواصات. وقد تغيرت توجهات النظرة الكلاسيكية فيما بعد إلى التطبيق المدني كتصميم الآلات الصناعية، السيارات، الأثاث المكتبي والمنزلي كالغسالات الآلية و التلفزيون إلخ..

تعتبر العلاقة بين تصميم أدوات التحكم ووسائل المراقبة والمحدودية الإدراكية للإنسان من إختصاص النفساني بالدرجة الأولى. غير أن إسهامات هذا الأخير كانت جد محدودة في هذا المجال، على خلاف إسهامات نظرائه الأنثروبوميتريين، الذين أسهموا إلى حد كبير في تحديد الأبعاد الجسدية للأفراد والجماعات، مثل تحديد الإرتفاع المريح لسطح العمل سواء في وضعيات الجلوس أو الوقوف، وتحديد القوى العضلية الضرورية للضغط على أدوات التحكم والمسافات المثلى لوضع هذه الأدوات وضبطها. كما أمكن للفسيولوجيين تقديم إرشادات حول الخواص الفسيولوجية لثقل العمل. أما الضغوط المحيطية (كالضجيج والإضاءة والحرارة والغبار والإهتزاز) فقد إشترك في دراستها كل من الفسيولوجي والسيكولوجي، خاصة في تحديد خطورتها الصحية ومستوياتها المعقولة، نظرا لتداخل الآثار النفسية والجسدية لمثل هذه الضغوط.

ورغم النوعية العالية للبحوث العلمية والطابع الأكاديمي الذي ميز النظرة الكلاسيكية للأرغونوميا، فإن أغلب بحوثها كانت بالدرجة الأولى مخبرية، مما جعلها محدودة الفعالية في التطبيقات الصناعية الميدانية، نظرا للعيب الكلاسيكي لأي بحث مخبري [أي الطابع الإصطناعي للظروف المخبرية الذي يحُد من تأثير عوامل كثيرة في الظاهرة محل الدراسة]، ولذلك يصعب تعميم نتائجها في الحالات الأكثر تعقيدا، مما يضع الباحث في وضعية نصح وإرشاد عام (إنطلاقا من النتائج الإصطناعية للمخبر)، غير قادر على توقع نتائج محددة

للإنحراف عن المعايير أو الإرشادات التي يقدمها، سواء في الظرف المماثل للظرف المخبري أو في ظرف مغاير له. وعلى النقيض من ذلك فإن المشتغلين في الميدان من صناعيين ومخترعين ومصممين يريدون إجابات محددة للمشاكل القائمة ويجدون طريقة الطرح الكلاسيكي غير مقنعة.

بالإضافة إلى ذلك واجه المختصون في الأرغونوميا ولازالوا يواجهون ـ إلى حد ما ـ مصاعب تنظيمية عديدة. فطبيعة الطرح الأرغونومي المبني أساسا على تعددية التخصصات ليس من السهل تفهمه من قبل الآخرين، لأنه لايصنف المختص في الأرغونوميا ضمن إختصاص معين (طبقا للنظرة التقليدية للتخصصات)، وإنما يصنفه بإستمرار على الخط الحدودي الفاصل بين إختصاص وآخر، فلا هو مهندس كفاية إنتاجية ولا مهندس تصميم ولا سيكولوجي ولا فسيولوجي ولا رئيس لمصلحة التنظيم ولا مدير للعاملين ولا طبيب عمل، وإنما هو كل هذه الفئات. ولذلك وجد الأرغونومي نفسه ضمن إطار مبهم وغامض، وفي أحسن الأحوال يتلقى الدعوة لتسديد إرشادات حول متطلبات العوامل البشرية في آخر مرحلة من مراحل التصميم. فتأتي بذلك توجيهاته وإقتراحاته متأخرة، وبالتالي تتطلب تعديلات باهضة الثمن لايمكن للإدارة قبولها بسهولة، خاصة وأن تبريرات هذه التعديلات صعبة من ناحية الربح المباشر للمؤسسة. كما أن توجيهات الأرغونوميوإقتراحاته تلاقي معارضة مستمرة من طرف مهندس التصميم الذي بدوره يرى فيها إنتقادات مباشره لعمله. ومما  ضخم ظاهرة التنافس وعدم الفهم بين الأرغونومي والمهندس حواجز الإتصال بينهما Communication barriers الناتجة عن الإختلاف في المفاهيم والطرق المستعملة من قبل كل منهما.

تعتبر القوى العاملة هي الأخرى مصدر إستياء من الأرغونومي، حيث أُتهم هذا الأخير ـ تاريخيا ـ من طرف الإتحادات العمالية بالقضاء على المهارات المهنية عن طريق تفتيت الأعمال إلى مكوناتها الأساسية وتبسيطها

، وكذا عن طريق إدخال الأتمتة Automation على الآلة. ويمكن تفهم هذا الإستياء إذا ما رجعنا إلى بداية تاريخ الأرغونوميا على أنها علم مُمـول ومُراقب من طرف الإدارة. وعلى النقيض من ذلك، فإن البحوث الـمُمولة من طرف الإتحادات العمالية لازالت قليلة، ولو أن البحث في ميدان الأمن الصناعي قد قطع شوطا لابأس به، سواء على يد النقابات العمالية أو أرباب العمل أو المنظمة العالمية للشغل التابعة للأمم المتحدة. 

المرحلة الثانية: أرغونوميا الأنساق

ظهر هذا الإتجاه خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية خلال الحرب الباردة من خمسينات هذا القرن كرد فعل على الإستياء من النظرة الكلاسيكية للأرغونوميا، وعُرف تحت إسم "أرغونوميا الأنساق Systems Ergonomics"، وهي النظرة التي مفادها أن الأفراد من جهة والآلات التي يسيرونها من جهة ثانية، يشكلان في حقيقة الأمر نسقا واحدا، لأن مكونات الآلات تؤثر على أداء الأفراد و العكس صحيح. وعليه توجب تطوير وتنمية قدرات وإمكانيات الطرفين معا وبالتوازي، على أنهما يعملان في النهاية من أجل تحقيق هدف واحد.

ومن هذا المنطلق فإن أرغونوميا الأنساق تهتم بالنسق إبتداء من المراحل الأولى للتصميم، مرورا بتحديد الأهداف والمهام التي بدورها تحقق المرامي النهائية لأي نسق. ثم توزيع مهام هذا النسق بين الأفراد من جهة (أي الجانب البشري للنسق) والآلات من جهة أخرى (أي الجانب الميكانيكي للنسق)، على أساس قدرة

وكفاءة كل منهما وثباته في تحقيق الأهداف. وطبقا لذلك فإن المختص في أرغونوميا الأنساق، بالإضافة إلى تصميمه للعلاقة الرابطة بين الإنسان والآلة ومكان العمل، فإنه يقوم بتطوير وتنمية الأنساق الجزئية التى يتكون منها النسق الكلي محل المعالجة، ويتحقق ذلك عن طريق الآتي:

- تحليل المهام Task analyses : أي تحليل المهام التي تحقق العملية النهائية للنسق.

- وصف العمل Job description: أي تعريف وتحديد الطريقة التي يؤدى بها العمل خلال جميع مراحله.

وما تحليل المهام و وصف العمل إلا تطويرا لتقنيات دراسة الزمن والحركة التي بدأت على يد فريدريك تايلور F.W. Taylor  والجلبرثيين The Gilberths. إن طريقة إستعمال النسق وتسييره والتعامل مع مختلف مكوناته وترتيب مراحل الإستعمال، إضافة إلى طرق وتقنيات الإنتقاء والتدريب، هي من المهام الرئيسية للمختص في أرغونوميا الأنساق. وهي مراحل أساسية لايمكن للنسق بدونها أن يؤدي وظيفته على أكمل وجه.

ومن مميزات النظرة النسقية مقارنة بالنظرة الكلاسيكية يمكن أن نذكر النقاط التالية:

1 ـ التعاون عن قرب بين المختص في الأرغونوميا من جهة والمهندس من جهة ثانية، إبتداء من المراحل الأولى لتطوير النسق، مما يقلل من تكرار بعض مراحل التطوير ـ ذات الكلفة العالية ـ لو قام كل طرف بعمله بمعزل عن الآخر.

2 ـ ومن أبرز ميزات التعاون الذي تنادي به النظرة النسقية، ميزة القضاء على أسباب الصراع بين التخصصات (المساهمة في عمليات تصميم وتطوير وتسيير النسق) الذي يسود النظرة الكلاسيكية للأرغونوميا بدل التكامل بينها.

3 ـ إن التطوير المتوازي للنسق الجزئي للوسائل و الآلات يؤدي إلى التقليص من المدة الزمنية لعملية التطوير، التي تُولى أهمية قصوى من الناحية الإقتصادية، خاصة في عالم تنافسي لايقبل هدر عامل الزمن.

4 ـ إن دمج عمليات مثل تصميم برامج التدريب والإنتقاء وكذا الطرق المساعدة على التعامل مع النسق في عملية واحدة تدعى النسق الجزئي للأفراد Personnel sub-system ، تسمح بإدخال جزئيات هامة في العملية النسقية ككل وليس كل جزئية على حدة، من هذه الجزئيات نذكر: دراسة العمل وقياس أبعاد الجسم وعلم النفس التوجيهي.

ومع ذلك، فإن الإتجاه النسقي للأرغونوميا لم يعمر طويلا، بل لم يبلغ الأهداف المرجوة منه نظرا لجملة من المصاعب منها:

ـ عدم وجود محكات دقيقة في توزيع المهام والعمليات بين الأفراد والآلات، حتى أن بعضهم Jordan (1963) يذهب إلى القول بأن علاقة الند للند بين الإنسان والآلة لايمكن تصورها.

ـ إضافة إلى أن تدخل أرغونومي الأنساق Systems Ergonomist في إعادة تنظيم وتنمية الأنساق الجزئية الموجودة سلفا، ينظر إليها رجال الميدان على أنها عملية تهدد مباشرة أنماط التسيير البشري وبالتالي تُقابل بكثير من المقاومة.

المرحلة الثالثة:  أرغونوميا الخطأ

 كنظرة بديلة لأرغونوميا الأنساق برزت إلى الوجود نظرة أخرى تتبنى دراسة وتفسير الخطأ البشري في نسق الإنسان والآلة. ويسود الإعتقاد لدى أنصار هذه النظرة، أن فشل النسق في أداء مهامه يرجع أساسا إلى الخطأ البشري، بغض النظر عن نوع النسق، حتى لو كان النسق مُمكننا (مُؤتمتا) كليا (الصناعات الكيماوية مثلا). وحسب هذا المنظور، فإن أسباب العطب يمكن تتبعها وإيجادها في إحدى مراحل تطوير النسق من طرف الإنسان. فقد تكمن هذه الأسباب في مراحل التصميم أو في مراحل التركيب أو في مراحل الصيانة. وعلى هذا الأساس فإن أي خطإ هو في الأصل خطأ بشري لا غير، ولادخل للجانب الميكانيكي أو الآلي فيه، لأن هذا الأخير ماهو في واقع الأمر إلا صنعا بشريا

 

 

هناك نظرتين متكاملتين لأرغونوميا الخطأ هذه Error Ergonomics:

1- تدعى الأولى بنظرة "إنعدام الخلل" Zero defects approach : حيث تفترض أن الخطأ البشري ينتج أساسا عن نقص في التحفيز، وبالتالي يكمن الحل فيما يسمى ببرامج "الخلل الصفري" التي تتمثل في حملات تحفيزية أو دعائية للأمن والوقاية، موجهة للعاملين قصد الرفع من مستويات الأداء.

2- وفي المقابل نجد النظرة الثانية التي يطلق عليها "بنك معطيات الخطإ" Error data store ، كتكملة لمتطلبات النظرة الأولي، حيث تفترض بأن الخطأ البشري لايمكن تلافيه. وبالتالي فإن حل المشاكل المترتبة عن هذا الخطإ البشري، يكمن في تحسين طرق وأشكال تصميم الأنساق إلى أقصى درجة ممكنة من الأمن والسلامة والفعالية. مما يقلل من وقوع الخلل أو الخطأ وكذا من آثاره إن حدث إلى أدنى درجة. ولذلك يكون من الضروري توقع حدوث الخطأ البشري وما يترتب عنه من آثار تحت أي ظرف من الظروف، إنطلاقا مما يسمى "بنوك معطيات الخطإ" الجاهزة سلفا، التي تضم جميع إحتمالاتالخطإ (الخلل) لمختلف المهام، وتحت أي ظرف من الظروف. تنجز هذه البنوك على أسس إحصائية متينة إنطلاقا من البحوث العلمية المتخصصة. وفي النهاية يمكن جمع وضم كل أنواع الإحتمالات بالطرق الإحصائية المختلفة، للخروج بقيم شاملة عن الثبات البشري أمام أي نشاط بشري كان.


Cette leçon n'est pas encore prête.