مدخل  :

يدخل طلبتنا الجامعة، ويسجلون في مسارات علمية متنوعة، منها ما تتعلق بالعلوم التجريبية ومنها ما تتعلق بالعلوم الإنسانية والعلوم الاجتماعية، ووفق ببرنامج تكويني متدرج، يدرس الطلبة مواد ذلك الميدان أو الشعبة والاختصاص، وتشكل لهم تلك المسارات رصيدا معرفيا يؤهلهم بعد التخرج، توظيف قدراتهم وكفاءاتهم العلمية، في المجالات العملية.

فالطالب خلال مراحل دراسته، يتلقى محاضرات وموادا يدرسها كأعمال موجهة أو تطبيقية، يتدرج تكوينه فيها من مواد مشتركة في ذات الميدان أو الشعبة وصولا إلى تكوين متخصص في فرع من تلك الشعبة والميدان.

ومن المواد الدراسية المقررة على الطلبة وفي مختلف المسارات التي يسلكها الطالب مادة المنهجية، والتي تسايره وتتبعه طلية سنوات التكوين، حيث يدرس الطالب مختلف مناهج البحث، ويتدرب عليها في بحوثه الصفية التي يلزم بتحضيرها وعرضها على أستاذه، ومناقشة مضمون ما تناوله أمام زملائه، فتصوب أخطاؤه ويوجه، لتحسين عمله، ويستمر الطالب في هذا العمل في مختلف المواد التي يدرسها حتي يكتسب مقدرة على توظيف مناهج البحث، كما ويتمكن الطالب من حسن التعرف والتعامل مع مصادر المعلومة، وحسن الاستخلاص منها، واكتساب القدرة على توظيفها في المجال العلمي الذي هو فيه.

لذا تكتسي مادة المنهجية أهمية كبيرة في تكوين الطالب، وضبط مساره التكويني في اطار محدد سيشكل له شخصية علمية في المجال التي سيتخصص فيه. ويمكن تحديد هذه الأهمية في النقاط التالية:

-          الطالب الذي قدم للجامعة لأول مرة سيجد نفسه امام مسار علمي جديد، فحامل شهادة العلوم التجريبية قد يكون قد اختار شعبة الحقوق، او الفلسفة، وحامل الأدب واللغات، قد يختار شعبة في العلوم الانسانية او الاجتماعية، قد يكون له رصيد فيما سيلتحق إليه من شعبة،  وقد تكون شعبة بكالورياه، بعيدة  كل البعد عن الشعبة الجامعية التي التحق بها، فيفاجأ بنمط مواد جيدة ليس له من رصيد مسبق عنها، سوى لغة التدريس كما وسيفاجأ بنظام تعليمي يختلف عن النمط التي اعتاد عليه في مرحلة الثانوية، ومن ثم تكون مادة المنهجية مقياسا مهما في تكوينه، لضبط قدراته الفنية وتحديدها وتوجيهها نحو التكوين الذي اختاره،  فتيسر له الاندماج في الشعبة التي اختارها.

-          فبدراسة المنهجية، سيتعرف على مناهج التفكير ومدارسه في الشعبة التي التحق بها.

-          وبها ينضبط تفكيره العلمي وفق ضوابط ومتطلبات مواد الشعبة والاختصاص.

-          وبها تتحدد شخصيته العلمية، فهذا يصبح حقوقي يتعامل مع النص القانوني والرأي الفقهي والاجتهاد القضائي، وآخر التحق باللغات فيتحسن لسانه في اللغة التي تخصص فيها حتي صار لغويا فيها، وذاك التحق بالطب أو الهندسة فصار طبيبا  او مهندسا.

-           فالمنهجية هي في أصل فلسفة تفكير في شعبة والاختصاص، ومناط لتحديد الشخصية العلمية من خلال التكوين المتدرج وصولا إلى الاختصاص.

-          وبالمنهجية أيضا، تتعرف على مضان المادة العلمية، التي تشكل لك الزاد المعرفي في تكوين شخصيتك العلمية، فتتعرف على مصادر المعلومة ومراجعها وأساتذتها وتصبح تلك المصادر من كتب ودراسات هي مادة تكوينك الأساسية. فالحقوقي يتعامل مع المصادر القانونية والمهندس سيتعامل مع المصادر التي تخص فنه واختصاصه.

-          بالمنهجية وتقنيات البحث التي تتعلمها من خلالها، ستتكون في حسن التعامل مع المعلومة، وحسن توظيفها واستخلاص الأفكار من مصادرها، وتنميتها، وتنمية قدراتك الفنية فيها، وربما تفجر ابداعاتك فتضيف جديدا، او تبتكر مشروعا،  فتكون قد أنجزت إضافة علمية جديدة، وتساهم بالتالي في تطوير المعارف والعلوم.

 

مادام الامر بهذه الأهمية، فإن هذه الورقات، سنخصصها للجواب عن سؤال مهم : كيف تعد رسالة دكتوراه، وأقل من ذلك كيف تعد مذكرة تخرج، وماهي تقنيات هذا الاعداد؟ بعد أن تدرج الطلبة في التكوين في شعبة واختصاص بدءا ن مرحلة شهادة الليسانس وصولا لمرحلة الماستر، حيث الطلبة مطالبون بإعداد مذكرة تخرج.

-           من خلالها يثبتون صلابة تكوينهم في مادة الاختصاص، ويثبون قدرتهم على التعامل مع مصادر المعلومة وحسن توظيفها.

-           والأكثر من ذلك، اثبات قدرتهم وجدارتهم علي تحديد مشكلة للبحث مثارة تتطلب أجوبة علمية محكمة ومؤسسة تأسيسا علميا وفق خطة عمل مدروسة وتحت رقابة مشرف مؤهل ولجنة تحكيم تقوم العمل وتقيمه .

-          فمذكرة التخرج لمرحلة الماستر، هي عمل علمي، وبحث أكاديمي، به يثبت المترشح لشهادة نيل الماستر، جدارته في الشعبة عموما، وفي الاختصاص على وجه الخصوص وأهليته لنيل شهادة الماستر أو الدكتوراه.

-          مذكرة التخرج اثبات من الطالب على أنه نال وتمكن من الاختصاص، وفهم مضانه من مصادر ومراجع ومواد تتعلق بمادة الاختصاص.

-          هي أيضا اثبات من الطالب، أن منهج تفكيره في الشعبة والاختصاص متوافقة والمناهج العلمية في التفكير التي تكون فيها، إذا صار يحسن الاستقراء ، والتحليل أو الوصف أو المقارنة كما صار يحسن الملاحظة التي تستفز لإثارة التساؤلات العلمية أو الفرضيات العلمية، فيشتكل بنفسه مسألة معينة ويبذل الجهد في فك رموزها وفق أدوات علمية منهجية أو تقنيات صارت معلومة لديه في البحث واعداده وصولا الى تحديد نتائجه وتوصياته.

إن الغاية من المنهجية هو الوصول بالطالب إلى اعداد مشروع بحث ومشروع باحث وهذا لا يتأتى له، إلا بعد أن حصل على تكوين رصين نمت قدراته الفنية وضبطتها مناهج علمية مسبقة .

-          فالملاحظة عنده صارت دقيقة في مجالات اختصاصه

-          وملاحظاته العلمية صارت تستفز تفكيره لطرح أسئلة جدية تتطلب دراسات ومعالجات علمية هي في ذاتها اجابات عن تلك الاشكالات التي نتجت عن ملاحظاته وتساؤلاته.

إن الطالب الذي لم يتحصل على تكوين جيد في مواد شعبه واختصاصه، ولم يستطع ترويض عقله العلمي على دقة الملاحظة والسؤال لا يمكنه أن يتساءل ولا يمكنه بالتالي أن يجد موضوعا للبحث كما لا يمكنه أن يعرف مضان المعلومة والتعامل مع مصادرها ومراجعها ، فحري بالطلبة وهم مقبلون على التكوين تنمية قدراتهم المعرفية أولا، ومعرفة مناهج التفكير، مع التدرج في التكوين، والتعمق في مواد الشعبة والاختصاص، هذا فقط ما يضمن للطالب حيال اقدامه على اعداد مذكرة تخرج أو رسالة دكتوراه تفادي صعوباتهما وتحقيق الجدية اللازمة والمطلوبة في أي بحث علمي أكاديمي.

بعد هذا المدخل المهم، نعرض للطالب المقبل على اعداد مذكرة ماستر في العلوم القانونية والادارية، باعتبارها فرعا من العلوم الاجتماعية، تقنينات اعداد البحث العلمي، لنسهل عليه عملية البحث، من حسن للتعامل مع مصادر المعلومة، واقتباس المادة العلمية منها، ثم التحرير والكتابة.