بوصف الحروب ظاهرة ملازمة لحياة البشرية منذ القدم فقد أصبحت سمة من سمات التاريخ الإنساني، ولقد اتخذت هذه الحروب عددا من الأشكال والصور المتعددة عبر العصور، واستعملت خلالها أبشع الأساليب الوحشية والهمجية، بالإضافة إلى المغالاة في سفك الدماء والتخريب، وكان الهدف من تلك الحروب والنزاعات المسلحة هو المحافظة أو خدمة المصالح الخاصة دون أدنى احترام لقدسية الفرد وآدميته ، ونظرا لما شهدته البشرية من معانات وويلات ومآسي جراء تلك الحروب والنزاعات المسلحة  كان لا بد من السعي لإيجاد قواعد قانونية التي تحول دون وقوع الحروب أو التخفيف من نتائجها بقدر الإمكان .

نتيجة لهذا بدأ التفكير في وضع قواعد إنسانية لحماية الأفراد من الآثار المروعة للحروب والنزاعات المستمرة ، ومن أجل التقليل من آثارها و الحد من قسوة هذه الآثار ومرارتها والأضرار والمآسي التي خلفتها تلك الحروب على هؤلاء الأفراد ومنع إهدار كل القيم الإنسانية والمبادئ الأخلاقية.

وكللت كل تلك الجهود بقواعد قانونية دورها تنظيم العلاقات الدولية إبان الحروب والنزاعات المسلحة، وقد أطلق على هذه القواعد قانون الحرب أو ما أصطلح عليه في الوقت الراهن بقواعد القانون الدولي الإنساني، وهو القانون الذي يحكم العلاقات بين أفراد المجتمع الدولي خلال الفترات التي تسودها الحروب والنزاعات المسلحة .

فكانت البداية الأولى لظهور بوادر ما يسمى بالقانون الدولي الإنساني للحفاظ على هذه القيم والمبادئ الإنسانية والذي استمد قواعده من مجموعة من المصادر الاتفاقية والعرفية، وتأكيده على مجموعة من المبادئ والقيم المشتركة التي تدعوا إلى ضرورة حماية حقوق الإنسان ومصالحه ، وتأكيد أمنه وسلامته .

ونركز في دراستنا هذه على أهم موضوعات هذا الفرع المتمثلة في مفهومه، نشأته وتطوره، مبادئه وأحكامه، ونطاق تطبيقه، وهذا من خلال الخطة التالية:

المحور الأول: التطور التاريخي للقانون الدولي الإنساني: ويشمل نشأة القانون الدولي الإنساني بدءا من الحضارات القديمة، إضافة إلى مرحلة الأديان السماوية، والعصر الحديث.

المحور الثاني:مفهوم القانون الدولي الإنساني: ندرس من خلال هذا المحور تعريف القانون الدولي الإنساني ، مبادؤه و خصائصه ،و علاقته بفروع القانون الدولي الأخرى.

المحور الثالث:مصادر القانون الدولي الإنساني:نتناول فيه المصادر الرئيسية و الاحتياطية للقانون الدولي الإنساني.

المحور الرابع: نطاق تطبيق القانون الدولي الإنساني: نتناول فيه النطاق المادي والشخصي لتطبيق أحكام القانون الدولي الإنساني.