تاه الباحثون في محاولاتهم رسم تحديد واضح المعالم لهذه الكلمة. وقد تباينوا تباينًا شديدًا في تفسير علة وجودها وسبب نشأتها. فذهب البعض إلى القول بأنّ الأسطورة هي ابنة الفلسفة الطبيعيّة زوّقها الشعر بتمويهاته. ولا هدف لها سوى وصف الطبيعة وأجزائها.

لقد كانت المشكلة الرئيسة عند هؤلاء، هل الأسطورة القديمة مجرّد تسجيل لاستجابة خياليّة للعالم الطبيعيّ، أم إنّها تمثّل شكلًا أوّليًّا للعلم؟ “لا ذلك العلم الفظّ الذي سخر منه أفلاطون في تعريفه بالأسطورة (فيدروس)، بل العلم الذي اعتبره المتخصّصون بالآداب القديمة حكمة القدامى الخفيّة].

وقد رأى فرويد “Sigmund Freud”؛(1472 ــــ 1529)، بأنّ الأسطورة تنطلق من اللّاوعي الذي يتصوّره كقبو خُزِّنت فيه خيالات جنسيّة لا يكاد العقل الواعي يعلم شيئًا عنها. وبالتالي فإنّ الأساطير في رأي “فرويد” تحرّر من الجنس بما لا يقلّ عمّا ضمنه “نايت” في مقال عن عبادة “بارايانوس.

ويرى الفيلسوف “يانك” أنّ للأسطورة بُعدها العالميّ كما في قوله: “وفي لحظات كهذه لا نكون أفرادًا، بل نعود أجناسًا يتردّد فينا صوت البشريّة كلّها

وهذا ما يذهب إليه “يتيس” أيضًا عندما يقول: “مهما يكن ما تتجمّع حوله تطلّعات الإنسان، فإنّه يصبح رمزًا في (الذاكرة العظيمة). وإنّ الذي يملك السّرّ ليصنع العجائب يستلهم الملائكة، أو الشياطين.

كما أنّ الصور التي تستثير الانفعالات الأصليّة سواء في رأي الفيلسوف “يتيس” أو “يانك”، فهي السبيل إلى أدب ذي أهمّيّة عالميّة. أمّا إنجاز الفيلسوف الفرنسيّ “مولر”Muller”: (1939) المميّز في هذا المجال، فيكمن “في تطبيقه أساليب علم دلالات الألفاظ المقارن على الشّكّ القديم، بأنّ منشأ الأسطورة هو ضرب من ضروب التّلاعب بالألفاظ، فقد كان يعتقد بأنّ الآرييّن قد أعربوا عن ملاحظاتهم في الطبيعة على هيئة تحوّلات بشريّة بلغة المجاز.

فالأسطورة إذًا “مرض من أمراض اللغة. وإنّ أغلب الآلهة الوثنيّة ليست سوى أسماء شاعرة، سُمح لها أن تتّخذ، شيئًا فشيئًا، مظهر شخصيّات مقدّسة لم تخطر ببال مبتدعيها الأصليّين مطلقًا.

وإذا كان “ويتجنشتاين”؛ (1889 ــــ 1951): “Wittgenstein”، يؤمن بأنّ الأسطورة غالبًا ما تكون حالة من افتتان عقولنا بسحر الكلمات، فإنّ لنا أن نستنتج أن الأسطورة غالبًا ما تكون حالة الافتتان الإراديّ ونؤيّد رأي من يقول بأنّ الأسطورة مجاز استولدتها الاستعارة. إلّا أنّ أيًّا من هؤلاء لم يسأل عن الصّلة الجوهريّة بين الأسطورة والأدب. على أنّ قليلًا منهم، يقبل من دون تحفّظ هذه الفروع غير الشرعيّة التي يُصادفها المرء أحيانًا، و”التي توصل إلى تسلسل “الانتحالات” التي، بها، تُصبح الأسطورة أدبًا بمعونة أشكال وسيطة كالخرافة، والحكاية، والفنون الشعبيّة، والأغاني القصصيّة وغيرها. أمّا “سانت أوغسطين” فقد عدّ “أنّ الأسطورة ليست خطرة بقدر ما هي سخافة محضٍ.

كما كتب الأديب اليونانيّ “نيكوس كازانتازاكي”، “Nikos Kazantzakis”، (1957 ــــ 1883)؛ عن الأسطورة، فعدّها ميراثًا للفنون بعد أن أصبحت المَعين الذي لا ينضب للأفكار المبدعة، وللصور المبهجة، وللمواضيع الممتعة، وللاستعارات، والكنايات التي انطلق منها لرسم أسطورته عن “زوربا، حين خلط فيها بين الخرافة والشعر. وعليه فقد جعل من الأسطورة عنوانًا يهب كلّ امرئ شيئًا غامضًا عن نفسه. فالأسطورة لا تهيّئ هدايا لامعة جاهزة للمتشاعرين ليخطّوا أسماءهم عليها فحسب، بل إنّها أيضًا تشجّع اللّامعين ممّن لهم مواهب أكبر… ليشيّدوا إعمارات جديدة من النُّتف، والبقايا التي تتخلّف من أساطير شتّى في تنوعها.


 

    جامعة العربي بن مهيدي / كلية الآداب واللغات / قسم اللغة والأدب العربي      

    عنوان الماستر: أدب عربي قديم

    المقياس: تحقيق النصوص والمخطوطات

    أستاذ المادة: الدكتور عمار بعزيز

  السنة الجامعية: 2020/2021م/ السداسي الأول.

   مطبوعة موجزة ومختصرة مقدمة لطلبة السنة الثانية ماستر، تخصص أدب عربي قديم.

   سميت هذه المطبوعة: قطوف مختصرة لإخراج مكنونات البررة.

  عسى أن ينتفع بها طلبتي الأعزاء في مسارهم الدراسي

مما لاشك فيه أن التراث العربي الإسلامي ثروة نفيسة, فهو يعكس مجد الأمة وعزها, وهو يمثل تاريخها، وفكرها، وعلمها،  لذا فقد لاقى اهتمام العلماء المسلمين وعنايتهم, ومن ذلك علم المخطوطات الذي أولاه الخلف عن السلف عناية كبرى فدرسوه، وصنفوه، وحققوا نصوصه، وأكملوا نقصه، وأزالوا زيادته، ونسبوا كل مخطوط لمؤلفه إيمانا منهم بوجوب نشر العلم والمحافظة عليه وعدم دثره أو إهماله.

    ومن هذا المنطلق إرتأت جامعة العربي بن مهيدي إدراج مقياس علم تحقيق المخطوطات لطلبتها عساهم يسلكوا هذا المسار – مسار تحقيق المخطوطات – للإسهام - ما أمكن – في إخراج مؤلفات أصحابها من الدهاليز إلى النور.

عزيزي الطالب اقتضت الظروف أن أعتمد لك أسلوب الاختصار والتيسير لتتمكن من استيعاب المادة.