حقوق الإنسان سنة ثا ...

·       تعريف حقوق الإنسان:

إن تعريف حقوق الإنسان لغويا يقتضي الوقوف في مقام أول على مفهوم كل من " الحق" وكذا "الإنسان"، فمعاني الحق لغة تدور جميعها حول الصواب الثابت الذي شك فيه، أما من الناحية الاصطلاحية فقد تقاسم تعريف الحق ثلاث اتجاهات، الأول شخصي يتزعمه الفقيه سافيني (Savigny) ينظر للحق من منظور شخصي يجعل منه "قدرة" أو "سلطة" إرادية يخولها القانون لشخص معين ويرسم حدودها، والثاني اتجاه موضوعي يتزعمه الفقيه الألماني أهرنج (IHERING) وينظر للحق من خلال موضوعه كــ "مصلحة أو منفعة يحميها القانون"، أما الاتجاه الثالث فقد حاول التوفيق بين سابقيه من خلال الجمع بين عنصري الإرادة والمصلحة وإن كان هناك خلاف بين رواده حول أي العنصرين أوللى بالتقديم، وينظر هذا الاتجاه للحق بأنه:" سلطة إرادية معترف بها ومحمية من القانون يكون محلها مال أو مصلحة محمية بموجب القانون."

أما كلمة "إنسان" فهي كسائر المفردات تتضمن معنيين لغوي واصطلاحي، ففي الأول يعتقد البعض أنّها مشتقة من كلمة (إنس) ويعتقد البعض الآخر أنها مأخوذة من (النسيان)، فإن أخذ اعتبار بأنها مشتقة من (إنس) فإنّها تعني الجامع وخليفة الله، ومن خلاله يتمّ استئناس الحقائق وإبصارها، وإن كانت مفردة الإنسان مأخوذة من النسيان، فهي لأحد صفات الإنسان كما هو مذكور في الآية الكريمة (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) [الرحمن: 29]، أي أنّ الإنسان يستحيل أن يثبت على حالة أو شأنٍ واحد، أما من الناحية الاصطلاحية فالإنسان هو ذلك الكائن البشري الذي يتكون من طبيعتين مادية وروحية، وهو خليفة الله عز وجل الذي كلف بعمارة الأرض وإصلاحها والسعي إلى تطوير المجتمعات البشرية في كافة مناحي الحياة.

وبالإضافة إلى الاختلاف حول مفهوم المصطلحين السابقين كل منهما على حدا، لم يخل الجمع بينهما في عبارة "حقوق الإنسان" من الجدل والنقاش النظري الحاد ، خصوصا مع الطبيعة المتغيرة والمتجددة لهذه الحقوق، وتعدد المرجعيات والمصادر الفكرية والفلسفية التي تستند إليها غالبية الأطر النظرية والنماذج المعرفية، ورغم هذه الصعوبات إلا أن هناك بعض التعريفات التي وضعت لحقوق الإنسان نذكر منها:

ـ تعريف رينيه كاسان (René Cassin) الذي يعتبر من الأوائل الذين حاولوا التعرض لتعريف حقوق الإنسان، واعتبر هذه الحقوق بأنها:" فرع خاص من فروع العلوم الاجتماعية يختص بدراسة العلاقات بين الناس استنادا إلى كرامة الإنسان، وبتحديد الحقوق والرخص الضرورية لازدهار شخصية كل كائن إنساني."

ـ  تعريف كارل فازاك (K.Vasak) يعتبرها:" علم يتعلق بالشخص ولا سيما الإنسان العاقل الذي يعيش في ظل دولة، ويجب أن يستفيد من حماية القانون عند اتهامه بجريمة ما أو عندما تنتهك حقوقه وذلك عن طريق القاضي الوطني والمنظمات الدولية، كما يجب أن تكون حقوقه ولا سيما الحق في المساواة متسقة مع مقتضيات النظام العام."

ـ  تعريف دافيد فورسايت ( Davide P.Forsyth) : يرى فيها: "حقوق تؤدي إلى مطالب أساسية في مواجهة السلطة العامة.." وهو التعريف الذي تبناه أيضا جاك دونللي .

ـ تعريف ايف ماديو (Yves Madiot) في كتابه "حقوق الإنسان والحريات العامة" عام 1976 يرى في حقوق الإنسان:" الحقوق الشخصية المعترف بها وطنيا ودوليا والتي في حضارة معينة تضمن الجمع بين تأكيد الكرامة الإنسانية وحمايتها من جهة والمحافظة على النظام العام من جهة أخرى."

ـ ويذهب البعض إلى الخلط بين مفهوم الحق والحرية حيث يرون أن لهما نفس الدلالة، وهو أمر يجانب الصواب إذ يختلفان في مضمون كل منهما، فالحقوق لصيقة بالإنسان ولو لم يعترف له بها والقانون ليس منشئا لها بل هو مجرد كاشف لهذه الحقوق التي ارتبطت بالطبيعة الإنسانية وهي سابقة بهذا الوصف للقوانين الوضعية، بخلاف الحريات العامة التي تعتبر رخص ترتبط عادة بالقانون الوضعي  والنظام السياسي والاجتماعي السائد لكل دولة.