الجيوبوليتيك الأمريكي 2 نيكولاس سبيكمان
المدرسة الأمريكية (02): نيكولاس سبيكمان (1893-1943)
يعتبر أحد روّاد المدرسة الجيوسياسية الأمريكية، والمدافعين عن نظرية القوة البحرية، حيث انتقد التصورات الألمانية والفرنسية الأرضانية، واعتبرها من باب الوهم أو القناعات الميتافيزيقية، انطلاقا من رفضه لفكرة القومية والأمة والمواطنة وغيرها، معتبرا أن الدولة هي أصل كل ذلك، من خلال قوتها واقتدارها لفرض سيطرتها وثقافتها على أوسع المساحات الجغرافية، وعلى سكان تلك المساحات (وفق النموذج الأمريكي)، أما حق هذا الشعب أو ذاك في أرض يعتبرها ملكا له، فما هي إلا رؤية مثالية ومسألة وهمية
سبيكمان بين نقد نظرية قلب الأرض وتطوير نظرية ماهان: اعتبر سبيكمان أن ماكيندر قد بالغ في الأهمية الاستراتيجية للمركز الأوراسي، من خلال معادلته الشهيرة عن قلب الأرض والسيطرة العالمية، إذ ينبغي أن تحظى هذه المعادلة بالتصويب اللازم، والذي عبّر عنه بالقول: "أن من يسيطر على شواطئ القارات المتلاصقة (إفريقيا أوروبا آسيا)، هو من يسيطر على الجزيرة العالمية". وقد بنى نظريته هذه على نظرية في التاريخ العسكري مفادها، أن من كان يسيطر على البحر الأبيض المتوسط، هو من كان يحكم قبضته على القارات الثلاث، انطلاقا من السيطرة على هوامشها المطلة على البحر، الذي كان الصراع فيه مصيريا بين القوى التاريخية العظمى. لذلك، استبدل سبيكمان فكرة قلب الأرض Heartland، بحواف الأرض Rimland، وقال بأن من يسيطر على حواف القارات يسيطر على القارات (هذه الفكرة صحيحة جدلا إلى حدّ ما، في وقت لم تكن فيه الولايات المتحدة موجودة).
مع ظهور الولايات المتحدة كقوة كبرى بارزة نهاية القرن 19، استبدل البحر المتوسط بالمحيط الأطلسي، وطرح على إثر ذلك مفهوما جديدا، هو المحيط المتوسط Midland Ocean، بمعنى أن المحيط الأطلسي أصبح يماثل من حيث الأهمية ما كان يمثلّه البح المتوسط في التاريخ القديم، ومن ثم فإن طريق السيطرة العالمية للولايات المتحدة، يمر عبر السيطرة في المحيط الأطلسي، ومفتاح ذلك بأن تمتلك القوة البحرية الأولى في العالم، ويوصي سبيكمان مع ذلك بالتحالف مع دول أوروبا الغربية المشاطئة للمحيط الأطلسي، وفي مقدمتها بريطانيا العظمى، وهو نفس ما أوصى به ماكيندر من قبل.
من جهة أخرى، كان سبيكمان الذي استفاد من أعمال ماكيندر، واستكمل خطة ماهان، سبّاقا في التنظير لحلف شمال الأطلسي الذي شكّل العمود الفقري للمعسكر الغربي خلال الحرب الباردة، والذي يعني على الخريطة الجغرافية أمريكا الشمالية وأوروبا الغربية، ليتجسّد مجدّدا الصراع بين قوى البحر الغربية، في مواجهة قوى البر الشرقية، وتتجدد عبر ذلك دعوة سبيكمان إلى إحكام السيطرة على حواف القارات لا سيما القارة التي تقوم عليها القوة البرية المعادية. ويكشف انتصار الولايات المتحدة والغرب في الحرب الباردة عن مدى تأثير هذه النظرية على توجهات الولايات المتحدة الاستراتيجية، واستمرار سياسات حلف شمال الأطلسي في تعزيز السيطرة على حواف القارات، لمحاصرة القارة الأوراسية بسلسلة من القواعد العسكرية، والأساطيل البحرية المنتشرة حول العالم.