اتجاهات النقد الأدبي الجزائري المعاصر: مدخل نظري

اتجاهات النقد الأدبي الجزائري المعاصر: مدخل نظري

لم تتمكن المناهج السياقية من تحقيق أهدافها، وإنجاح دعوتها في إقامة نقد علمي يتمتع بالحصانة التي تطيل أمده، رغم التأثير الذي خلفته بعض العلوم(علم التاريخ، علم الاجتماع، علم النفس)، فتحولت القراءة من" قراءة أفقية معيارية(السياقية) إلى قراءة عمودية متسائلة (النسقية) تحاول سبر أغوار النص، النص لا غير، مبتعدة عند مقاربته من خلال السياقات التي أحاطت به يوم إنتاجه"([1])، وأدى تغيب المناهج السياقية للمكون النصي الى فقدان مصداقيتها، وأسهمت الثورة الفكرية التي أهتمت بالدرس الألسني بانحسار عدد المهتمين بالدراسات السياقية، في مرحلة برزت فيه الحاجة إلى تأسيس خطاب نقدي معاصر، يسعى لإلغاء السياق، وتبني مقولة: "النص لذاته وبذاته".

       وكان تحول المنهج النقدي من السياق إلى النص، أكبر حدث في مسار تطور المناهج الجديدة، ونقطة الخلاف الأساسية بينها وبين المناهج السياقية، فاستبعدت السياقات الخارجية في محاولة لتسييج النص، هذا الأخير تم إقصائه فيما مضى، باللجوء إلى ما سواه، وأخذت المناهج النصية تروج لفكرة رولان بارت وهي "موت المؤلف"، وغدا "النص هو الوسيلة والغاية في الآن ذاته على عكس المناهج التقليدية التي ألغت خصوصيته واعتبرته مجرد وثيقة أو مطية لا غير قصد إنتاج خطابات أو نصوص أخرى، هي أبعد ما تكون عن الأدب"([2])، هكذا استبدلت القراءة النسقية في ظل هذه التحولات الجديدة، والتي أمدتها بأدوات إجرائية لمقاربة النص الأدبي، حيث مجدت الداخل، فاستبدلت السياق بالنص ،"والخارج بالداخل، والشروح التاريخية والاجتماعية والنفسية بالأدبية، والمعيار بالوصف، والمطلق بالنسبية، واليقين بالاحتمال"([3]).

اهتمت المناهج النسقية (النصية) بالنص الأدبي في حدوده الأنطولوجية*، توظيفا لما أنجز في حقل اللسانيات والسيمائيات، وما وفره المنهج البنيوي من أدوات ومفاهيم للتحليل، تجعل من العمل الأدبي ظاهرة عضوية متكاملة، تتفاعل عناصره، لتشكل كيانا كليا؛ أي إن تحقق الوجود الحقيقي للنص، لا يتم إلا بموجب منظومة من العلاقات والثنائيات المشكلة للنص، بفضل كل ما يتداخل ببنية العمل الأدبي، قصد وصف ودراسة موضوع أدبي معين، هذه الممارسات النصية وإن "اختلفت في منطلقاتها الفكرية، وأدواتها المنهجية إلا أنها تلتقي عند نقطة واحدة هي التعامل مع النص مباشرة"([4]).

تنكب إذن، القراءة النسقية على "نقد أوهام القراءات السياقية، وحتى القراءات المحايثة التي تكتفي بالبحث عن البنيات انطلاقا من علاقات الحدود الجوانبية بالموضوع، فمجدت الداخل على الخارج، تمجيدا لم تدع مكانا للقارئ بوصفه القطب الثالث في نظرية القراءة، وهذا النقد لا يطرح نفسه بديلا لهذا الاتجاه النقدي أو ذاك، وإنما يقدم أسئلة مثيرة"([5])، يتم بموجبها إثراء النص، ومنحه ديمومة القراءة.

 إن النسق شأنه شأن السياق، لا يحصر القراءة السياقية في منهج محدد؛ نظرا لتنوع الأطروحات، والخلفيات الفلسفية التي تقوم عليها؛ فالبنيوية تملك تصورها للنسق، مع أنها لا تقف عند حدود البنيوية؛ لأن "النسق البنيوي مظهر من مظاهر النسق العام، فقد يكون هذا النسق مغلقا لما تطرحه البنيوية الصورية، وقد تكون مفتوحا كما هو الشأن بالنسبة إلى المناهج النقدية الأخرى مثل السيمائيات والتأويلات المعاصرة"([6]).

 

 



[1] - بلوحي، محمد. القراءة النسقية/مدرسيات الأسلوبية، التفكيكية، السيميائية". مجلة كتابات معاصرة، العدد39، المجلد العاشر، بيروت، لبنان، 2000، ص: 34.

[2] - خمري، حسين. نظرية النص، ص: 363.

[3] - يوسف، أحمد. القراءة النسقية، ص:30.

* الأنطولوجيا: دراسة الأشياء في ذاتها أي من حيث وجودها.

 [4] -خمري، حسين. نظرية النص، ص:366.

[5] - بلوحي، محمد. القراءة النسقية، ص:133.

[6] - المرجع نفسه، ص:116.


Modifié le: lundi 11 janvier 2021, 15:01