تطور التعليمية (الديداكتيك - علم التدريس..)

     إن مفهوم علم التدريس لا يزال الجدل فيه كبير في مقاصده، وموضوعه، ومضمونه بالضبط ولا يمكن أن يكون مفهوما واضحا بصورة جلية إلا بتتبع جذوره الأصلية، ومراحل تطوره في الأزمنة والأمكنة لتقريب تصوره إلى الأذهان من خلال أفكار فلاسفة، وعلماء النفس والتربية.

     وسنحاول استعراض لمحة تاريخية لتطور مفهوم مصطلح "التعليمية" المصاغ من مصدر "التعليم" في اللغة العربية بصورة مصدره الصناعي "تعليمية" بزيادة ياء مشددة بعدها تاء، وهي ترجمة مناسبة لكلمة الديداكتيك: "didactique" الأجنبية.

     وقد ذكر لورسي عبد القادر (2002) عن فولكي (1971): أن كلمة ديداكتيك الفرنسية قد اشتقت من الأصل اليوناني  ''Didactikos''والكلمة تعني: فلنتعلم، أي نعلم بعضنا البعض، أو أتعلم منك، وأعلمك، وكلمة ''Didasko'' أتعلم، وكلمة  ''Didaskon''تعني تعليم.

      مما يفهم من هذا المصطلح الأصلي أو عملية التعليم، أو التدريس ليست هي إلقاء وشرح من طرف المدرس فقط، وإنما تعني عملية أخذ وعطاء بين المدرس والمتمدرس بالمفهوم النفسي التربوي المتطور لعملية التدريس.

     لقد دخلت هذه الكلمة إلى الفرنسية سنة (1554 م)، كما استخدمت كلمة ديداكتيك "''didactique في علم التربية أول مرة سنة (1613 م) كما يذكر لورسي عبد القادر (2002) من قبل كشوف كل من هيلفج "k.Helwig" ويواخيم جانج "J.Jang" من خلال تحليلهما لأعمال المربي فولف كانج رايتش "Wulf Gang Ratiche"  (1571-1635) في بحثهم في نشاطات رايتش التعليمية، والذي ظهر تحت عنوان: "تقرير مختصر في الديداكتيك، أي فن التعليم (التدريس) عند رايتش.

     من نص التقرير يتضح أن مصطلح التعليمية مرادف لمعنى فن التعليم، وكانت تعني عندهم نوعا من المعارف التطبيقية والخبرات، هو بنفس المعنى الذي استخدم يان أموس كومينوس (1657م) "J.A Comminius" هذا المصطلح في كتابه الديداكيتكا الكبرى "Didactica Magna"، حيث يقول عنه: "أنه يعرفنا بالفن العام لتعليم الجميع كل شيء، أي أنه فن لتعليم الجميع مختلف المواد التعليمية".

     واستمر مصطلح التعليمية مستعملا، ويقصد منه، فن التعليم، أو التعليمية إلى القرن التاسع عشر (19)، حيث ظهر العالم والفيلسوف الألماني جون فريديريك هربارت (1841 – 1776) المعروف بطريقة تدريسه العامة، والذي وضع الأسس العلمية العامة للتعليمية كخطة للتدريس، وكنظرية للتعليم تستهدف تربية الفرد، فهي نظرية تخص نشاطات متعلقة بالتعليم، أي كل ما يقوم به المدرس من نشاط. فاهتم بذلك أتباعه بالأساليب الضرورية لتزويد المتعلمين بالمعارف، واعتبروا الوظيفة الأساسية للتعليم تحليلا لنشاطات المعلم في المدرسة، وأن الهدف النهائي من التربية هو تنمية الشخصية وليس جمع المعلومات. (حريزي، 2010، الصفحات 46-47-48)

     وظهر تيار التربية الجديدة بزعامة جون ديوي مع بداية القرن العشرين حيث أكد ديوي على فعالية المتعلم واعتبر الديداكتيك نظرية للتعلم لا للتعليم. وهكذا يكون قد اُستعمل للدلالة على كل ما يتعلق بالتعليم ويتمثل في الأنشطة التي تجري داخل الأقسام وترمي إلى تبليغ المعارف والمهارات المختلفة. وقد ترتب عن هذا الاستعمال تيارين يوظف الأول هذا اللفظ باعتباره صفة تضاف لكل النشاط التعليمي الذي يجري داخل الأقسام، أما الثاني فينظر إلى الديداكتيك بوصفه علم مستقل من علوم التربية. ولكن البحث الديداكتيكي المعاصر لا يمكن التأريخ له بأبعد من ثلاثين سنة من القرن المنصرم فيما يذهب إليه فيليب سارمجان. (طاب، 2015، صفحة 161)

    وتعد مرحلة الثمانينيات الإنطلاقة الفعلية للبحوث في مجال الديداكتيك، وتعتبر أعمال غاستون باشلار في الإبستمولوجيا وجان بياجيه في البنائية وعلم النفس المعرفي مرجعية لتلك البحوث خاصة فيما يتعلق بتمثلات التلاميذ وتفاعلهم مع محيطهم الطبيعي والاجتماعي. ومن الظواهر التي دفعت لانطلاق البحوث الديداكتيكية في العشريات الأخيرة من القرن المنصرم خاصة ظاهرة الفشل المدرسي والتراجع والمستوى الثقافي للتلاميذ، الذي أصبح ظاهرة عالمية ويعتبره البعض ومنهم Michel Develay السبب المباشر. (طاب، 2015، صفحة 162)

هذا الدرس غير جاهز لبدئه بعد