مدخل إلى علم النفس العمل و التنظيم
محاضرة رقم:1
تمهيد:
إذا كان علم النفس هو العلم الذي يهتم بدراسة سلوك الإنسان و شخصيته دراسة علمية جادة، فان علم
النفس العمل و التنظيم هو احد فروع علم النفس إذ يغلب عليه الجانب التطبيقي؛ لقد كان هذا الفرع
يطلق عليه في البداية "علم النفس الصناعي " ونتيجة للتوسع في موضوعاته عدل إلى هذه التسمية
الحديثة. ويستهدف هذا الفرع دراسة المشكلات ذات الطبيعة النفسية التي تنشأ في مجال العمل
ومنظماته و ترشيد الجهد الإنساني ليحقق من ذلك أقصى استفادة ممكنة للإنسان و مجتمعه، و ذلك
باستخدام المنهج العلمي المستخدم في البحوث النفسية ، واقتراح الحلول لهذه المشكلات وتطبيق
النظريات والمعلومات النفسية لفهم هذه المشكلات وحلها. ومن أمثلة هذه المشكلات "انخفاض الروح
المعنوية للعاملين ، وكثرة إصابات العمل ، وضعف الإنتاج كما وكيفا ، وكثرة المشاحنات والخلافات بين
العاملين بعضهم البعض ، أو بينهم وبين الإدارة"
-1 تعريف علم النفس العمل و التنظيم :إن المتتبع للبحث في هذا الميدان يصادف مجموعة من
التسميات المتباينة التي أطلقت عليه ،حيث يرى (دويدار، 2000 ، ص 10 ) أن علماء النفس الانجلوساكسونيين
يفضلون استخدام مصطلح علم النفس الصناعي للدلالة على جهودهم في دراسة ظواهر العمل و عملية
التصنيع من مختلف جوانبها خاصة في النصف الثاني من القرن العشرين.
أما علماء النفس الفرنكوفونيين و باعتباران العمل نشاطا إنسانيا بالإضافة إلى بعض العلماء الأمريكيين خاصة W.Form & D.Miller فيرون انه لا يتوقف عند حدود المجال الصناعي و إنما يتجاوزه إلى مجالات تنظيمية أخرى (تجارية ، ز ا رعية، اجتماعية ، تربوية ، خدماتية ،.... و غيرها ) فقد فضلوا استخدام مصطلح علم النفس العمل أو علم نفس تنظيم العمل ، للإشارة إلى جهودهم في الدراسات السيكولوجية التي تهتم بتحليل العوامل النفسية -الاجتماعية في موقف العمل الصناعي مثل التي تناولت المشاركة و الروح المعنوية و علاقتها بالإنتاجية ، فضلا عن دراسة القيم و القيادة و الفروق الفردية و الدوافع للعمل و اتجاهات العمال و سلوكهم أثناء العمل.
أما (العايب، 2006 ،) فيرى إن اقتحام علم النفس الصناعي جميع الميادين جعله يتحول إلى التسمية الجديدة ، حيث أينما وجد الإنسان في وضعية عمل يتدخل علم النفس العمل و التنظيم لحل مختلف المشاكل المتعلقة بالعامل و ظروف عمله.
لقد تعددت و تطورت التعاريف المخصصة لعلم النفس العمل و التنظيم ، حيث يمكن ذكر بعضها فيما يلي :
يعرف علم النفس الصناعي على انه دراسة الإنسان في حالة العمل و بالتالي هو الدراسة العلمية التي تتناول كيف يتوافق الفرد مع عمله.
أما Drever 1974: فيرى أن علم النفس الصناعي فرع من فروع علم النفس التطبيقي الذي يهتم
بتطبيق مناهج البحث في علم النفس و نتائجه في المشكلات التي تنشأ في المجال الصناعي أو
الاقتصادي بما فيها اختيار العمال وتدريبهم و طرق العمل و ظروفه........الخ. و هو تعريف أكثر
تفصيلا من سابقه
كما يعرفه 1990Schultz & Schultz : بأنه العلم الذي يتطلب تطبيق مناهج البحث العلمي الحقيقية
و المبادئ العلمية لدراسة السلوك و العمليات العقلية لدى الأفراد في العمل
في حين يعرفه English & English بشكل أكثر وضوحا و تفصيلا فيذكر انه: الدراسة العلمية
للمشكلات الصناعية بواسطة مناهج بحث علم النفس و مفاهيمه و مبادئه و استخدام نتائج تلك
الدراسات لزيادة الكفاية الإنتاجية
و هنا يظهر أن مجال نشاط علم النفس الصناعي واسع حيث أنها يشمل اختيار الأفراد و تدريبهم
و الروح المعنوية للعاملين و الهندسة البشرية و سيكولوجية الإعلان و فن البيع و الدراسات المسحية
لحاجات المستهلكين ، الخ
من جهته يرى( Donald & Coll 2002) : أن علم النفس العمل و التنظيم هو الفرع الذي يبحث في
تحليل و فهم مختلف السلوكيات الجسدية و الانفعالية و المعرفية للأفراد والفرق في مجال العمل
و تفسير عوامل ظهورها و بقائها أو زوالها و كدا اكتشاف طبيعة معاش الأفراد في وضعية العمل.(
أما (B.Von Haller Gilmer 1976) : فيرى أن علم النفس التنظيمي ذلك العلم الذي يهتم بالمشكلات
النفسية للموظفين التي تظهر في كل التنظيمات مع التركيز على المؤسسات الصناعية . فقد اعتبره ذلك
العلم الذي لا يدرس فقط الإنسان العامل في المصنع، بل أيضا البائع في الطريق ،المعلم في المدرسة
،و هو مهتم بأستاذ الجامعة ، أو الرجل الذي يضع قوالب البناء، أو يدير نشاط شركة ما
أما محمد عبد الفتاح دويدار( 2000 )" فيرى أن علم النفس المهني هو ذلك الميدان الذي يهتم بدراسة العمل
( بمختلف جوانبه باعتباره نشاطا إنسانيا مع الاهتمام بالتنظيمات التي تنشأ لهذا الغرض
4
كما عرف بأنه احدث الفروع التطبيقية لعلم النفس فهو من صنع القرن العشرين و فرع يستهدف رفع
مستوى الكفاية الإنتاجية للعامل و الجماعة العاملة و ذلك عن طريق حل المشكلات المختلفة التي تتعلق
بميدان الصناعة و الإنتاج حلا علميا يقوم على مبادئ علم النفس و مفاهيمه و يحرص على راحة و كرامة
العامل و حرصه على زيادة إنتاجه
من جهة أخرى عرف بأنه دراسة و فهم سلوك العاملين في المنظمة و يشمل ذلك : أسلوب تفكير
وٕادراك العاملين ، شخصياتهم و دوافعهم للعمل ، الرضا الوظيفي لديهم و اتجاهاتهم نحو العمل،
سلوكياتهم افرادا و جماعات و تفاعلهم مع بيئة العمل من اجل تحقيق أهداف الأفراد و المنظمة في نفس
الوقت.
يتبين من التعاريف التي تم عرضها أن علم النفس العمل و التنظيم ما هو إلا امتدادا لدائرة اختصاص
علم النفس الصناعي و التنظيمي و المهني ، فقبل السبعينات من هذا القرن كنا نجد علم النفس الصناعي
يكاد يقتصر على مجالات العمل و الإنتاج ، أما حاليا بتسميته الجديدة أصبح يشمل كل سلوك العاملين
بالمنظمات سواء كانت صناعية آو تجارية أو رياضية أو تربوية أو سياسية أو عسكرية أو خدماتية ،
سواءا كانت حكومية أو خاصة. و للتمييز بين علم النفس العمل و التنظيم و بين فروع علم النفس
الأخرى فلا بد أن يكون هذا التمييز مبني على الأبعاد الآتية:
-1 السياق الذي تجرى فيه البحوث و التطبيقات، فعلم النفس الصناعي مرتبط بعالم العمل.
-2 العملية التي تتم بواسطتها البحوث و التطبيقات، حيث يستخدم علم النفس الصناعي كل التصميمات
التجريبية و التحليلات المستخدمة في الفروع الأخرى و ذلك بإجرائها في مواقف العمل.
-3 محتوى المجال ، و يتمثل في جميع المتغيرات المستخدمة، و يتميز علم النفس الصناعي بثلاث
ميادين فرعية كبرى من حيث المحتوى و هي :
-4 المتغيرات داخل الفرد مثل دوافع العمل و الرضا عن العمل.
-5 المتغيرات الخاصة بظروف العمل.
-6 المتغيرات المرتبطة بالقياس في عمليات الاختيار و التقويم للأفراد و الموظفين.