لقد أحدث التصنيع منذ بداية القرن التاسع عشرة سلسلة من التحولات في المجتمعات
الغربية، إذ تطورت الحياة الاجتماعية التقليدية من حيث البنى الاجتماعية، كظهور طبقات
اجتماعية جديدة، تغير في العلاقات الاجتماعية، والنمو الإنتاجي وغيرها، ومن هنا كانت
الحاجة إلى دراسة المشكلات الناجمة عن هذا التطور في مختلف مناحي الحياة الاقتصادية
والاجتماعية والثقافية والسياسية، التي كان التصنيع سببا في إحداثها، وقد أدت هذه الأحداث
والتحولات إلى إبراز أحد فروع علم الاجتماع وهو علم الاجتماع الصناعي، الذي يهتم بدراسة
المشكلات الناجمة عن التصنيع، والذي بدوره ومن خلال فلسفة وممارسات مختلفة
والاهتمام بقضايا ترتكز على العمل وليس المكان الذي يتواجد به (المصنع) ظهر مجال
معرفي آخر يسمى علم اجتماع العمل وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذا الحقل ظهر بتسميات عديدة
وخلال فترات مختلفة، فنجد علم الاجتماع العمل، علم اجتماع التنظيم علم اجتماع
المؤسسات وغيرها من التسميات التي تعكس فلسفة وممارسات تختلف في كل تسمية عن الأخرى.
لقد تطور الاهتمام بالدراسات
داخل المصنع والتنظيمات الأخرى منذ نشوئها إلى يومنا هذا، إذ اختلفت القضايا والمشكلات
التي تناولها هذا الحقل بدءا بدراسة مشاكل العمل كالمردودية والفعالية والطبقات الاجتماعية
داخل التنظيم، وأشكال السلطة والبيروقراطية وإستراتيجية الفاعلين...وصولا إلى الثقافة
والهوية الفردية والجماعية والعلاقة بين المؤسسة والمجتمع.
أما في الجزائر فيعتبر علم
اجتماع العمل أول فرع في علم الاجتماع، إذ كانت البداية مباشرة بعد الاستقلال مع تبني
المشروع التصنيعي الذي أتى به "د. دوبرنيس" D. Bernis صاحب نظرية الصناعات
المصنعة، والذي أصبح فيه التصنيع يحتل مكانة مركزية، ومن هنا كانت اهمية الدراسات في
هذا المجال، ومن بين الدراسات التي أجريت في هذا الميدان، دراسة الثلاثي "علي
الكنز"، "سعيد شيخي"، "جمال غريد"، وهي
دراسة شاملة لكل مركبات الحديد بالجزائر، بعنوان "الصناعة والمجتمع".
لذلك سنحاول أن نتناول من
خلال هذا المقياس والموسوم بدراسات سوسيولوجية للعمل في الجزائر مختلف الأعمال
والقضايا التي تناولها هؤلاء الباحثون وعلماء الاجتماع في الجزائر على غرار باحثون
آخرون أمثال: "جيلالي اليابس"، "أحمد هني"، "محمد
مبتول" وكيف تناولوا المؤسسة الصناعية في الجزائر من خلال رؤى وزوايا
مختلفة.