Aperçu des sections
- Généralités
- المحاضرة الأولى
المحاضرة الأولى
الصورة كإشكالية سيميولوجية:
1-تعريف الصورة:
أ- لغة: يفيد لفظ الصورة في اللغة العربية معاني عديدة منها: "التمثيل لشيء أو التدليل على حقيقة هذا الشيء".
ب- اصطلاحا: هي تمثيل ذهني للواقع أو إعادة محاكاته من خلال الرسم أو نحت اللوحات الزيتية والفوتوغرافية، السينما، الكاريكاتور، وكل الأشياء التي تسمح بإعطاء معلومات وتتميز بغنى محتواها".
أما التعريف الاصطلاحي للصورة فهي " كل تقليد تمثيلي مجسد أوتعبير بصري معاد، وهي معطى حسي للعضو البصري أو إدراك مباشر للعالم الخارجي في مظهره المضيء، بحيث تحمل هذه الصورة رسالتين الأولى تقريريّة، والثّانيّة تضمينيّة مستعدة دلالتها من الرّسالة الأولى لإنتاجها.
ويعرفها الناقد العربي " عبد الله الغذامي" "" الصورة ثقافة وفكر وإنتاج اقتصادي وتكنولوجي وليست مجرد متعة أو محاكاة فنية، وهي لغة عصرية يشترط فيها تطابق القول مع الفعل، وتمثل الحقيقة التكنولوجية، بما أن الصورة علامة تكنولوجية، ومؤشر إنتاجي ومنطق مستقبلي.
فمن الناحية الفلسفية، يمكننا أن نقول أن الصورة تطلق على عدة معان، فقد يراد بها الشكل المخصوص الذى عليه الشىء، ويقال صورة الشىء ما به يحصل الشىء بالفعل، أو هي ترتيب الأشكال وتركيبها وتناسبها، وتسمى الصورة المخصوصة، وقد تطلق على ترتيب المعاني التي ليست محسوسة، فإن للمعاني أيضا ترتيبا وتركيبا وتناسبا، يسمى صورة. والصورة في العمل الفنى هى هيئته وترتيب أجزائه أو جانبه المرئي كما يقول "هربرت ريد" الذي قدم تعريفا عاما للصورة، أكد فيه على أنها الهيئة التي اتخذها العمل، وتلك الهيئة هي شكل العمل الفنى أو صورته.
الصورة كلمة جامعة وشاملة فهي عبارة عن رموز بصرية، أشكال، ألوان ... تحمل دلالات ومعاني كونها "أداة تعبيرية اعتمدها الإنسان لتجسيد المعاني والأفكار والأحاسيس، ولقد ارتبطت وظيفتها سواء كانت إخبارية، رمزية أو ترفيهية بكل أشكال الاتصال والتواصل، والصورة هي واقع متحقق في حياتنا ... فالصورة بشكل عام هي بنية بصرية دالة، وتشكيل تتنوع في داخله الأساليب والعلاقات والأمكنة والأزمنة، فهي بنية حية تزخر بتشكيل ملتحم التحاما عضويا بمادتها ووظيفتها المؤثرة الفاعلة.
إن الصورة بصفة عامة، تصور لغوي وعقلي وذهني وخيالي وحسي وبصري، قد تنقل العالم الواقعي أو تتجاوزه نحو عوالم خيالية وافتراضية أخرى، لكن أهم ما في الصورة هو طبيعتها اللغوية والفنية والجمالية الخاصة، وارتباطها بمتخيلات غنية وثرية. كما أن للصورة " الخطاب " آليات تعبيرية قد تتجاوز الصور الشعرية إلى صور نثرية وسردية ودرامية موسعة وبصرية تشكيلية، تجعل من مبحث الخطاب " الصورة " عالما منفتحا وخاصا، يمكن استكشافها واستجلاؤها عبر السياق السيميائي الدلالي.
أما في مجال السيميولوجيا أو في الاصطلاح السيميولوجى ، نلاحظ أن الصورة هي نوع من العلامة والعلامة في أبسط معانيها شيء مادى، يستدعى إلى الذهن شيئا معنويا ، فهي كيان مزدوج البنية له جانب مادى، وهو الدال الذى قد يكون سمعيا أو بصريا أو لمسيا، وجانب آخر معنوي هو الدلالة ، وهذه الدلالة هي ما يكسب الصورة أيا كان نوعها قيمة سيميولوجية.
وتنطوي الدلالة في الصورة مثل معظم العلامات السيميولوجية الاخرى على قدر من الغموض، وذلك لأن الدلالة هنا، ليست معطى جاهز من معطيات الصورة، أو سمة من سماتها، وإنما هي معنى يختلف باختلاف السياق الذي ترد فيه الصورة، ولهذا تحتاج دائماَ إلى تفسير، ينطلق من فهم جيد لها.
2-الرسالة البصرية وإنتاج المعنى
إن اللغة البصرية التي يتم عبرها توليد مجمل الدلالات داخل الصورة هي لغة بالغة التركيب والتنوع وتستند من أجل بناء نصوصها إلى مكونين:
- البعد العلاماتي الأيقوني
- البعد العلاماتي التشكيلي
فالرسالة البصرية تستند من أجل إنتاج معانيها، إلى المعطيات التي يوفرها التمثيل الأيقوني كإنتاج بصري لموجودات طبيعية تامة) وجوه، أجسام، حيوانات، أشياء من الطبيعة...الخ (، وتستند من جهة ثانية إلى معطيات من طبيعة أخرى، أي إلى عناصر ليست لا من الطبيعة ولا من الكائنات التي تؤثث هذه الطبيعة. ويتعلق الأمر بما يطلق عليه التمثيل التشكيلي للحالات الإنسانية، أي العلامة التشكيلية: الأشكال والخطوط والألوان والتركيب.
إن البعد التضميني والدلالي للصورة هي نتاج تركيب يجمع بين ما ينتمي إلى البعد الأيقوني وبين ما ينتمي إلى البعد التشكيلي مجسدا في أشكال من صنع الإنسان وتصرفه في العناصر الطبيعية بتراكمية ثقافية من تجارب أودعها أثاثه، وثيابه، ومعماره، وألوانه، وأشكاله، وخطوطه. وتعد الصورة من هذه االزاوية ملفوظا بصريا مركبا ينتج دلالاته استنادا إلى التفاعل القائم بين مستويين مختلفين في الطبيعة، لكنهما متكاملان في الوجود.
من هذا المنطلق، يمكن طرح قضية الدلالة والتدليل في الرسالة البصرية، وكيفية تحول المرجع الفوتوغرافي من الحياد والصمت إلى علامة، وإلى نص لا ينفلت من لعبة المعنى. وهو الطرح الذي يستدعي مستويين اثنين على الأقل في قراءة الرسالة البصرية.
- المستوى الأول : هو الداخل الأيقوني
- المستوى الثاني : هو الخارج الأيقوني
إن رصد هذين المستويين في علاقتهما الجدلية والمتداخلة يقود إلى تحديد وجهة نظر الفاعل الفوتوغرافي، ورؤيته للعالم، وهي الرؤية التي تعين مسار الصورة، إطارها، ومواضيعها، إيقاعاتها وألوانها، بكلمة واحدة: طريقة تمثيلها.
وعليه يتضمن النص البصري أي "الصورة" مجموع سنن ينبغي تفكيكها لإعادة بنائها في شكل مغاير. من هنا فعملية قراءة ومقاربة الصورة تعني تفكيك هذه السنن بالدرجة الأولى، أي تحليل المراسلة البصرية. وهنا طور "رولان بارت" نظريته الخاصة بسيميولوجية الصورة، فتحدث عن مستويين في قراءة المعاني هما: المستوى التقريري والمستوى الإيحائي، هذان المستويان يبينان حدود تشكيل الدلالة داخل الصورة، حيث يكون المعنى واضحا للمشاهد، يستنبطه دون جهد أو عناء في المستوى الأول، أما المستوى الثاني فيكون غامضا مضمرا وراء الحدود المرئية للصورة فيكون المشاهد مرغما على تحليلها ومعرفة جوهر دلالتها وفقا للسياق الذي يعيش فيه القارئ.
كما أشار أن الصورة تحتوي على ثلاث رسائل، ويتم تحليلها من خلال كل رسالة من الرسائل الثلاث وهي:
- رسالة ألسنية.
- رسالة أيقونية غير مدونة: أي تكتفي بتسجيل المرجع في المواضيع التي تمثلها علاقة ترابطية.
- رسالة أيقونية مدونة : تمثل المستوى التضميني.
وهنا يشير"رولان بارث" إلى أن الصورة التعيينية حاملة للرسالة التضمينية، حيث أن المدلول الموجود على المستوى التعييني هو دال ثاني إيديولوجي ثقافي.
- المحاضرة الثانية
المحاضرة الثانية
التطور التاريخي للصورة
1-تعريف الصورة:
قال تعالى في كتابه العزيز: ﴿ هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ ﴾ [الحشر: 24]، وفي آية ثانية: ﴿ هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ ﴾ [آل عمران: 6]، وفي آية ثالثة: ﴿ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ ﴾ [التغابن: 3]، ذلك هو المصور وتلك هي الصورة، والله هو الذي أنعم على الخلق بجمال الصورة.
لغويا: وردت في) الرازي(، )ص و ر) )الصور( القرن ومنه جمع )صورة( مثل يسرة و )صوره( )تصويرا( )متصور(،و) تصورت(الشيء توهمت )صورته فتصور( لي و )التصاوير( التماثيل.
اصطلاحا: وردت في) صليبا(بأنها" المصور بالقلم وآلة التصوير، وتقول تصور الشيء، أي تخيله واستحضر صورته".
وورد في تعريف الصورة بأنها الفكرة التي يختزنها الذهن عن شخص أو شيء ما، فهي ظاهرة. فالفن كظاهرة هو صورة،وهي مجموعة من الأفكار تشكلت في ذهن الفنان من خلال التفكير البصري، وهو كما عرفته "مريت أوبنهايم" محاولة فهم العالم من خلال لغة الشكل والصورة. والتفكير في الصورة يرتبط بالتفكير في الخيال الذي هو مصدر الإبداع والعطاء.
وهناك إجابة فلسفية لتعريف الصورة، فقد عرف" هنري برغسون" الصورة بكونها تحيل إلى " وجود هو أكثر مما يسميه المثالي تمثلا وأقل مما يسميه الواقعي شيئا، إنها وجود يقف على منتصف الطريق بين الشيء والتمثل.
كما تعرف الصورة بأنها "مجموعة من الأفكار تشكلت في عقل راسم الصورة، وهو المعروف بالعقل الأيقوني المتعلق بالتفكير بالصورة، من خلال الارتباط النظري بالصورة التي هي من عطاء العقل الأيقوني، والتفكير في الصورة هو ما يعرف بالتفكير البصري.
2-مراحل تطور الصورة
عرفت الصورة تطورات ملحوظة عبر الزمن، فكان أول تواجد لمصورة في الكهوف استخدمها الإنسان كأداة سحرية يستعيذ بها من الحيوانات بسيطرته عليها في رسومه على جدر ان الكهوف، فتسهل عليه السيطرة في الواقع، ثم بعد ذلك كانت الصورة بمثابة التعبير عن مذهب ديني، ثم انفردت الصورة واستقلت لتصبح
موضوعا بنفسها حتى صارت لونا من ألوان الفن، إلى أن أصبح في النهاية موضوع متعمق بتجارة الفن.
وقد قسم روجيس دوبري تاريخ الصورة إلى ثلاث مراحل ترتبط بالوسائط والاختراعات الثلاثة) الكتابة، الطباعة والتقنيات السمعية البصرية(. وصنف الصورة إلى ثلاث أصناف مميزة هي) الصنم والفن والبصر(، حيث أنه قسم تاريخ الصورة إلى: "ما قبل التاريخ، والتاريخ الوسيط، والكلاسيكي، والحديث، والمعاصر،
فوضع نظريته التي تهتم بتاريخ العين وأنماط امتلاك البصر كالآتي:
أ. عصر الخطاب logosphere: ويعني به عصر الأصنام بالمعنى العام لكلمة صورة، كما هي ترجمتها بالإغريقي " eidolon " وتمتد من اختراع الكتابة إلى اختراع المطبعة. بدأ هذا العصر وانتيى إلى الإغريق وامتد فيما بين قبل التاريخ وعصر المسيحية، وهو عبارة عن صورة جامدة، حيث لم تكن المسألة جمالية، بل كانت دينية، وصانع الصورة الصنمية حرفي، والهدف منها الحماية والخلاص.
ب. عصر الكتابة graphosphere: ويطابق عصر الفن، ويمتد من المطبعة إلى التلفزيون بالألوان. بدأ هذا العصر في الغرب، وانتيى إلى إيطاليا، وامتد ما بين عصر المسيحية، والحداثة، وهو انتقال من اللاهوتي الديني إلى التاريخي. وأصبحت الصورة إنسانية تتحرك من مكان إلى مكان وتحررت من سلطة الدين عليها، وأصبح الفنان مستقل بذاته له أكاديمية خاصة، ويهتم بتمثيل الصور من الواقع والطبيعة، والهدف منه الجمال والمتعة والصورة الملهمة.
ج. عصر الشاشة videosphere: وهو يقابل العصر البصري: وهو العصر الذي نعيش فيو الآن، هذا العصر له إيقاع خاص، سريع، وصورته تخيلية رقمية، وهو بين العصر الحديث وما بعد الحداثة، وله وسطه الخاص الخاضع للدائرة الاقتصادية) مسألة القدرة الشرائية) وتتشكل مادته من فتان الأساطير السالفة.
وللبصري شبكة متخصصة، ويعمل في مصنع أو مكتب ويرتبط بزبائنه عن طريق الفاكس أو الحاسوب، وعليه أن يكون مباد را، إذ عمله الإذاعة والنشر، والهدف منه الإخبار والنشر.
يشير "دوبري" إلى أن كل عصر له سماته الخاصة من حيث النظام والفكر والشكل العام، وأن هذه العصور تتداخل في بعضها، وأن بزوغ عصر لا يمحو الذي قبله، إذ لم تمح الطابعة من ثقافتنا الأمثال والأقوال المأثورة، ولم يمنعنا التلفزيون من زيارة المتاحف، ولم تنمح الآثار المصرية القديمة للناظر إليها من الشاشة.
ويمكن القول أن الصورة كوسيلة اتصالية تطورت بتطور وسائل الاتصال، فقد تنقلت عبر العصور لتستفيد من التقنيات المختلفة المصاحبة لكل عصر، فالصورة الموجودة في الكهوف والمغارات تختلف بكثير عن صورة الإعلانات التي نجدها في الشاشات العملاقة، وتختلف كذلك عن الصورة المفبركة "بالفوتوشوب"، وعن الصورة الثلاثية الأبعاد، والصورة الثابتة باللونين الأبيض والأسود تختلف عن الصورة الثابتة بالألوان، والصورة الثابتة تختلف عن الصو رة المتحركة، والصورة في العصر التماثلي تختلف عن الصورة في العصر الرقمي، فالعامل التقني أثر كثيرا على تطور الصورة وجودتها، وجاذبيتها وتأثيرها.
- المحاضرة الثالثة
المحاضرة الثالثة
اتجاهات السيميولوجيا
أولا: سيميولوجيا التواصل
1-مفهوم سيميولوجيا التواصل
تهدف هذه السيميولوجيا عبر علاماتها وإشاراتها إلى الإبلاغ والتأثير في الغير، وبتعبير آخر تستعمل سيميولوجيا التواصل مجموعة من الوسائل اللغوية وغير اللغوية لتنبيه الآخر والتأثير فيه، عن طريق إرسال رسالة وتبليغها إياه؛ ولهذا ركز روادها على الوظيفة التواصلية، وأقاموا العلامة على ثلاثة أسس (الدال والمدلول، والوظيفة القصدية (، فشرط ما يعتبر ضمن هذا النوع من الممارسات أن يكون الهدف من استخدامها وتوظيفها هو التعبير عن مراد الشخص وقصده في أن يُؤثر في المتلقي للعلامة بوجه من وجوه التأثير. من روادها بويسنس، بريتو، مونان، أوستين، مارتيني...
2-مقومات سيميولوجيا التواصل
تقوم سيميولوجيا التواصل على دعامتين هامتين هما:
أ-محور التواصل وما يجري فيه.
ب-محور العلامة) أنواعها، مكوناتها (، وعلاقة كل ذلك بالقصد.
1-محور التواصل: وهو إما لساني أو غير لساني.
1 - 1 -التواصل اللساني : نحو ما يبدو في أشكال التعبير اللغوي والأفعال الكلامية ،التي يصدرها الناس في مواقف محددة ،بهدف التواصل فيما بينهم ،وجدير بنا أن نتحدث هنا عن مفهوم دارة الكلام أو التخاطب عند فرديناند دي سوسير . والتي تبتدئ بالصورة الذهنية) المدلول (عند المتكلم، وتنتهي بصورة ذهنية مماثلة عند المتلقي، مرورا بترجمتها عند المتكلم في شكل أصوات، تنتقل عبر الفضاء الناقل لتقرع أذن السامع، الذي يحولها من صورة سمعية) دال (، تتقمص هيئة الصوت، إلى صورة ذهنية أو فكرة، هي عين ما أراد المتكلم أن يصل إليه.
- 1 - 2 التواصل غير اللساني : ويضم مجموعة من الأنساق الرمزية الأخرى ،ماسوى اللغات الطبيعية، وقد صنّفه "بويسنس" إلى ثلاثة أقسام :
أ-العلامة الثابتة: وهي العلامة التي لا قيمة لها إلا باعتبار أنها أُنتجت لأجل تلك القيمةالمعترف بها، كما أنها تتميز بكونها ثابتة ومستمرة، ولنا في إشارات المرور أفضل مثال.
ب-العلامة المتغيرة) غير ثابتة): وهي التي تتغير فيها العلاقة بين طرفيها بحسب -الظروف والحاجة، كما في الملصقات الإشهارية، التي توظف اللون والشكل بهدف التأثير في المستهلك، وتوجيه انتباهه إلى نوع معين من السلع في ظرف خاص، قد يزول بزوال السلعة، أو الرغبة في تسويقها.
ج-العلامة العفوية: وهي العلامة التي أُنتجت لقصد غير قصد الإشارة بالأصل، ثم تم تحويلها إلى قصدية واضحة المعالم، مثل: لون السماء في دلالته على حالة الملاحة، والهلال في العد والحساب.
2 -محور العلامة : كما يراها "بريتو" مكونة من :
أ-الإشارة: وهي التي ترتبط طبيعيا بما تحيل عليه بعلاقة الملازمة، ولكن في غياب ما تُشير إليه أو تلازمه، وإلا بطل مفعولها. ومن أمثلة الإشارة البصمات المعتمدة في تحريات الشرطة، والتي تقوم بدور الإحالة على السارق وتحديد هويته.
ب-المؤشر: وهي بمفهوم "بريتو" علامة اصطناعية لا قيمة لها إلا في حضور المتلقي، كما نجده في العلامات البحرية وإشارات المرور.
ج-الأيقون: ويدل على ما يحيل عليه بطريقة المشابهة أو المماثلة، كالصور الفوتوغرافية، والتمثال المجسم.
د-الرمز: وهو الذي أُنتج ليقوم مقام علامة أخرى مقصودة، كدلالة السلحفاة على البطء.
ثانيا: سيميولوجيا الدلالة
1-مفهوم سيميولوجيا الدلالة
تتخطى سيميولوجيا الدلالة حاجز المألوف لتناقش بواسطة اللغة أنظمة العلامات غير اللغوية، فهي لا تتردد في رؤية عالم العلامات ممارسة لغوية، ومن السمات اللافتة في العرض الذي يقدمه بارث هي زعمه أن اللغة ليست النموذج الأساسي للنسق السيميولوجي فحسب، إنما هي أيضا الواقع الذي يعول عليه دائمًا لدراسة جميع الأنشطة البشرية بوصفها سلسلة من اللغات، وهكذا تحول احتواء السيميولوجيا للسانيات أمرا غير وارد، فجميع الأنساق والوقائع تدل؛ فهناك من يدل بواسطة اللغة، وهناك من يدل بدون اللغة الألسنية، بيد أن لها لغة دلالية خاصة بها. ومادامت الأنساق والوقائع كلها دالة، فلا عيب في تطبيق المقاييس اللسانية على الوقائع غير اللفظية أي أنظمة السيميولوجيا غير اللسانية لبناء الطرح الدلالي.
ومن هنا، فقد انتقد بارث في كتابه) عناصر السيميولوجيا (الأطروحة السوسيرية التي تدعو إلى إدماج اللسانيات في قلب السيميولوجيا، "وبصفه عامه يجب، منذ الآن قلب الاقتراح السوسيري ليست اللسانيات جزء من علم الأدلة العام،ولكن الجزء هو علم الأدلة، باعتباره، فرعا من اللسانيات . " مؤكدا أن اللسانيات ليست فرعا ولو كان مميزا، من علم الدلائل)السيميولوجيا(، بل السيميولوجيا هي التي تشكل فرعا من اللسانيات. ومن هنا، فقد تجاوز رولان بارث تصور الوظيفيين الذين ربطوا بين العلامات والمقصدية، وأكد على وجود أنساق غير لفظية، حيث التواصل غير إرادي، لكن البعد الدلالي موجود بدرجة كبيرة. وتعتبر اللغة الوسيلة الوحيدة التي تجعل هذه الأنساق والأشياء غير اللفظية دالة،" فكل المجالات المعرفية ذات العمق السوسيولوجي الحقيقي تفرض علينا مواجهة اللغة، ذلك أن الأشياء تحمل دلالات. غير أنه ما كان لها أن تكون أنساقا سيميولوجية أو أنساقا دالة لولا تدخل اللغة. فهي، إذا تكتسب صفة النسق السيميولوجي من اللغة".
وتجدر الإشارة إلى الموقف الذي تبناه رولان با رث، والذي يخالف به موقف سوسير؛ فإذا كان هذا الأخير قد أعلن ميلاد السيميولوجيا من خلال محاضراته؛ ولن يكون اللسان إلا جزءا داخل علم السيميولوجيا باعتبارها علما عاما، فإن بارث قال بالعكس؛ واعتبر السيميائيات جزءا من اللسانيات وأرجع ذلك لسببين حسب أحد الدارسين:
السبب الأول: راجع إلى كون السيميائيات استلهمت مناهجها ومفاهيمها من اللسانيات.
السبب الثاني: اضطرار الباحث لاستعمال اللغة لتحليل السيرورات الدلالية والتواصلية .
وتجسد سيميولوجيا رولان بارث إحدى المحاولات التي سعت إلى تحقيق مشروع سوسير السيميولوجي، مركزا في ذلك على جوانب الدلالة (La signification) ، باعتبارها سمة مميزة لمشروعه ، ذلك أن نظرته لنسق العلامة تجاوزت كونها تعبر عن أفكار فقط، إلى اعتبارها علامة ديناميكية بعد أن كانت تعبر عن نفسها، أي بخضوعها إلى الأثر الاجتماعي والثقافي تخرج من طبيعتها إلى صوب عوالم الأسطورة.
2-العلامة عند بارث:
يستند رولان بارث في صياغة نظريته السيميولوجية على آراء سوسير حيث ينظر إلى العلامة التي يعتبرها نتاج علاقة الدال بالمدلول ويؤكد ذلك بقوله"إن في أي نسق سيميولوجي نكون أمام عناصر ثلاثة الدال والمدلول ثم العلامة باعتبارها نتيجة للجمع بين العنصرين الأولين، فالعلامة بهذا التصريح سواء أكانت نسقا لسانيا أم نسقا غير لساني ينبغي التعامل معها من خلال التأليف بين الدال والمدلول وبالنظر إلى الدال باعتباره من طبيعة مادية سواء أكان صوتا أم شيئا موجودا في العيان أم صورة،
فالدال بهذا المعنى يشكل مستوى التعبير في الوقت الذي يشكل فيه المدلول مستوى المضمون، وأما الدلالة فهي العملية التي تنتج عن تعالق المستويين التعبيري والمضموني ، على اعتبار المدلول هو ما يفهمه مستعمل العلامة أي أنه تمثل نفسي للشيء.
3-ثنائيات سيميولوجيا الدلالة:
لقد قام بارث بإبراز المفاهيم الأساسية لهذا الاتجاه واستشرف إمكانية تطبيقها على مختلف الظواهر غير اللغوية؛ ليضع السيميولوجيا موضع الاختبار، معتقدا أنها قد تكون ذات نفع في دراسة الظواهر الدالة، وجمع هذه العناصر السيميولوجية تحت أربعة عناوين كبرى نابعة عن اللسانيات البنيوية هي : اللسان والكلام، الدال و المدلول ، المركب والنظام، التقرير والإيحاء. ومن الواضح أن هذه العناوين التي تتخذ شكل التفرع الثنائي، تبين تأثر بارت بالثنائيات السوسيرية خاصة.
1 -اللغة والكلام
ثنائية اللغة والكلام هي من الثنائيات المهمة في لسانيات سوسير ، وتصعب أسبقية أحدهما على الآخر، فلا يمكننا تصور لغة دون كلام، ولا كلام خارج اللغة ولأهمية هذه الثنائية وقناعة بارت بمدى كثافة مفهوم الثنائية )لغة / كلام(بالتطورات ما وراء اللسانية، سلم بوجود مقولة عامة اسمها اللغة/ الكلام مطردة تمتد لتتسع كل أنظمة الدلالة، حتى ولو طبقا على أنواع التواصل غير اللفظية .
لقد قام بارت بتطبيق هذه الثنائية على ظاهرة الطعام واللباس والأثاث، على أساس أن الثقافة بمعناها الواسع عند بارت تقع تحت مرمى علم الدلالات، ولكن هذا التوسيع السيميائي لمفهوم) اللغة/ الكلام(، أثار في نظر بارت بعض المشاكل التي تصادف الجوانب التي لا يمكن فيها إتباع خطى النموذج اللغوي ويتحتم تعديله. فالمشكل الأول متعلق بجدلية اللغة والكلام ذاتها، ففي اللغة لا يمكن لأي شيء أن يدخل اللغة ما لم يكن الكلام قد اختبره، وعلى العكس من ذلك، يستحيل إنشاء أي كلام يؤدي الوظيفته التواصلية بين الأفراد ما لم يستمد من) خزينة(اللغة وتعليل ذلك؛ أن اللغة وضعت ألفاظها بتواطؤ المتكلمين بها، إلا أن العلامات السيميولوجية تم وضعها اعتباطيا "لتدل على ما تدل عليه، بسبب ضغط الحاجة التي تولد الدلالات فتدفع الأفراد إلى توليد الدوال عليها "
ويتعلق المشكل الثاني بأن كل من اللغة والكلام إذا كانا في اللسانيات متناسبين حجما؛ لأن اللغة عبارة عن مجموعه من القواعد يستظل الكلام بظلها، فإنهما في السيميولوجيا لا يتناسبان في الحجم حيث أن هناك مسافة كبيرة تمتد بين النموذج وإنجازه، ومن الممكن جدا في هذه الثنائية أن تكون لغة من دون كلام.
وقام بارث بتطبيق هذه الثنائية على ظاهرة اللباس والطعام والأثاث ..الخ، فعلى سبيل المثال نجد من حيث
الطعام أن اللغة تتكون من قواعد الإقصاء، ما هو خارج الأطعمة) والتعارضات (مالح/حلو) وقواعد الجمع
والتأليف بين المواد الداخلة في صنع الأطعمة، أما الكلام الغذائي فيتمثل في اختيار أنواع من الأطعمة دون أخرى تتميز بطريقة صنعها أو بأسلوب تحضيرها، فلائحة الأطعمة التي تقدم في المطاعم تمثل لنا نموذجا
واضحاً للعلاقة بين اللغة والكلام لأن اللائحة مصممة بناء على تركيبة (وطنية أو إقليمية أو اجتماعية).
2-الدال والمدلول
تعني العلامة مجموع الدال والمدلول، ويمكن أن نفرق بين علامة لسانية ترتبط باللغة، وأخرى سيميولوجية تتميز عن اللسانية بكونها غير لغوية، وتشمل أشياء كثيرة، كاللباس والسيارة والطعام والإيماءة والفيلم والموسيقى والإعلان والأثاث والعناوين الصحفية، ... ورغم أنها تبدو غير متجانسة إلا أن قاسما مشتركا يجمعها هو أنها جميعا علامات حولها المجتمع لأغراض دلالية، فاللباس يصلح للتغطية، و الطعام للتغذية،والسيارة للتنقل،والهاتف للاتصال، ومع ذلك تصلح للدلالة على شيء ما أيضا إلا أن دلالتها السيميولوجية تنحصر في وظيفتها الاجتماعية، وهذه الوظيفة الاجتماعية رهينة الاستعمال في سياق محدد، وهذا الاستعمال مشروط بحلول وقته وأوانه، وهذا الوقت والأوان ليسا شيئا غير علامة لهذا الاستعمال، ويقترح بارت تسميه هذه العلامات السيميولوجية ذات الأصل النفعي الوظيفي "الوظائف الدلالية" ، والتي تحمل معنى محددا لها في وجه أول ثم معاني سيميولوجية أخرى في الوجه الثاني.
إن المعاطف تلبس وقاية للجسد من البرد، ولا تستعمل إلا حين وقت البرد والشتاء، ومجيئ هذا الوقت علامة دالها ومدلولها ارتداء المعاطف، في حين أن العلامة اللسانية توجد بين دالها ومدلولها كما توحد الصفحة بين وجهها وظهرها.
3-المركب والنظام
العلاقات التي توحد بين الألفاظ يمكن أن تنمو على صعيدين يولد كل واحد منهما قيمه الخاصة، ويتلاءم هذان الصعيدان مع شكلين من أشكال النشاط الذهني، أولهما صعيد المركبات، والمركب تأليف للأدلة يرتكز على مدى، وهذا المدى في اللغة المتمفصلة، امتداد سطري ذو بعد واحد) السلسلة الكلامية). الصعيد الثاني: هو صعيد تداعي الألفاظ وتجميعها) خارج الخطاب) أي على (الصعيد المركبي (تتجمع الوحدات التي تشترك في وجه من أوجهها في الذاكرة، وتؤلف بذلك فئات تسودها علاقات متنوعة: فكلمه تدريس يمكن أن تجتمع من حيث المعنى مع تعليم وتلقين، ومن حيث الصوت مع درَّس دارس درَس، وتشكل كل فئة أو مجموعة سلسله استذكارية محتملة) أو خزينة الذاكرة (، وعلى عكس ما يحدث على صعيد التركيب فإن الألفاظ تتحد في كل سلسلة غيابيا. فالألفاظ في النظام تمتاز بالحضور في الذهن والغياب في التلفظ،ولكن في السلسلة الكلامية تعتبر ألفاظها) التركيب (حاضرة في اللفظ وغيرها من الألفاظ موجودة في الذهن غائبة في التلفظ.
لو أردنا شرح هذه الثنائية على نظام الموضة والطعام والأثاث فإنه يجري مجرى اللغة، لكننا سنقتصر على نموذج واحد يمكن القياس عليه بقية النماذج.
يوجد في) نظام ( اللباس ما يغطي الرأس أشياء متنوعة)قبعة،شاشية، عمامة،مظلة، طاقية، خمار ...(. وما يغطي الجسم من أثواب )بدله،معطف،قميص ،سروال ،برنوس، قشابية،تنورة،حجاب،...(. وما يغطي القدمين من أحذية) رياضي، كلاسيكي،نعل،...(. فلو أنك اخترت من نظام اللباس )بذله كلاسيكية ( فإنك ستختار من النظام أيضا ربطة عنق وحذاء كلاسيكي،حتى يكون لباسك منسقا وأنيقا على التركيب التالي : البذلة كلاسيكية +قميص+ربطة عنق+حذاء كلاسيكي. ولو أنك استبدلت الحذاء الكلاسكي من النظام في التركيب السابق بالحذاء الرياض ي تكون قد أعطيت معنى آخر بمخالفتك لنظام الموضة الشائع والمعروف اجتماعيا.
وفي نظام الطعام يوجد الطبق الأساسي عديد الأطعمة) شخشوخة، كسكس، عدس، حمص،لحم (.... وكثير من التنوعات الغذائية التي تتناول قبل الأكل) سلاطة، حساء شربة، حساء حريرة، (.... وبعد الأكل (حلويات، مقبلات، مشروبات، (.... أما التركيب في الطعام فهو اختيارك على التوالي: سلاطة +كسكس+لحم+مشروبات غازية، فلو أخرت نوعا في التركيب أو قدمت تكون قد خالفت قواعد التركيب المعروفة اجتماعيا.
4-التقرير والإيحاء
استغل" بارث" في مشروعه السيميولوجي فكرة هذه الثنائية من" هيلمسليف" الذي نقل أفكار"دي سوسير" عن العلامة اللغوية إلى إطار أوسع، وذلك باستبدال مفهومي: الدال والمدلول بمستوي التقرير والإيحاء فكان من بين أهم منجزات "بارث" إدخال المفهومين )التقرير والإيحاء( إلى سيميولوجيا الدلالة. ويقر بارث أن هذه الثنائية مستوحاة من لسانيات "هيلمسليف"، ولكنه يرى أن دراستها في مقدمة "هيلمسليف" يكتنفها قصور منهجي. يقول "بارث": " ظواهر الإيحاء لم تدرس بعد بطريقة منهجية، توجد بعض الإشارات في مقدمة"هيلمسليف"، إلا أن المستقبل واعد دون شك بالنسبة للمناسبات الإيحائية؛ لأن المجتمع يطور باستمرار أنظمة للمعاني الثانوية انطلاقا من النظام الأول الذي تقدمه له اللغة البشرية. ويحتوي الإيحاء باعتباره هو نفسه نظاما، على دوال ومداولات وعملية توحد أولاء بأولئك) دلالة (، وأول ما يجب القيام به بالنسبة لكل نظام، هو جرد هذه العناصر الثلاثة".
هكذا نجد أنفسنا أمام نظامين يتداخل ويتشابك أحدهما مع الآخر، ولكنهما منفصلان عن بعضهما البعض، إلا أن" انفصال" النظامين يمكن أن يتم بطريقتين مختلفتين تمام الاختلاف حسب نقطة اندماج النظام الأول في الثاني، مؤديا بالتالي إلى مجموعتين متعارضتين.
ثالثا: سيميولوجيا الثقافة
1-مفهوم سيميولوجيا الثقافة:
تهتم سيميوطيقا الثقافة برصد عديد الأنظمة والسياقات الثقافية لما تحمله من علامات وإشارات وأيقونات بحثا على مختلف الدلالات الثقافية داخل نسيج تكوينها الحقيقي، دون أن يقف هذا البحث عند ثقافة بعينها بل يتعداه الى كل الأنظمة الثقافية الكونية.
سيميوطيقا الثقافة أو الثقافات (Sémiotique de la culture) تعنى بدراسة الأنظمة الثقافية باعتبارها دوالا وعلامات وأيقونات وإشارات رمزية لغوية وبصرية، بغية استكشاف المعنى الثقافي الحقيقي داخل المجتمع ورصد الدلالات الرمزية والأنثروبولوجية والفلسفية والأخلاقية.
ظهر اتجاه سيمياء الثقافة مع أبحاث الشكلانيين الروس Formalistes Russes مع ظهور مدرسة Tartu تارتو، التي تعد من أبرز المدارس السيميولوجية الروسية، ومن أعلامها البارزين يوري لوتمان Lotman Yuri مؤلف كتاب " بنية النص الفني" و إيفانوف Ivanov Viatcheslav و أوسبانسكي Piotr Demianovitch Ouspensky ، حيث جمعت أبحاث هؤلاء الأعلام، في كتاب جامع بعنوان" أعمال حول أنظمة العلامات".
وتتضمن سيمياء الثقافة الاتجاه الإيطالي ممثلا في كل من أمبرتو إيكو و روسي لاندي . Rossi-Landi 1
استفاد إتجاه سيمياء الثقافة أيضا من ارنست كاسيرز Ernst Cassirer و فلسفة الأشكال الرمزية وكذلك استفادة من مفاهيم اللسانيات الوظيفيةSystemic functional linguistics التي تعتبر اللغة نظاما سيميوطيقا اجتماعيا، دون أن ننسى النظرية الماركسية التي تدرس الظواهر الاجتماعية داخل المجتمع بالنظر إلى ما يلبي حاجات الانسان.
2-أفكار سيميولوجيا الثقافة:
ميزت مدرسة تارتو بين ثلاثة مصطلحات وهي : السيميولوجيا الخاصة، والمتمثلة في دراسة أنظمة العلامات ذات الهدف التواصلي، والسيميولوجيا المعرفية التي تهتم بالأنظمة السيميولوجية وما يشابهها والسيميولوجيا العامة التي تتكفل بالتنسيق بين جميع العلوم الأخرى، وقد اهتمت تارتو بالسيميولوجيا ذات البعد الإبستيمولوجي، ومن هنا اهتمت هذه المدرسة بسيميولوجيا الثقافة.
سيميولوجيا الثقافة على اعتبارها اتجاها من السيميولوجيا، لا يهمها الاتصال أو التبليغ بالقدر الذي تهتم فيه بالشفرات الثقافية، ومخلفات النشاط الإنساني من رموز وعلامات، وهنا تبلورت الفكرة الأساسية التي تقوم عليها هذه السيميولوجيا، والمتمثلة في أن الثقافة ما هي إلا مجموعة من النصوص، هذه النصوص دالة بفضل اللغة، وتعطي دلالتها معنى خاصا أو صورة ثقافية متعلقة بالجماعة الاجتماعية التي تحتضن هذه الثقافة.
اذن فسيمياء الثقافة نعني بها د راسة الأنظمة الثقافية باعتبارها علامات وأيقونات وإشارات ذات طابع لساني أو بصري من أجل الكشف عن المعاني الثقافية داخل المحيط الاجتماعي، ورصد مختلف الدلالات الضمنية التي تتعدى حدود الثقافة الواحدة إلى الثقافات الأخرى، كما تهتم برصد الخاص من الثقافة داخل نظام سيميائي عام.
3-العلامة في سيميولوجياالثقافة
يرى رواد هذا الاتجاه أ ن العلامة تتكون من وحدة ثلاثية المبنى وهي الدال والمدلول والمرجع، ويؤكد "أمبرتو إيكو" على أ ن كل سلوك مبرمج أو نسق تواصلي يؤدي وظيفة ما، هو بمثابة نظام للعلامات، ولا يمكن فهم الثقافة فهما حقيقيا، إلا بفهم مظهرها التواصلي الذي يتجلى عبر العلامات، أي أ ن قوانين التواصل هي ذاتها قوانين الثقافة.
فالعلامات لا يمكن أن يصبح لها معنى إلا من خلال الإطار الاجتماعي الذي خلقت فيه أو وجدت فيه، فهي ثلاثية المبنى -الدال والمدلول والمرجع-وبالتالي فكل نظام ثقافي هو في حقيقته نظام تواصلي ويعتبر نسقا دالا، حيث استمد دلالته من منبعه سواء كان هذا المنبع اجتماعي أو سلوكي وحتى سياسي.
- المحاضرة الرابعة
المحاضرة الرابعة
سيميولوجيا الصورة المتحركة
أولا الصورة التلفزيونية
1-ماهية الصورة التلفزيونية
تعد الصورة التلفزيونية وسيلة بصرية متطورة، تدمج بين العناصر الصوتية والحركية والبصرية في رسالة واحدة تبث عبر الأقمار الصناعية. فهي أكثر من مجرد صورة؛ بل لغة عاطفية، أداة فعالة في التأثير على المشاهد وجذب انتباهه.
تتنوع المشاهد المعروضة على شاشات التلفاز بين الدراما، الكوميديا، والواقع، مما يظهر مدى تأثيرها على المشاهد. وُشكل البرامج التلفزيونية، من نشرات إخبارية ومسلسلات إلى برامج ترفيهية وتعليمية ورياضية، أمثلة متنوعة على الصورة التلفزيونية
2-جودة الصورة التلفزيونية
تخضع الصورة التلفزيونية لعدة مراحل قبل أن تصل إلينا، بدءا من الإعداد والتصوير وحتى مرحلة الإنتاج النهائي. وتكمن جماليتها في جمالية الأشكال والأشياء، وجمالية الشخصيات، والتأثيرات اللونية والإضاءة. فهذه العناصر مجتمعة تسهم في إيصال الرسالة الإعلامية بشكل فعال، مخاطبة جميع الفئات العمرية، من المتعلم إلى الأمي، من الصغير إلى الكبير، وناقلة الثقافات ومكسرة حواجز اللغات.
تتحدد جودة الصورة التلفزيونية بعدة عوامل، منها:
· السطوع (Brightness): يتوقف مستوى السطوع على شدة الإضاءة؛ فالإضاءة العالية تعطي سطوعا عاليا، والإضاءة الخافتة تعطي سطوعا منخفضا، بينما الإضاءة المعتدلة تعطي سطوعا متوسطا.
· التباين (: Contrast): يقصد به الفرق بين الأبيض والأسود. تكون درجة التباين عالية عندما يكون الفرق واضحا بين اللونين، وتكون منخفضة عندما يميل اللون إلى الأسود، وهو ما يُعتبر أكثر راحةً للعين.
· جودة الإضاءة (: Quality of Light): قد تكون الإضاءة حادة، مع ظلال قوية وحواف محددة، أو ناعمة، مع ألوان باهتة وصورة غير حادة.
· بؤرة الوضوح (: Focus): يقصد بها وضوح الصورة؛ فقد تكون واضحة تماما أو غير واضحة، متفاوتة بين الضبابية والوضوح التام.
3-أهمية الصورة التلفزيونية
تكمن أهمية الصورة التلفزيونية في عدة جوانب، منها:
Ø إنها أساس البرامج التلفزيونية، فبدونها يصبح التلفاز مجرد إذاعة.
Ø هي عنصر جوهري في إقناع المشاهد.
Ø تعزز التفاعل والمشاركة الفعالة والحوار، مضيفة بعدا حسيا إلى جانب الصوت.
Ø تتجاوز حدود المكان والزمان، وتخدم جميع المستويات التعليمية، من محو الأمية إلى أعلى الدرجات العلمية.
Ø تساعد في كشف الحقيقة ونقل الرأي والفكرة بشكل صحيح.
Ø تساعد المتلقي على حفظ المعلومات، سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة، ويعتمد ذلك على قدرة استيعابه، فكلما زاد التأثير على حواسه، زاد نجاحها في تحقيق أهدافها.
سيميولوجيا الصورة التلفزيونية
· مقاربة رولان بارث لتحليل الصورة
استلهم رولان بارث منهجه في تحليل الصورة من علم اللسانيات، والتحليل النفسي، والأنثروبولوجيا الحديثة. انطلق في دراسته من العلاقة بين الدال والمدلول، والدليل والمرجع، مما قاده إلى تحديد مستويين رئيسيين في الصورة: المستوى التعييني والمستوى التضميني، واللذان يتجسدان في رسالتين أيقونيتين. وأضاف إليهما رسالة ثالثة سماها الرسالة الألسنية.
بناء على ذلك، يقسم بارث التحليل السيميولوجي للصورة إلى ثلاثة مستويات أساسية:
1-المستوى الأيقوني التعييني (Dénotation)
يتعلق هذا المستوى بالقراءة السطحية الأولية للصورة، حيث يطرح المحلل السؤال: "ماذا أرى؟"، وهو ما يعادل مفهوم "الدال" لدى دي سوسير. يتضمن هذا التحليل مجموعة من الخطوات الإجرائية:
- الدراسة المورفولوجية: تحليل بنية الصورة من حيث الخطوط والمحاور التكوينية.
- الدراسة الفوتوغرافية: تتناول العناصر الفنية مثل التأطير، اختيار الزوايا، توزيع الضوء والظل.
- الدراسة التيبوغرافية: تحليل النصوص المرافقة للصورة من حيث الخط (حجمه، نوعه، موضعه).
- دراسة الألوان: تحليل طبيعة الألوان المستخدمة ومدى تأثيرها على المشاهد.
- دراسة الشخصيات: فحص الأشخاص داخل الصورة من حيث العمر، الجنس، الملابس.
يهدف هذا المستوى إلى تحديد طبيعة العلامات البصرية المستخدمة، وهو ما يسميه بارث "التعيين"، أي الدلالة الأولية للصورة.
2-المستوى الأيقوني التضميني (Connotation)
يتجاوز هذا المستوى التحليل السطحي إلى البحث في المعاني الرمزية والثقافية التي تحملها الصورة، وذلك بطرح السؤال: "لماذا تم تقديم هذه العناصر بهذه الطريقة؟". يعتمد هذا التحليل على الربط بين عناصر الصورة والخلفية الثقافية والمعرفية للمتلقي، ويتضمن خطوتين أساسيتين:
أ. التحليل الفني للصورة:
- دراسة التأطير، زوايا الالتقاط، الإضاءة وتأثيرها على الانطباع النفسي للمشاهد.
- تحليل نوع الخطوط والنصوص المصاحبة وتأثيرها الدلالي.
- تحليل الألوان من منظور سيكولوجي واستكشاف دلالاتها العاطفية والرمزية.
ب. التحليل الاجتماعي والثقافي للصورة:
- دراسة الرموز الثقافية والاجتماعية المتجسدة في الوضعيات، الإشارات، والألوان.
- تحليل الحركات والإيماءات ومدى ارتباطها بالسياق الاجتماعي والثقافي.
3-الرسالة الألسنية
في هذا المستوى، يتم تحليل العلاقة بين النصوص المكتوبة والصورة من خلال وظيفتين أساسيتين:
1. وظيفة الترسيخ (Ancrage): تساعد النصوص المرافقة للصورة على توجيه المشاهد نحو تأويل معين، مما يحد من التعدد الدلالي للصورة ويوجه قراءتها ضمن إطار محدد.
2. وظيفة المناوبة (Relay): في هذه الحالة، لا يكون النص مجرد مفسر للصورة، بل يضيف إليها دلالات جديدة، مما يعزز تكامل المعنى بين المكونات اللغوية والبصرية.
· مقاربة مارتين جولي لتحليل الصورة
ترى مارتين جولي أن الصورة ليست مجرد انعكاس للواقع، بل هي نسق بصري محكم تتداخل فيه العلامات الأيقونية والتشكيلية لإيصال رسالة محددة. إذ لا تعتمد الصورة فقط على استنساخ الواقع، بل تضمر معاني وإيحاءات متعددة تتجاوز ما هو ظاهر للمشاهد.
تعتمد جولي في تحليل الصورة على مستويين رئيسيين:
1. العلامات الأيقونية: تقوم على مبدأ التشابه بين الدال والمدلول، وتعكس أبعادا رمزية وإيحائية تتجاوز حدود الشكل الظاهري للصورة.
2. العلامات التشكيلية: تتضمن العناصر البصرية مثل الألوان، الأشكال، والخطوط، والتي لا تكمل الصورة فحسب، بل تسهم في بناء معناها وتوجيه تأويلها.
ترتكز مارتين جولي في تحليل الصورة على ثلاثة مستويات متكاملة
1- المستوى الشكلي
يتعلق بتحليل عناصر الصورة الظاهرة مثل:
- الألوان، الأشكال، التكوين الداخلي، التأطير، الإضاءة.
- زاوية التقاط الصورة ومدى تأثيرها على الإدراك البصري للمشاهد.
- بنية الصورة وعلاقتها بالإطار العام للنص البصري.
2-المستوى الأيقوني
يركز على الدلالات الرمزية والإيحائية المرتبطة بالثقافة والمعرفة المكتسبة. يهدف هذا التحليل إلى:
- وصف العناصر المصورة وتحديد رموزها التعبيرية.
- تحليل العناصر الغائبة وتأثيرها على معنى الصورة.
- البحث في العلاقة بين الشكل والمحتوى وتأثيرها على الرسالة البصرية.
3-المستوى الألسني
تؤكد جولي، كما فعل بارث، على أهمية اللغة في بناء دلالة الصورة، إذ تساعد النصوص المصاحبة في توجيه التفسير من خلال وظيفتي:
- الإرساء (Ancrage): حيث يحد النص من تعدد التأويلات ويوجه القارئ نحو معنى معين.
- المناوبة (Relay): حيث يضيف النص أبعادا دلالية جديدة تدعم المعاني البصرية.
يتضح من مقاربات رولان بارث ومارتين جولي أن الصورة ليست مجرد انعكاس للواقع، بل هي نص بصري متعدد المستويات، يحمل دلالات مباشرة وغير مباشرة، تتراوح بين الإدراك الحسي والمعاني الرمزية العميقة. ويظل تحليل الصورة عملية تتطلب فهمًا للسياقات الثقافية والاجتماعية، إضافة إلى إدراك العناصر البصرية والتشكيلية التي تشكل بنيتها.
ثانيا: الصورة السينمائية
1-تعريف اللغة السينمائية
يعتبر "جان ميتري" أن السينما تمتلك لغة خاصة بها، نظرا لقدرتها على تنظيم الأفكار وبنائها ونقلها إلى الجمهور، مما يجعلها وسيلة اتصال فعالة. تعتمد هذه اللغة بشكل أساسي على الصورة السينمائية وتعاقب المشاهد، حيث يتم ترتيب اللقطات في تسلسل سردي وفقا لنوع الحكاية المختارة، مما يجعلها تحمل دلالات ورموزا مميزة. وعلى عكس اللغة البشرية التي تعتمد على دلالات اعتباطية، فإن السينما تستمد معانيها من إعادة إنتاج الواقع بطريقة بصرية وصوتية.
يرى "أيزنشتاين" أن اللغة السينمائية تتجسد بشكل واضح في الأفلام السردية التي تحكي قصصا، حيث تحدد القصة والحبكة طبيعة هذه اللغة، ما يجعل السينما وسيلة عالمية قادرة على تجاوز الحدود الثقافية والجغرافية. أما "أبل كانس"، فيصنف السينما ضمن اللغات البدائية اللفظية، معتبرا أنها تعتمد على الصور التمثيلية التي يجب أن تمتلك قواعد واضحة ومتطورة.
من جهة أخرى، يقدم السيميولوجي "كريستيان ماتز" رؤية أكثر تركيبا، حيث يرى أن اللغة السينمائية تتكون من خمس مواد تعبيرية مترابطة:
1. الصورة الفوتوغرافية المتحركة (اللقطات السينمائية)
2. البيانات المكتوبة (النصوص الظاهرة على الشاشة)
3. الصوت الأيقوني (Son Iconique)، مثل الضجيج الطبيعي.
4. الصوت المنطوق (Son Plonique)، المتمثل في الحوارات والتعليقات الصوتية.
5. الصوت الموسيقي، الذي يرافق المشاهد لتعزيز التأثير العاطفي.
تتميز اللغة السينمائية بأنها تقدم تسلسلا خطيا للصور، مما يخلق إحساسا بالاستمرارية لدى المشاهد، وهذا التسلسل يجعل من الصعب ملاحظة العناصر المنفصلة، على عكس اللغة المكتوبة التي تعتمد على وحدات لغوية محددة. كما أن العلاقة بين الدال والمدلول في السينما ليست اعتباطية كما هو الحال في اللغة البشرية، بل تعتمد على التشابه بين الصورة والواقع، مما يمنح كل عنصر سينمائي دلالة بصرية وصوتية مبررة.
2-اللغة السينمائية عند كريستيان ماتز
يعد "كريستيان ماتز" من أبرز منظري سيميولوجيا السينما، حيث ساهم في تمييز السينما عن الفوتوغرافيا من خلال إبراز حركيتها وديناميكيتها. يرفض ماتز اعتبار السينما مجرد امتداد للفوتوغرافيا، إذ يرى أن الصورة الفوتوغرافية تجمد الزمن بينما السينما تُحرّكه، مما يجعلها أكثر تعبيرية.
يشير ماتز إلى أن السينما ليست وسيلة تواصل تقليدية، لأنها لا تتيح تبادلا مباشرا بين المرسل والمتلقي، بل هي وسيلة تعبيرية قائمة على بناء المعنى من خلال الصورة والصوت. كما يؤكد أن السينما والتلفزيون يشتركان في نفس القنوات التعبيرية، لكن الاختلاف بينهما ثقافي أكثر منه سيميولوجي، حيث يرتبط التلفزيون بالاستهلاك اليومي، بينما ترتبط السينما بالإبداع الفني.
يرى ماتز أن التعبيرية السينمائية لا تعيد إنتاج الواقع كما هو، بل تعيد تشكيله وفق رؤية فنية، حيث لا تصف الأشياء فقط، بل تمنحها بُعدًا ديناميكيًا يُحاكي الإحساس والخيال. ومن هذا المنطلق، يركز علم السيميولوجيا على دراسة الدلالات السينمائية وليس على الجوانب التقنية أو الإنتاجية.
3-خصائص اللغة السينمائية
تستند السينما إلى مجموعة من الخصائص التي تجعلها وسيلة تعبير فريدة، وهي:
1. الأيقونية (Iconicité): تتميز الصورة السينمائية بعلاقتها الوثيقة بالواقع، حيث تحمل تشابها بصريا قويا مع الأشياء الحقيقية، مما يمنحها إيحاء دلاليا عاليا.
2. النسخ الميكانيكي: تعتمد السينما على عمليات تسجيل ميكانيكية للواقع، مما يجعلها أقرب إلى إعادة إنتاجه بشكل موضوعي.
3. التعددية (Multiplicité): تتألف اللغة السينمائية من عدة صور متحركة متتابعة، مما يخلق تنوعًا بصريًا داخل الفيلم.
4. الحركية (Mobilité): الحركة عنصر أساسي في السينما، سواء من خلال تحريك الكاميرا أو من خلال حركة العناصر داخل الإطار، مما يمنحها طابعا ديناميكيا يميزها عن الفنون الساكنة كالتصوير الفوتوغرافي.
4-عناصر اللغة السينمائية
تنقسم اللغة السينمائية إلى نوعين من العناصر:
1-الأوضاع الخاصة:
وهي العناصر التقنية التي تميز السينما عن غيرها من الفنون، وتشمل:
- سلم اللقطات: ينقسم إلى عدة أنواع، مثل اللقطة القريبة، اللقطة البعيدة، اللقطة المتوسطة، وغيرها، حيث تؤدي كل لقطة وظيفة دلالية مختلفة.
- زوايا التصوير: تمتلك الكاميرا القدرة على التقاط المشهد من زوايا متعددة، مما يؤثر على إدراك الجمهور للحدث السينمائي.
- حركة الكاميرا: تلعب دورًا أساسيًا في توجيه انتباه المشاهد وتحديد الإيقاع البصري للفيلم.
- تقنيات السينما: تشمل المونتاج، السيناريو، الحوار، والإخراج، حيث تعمل هذه العناصر معًا على بناء القصة السينمائية بشكل متماسك.
2-الأوضاع غير الخاصة:
وهي العناصر التي تتشارك فيها السينما مع فنون أخرى، مثل المسرح والأدب، وتشمل:
- الشخصيات: تمثل عنصرًا محوريًا في الفيلم، حيث تخلق الصراع وتطور الحبكة من خلال تفاعلها مع الأحداث.
- الديكور: يلعب دورا هاما في تحديد الإطار الزمني والجغرافي للفيلم، كما يساهم في تعزيز الأجواء الدرامية.
- الإضاءة: تؤثر على تكوين المشهد وتساعد في توجيه انتباه المشاهد إلى عناصر محددة داخل الكادر السينمائي، كما تخلق أجواء نفسية وانفعالية مختلفة.
- الموسيقى: تستخدم لملء فترات الصمت، وإضفاء طابع درامي على المشاهد، وتعزيز الإحساس البصري، مما يجعلها عنصرًا هامًا في بناء الحالة الشعورية للفيلم.
- الصوت: يشمل الحوار، المؤثرات الصوتية، والضجيج، حيث يساهم في خلق بيئة سينمائية أكثر واقعية وإضفاء طابع درامي على الأحداث.
5-مقاربة كريستيان ماتز للخطاب السينمائي:
تعتمد على تحليل الفيلم عبر خطوتين أساسيتين:
- 1-المستوى التعييني
يركز هذا المستوى على الجوانب التقنية والبنائية للفيلم، حيث يتم:
- التقطيع الفني: تقسيم الفيلم إلى لقطات ومشاهد وفق بناءه السردي والتقني.
- تحليل المشاهد: دراسة تكوين المشاهد، زوايا التصوير، الحركة داخل الكادر، والإيقاع البصري.
- دراسة العلاقة بين الصوت والصورة: تحليل مدى التوافق أو التناقض بين العناصر السمعية والبصرية في الفيلم، وتأثيرها على المعنى والإحساس.
- تحليل العبارة الخطية: دراسة النصوص المكتوبة في الفيلم، مثل الحوارات، التعليقات، والعناوين، ومدى تأثيرها على بناء المعنى.
2- المستوى التضميني
في هذا المستوى، يتم النظر إلى الفيلم على أنه خطاب متكامل، أي كمجموعة من الدلالات التي تدخل في علاقات ذات أبعاد مختلفة، مثل:
- تحليل الأبعاد الرمزية والإيديولوجية للفيلم.
- دراسة التأثيرات الثقافية والاجتماعية الكامنة في السرد السينمائي.
- استكشاف كيفية توظيف العناصر السمعية والبصرية لخلق معانٍ تتجاوز المعنى المباشر.
من خلال هذه المقاربة، يؤكد كريستيان ماتز على أن الفيلم ليس مجرد تسلسل من المشاهد، بل هو نظام دلالي معقد يتطلب دراسة معمقة لفهم آلياته التعبيرية والتواصلية.
- المحاضرة الخامسة
المحاضرة الخامسة
سيميولوجيا الصورة الرقمية
1-تعريف الصورة الرقمية:
الصور الرقمية هي صورة مولدة من خلال الكمبيوتر والكاميرا الرقميةأو على الأقل معززة بهما. وتستمد قيمتها الخاصة من دورها كمعلومة، وكذلك من تميزها بوصفها صور يسهل الوصول إليها، والتعامل معها ومعالجتها وتخزينها وتحميلها أو تنزيلها في الكمبيوتر أو على الانترنت.
وينما كان المصطلح يشير إلى معالجة الصورة عن طريق الماسح الضوئي وبرنامج الفوتوشوب، فانه تم التوسع في استخدامه ليشير أيضا إلى التقاط الصورة باستخدام الكاميرات الرقمية، فضلا عن معالجتها ببرامج معالجة الصورة، مرورا باستخدام التقنيات الحديثة في حفظ وتنظيم الصور وأرشفتها واسترجاعها.
فضلا عن تلك المعطيات التكنولوجية المعاصرة باتت الصورة الرقمية بناءا مركبا، أي أنها لم تعد تخدم التمثل الأيقوني وحده ولا الصوت ولا بقية العناصر التعبيرية، كل وحده منفصلا بل أصبح الخلط المشترك بينهما جميعا متاحا، وبيسر تتشكل محيطات جديدة مازجة تلك العناصر المنفصلة.
وتتخذ الصور الرقمية عدة أشكال من بينها الصور الإعلامية، وصور الواقع الافتراضي، وصور المحاكاة، وتكنولوجيا الأقراص الممغنطة، وصور مواقع الأفلام على الانترنت وغيرها. وقد أصبحت الصورة الرقمية تتشكل بألبسة مختلفة ومتنوعة ومتكاملة في ذات الوقت، حيث بدأت تجمع ما بين الوسائط المتعددة، والرسوم والتسجيلات الصوتية والخرائط والتخطيطات والتعليقات والتحليلات في وعاء واحد.
2-خصائص الصورة الرقمية:
وفي عالم الصور الرقمية لا توجد صور فريدة من نوعها، حيث لم بعد ينظر للصورة باعتبارها مجرد إعادة إنتاج لواقعة أو حادثة، على أنها نسخة مكررة، فالصور في الفترة السابقة على النسخ الآلي للصور، كما هو الحال في فن التصوير الزيتي مثلا، كانت توضع في مكان خاص، وتحصل على قيمتها الثقافية من كونها صورة أصلية أو فريدة. أما الصور المنسوخة آليا فقد حصلت على قيمتها من خلال قابليتها لإعادة الإنتاج المكثف، وإمكانية توزيعها بدرجة كبيرة، وكذلك لدورها في وسائل الإعلام الجماهيرية، حيث يمكنها تدوير ونشر وإذاعة الأفكار، وإقناع المشاهدين.
أما الصورة الرقمية والافتراضية فقد حصلت على قيمتها من خلال خصائص أخرى مثل سهولة الوصول إليها، والحصول عليها، ومطاوعتها. وقيمتها المعلوماتية المضافة كما أصبح من الممكن إنتاج الصور الرقمية التي تشبه الصور الفوتوغرافية الآن من دون كاميرا، وهو ما يعني أن الصور الفوتوغرافية يتم إنتاجها من دون مرجع موجود في الواقع، أي من دون مكون محدد يرتبط بالحياة الواقعية.
كما ساعدت اللغة الرقمية على زيادة فاعلية الصورة وظهورها كلغة جديدة، كسرت حدة الخوف وجفاف المادة المكتوبة، بل وأصبحت تقدم شهادة إثبات على صدق ما تقوله الكلمة المكتوبة، ولاغرور في ذلك، بعد أن أصبحت مكونا أساسيا للمعرفة وتقديم المعلومات في هذا العصر.
3-سيميولوجيا الصورة الرقمية: كيف نقرأها؟
تعد الصورة الرقمية صورة مختصرة للواقع الحقيقي مساحة وحجما وزاوية ومنظورا وتكثيفا وخيالا وتخييلا. هذا، وتتميز الصور الرقمية بطابعها المهني، التقني، وطابعها الفني والجمالي، وطابعها الرمزي والدلالي والعلاقات التي تجمع بينهما، كما تتشكل الصورة الرقمية من الدال والمدلول، ويعني هذا أن الصورة الرقمية باعتبارها صورة واصفة للواقع، يمكن إخضاعها لثنائية التعيين والتضمين، وثنائية الاستبدال والتأليف، وثنائية الدال والمدلول.
إن مفهوم الصورة وإنتاجها قائم على مجموعة من الرموز والدلالات التي تضعنا أمام اشكالية اللغة التشكيلية، وهي لغة مرئية متطورة عبر آليات القراءة وتنوعها. وإذا اعتبرنا أن بنية لغتنا خطية ومتواصلة، بحيث تصلنا المعلومات شفويا أو كتابيا الواحدة تلوا الأخرى على امتداد الخيط الزمني فإن إدراكنا للصورة شامل ومتزامن، فالمعلومات تنكشف أمامنا في آن واحد.
"كي ندرك عملا فنيا لابد أن ننتبه إليه، أن ننظر إليه كله، إلى تفاصيله وعناصره المكونة له، كما أن ذاكرتنا غالبا ما تعمل بشكل نشط حتى يكتمل هذا الإدراك، وتعتمد الذاكرة في أولى مراحلها بشكل أساسي خلال مرحلة التسجيل للمعلومات على الانتباه، ذلك الذي يضمن – إلى حد كبير – تسجيل المعلومات التي يتلقاها الفرد من اللوحة الفنية ، كما يقول سولسو، فكل منا لديه عقل مفكر يستخدمه، وتتفاوت كفاية استخدامه من فرد إلى آخر، ويستخدم العقل من أجل فهم ما تشعر العين به أو تحسه. إن هذه القدرة الخاصة للرؤية والفهم، والمشتركة بيننا هي التي تسمح لنا بقراءة العمل الفني، وكذلك صياغته وتصنيفه وفهم المعاني الخفية في الاعمال الفنية". لذلك فإن القراءة الناتجة عن مسار العين التي تتنقل بين الرموز لتؤسس محور الرؤية. هذا المسار شخصي وغير محدود في بدايته، وهو الشيء الذي يجعل من الصورة أحيانا أداة تواصل غير مكتملة. إذ أنها تمتص قراءات وتأويلات مختلفة ناتجة عن طبيعتها المعقدة.
والقراءة تعني اختراق الحدود التقريرية (الظاهر)، في محاولة للكشف عن الإيحاء (الباطن) لاستخلاص مختلف العلاقات بين العناصر التشكيلية والأنساق التعبيرية. وتتولد عن ذلك عملية التفكيك لكل مركبات العمل الفني (الصورة الرقمية) ونسيجه الداخلي بغية استجلاء ما تخفيه الرموز والدلالات. وفي الأثناء تتحدد قناة التواصل بين الفنان والمتلقي عبر العمل الفني.
وتتطلب قراءة الصورة الرقمية في العمل الفني مستويين من التحليل:
أ-المستوى الأول ويتعلق بالإدراك: كيف ندرك الصورة باعتبارها عملا فنيا.
ب -المستوى الثاني يتعلق بإنتاج الادلة: كيف يسهم العمل الفني في إنتاج المعنى والدلالة من خلال تفاعل الذات المتلقية مع الموضوع الجمالي الذي تتجسد عبره الوقائع البصرية بوصفها تجارب إنسانية مفعمة بالدلالة. فالدلالات التي يمكن الكشف عنها داخل العلامات البصرية هي دلالات وليدة مستمدة من طبيعة ثقافية وهذه العلامات هي لغة أودعها الاستعمال الإنساني قيما للدلالة والتمثيل، فهي في جوهرها خاضعة لمبدأ العرف والتواضع.
وهكذا فإن مضمون دلالة الصورة الرقمية هو نتاج تركيب وتجميع بين ما ينتمي الي البعد الأيقوني (التمثيل البصري الذي يشير إلى المحاكاة الخاصة بكائنات أو أشياء)، وبين ما ينتمي الي البعد التشكيلي مجسدا في الأشكال من صنع الأنسان وتصرفاته في العناصر الطبيعية مع تراكمها من تجارب أودعها من أثاثه ومعمار وألوان وأشكال وخطوط.