Topic outline

  • منهجية العلوم القانونية السنة الثانية ليسانس للمجموعتين

    محاضرات السنة الثانية ليسانس منهجية العلوم القانونية للمجموعتين

    د/ هامل سعيدة

    يتعامل الطالب الجامعي، و بالتحديد طالب مادة القانون مع مختلف النصوص القانونية، و هو يواجه في الغالب كثر تها و تعقيدها، و نجده أثناء دراسته الجامعية يتعامل مع النظري أكثر من التطبيقي، و هو ما قد يخلق له مشاكل في المستقبل و يكبح قدراته عند تعامله مع الواقع بعد نهاية دراسته الجامعية. على اعتبار أن المعلومات النظرية وحدها غير كافية لتوضيح مختلف المسائل القانونية التي يتعلمها الطالب، وجب تزويده بأعمال تطبيقية تحوي أمثلة قضائية واقعية مقدمة من خلال أحكام و قرارات قضائية من المحاكم و المجالس القضائية، أو من خلال استشارات قانونية، بالإضافة إلى نصوص قانونية و فقهية، و كذلك تعليمه كيف يقوم بتحرير مختلف الوثائق تحرير ا إداريا، و أيضا طريقة كتابة مذكرة استخالصية. فلا يمكن للطالب تناول الأعمال التطبيقية بطريقة تلقائية و عشوائية، و إنما يجب أن يكون ذلك وفق مناهج علمية دقيقة لحل المسائل القانونية بشكل دقيق و صحيح، و على هذا الأساس فإن هاته المحاضرات تتضمن مختلف المناهج المتبعة لذلك، و عليه الدراسة ستكون وفقا للمحاور التالية:

    أولا: منهجية التعليق على النصوص القانونية، وتطبيقها على النصوص القانونية.

    بالإضافة إلى النص الفقهي والنص القضائي، يعتبر التعليق على النصوص القانونية أهمها، فمنهجية التعليق على النص تمكن الطالب من تعويد نفسه على مواجهة المسائل القانونية المطروحة عليه مهما كانت صعوبتها، وترمي إلى تدريب الطالب على استخدام فكره بشكل منطقي وعلمي لحل المسائل التي تعترضه أثناء دراسته الأكاديمية أو حياته العلمية، وذلك بتحليل النص الذي بين يديه وإعادة تركيبه بما يضمن تقديم العلاج المناسب للمسألة القانونية المطروحة.

    يتم التعليق على النصوص القانونية وفق منهجية معينة، تمثل مجموع الخطوات التي يتعين على أي طالب إتباعها وفق الخطة الكلاسيكية المعروفة في كتابة البحوث القانونية المتمثلة في: مقدمة، موضوع، وخاتمة، مع الحرص على تضمين كل من المقدمة والموضوع والخاتمة ما يجب أن تتضمنه من مراحل وخطوات كما سنرى

     1/مقدمة:  ويتم فيما التعليق على النص من الناحية الشكلية وتتضمن المراحل التالية:

    أ/ تحديد موقع النص وظروف صدوره:  لكل نص تاريخ معين وظروف معينة صدر فيها، ووضع النص في إطاره الزماني من شأنه المساعدة على فهمه أكثر، خصوصا النصوص القانونية التي تعتبر أكثر من غيرها وليدة الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي أملت صدورها.

    فتحديد موقع النص يعني وضعه في إطاره الزماني والمكاني بتحديد تاريخه أو تاريخ المصدر الذي أخذ منه رقم القانون أو الأمر، رقم الجريدة الرسمية، العدد، الصفحة، الباب، الفصل، العنوان...إلخ.

    ب/التحليل الشكلي للنص:  تتضمن هذه المرحلة البحث في الشكل الخارجي أو الظاهري للنص من خلال معرفة الاتي:

    ·        البناء المطبعي للنص: قد يوحي البناء الخارجي للنص بمجموعة من المعلومات المفيدة في التعليق كطول أو قصر النص، تقسيم النص إلى فقرات، عدد هذه الفقرات، المصطلحات القانونية المستعملة في النص الدالة على:  التوكيد، الوجوب، الجواز، الاختيار، الإلزام، الأمر...إلخ.

    ·        البناء اللغوي والنحوي للنص:  ويتم ذلك بالبحث في معاني المفردات، وكيفية الربط بين الأفكار، والأسلوب المستعمل، ما إذا كان متينا ومحكما أو ركيكا ومهملا، وهل لغة النص سليمة أو غير سليمة.

    ·        البناء المنطقي للنص:  منطق النص يظهر من خلال الأسلوب المستعمل فيه، ورغم أنه ليس من السهل على المحلل التعرف على الأسلوب المستعمل، إلا أنه هناك تعابير وصيغ تقربنا من معرفته، سواء كان أسلوب الاستقراء، الاستنباط، القياس، الاختلاف، التعريف، التأكيد، الاستفهام، الاستثناء، أو النفي أو غيرها...  .

    ·        تحليل مضمون النص: يتم تحليل مضمون النص عن طريق:

    - تلخيص النص جملة واحدة أو فقرة بفقرة.

     - استخراج الأفكار الرئيسية للنص وشرحها وتقييمها ونقدها.

    -المعنى الإجمالي للنص: حيث يقوم المعلق بتلخيص أفكار النص وحوصلتها في فكرة واحدة عامة وشاملة.

    - طرح الاشكالية:  هي السؤال القانوني الذي يطرحه النص بحسب الهدف الذي يرمي إلى تحقيقه.

    - التصريح بالخطة:  للمعلق في ذلك الخيار بين البحث في النص ذاته عن مبادئ ومؤشرات قوية تتكون منها عناصر الخطة، وهي عملية سهلة نسبيا كونها ترتكز على عنصرين مستمدين من النص يتم تقديريهما فيما بعد.

    أما الخيار الثاني فيتم فيه إدماج العناصر المختلفة للنص ضمن عناوين فرعية تتلاءم والأفكار الرئيسية المستخرجة من المعنى الاجمالي للنص.

    -الموضوع:  وفيه يقوم الطالب بالتعليق على النص القانوني وفقا للخطة المقترحة.

    -الخاتمة: ويتم فيها استخلاص النتائج المتوصل إليها خاصة تلك التي على صلة بالإجابة على الاشكالية المطروحة.

    بعد لمحة عن منهجية التعليق على نص قانوني، أدعوكم للضغط على الرابط التالي في قوقل، والذي هو عبارة عن مقال في مجلة محكمة جزائرية، حاولت من خلالها الباحثة: فطيمي الزهرة التعليق على نص المادة 124 مكرر وفقا للتعديل رقم: 05/10 الموافق ل: 20 يونيو 2005 من القانون المدني الجزائري، https://www.asjp.cerist.dz/en/article/29858 ، فقط حتى يمكنكم الاطلاع على المقال وجب عليكم التسجيل في منصة المجلات العلمية الجزائرية،                 

    مثال آخر عن منهجية التعليق على نص مادة أو نص قانوني

    التعليق على نص المادة 119 قانون مدني جزائري

    1 - التحليل الشكلي :

    أ - طبيعة النص :

    النص محل التعليق نص تشريعي حيث وردت المادة 119 في القانون المدني الجزائري الصادر بموجب الامر ……… المتضمن القانون المدني المعدل والمتمم بجملة من القوانين اخرها …………

    ب - المصدر الشكلي للنص :

    أشار المشرع الى نص المادة 119 في القسم …. المعنون…….. الكتاب الثاني …….. الفصل الثاني ……

    جـ : المصدر المادي للنص :

    وهو ما يقابل نص المادة في التشريعات الدول الاخرى مثلا المادة 119 ق م ج تقابلها المادة 157 قانون م م

    د - ظروف النص :

    119 ق م ج مادة لها اهمية قانونية وعملية في حماية الاطراف المتعاقدة عند عدم الوفاء احد الاطراف المتعاقدة بالتزامه وهي لم تحضى بأي تعديل

    2- التحليل الموضوعي :

    أ- شرح المصطلحات الورادة في نص المادة

    ب- أسلوب النص : وهي النقد الموجه للنص في حد ذاته و هنا تلعب الرصيد اللغوي و الثقافة القانونية دور في ملاحظة اسلوب المادة فمثلا نجد المادة 119 ق م ج

    ان المشرع استعمل اسلوب غير واضح ومن جهة ثانية يبدوا واضحا من سياق المادة انها قاعدة تكميلية من خلال عبارة جاز

    د- فقرات النص :

    هـ - الفكرة العامة : المادة 119 تتحدث عن مسألة فسخ العقد الذي يتم بحكم القاضي (الفسخ القضائي)

    و - الافكار الاساسية : المادة 119 تتضمن فكرتين

    ف 1 - طبيعة الفسخ القضائي ——– تتفرع الى فكرتين ثانويتين :

    - تعريف الفسخ القضائي

    - شروط الفسخ القضائي

    ف 2 - أحكام الفسخ القضائي ———– تتفرع الى فكرتين ثانويتين :

    - كيفية استعمال الفسخ

    - سلطة القاضي في اصدار الفسخ

    3- اشكالية النص : هل يملك القاضي سلطة مطلقة في تقرير الفسخ حسب المادة 119  

    4- الخطة :

    وهي عادة والتي تعتبر صحيحة هي الخطة التي تحتوي على مبحثين مطلبين وهي الخطة المثالية

    المقدمة

    المبحث الأول : طبيعة الفسخ القضائي

    المطلب الاول : تعريف الفسخ القضائي

    المبحث الثاني : أحكام الفسخ القضائي

    المطلب الاول : كيفية استعمال الفسخ

    المطلب الثاني : سلطة القاضي في اصدار الفسخ

    المطلب الثاني : شروط الفسخ القضائي

    خاتمة.

    ثانيا: منهجية التعليق على حكم أو قرار قضائي.

    من بين الدراسات التطبيقية في القانون، يمثل التعليق على الأحكام أو القرارات القضائية أهمّها على الإطلاق. ذلك أن إتقان التعليق على حكم أو قرار قضائي يفترض الإلمام الجيد بالمعارف النظرية و المتعلقة بموضوع التعليق و استيعاب معطيات المنهجية القانونية التي تسمح بتقييم الحكم أو القرار.

    المقصود بالتعليق على حكم أو قرار قضائي:

       كلّ نزاع يعرض على الجهات القضائية يتعلق بمسألة معينة، إذن كلّ حكم أو قرار يصدر من جهة قضائية يؤدّي إلى تحليل مسألة قانونية .

    إذن التعليق على حكم أو قرار قضائي هو: مناقشة أو تحليل تطبيقي لمسألة قانونية نظرية" تلقاها الطالب في المحاضرة".

    و التالي فإن منهجية التعليق على قرار أو حكم قضائي هي دراسة نظرية و تطبيقية في آن واحد لمسألة قانونية معينة، إذ أن القرار أو الحكم القضائي هو عبارة عن بناء منطقي، فجوهر عمل القاضي يتمثل في إجراء قياس منطقي بين مضمون القاعدة القانونية التي تحكم النزاع، وبين العناصر الواقعية لهذا النزاع، و هو ما يفضي إلى نتيجة معينة، هي الحكم الذي يتم ّ صياغته في منطوق الحكم .

    من ثمّ فإن المطلوب من الباحث أثناء التعليق على القرار، ليس العمل على إيجاد حلّ للمشكل القانوني باعتبار أن القضاء قد بث فيه، و لكنه مناسبة للتأمل و محاولة لفهم الإتجاه الذي ذهب إليه القضاء، هذا من ناحية أخرى، و من ناحية أخرى فالمطلوب هو التعليق على قرار لا دراسة قرار بشكل يتجاهل كليا موضوع الدعوى المعروضة، لذلك لا يجوز الغوص في بحث نظري للموضوع الذي تناوله ذلك القرار. فليس المطلوب هو بحث قانوني في موضوع معين، و إنما التعليق على قرار يتناول مسألة قانونية معينة.

    و لكي يكون التعليق على القرار سليما، يجب أن يكون الباحث "المعِلّق" ملمّا أساسا بالنصوص القانونية التي تحكم النزاع، و أيضا بالفقه قديمه و حديثه الذي تعرّض للمسألة، و كذا بالاجتهاد الذي تناول هذه المسألة و بالمراحل التاريخية التي مرّ بها تطوّره توصّلا إلى الموقف الأخير في الموضوع و من ثمّ بيان انعكاسات ذلك الحلّ من الوجهة القانونية.

    إن أول ما يتطلبه التعليق هو قراءة القرار أو الحكم عدة مرات دون تدوين أيّ شيء، و يجب دراسة كلّ كلمة وردت في القرار لأنه من الصعب التعليق على قرار غير مفهوم، لأن المهمة سوف تكون معالجة العناصر و الجهات المختلفة للقرار موضوع التعليق في الشكل و الأساس وَوِفق منهجية مرسومة مسبقا لحالات التعليق، فلا يترك من القرار ناحية عالجها إلاّ و يقتضي التعرّض لها في التعليق بإعطاء حكم تقييمي للقرار ككلّ،و في كافة النقاط القانونية عالجها.

    المرحلة التحضيرية و المرحلة التحريرية.

    منهجية التعليق على قرار:

    يتطلب التعليق مرحلتين: المرحلة التحضيرية و المرحلة التحريرية.


    1-المرحلة التحضيرية:

    في هذه المرحلة يستخرج الطالب من القرار قائمة، يقصد منها إبراز جوهر عمل القاضي وصولا إلى الحكم أو القرار الذي توصل إليه. و تحتوي هذه القائمة بالترتيب على:

    1-الوقائع: أي كلّ الأحداث التي أدّت إلى نشوء النزاع :تصرف قانوني "بيع"، أقوال "وعد"، أفعال مادية "ضرب".و يشترط:

    *ألاّ يستخرج الباحث إلاّ الوقائع التي تهمّ في حلّ النزاع ، فمثلا إذا باع "أ" ل"ب" سيارة ،و قام "أ" بضرب "ب" دون إحداث ضرر، و نشب نزاع بينهما حول تنفيذ العقد، فالقرار يعالج المسؤولية العقدية نتيجة عدم تنفيذ التزام إذن لا داعي لذكر الضرب لأن المسؤولية التقصيرية لم تطرح.

    و إن كان يجب عدم تجاهل –عند القراءة المتأنّية- أيّ واقعة لأنه في عمليّة فرز الوقائع، قد يقع المعلّق على واقعة قد تكون جوهرية، و من شأنها أن تؤثر في الحلّ الذي وضعه القاضي إيجابا أو سلبا.

    *لابدّ من استخراج الوقائع متسلسلة تسلسلا زمنيّا حسب وقوعها، و مرتبة في شكل نقاط.

    *الإبتعاد عن افتراض وقائع لم تذكر في القرار.

    2- الإجراءات: هي مختلف المراحل القضائية التي مرّ بها النزاع عبر درجات التقاضي إلى غاية صدور القرار محلّ التعليق. فإذا كان التعليق يتناول قرارا صادرا عن مجلس قضائي، يجب الإشارة إلى الحكم الصادر عن المحكمة الإبتدائية ، و الذي كان موضوعا للطعن بالاستئناف أمام المجلس القضائي، و إذا كان القرار موضوع التعليق صادرا عن المحكمة العليا، يصبح جوهريا إبراز مراحل عرض النزاع على المحكمة و المجلس القضائي.

    لكن و بفرض أن محلّ التعليق هو حكم محكمة، فقد تكون لبعض المراحل الإجرائية في الدعوى أهميتها في تحديد معنى الخبرة، مثلا: يجدر بالمعلِّق الإشارة إلى الخبرة، إذا تمتّ إحالة الدعوى إلى الخبرة.


    3- الإدّعاءات: و هي مزاعم و طلبات أطراف النزاع التي استندوا عليها للمطالبة بحقوقهم.

    يجب أن تكون الإدّعاءات مرتّبة، مع شرح الأسانيد القانونية، أي ذكر النص القانوني الذي اعتمدوا عليه، ولا يجوز الإكتفاء بذكر "سوء تطبيق القانون"، أو "مخالفة القانون".

    فالبناء كلّه يعتمد على الإدّعاءات، و ذلك بهدف تكييفها و تحديد الأحكام القانونية التي تطبق عليها، أي أن الأحكام و القرارات لابدّ أن تستند إلى ادّعاءات الخصوم.و الإدّعاءات يمكن التعرف عليها من خلال عبارات "عن الوجه الأوّل"، أو استنباطها من عبارات "حيث يؤخذ على القرار"، "حيث يعاب على القرار"،" حيث ينعى على القرار" .

    4-المشكل القانوني: و هو السؤال الذي يتبادر إلى ذهن القاضي عند الفصل في النزاع، لأنّ تضارب الإدّعاءات يثير مشكلا قانونيّا يقوم القاضي بحلّه في أواخر حيثيات القرار، قبل وضعه في منطوق الحكم.إذن المشكل القانوني لا يظهر في القرار و إنّما يستنبط من الإدّعاءات و من الحلّ القانوني الذي توصّل إليه القاضي.

    ومن شروط طرح المشكل القانوني:

    -لابدّ أن يطرح في شكل سؤال أو عدّة أسئلة، أي سؤال رئيسي و أسئلة فرعية.

    -أن يطرح بأسلوب قانوني، فعوض هل يحق ل "أ" أن يبيع عقاره عرفيّا؟ يطرح السؤال : هل الرسمية ركن في انعقاد البيع العقاري؟

    -إعادة طرح الإشكال طرحا تطبيقيّا: فمثلا الطرح النظري هو هل التدليس عيب في العقد، و الطرح التطبيقي هل تعتبر المعلومات الخاطئة التي أدلى بها "أ" ل "ب" بخصوص جودة المبيع حيلة تدليسّية تؤدّي إلى قابليّة العقد للإبطال؟

    -ألاّ يٌستشكل مالا مشكلة فيه: فعلى المعلّق أن يبحث عن المشكل القانوني الذي يوصله إلى حلّ النزاع أمّا المسائل التي لم يتنازع عليها الأطراف، فلا تطرح كمشكل قانونيّ.فمثلا إذا تبين من وقائع القرار أنّه تمّ عقد بيع عقار عرفيّا ، ثمّ وقع نزاع حول صحّة العقد، فلا داعي للتساؤل: هل البيع الذي تمّ بين "أ" و "ب" هو عقد عرفي لأنّ هذا ثابت من الوقائع و لا إشكال فيه.

    -بقدر ما طرح الإشكال بطريقة صحيحة بقدر ما يٌوفَّق المعلّق في تحليل المسألة القانونيّة المعروضة من خلال الحكم أو القرار القضائي.

    إذن المرحلة التحضيرية هي عبارة عن عمل وصفي من قبل المعلّق و عليه أن يتوخّى في شأنه الدّقة على اعتبار أنّ تحليلاته اللاّحقة، سوف تنبني على ما استخلصه في هذه المرحلة.

    2- المرحلة التحريرية:

    تقتضي هذه المرحلة وضع خطّة لدراسة المسألة القانونية و الإجابة على الإشكال القانوني الذي يطرحه القرار ثمّ مناقشتها .و يشترط في هذه الخطّة:

    - أن تكون خطّة مصمّمة في شكل مقدّمة، صلب موضوع يحتوي على مباحث و مطالب و خاتمة.

    -أن تكون خطة تطبيقيّة، أي تتعلّق بالقضيّة و أطراف النّزاع من خلال العناوين. فعلى المعلّق تجنّب الخطة النظرية، كما عليه تجنب الخطة المكونة من مبحث نظري و مبحث تطبيقي لأن هذه الخطة، ستؤدّي حتما إلى تكرار المعلومات.

    -أن تكون خطة دقيقة، فمن الأحسن تجنّب العناوين العامة.

    -أن تكون خطة متوازنة و متسلسلة تسلسلا منطقيا بحيث تكون العناوين من حيث مضمونها متتابعة وفقا لتتابع وقائع القضية، فتظهر بذلك بداية القضية في بداية الخطّة، كما تنتهي القضية بنهاية الخطة.

    -أن توضع خطة تجيب على المشكل القانوني المطروح، فإذا كان ممكنا يتمّ استخراج اشكاليتين قانونيتين، و تعالج كل واحدة منهما في مبحث، و هي الخطة المثالية في معالجة أغلب المسائل القانونية المطروحة من خلال الأحكام و القرارات القضائيّة.

    بعدما يضع المعلّق الخطّة بكّل عناوينها، يبدأ من خلالها في مناقشة المسألة القانونية التي يتعلّق بها الحكم أو القرار القضائي محلّ التعليق ابتداء بالمقدمة مرورا بصلب الموضوع، إلى أن يصل إلى الخاتمة.


    المقدمة :

    في المقدمة، يبدأ المعلّق بعرض موضوع المسألة القانونية محلّ التعليق في جملة وجيزة، بعدها يلخص قضية الحكم أو القرار فقرة متماسكة، يسرد فيها بإيجاز كلّ من الوقائع و الإجراءات و الإدّعاءات منتهيا بطرح المشكل القانوني بصفة مختصرة تعتبر كمدخل إلى صلب الموضوع . فالإنطلاق من المحكمة مصدرة القرار مثلا له أهميّة قصوى، حيث يمكّن الباحث من المقارنة في التحليل بين قضاة عدّة محاكم لمعرفة الإتجاه الغالب بالنسبة للإجتهاد القضائي. أمّا إذا كان القرار صادرا من المحكمة العليا، فيمكن مقارنته مع غيره من القرارات الصادرة من المحكمة العليا. كما أن ذكر تاريخ صدور القرار له أهمية لمعرفة ما إذا كان قد وقع هناك تحوّل للإجتهادات السابقة، أم وقع تفسير جديد لقاعدة قانونية معينة، أم تمّ اللجوء إلى قاعدة قانونية أخرى ....إلخ

    الموضوع:

    في صلب الموضوع يقوم المعلق في كلّ نقطة من نقاط الخطّة "عنوان" بمناقشة جزء من المسألة القانونية المطلوب دراستها، مناقشة نظرية و تطبيقية مع إعطاء رأيه في الحلّ القانوني النزاع. فالدراسة تكون موضوعية و شخصية.

    أولا: الدراسة الموضوعية: نشير في هذه الدراسة إلى:

    - موقف هذا الحل بالنسبة للنصوص القانونية، هل استند إلى نصّ قانوني؟ هل هذا النص واضح أم غامض؟ كيف تمّ تفسيره؟ ووفق أيّ اتجاه؟

    -موقف الحلّ بالنسبة للفقه، ماهي الآراء الفقهية بالنسبة لهذه المسألة، ما هو الرأي الذي اعتمده القرار –موقف هذا الحّل بالنسبة للاجتهاد، هل يتوافق مع الاجتهاد السابق ،أم يطوّره أم أنه يشكّل نقطة تحوّل بالنسبة له؟

    و بالتالي يجب على المعلّق الإستعانة بالمعلومات النظرية المتعلّقة بالمسألة القانونية محلّ التعليق، ثمّ الرجوع في كلّ مرّة إلى حيثيات الحكم أو القرار محلّ التعليق لتطبيق تلك المعلومات على القضية المطروحة .

    ثانيا: دراسة شخصية: من خلال إعطاء حكم تقييمي للحلّ الذي جاء به القرار . و هل يرى المعلق بأن هناك حكم أفضل له نفس محاسن الحلّ المعطى، دون أن تكون له سيئاته.


    الخاتمة: و في الخاتمة يخرج الباحث بنتيجة مفادها أنّ المشكل القانوني الذي يطرحه الحكم أو القرار القضائي محلّ التعليق يتعلّق بمسألة قانونية معينة لها حلّ قانوني معيّن يذكره المعلّق معالجا بذلك الحلّ الذي توصل إليه القضاة إمّا بالإيجاب أي بموافقته مع عرض البديل، و بهذا يختم المعلّق تعليقه على القرار.

                نموذج على التعليقْ على قرار قضائي.

                   التحليل الشكلي (مقدمة)

                   أطراف النزاع :

    تبيان شخصية الإطراف من رفع الدعوى من استأنف من طعن بالنقض

    (ذكر الأسماء و الصفات تاجر , أم , معلم)

    الوقائع :

    ذكر كل الوقائع المادية ( و ليست القانونية ) بنوع من التفصيل :

    ميلاد , وفاة , حادث , تهدم بناء .

    الإجراءات :

    - رفع الدعوى أمام المحكمة ..... يوم ........

    صدور حكم ...... يوم : ........ قضى ب : ...........

    - طعن بالاستئناف أمام مجلس قضاء ..... يوم .......

    صدور قرار ...... يوم : ........ قضى ب : ...........

    - طعن بالنقض أمام المحكمة العليا يوم .......

    صدور قرار ...... يوم : ........ قضى ب : ...........

    الادعاءات :

    عن الوجه الذي أثاره الطاعن ( تنقل حرفيا من القرار)

    الأول : المأخوذ من طرف الشكليات الجوهرية للإجراءات كون ......

    الثاني : مأخوذ من خرق القانون وقصور الاسباب ...

    المشكل القانوني :

    هل ......... ؟

    (و هي أهم ما في التحليل كله بعض الأساتذة في الامتحانات يطالعون فقط الإشكالية هل أن الطالب يناقش الموضوع باحترافية أم أنه خارج الموضوع لذا أرجو من الطلبة معرفة جيدا ما موضوع القرار ماذا يناقش بالضبط ويبلور اشكاليته على هذا الأساس )

    الحل القانوني:

    - حيث ...... ( نقل حرفي لآخر حيثية موجودة في القرار )

    منطوق القرار :

    و عليه ........ بأداء المصاريف(نقل حرفي لما هو موجودة في القرار )

    التصريح بخطة البحث :و هي إجابة معمقة لما طرح في الإشكالية و أحسن خطة هي التي تحوي مبحثين لكل منهما مطلبان

     

    نص القــــــــــرار:

    إن المجلس الأعلى بناءا على المواد 231/239/244/254 من ق م دج و بعد الاطلاع على مجموع لأوراق ملف الدعوى على عريضة الطعن المودعة يوم 3/12/1981 وعلى مذكرة الرد التي أودعها المطعون ضده وبعد الاستماع إلى السيد المقرر في تلاوة تقرير المكتوب والى السيد المحامي العام في طلباته المكتوبة حيث طعن بالنقض السيد ب ع ضد القرار الصادر في 5/11/1980 من مجلس قضاء الجزائر استئنافا بتأييد الحكم القاضي برفض طلبه وباستعادة الحصص والأسهم وتقسيم الإرباح

    الوجه الاول :

    المأخوذ من خرق الشكليات الجوهرية للإجراءات لكون القرار المطعون فيه فصل في القضية بكيفية مدينه بينما هي دعوى تجارية لكن مجلس القضاء له السلطة المطلقة وكامل الصلاحيات قضائنا للفصل كل في كل القضايا زيادة عن كون السيد ب ع قبل المرافعة في الموضوع دون إثارة أي احتياط وعليه هذا الوجه غير مؤسس

    الوجه الثاني : مأخوذ من خرق القانون وقصور الاسباب لاعتبار القرار المطعون فيه ان السيد ب ع لا يقدم اية حجة على مزاعمه حيث يستخلص من البيانات القرار المطعون فيه ان الطلب المدعي المذكور يرمي الى استعادة حصته في الشركة مع تقسيم الأرباح لكن حصل حل الشركة بمقتضى الحكم الصادر في 17/07/1976 الذي صار نهائيا وعليه فلا يمكن الاستجابة الى الطلب المقدم عقب عملية التصفية وهي النتيجة المترتبة عادة على حل كل شركة تطبيقا للمواد 778 ق ت والمواد التي تليها

    ولهذا الاسباب كان مجلس قضاء الجزائر رافضا عن صواب في طعن السيد ب ع

    لهذه الاسباب الطعن المقدم من المدعي ب ع والحكم على هذا الأخير بأداء المصاريف

     

    مقدمة (الجانب الشكلي)

    أطراف النزاع :

    الطاعن : ب ع

    المطعون ضده : المصفي


    الوقائع :

    - حل شركة تجارية بمقتضى حكم صادر بتاريخ 17 جويلية 1976 ومطالبة ب ع باستعادة

    الحصص والأسهم وتقسيم الأرباح .

    الإجراءات :

    - بتاريخ 17 جويلية 1976 صدر الحكم يقضي برفض طلب ب ع باستعادة الحصص

    والأسهم وتقسيم الارباح

    - استئناف الحكم وصدور الحكم قرار عن مجلس قضاء الجزائر 5نوفمبر 1980 يقضي بتأييد الحكم السابق .

    - الطعن بالنقض أمام المجلس الأعلى وصدور قرار يقضي برفض الطعن المقدم من ب ع والحكم عليه بأداء المصاريف

    الادعاءات :

    عن الوجه الذي أثاره الطاعن

    الأول : المأخوذ من طرف الشكليات الجوهرية للإجراءات كون القرار المطعون فيه فصل في القضية بكيفية مدنية بينما هي دعوى تجارية

    الثاني : مأخوذ من خرق القانون وقصور الاسباب

    المشكل القانوني :

    هل من الممكن يإستعادة الحصص وتقسيم الارباح بعد صدور الحكم النهائي بحل الشركة تجارية  ؟

    الحل القانوني:

    المادة 778 ق ت وما يليها

    منطوق القرار :

    رفض الطعن المقدم من المدعي ب ع والحكم على هذا الأخير بأداء المصاريف


    التصريح بالخطة البحث

    مقدمة

    مبحث الاول : انقضاء الشركة وما يترتب عنها

    المطلب الأول : انقضاء الشركة

    المطلب الثاني : ما يترتب عن انقضاء الشركة التجارية

    المبحث الثاني : مدى جوازيه المطالبة بإعادة التصفية من طرف ب ع

    المطلب الأول : عدم جوازيه المطالبة بإعادة التصفية من طرف ب ع

    المطلب الثاني : أثر التقادم الجنسي في تصفية المجال

    خاتمة

    التحليل الموضوعي:


    المبحث الاول : انقضاء الشركة وما يترتب عنها

    المطلب الأول: انقضاء الشركة تجارية

    عموما انقضاء الشرك التجارية هو انحلال المرابطة القانونية التي تجمع بين الشركاء ويتمكن رد طرق الانقضاء إلى الطرق العامة تنقضي بموجبها كل الشركات سواء كانت شركات أشخاص أم شركات أموال وطرق خاصة متعلقة بشركات والتي تعود إلى زوال الاعتبار الشخصي

    هذا ولا يترتب على انقضاء الشركة زوال شخصيتها المعنوية وإنما تبقى إلى حين قفل التصفية فتسدد أثناءها ديون الشركة والمتبقي يوزع على الشركاء

    1- الأسباب العامة لانقضاء الشركة :

    نتقضي بها كل الشركات وتنقسم إلى أسباب إرادية وأخرى غير إرادية

    أ‌- الإرادية :

    1-انتهاء مدة الشركة والأجل المحدد لها : تتحدد مدة الشركة باتفاق الشركاء في العقد المبرم بينهم فإذا انتهى هذا الأجل تنقضي الشركة بقوة القانون حتى ولو رغب الشركاء في بقائها وإن لم تحقق الغرض الذي أنشئت من أجله م 437 من القانون المدني : " تنتهي الشركة بانقضاء الميعاد الذي عين بها " والمادة 546 من القانون التجاري أن مدة الشركة لا يجب أن تتجاوز 99 سنة ( هذه المدة لا تخص سوى شركة الأموال ) أما الشركات الأشخاص فتتراوح مدتها بين 05 إلى 25 سنة ولا يمكن أن تتجاوز 30 سنة وذلك يعود لطبيعتها ) (الاعتبار الشخصي )

    إما إذا لم تحدد المدة فالشريك يستطيع أن يستحب في أي وقت فهو يستطيع أن يقيد نفسه لمدة عير محدودة ( يستطيع الشركاء التمديد شريطة أن يكون منصوصا عليه إضافة إلى التمديد قبل انقضاء عقد الشركة

    وفي حالة عدم تمديد الشركة وانتهت المدة وواصل الشركاء العمل بنفس الشروط أقر المشرع أنه تمديد ضمني يستمر سنة بسنة ويجوز لدائن أحد الشركاء أن يعترض على امتداد أجل ويستطيع القانون الإقرار بعدم التمديد لصالحه فيطالب بانقضاء وحل الشركة قد تستمر الشركة في بعض الحالات وهي

    - قد تستمر الشركة بشخصيتها الأولى أي لا تنتهي أصلا وهذا في حالتين إذا لم يكن أجل الشركة مطلق أي أن يتبين من العقد أن المدة حددت على وجه التقريب أو إذا اتفق الشركاء على تمديد أجلها على أن يكون هذا الاتفاق بالاجتماع ما لم بنص عقد الشركة على غالبية معينة

    - أن تقوم الشركة بعد انتهاء مدتها كشركة جديدة وذلك إذا تم الاتفاق صراحة على ذلك أو كان ضمنيا


     2-  انتهاء غرض الشركة عادة ما تنتهي الشركة بتحقيق الغاية التي أنشئت لأجلها المادة 546 مدني حتى ولم ينقضي الميعاد المحدد لها كشركة تعبيد الطرق أو بناء مساكن أو حفر قنوات .... كشركة حفر قناة السويس ويجب تحديد هذا الغرض في العقد التأسيسي ويستطيع الشركاء تمديده سنة بسنة شرط عدم معارضة دائني الشركاء .


    3- حل الشركة اتفاقيا المادة 440/02 قانون مدني حيث قد يتفق الشركاء على حل الشركة قبل انتهاء مدتها ويشترط لذلك اجماع الشركاء أو موافقة الأغلبية المنصوص عليها في العقد ويشترط فيه ان تكون الشركة موسرة قادرة على الوفاء بالتزاماتها و إلا عد الحل تهربا من الديون أي تدليس


    4- اندماج الشركات : قد تنقضي الشركة باندماجها مع شركة أخرى و يتم ذلك دفق طريقتين :

    الضم : أداة لابتلاع انقضاء الشركة المندمجة و تذوب شخصيا في الشركة الدامجة فتنتقل جميع الحقوق و الالتزامات و تصبح 02 هي المسؤولة عن ديون الشركة المندمجة .

    المزج : بين شركتين او أكثر بحيث تنقضي كلها و تنشأ على أنقاضها شركة جديدة تعتبر مسئولة عن ديون كلتا الشركتين – يكون تقرير ذلك من حق كل الشركاء الا اذا نص العقد على الاغلبية – و يشترط ان تكون كل الشركات ليها نفس الغرض او تشابه في النشاط .


    5-  تحويل الشركة : اذا نص عليه القانون او العقد التأسيسي تبقى الشخصية المعنوية و إلا تنتهي و قد نص المشرع على حالتين :

    01 –  شركة تضامن و توفي شريك و تدخل الورثة تصبح شركة توصية .

    02-  اذا زاد تضامن عدد الشركة ذات المسؤولية المحدودة عن 20 تتحول الى شركة مساهمة .

    ب – لا إرادية :

    01/ هلاك اموال الشركة : 438/01 ق .م : اذا هلك جميع مال الشركة او جزء كبير منه بحيث لا جدوى من استمرارها تنتهي الشركة بقوة القانون و قد يكون الهلاك مادي او معنوي كنشوب حريق – التأمين – يمكنها الاستمرار او احتكار الدولة لنشاط معين .

    - اذا كان الهلاك جزئي يرجع الأمر لأهمية الجزء المتبقي و يعود التقدير للمحاكم المختصة – شركة ذات المسؤولية المحدودة 4/3...


    02/ الحل القضائي : م 441 ق .م على انه : - ...

    و يتم عندما يتوجه الشريك الى القضاء أسباب جدية و مشروعية لحل الشركة منه فلكل شريك الحق في طلب انقضاء الشركة من المحكمة اذا وجد مبررا لذلك و على القضاء التأكد من صحة هذه الاسباب فان كانت كافية تحل بقوة القانون و من هذه الاسباب عدم وفاء الشريك في الشركة بتقديم حصته المالية او العينية اعتنق عليها او عدم احترام شروط العقد او التعسف المدراء او تبديد أموال الشركة او نشوب نزاع بين الشركاء يحول لون مواصلة الشركة ز للقاضي السلطة التقديرية في ذلك .

    و قد لا يطلب الشريك من القضاء حل الشركة و انما إخراج الشريك و ذلك عند مالا يفي بالتزامه امام الشركة و يمكن ان يكون لطلب الإخراج نتيجة الحل و ذلك اذا :

    - اذا كانت الشركة مكونة من شريكين .

    اذا كان لشخص الشريك اعتبار في الشركة إلا اذا تنص العقد التأسيسي على خلاف ذلك – ص 77 ، 78


    03 – انسحاب الشريك : اجاز القانون ذلك في حالة واحدة اذا لم يحدد العقد التأسيسي مدة محددة نستطيع انسحاب و بدون تبرير على ان يقوم بإبلاغ كل الشركاء و ان يكون انسحابه في الوقت المناسب.

    04/- افلا س الشركة : يحدث الإفلاس عندما تتوقف عن الدفع حيث تصبح عاجز عن الوفاء بالتزاماتها حلها قانونا المادة 212 من ق ت

    05/- اجتماع الحصص : فغي يد شخص واحد : تنتهي اذا زال ركن تعدد الشركاء باستثناء الشركة ذات المسؤولية المحدودة عندما تقوم على شخص واحد

    06/- التأميم : هناك نص يعتبر التأميم احد اسباب الانقضاء إلا انه سبب مهم مسلم به.


    ثانيا : الاسباب الخاصة :

    1/- موت احد الشركاء : تنص المادة : 439 ق م ج ان إبرام العقد فغي شركات الأشخاص يقدم على الاعتبار الشخصي أي صفة الشريك ومنه اذا زالت هذه الشخصية انحلت الشركة ويجوز للشركاء الاتفاق على استمرارها في حالة وفاة الشريك وذلك مع ورثته ولو كانوا قصرا بين الشركاء الباقون توفي هذه الحالة لا يكون للورثة إلا نصيبه في عنوان الشركة الذي يقدر بقيمته يوم وقوع الوفاة ويدفع نقدا ولا يكون لهم نصيب فيها في ما يستنجد بعد ذلك بالحقوق


    2/- الحجز على احد الشركاء او إعساره او افلاسه : لأنها تؤدي الى زوال الثقة في هذا الشريك بسبب الحجر الذي قد يكون قانونا ترتب عن عقوبة جنائية او قضائية نتيجة السفه أو الجنون او بإعساره او إفلاسه او بما انها لا تتعلق بالنظام العام يجوز للشركاء الاتفاق على استمرار الشركة ولا يكون لهذا الشريك إلا نصيب من مال الشركة بقدر وقت حدوث الحادث


    3/- انسحاب احد الشركاء من الشركة غير محددة المدة المادة 440 من ق م ج

    4/- انسحاب احد الشركاء من الشركة محددة المدة

    5/- طلب فصل احد الشركاء من الشركة

     

    المطلب الثاني: ما يترتب عن انقضاء الشركة

    متى انقضت الشركة لأحد الاسباب السالفة الذكر سواء كانت عامة او خاصة تتوقف نشاطها وندخل في مرحلة التصفية قصد تقسيم موجوداتها بين الشركاء وهذا بعد دفع .

    اولا : التصفية :

    هي انهاء جميع العمليات الجارية للشركة وتسوية المراكز القانونية باستيفاء حقوقها ودفع ديونها وإذا ما نتج بعد ذلك من فائض يوزع بين الشركاء عن طريق القسمة وتتم التصفية بالطريقة المبينة في عقد الشركة فإذا خلى من حكم خاص تتبع الاحكام الواردة في ق م ج وإذا كانت النتيجة سلبية فهذا يعني ان الشركة قد اصيبت بخسارة ومنه يتعين على الشركاء الاسهام كل حسب مسؤوليته لسداد ديون الشركة ( لم تظهر إلا في القانون 16) والتصفية واجبة في جميع انواع الشركات في حالة الانقضاء ماعدا شركة المحاصة التي لا تتمتع بالشخصية القانونية ومن ثمة لا تتمتع بذمة مالية مستقلة وإذا انقضت هذه الشركة فلا توجد تصفية بقدر لا يكون هناك تسوية حسابات بين الشركاء لتحديد نصيب كل واحد منهم فغي الربح والخسارة


    ويترتب عن عملية التصفية الاثار هامة

    - احتفاظ الشركة بشخصيتها المعنوية

    - تعين مصفي

    - 01/- احتفاظ الشركة بشخصيتها المعنوية :

    المادة 444 ق م ج والمادة 766 الفقرة 2 ق م ج الأصل ان الشركة تنتهي بحلها او انقضائها أي انها تضل محتفظة بها طيلة فترة التصفية بالقدر اللازم لهذه التصفية ولا تنتهي إلا بانتهاء التصفية وتقديم المصفي حساب التصفية ، ومنه لا يجوز للشركاء المطالبة بحصصهم قبل التصفية والحكمة من ذلك انه لو زالت شخصيتها ( المؤسسة ) بمجرد انقضائها لأصبحت أموال الشركة ملكا مشاعا بيت الشركاء وتعذر استيفاء حقوقها ودفع ديونها وينتج عن احتفاظها بالشخصية المعنوية ما يلي :

    1/ تبقى الشركة محتفظة بذمتها المستقلة عن ذمة كل شريك و تعتبر أموالها ضمانا عاما لدائني الشركة دون دائني الشركاء الشخصيين .

    2/ تبقى محتفظة بموطنها القانوني في مراكزها الرئيسي و تعرف الدعاوي على الشركة لهذا الموطن كما تعلن اليها أوراقها الرسمية فيه .

    3/ يجوز شهر إفلاس الشركة منذ ان تتوقف عن الدفع في فترة التصفية

    4/ يعتبر المصفي هو الممثل القانوني للشركة و ينوب عنها في التقاضي و يطالب بحقوقها و يتصرف في أموالها في حدود دون الحاجة الى موافقة كل شريك على حدي .

    5/ تحتفظ باسمها مضافا إليه عبارة – تحت التصفية

    و تعبر هذه الشخصية غير كاملة فهي محدودة بحدود التصفية و ما تقتضيه من أعمال و منه يحضر عليها القيام بأعمال جديدة ما لم تكن هذه الاعمال بإتمام اعمال سابقة .

    ثانيا المصفي :

    1/ تعيينه :

    طبقا للمادة : 443 ق .م المصفي هو الشخص او الاشخاص الذين يعهد إليهم بتصفية الشركة و قد تتم التصفية على يد جميع الشركاء و إلا يتعين عليهم تعيين مصفى و تعود سلطة تعينه لأغلبية الشركاء و لهم في ذلك كامل الحرية اذ يتم ذلك في عقد الشركة او في اتفاق لاحق

    كيفية تعيينه :

    بحيث قد تعهد للقائمين بالإدارة بعضهم او كل الشركاء او الغير اذا سكت العقد عن ذلك او لم ينظمه الشركاء في اتفاق لاحق وجب على المحكمة تعيينه بناء على طلب احد الشركاء و تختص بذلك المحكمة التي يقع في دائرة اختصاصها موطن الشركة مادامت لهم مصلحة مشروعة و الى حين تعيين مصفى المتصرفون في مواجهة الغير هم المصفون و استنادا الى المواد :782 ، 783 ، 784 قانون تجاري .

    فان الاصل في تعيين المصفي يعود الى الشركاء و يختلف تعيينه في الشركات حسب نوع كل منها و تعود سلطة تعيينه للمحكمة و يحق لكل من يهمه الأمر ان يرفع معارضة في اجل : 15 يوم من تاريخ نشر تعيين المصفي و تقضي المادة : 767 بان ينشر امر التعيين في اجل شهر في النشرة الرسمية في الاعلانات القانونية فضلا عن الجريدة المختصة بالإعلانات القانونية للولاية التي يوجد بها مقر الشركة و يتضمن هذا الأمر :

    - عنوان الشركة و رأسمالها .

    - نوعها متبوع بإشارة تحت التصفية .

    - مبلغ رأسمال

    - عنوان مركز الشركة

    - رقم قيد الشركة في السجل التجاري

    - سبب التصفية

    - اسم المصفي و لقبه و موطنه

    - حدود صلاحياتهم عند الاقتضاء – المصفين

    إضافة الى :

    تعيين المكان الذي توجه إليه المراسلات و المكان الخاص بالعقود و الوثائق المتعلقة بالتصفية

    - المحكمة التي يتم في كتابتها لإيداع العقود و الأوراق المتصلة بالتصفية و تبلغ هذه البيانات بواسطة رسالة عادية الى علم المساهمين بطلب من المصفي

    2/ عزله :

    الماد : 786 القانون التجاري : يجوز اللجوء الى القضاء من اجل ذلك اذا وجد اسباب او مبرارات قانونية لذلك كقيامه بتصرفات تتنافي مع التزاماته اتجاه الشركة .و يجوز للأشخاص عزله و له ان يعزل نفسه في وقت لائق و يعلن ذلك للشركاء حتى يستخلفوه

    المبحث الثاني : مدى جوازيه المطالبة بإعادة التصفية من طرف ب ع

    المطلب الاول : عدم جوازيه المطالبة بإعادة التصفية من طرف ب ع (سلطات المصفي)

    تتحدد في العقد التأسيسي للشركة او في القرار الصادر لتعيين المصفي من المحكمة المادة : 788 من القانون التجاري فلا يعتبر المصفي و كيلا عن الشركاء و على الشركة بل نائبا قانونيا عن الشركة التي تكون تحت التصفية و من سلطاته :

    1/ استفاء حقوق الشركة قبل الغير او الشركاء أي مطالبة الغير بالوفاء و الشركاء في تقديم الحصص او الباقية منها .

    2/ سداد ديون الشركة : المادة : 788/2 من القانون التجاري : لم تبين كيفية التسديد و هذا يدفعنا الى القواعد العامة القاضية بضرورة دفع الديون المضمونة قبل غيرها .

    3/ متابعة الدعاوي الجارية او القيام بدعاوي جديدة لصالح التصفية وذلك بان يأذن الشركاء او عن طريق قرار قضائي اذا كان تعيينه قد تم بواسطة المحكمة المادة : 788 الفقرة 03 من القانون المدني

    4/ كأصل لا يجوز للمصفي أعمال جديدة لحساب الشركة لان هذا يتنافى مع غرض التصفية و يجوز له مباشرة أعمال لازمة لإتمام الأعمال السابقة المادة : 446 من القانون المدني .

    5/ يجب على المصفى استدعاء جمعية الشركاء في اجل 6 أشهر على الأكثر من تاريخ تعيينه و يقدم لها تقريرا مفصلا على أصول و خصوم الشركة و عن متابعة عمليات التصفية و عن الأجل اللازم لإتمامها .

    6/ يضع المصفي في ظرف – 03 أشهر – من قفل كل سنة مالية – الجرد و حساب الاستثمار العام و حساب الخسائر و الارباح فضلا عم وضع التقرير المكتوب يتضمن حساب عمليات التصفية خلال السنة المالي المنصرمة .

    ثار جدلا فقهي حول سلطات المصفي في رهن العقارات بغير إذن خاص من الشركاء او من الجمعية العامة و لشركة الأموال .

    استقر الرأي الراجح علة جواز ذلك طالما كان ملازما لإغراض تصفية فإذا كان من حق المصفي بيع منقولات و عقارات الشركة لسداد ديونها – المادة : 446/2 ق .م .

    قسمة أموال الشركة

    بانتهاء عملية التصفية تنقضي الشخصية المعنوية للشركة وتتحول ومجوداتها الى للنقود وبعد سداد ديونها يتكفل المصفي بمهمة القسمة على الشركاء ( المادة 794 ق ت ) وإلا يمكن ان يفعلها الشركاء بأنفسهم فإذا تعذر ذلك لخلاف بينهم جاز لمن يهمه الامر شريكا او دائني الشركاء طلب من القضاء الحكم بتوزيعها ى بعد انذار المصفي اما طريقة القسمة بين الشركاء فهي تخضع لقواعد العقد التأسيسي للشركة فإذا لم يوجد نص فيه تطبق قواعد قسمة المال المشاع المحددة في القانون المدني المادة 713 ق م ج وتتم القسمة كالأتي :

    1/- استرداد الشريك : مبلغا نقديا يعادل قيمة حصته في راس المال حسب ما هو في العقد التأسيسي او ما يعادلها وقت تسليمها اذا لم تبين فيه ( عينية )

    اما الذي اقتصرت حصته على تقديم عمل او شيء لمجرد الانتفاع به فهو غير معني لأن حصته لا تدخل في رأس المال ويمكن لمن قدر لمجرد الانتفاع به استرداده قبل القسمة .

    2/- اذا بقي الفائض من المال وجبة قسمته بين الشركاء بحسب العقد التأسيسي وإلا بحسب مساهماتهم في رأس مال الشركة .

    3/- اذا لم يكفي الصافي من موجودات رأس مال الشركة للوفاء بحصص الشركاء فالخسارة تقسم حسب ما نص عليه العقد التأسيسي او بحسب نسب توزيع الخسارة ( المادة 447/2،3 ق م ج)

    الاثرالثالث :

    تقادم الدعوي الناشئة عن الشركة : لا تنتهي مسؤولية الشركاء بانتهاء التصفية و زوال الشخصية المعنوية للشركة بل تبقى قائمة لوجود حقوق لم يتقاضاها دائنيها فلهم الرجوع الى الشركاء او ورثتهم و التقادم المسقط و: 15 سنة في الحياة التجارية التي تتطلب السرعة و الائتمان يصبح : 05 سنوات من نشر انحلال الشركة ما عدا شركة المحاصة لان ليس لها شخصية معنوية التي تتقادم : 15 سنة وهذا التقادم يتمسك به كل الشركاء متضامنين او موصى لهم المادة : 777 ق. ت .

    حكم الشريك المصفي :

    المادة : 777 ق.ت : لا تسقط عليه دعاوي إلا بمرور التقادم الطويل سواء كان شريكا او مصفي و هذا اتجاه فرنسي تقليدي منتقد فلا أساس له من التفرقة كما ان الشريك المصفي أجنبي عن الشركة حرم من حقه كشريك و عدلت محكمة النقض الفرنسية برفع دعاوي ضده و هما يستفيد من حقه في التقادم المسقط و اذا رفعت على أساس انه مصفي يصبح التقادم طويل المدى و هذا الاتجاه الأخير الذي اخذ به المشرع الجزائري و يسري التقادم ألخمسي من يوم انحلال الشركة في السل التجاري و يخضع للانقطاع .

    المطلب الثاني : أثر التقادم الخمسي في تصفية المجال

    من خلال الحساب المدة في القرار لا نجد هناك أي اثر للتقادم الخمسي ذلك ان المدة ال تتعدى : 05 سنوات لقد حكم كل من قضاة الموضوع و قضاة القانون برفض طلب السيد : ب .ع و المتمثل في استعادة الحصص و الاسهم و تقسيم الارباح ذلك انه من غير الممكن بل من المستحيل حيث انه بانتهاء عملية التصفية تنتهي الشخصية المعنوية للشركة و تبدأ عملية القسمة لتحويل الموجودات الى مبالغ و هذا من صلاحيات المصفي و القسمة تتم لقواعد نص عليها في العقد او القواعد المتعلقة لقسمة المشاع و بالتالي فان لكل شريك استرداد مبلغا من النقود معادل لحصتهما هي موجودة في العقد و اذا لم تبين هذه القيمة في العقد ثم بعد ذلك يقسم الارباح اذا كان موجودا و بعد هذه العمليات لا يمكن لأي شريك لا يطالب باسترداد الحصص و الاسهم اعادة تقسيم الارباح .

    الخاتمة :

    يتوقف انقضاء الشركة التجارية علة توفر اسباب – عامة ارادية و غير ارادية و اسباب خاصة و بذلك تدخل الشركة في مرحلة التصفية دون ان تفقد شخصيتها المعنوية في قضية الحال يتبين ان انقضاء الشركة تم بحالة من الحالات العامة هي الانقضاء القضائي كما يجوز ان تتولى المصفى بموجب الاتفاق بين الشركاء او بحكم القانون تسير الشركة أثناء مرحلة الشركة باستيفاء ديونها من الغير او لتسديد ما عليها من ديون و عند انتهاء فترة التصفية لا يجوز للشركاء المطالبة من جديد لحصصهم بالشركة كما في قضية الحال و بذلك نكوكن قد اتممنا و احطنا بكل ما يتعلق بانقضاء الشركة التجارية إسقاطا على مورد في القانون .

    ثالثا: منهجية حل استشارة قانونية.

    الاستشارة هي طريقة بيداغوجية تستعمل في حصص الاعمال الموجهة لتدريب الطالب على استعمال فكره ومعارفه استعمالا منطقيا وعلميا .

    فهي وسيلة تربوية تسمح للطالب بحل المسائل القانونية التي تعرض عليه والتي تواجه المجتمع يوميا افراده وهيئاته .

    ان الاستشارة قد تكون شفهية ويجب في مقدمها ان يكون فطنا وذكيا، وقد تكون مكتوبة بحيث تشبه الخبرة في المنهج المتبع في اعدادها. ان هدا المنهج يخضع لرغبة صاحبه اد لا شكليات تحكمها ، والقاعدة ان يلتزم المنهج العلمي بحيث يخضع تحريرها الى قواعد علمية معينة تسهل للمخاطب بها فردا او ادارة الخروج بفكرة واضحة .

    2- مراحلها :

    تتطلب منهجية الاستشارة كالتعليق على القرارات القضائية فهم النص فهما جيدا من خلال القراءة المركزة لمحتواه للتمكن من تشخيصه وحصر المسائل القانونية حصرا كاملا، ويمكن تقسيم مراحلها الى مرحلتين اساسيتين :

    1- المعطيات :

    وتدرج تحتها الوقائع والاجراءات ومنهما معا نستخلص المسائل القانونية .

    أ/ الوقائع:هي مجموعة من الاحداث القانونية والمادية التي ادى تتابعها الى تكوين موضوع النزاع او عناصر المسالة مثلا:فصل موظف،شق طريق .....الخ

    وتقدم في جمل كاملة وبطريقة مجردة بمعنى دون اعطاء حكم مسبق عليها بل ننقلها كما جاءت في الاستشارة دون إضافة ويجب انتقاؤها بحيث لا نذكر الوقائع الثانوية الي لم تؤثر في تحريك النزاع .

    ب / الاجراءات:هي المراحل الادارية (تظلم ان وجد)والقضائية( رفع دعوى، طعن)التي مر بها النزاع .ترتب حسب حدوثها زمنيا وبدقه، وبما ان الاستشارة عادة ما تطلب بداية، اي قبل اللجوء الى القضاء،فان معطياتها تقتصر عى الوقائع فقط، فان اتخذت اجراءات وطلبت ففي متل هده الحالة يجب ذكرها مع احترام قواعد ترتيبها .

    ج/ طرح المسائل القانونية: تقدم التساؤلات في منهجية الاستشارة من خلال مصطلح "طرح المسائل القانونية"

    ونستخرج هده المسائل القانونية من عناصر الاستشارة( وقائعها وإجراءاتها ان وجدت) ويجب حصرها كاملة، بمعنى ضرورة الالمام بها دون البحث في المسائل المفصول فيها.مثلا ان كان النزاع بين بلدية وموظف فلا داعي للبحث في طبيعة النزاع ........

    يمكن ترقيم المسائل القانونية او الاستغناء عن الترقيم واستعمال مطات فقط .

    تقدم هده المسائل في شكل تساؤلات،مثلا :

    1)  ماطبيعة النزاع القائم بين..وبين ........

    2)  هل التظلم وجوبي في النزاع القائم بين. وبين...؟

    3)  ماهي الدعوى الملائمة؟

    4)  ماهي الجهة القضائية المختصة؟

    2- الاجابة :

    ان الاجابة عن المسائل القانونية تعالج بواسطة فقرات، بحيث تخصص لكل مسالة قانونية فقرة خاصة بها مثلا :

    * الفقرة الاولى: فيما يخص طبيعة النزاع :

    - الوقائع:

    يجب فرز الوقائع ودكر الخاص منها بهده المسالة والفقرة، وان كان للوقائع جميعها علاقة بهده المسالة ذكرت كاملة، مع احترام قواعد ترتيبها .

    - السؤال القانوني:هو قراءة لما جاء في المسالة القانونية وتجسيد لها، قد يقتصر على تساؤل واحد وقد تكون هناك اسئلة قانونية فرعية بحسب متطلبات المسالة ككل .

    - الحل القانوني: يقصد بالحل القانوني القاعدة القانونية او حكم القانون او السند القانوني الذي تعتمد عليه للوصول الى الاجابة فان وجدنا نصا قانونيا يحكم المسالة القانونية المطروحة فلا داعي للتعرض الى موقف القضاء والفقيه، دلك ان الهدف من الاستشارة هو البحث عن الحل القانوني الصحيح والمنطقي لا الدخول في الجدال. وبالمقابل ان لم نجد نصا يحكم المسالة فيمكننا الاستعانة بالموقف القضائي ( باعتبار القانون الاداري في المنازعات الادارية قضائية في نشأتها) وفي الاستشارة البيداغوجية يمكن الاستعانة بآراء الفقه ان لم تكن هناك قاعدة قانونية ولا اجتهاد قضائي يحكم المسالة .

    الفقرة الثانية

    :فيما يخص التظلم الاداري :

    - الوقائع :...................

    - السؤال القانوني :...........

    - الحل القانوني :.............

    - الاجابة :...................

    * الفقرةالثالثة:فيما يخص الدعوى الملائمة :

    - الوقائع :...................

    - السؤال القانوني :...........

    - الحل القانوني :.............

    - الاجابة :...................

    * الفقرة الرابعة: فيما يخص الجهة القضائية المختصة :

    - الوقائع ....................

    السؤال القانوني الفرعي الاول:ما هي الجهة القضائية المختصة نوعيا؟

    - الحل القانوني ..............

    الاجابة .....................

    السؤال القانوني الفرعي الثاني: ما هي الجهة القضائية المختصة إقليميا؟

    الحل القانوني ................

    الاجابة .......................

    - حوصلة: هي تجميع للإجابات الفرعية الخاصة بالفقرات المعالجة سابقا انطلاقا من الاولى الى الاخيرة مثلا :ان النزاع اداري وعلى السيد احمد ان يرفع دعوى الغاء على والي البليدة امام الغرفة الادارية لمجلس قضاء الجزائر المختصة نوعيا ومحليا .

    رابعا: صياغة مذكرة استخلاصية.

     إن تحرير المذكرة الاستخلاصية لا يختلف عن الاختبار الذي يتعلق بتحرير مقالة و تعتبر أبسط منها، ذلك أن الخطة لا تعتمد أساسا على الأفكار الشخصية للطالب و إنما على تبسيط ما احتوته الوثائق المختلفة، و تهدف الخطة عموما في المذكرة الاستخلاصية إلى ضمان تقديم كامل و واضح و موضوعي لمحتوى الملف. يحدد عدد صفحات المذكرة الاستخلاصية بـ 3 إلى 4 على الأكثر، ومن الضروري عند تحرير المذكرة الاستخلاصية، أن يتمكن القارئ بسهولة من الرجوع للوثيقة التي اعتمد عليها، و هو ما يسمح له أيضا من التحقق من استعمال الوثائق و المعلومات المطلوبة فيها. تتضمن الإجابة في تحرير مذكرة استخلاصية غالبا، مقدمة قصيرة و مباشرة و عرضا مؤطرا و مبررا، و يجب على الطالب عند تحريره للمذكرة عدم الاعتماد على النقل الحرفي لجمل الوثائق و فقراتها و إنما التعبير على الأفكار الرئيسية التي تحتويها. إن كانت المذكرة الاستخلاصية و المقالة تتشابهان كثيرا في القواعد الشكلية، فإنهما يختلفان في الموضوع، بحيث أن المقالة تعتمد أساسا على قدرة الطالب في الاستدلال و توظيف معلوماته، بينما يركز الطالب قدرته في المذكرة الاستخلاصية على تقديم صورة موضوعية لمحتوى الملف دون الادلاء برأيه الشخصي أو إضافة معلومات من عنده و لو بصفة ضمنية.

                   لصياغة أو تحرير مذكرة استخلاصية يجب المرور بمرحلتين أساسيتين هما كالتالي:

                  أولا المرحلة التحضيرية: تتطلب هذه المرحلة من الطالب معالجة المسألة القانونية التي تتضمنها الوثائق المرفقة بطريقة منهجية دقيقة و ذلك بإتباع ما يلي:

     1 -/تصنيف الوثائق: حيث نبدأ بالسهلة التي تعطي فكرة دقيقة.

     2 -/التمعن في الوثائق: طبيعة الوثائق، تاريخ الوثائق... .

    3 -/ قراءة الو ثائق المقدمة: بحيث يجب على الطالب القيام بالقراءة السريعة و المنهجية في نفس الوقت، و ذلك نظرا لكثرة الوثائق المرفقة التي يتألف منها الملف، و يركز الطالب خلال مرحلة القراءة على فهم كل وثيقة، و يحاول الاحتفاظ في ذهنه بالمعلومات التي يرى أنها أكثر ملائمة للمسألة المعروضة، و بالتوازي مع ذلك يقوم بتسجيل الأفكار العامة التي تحتويها الوثائق في المسودة، قصد تسهيل إعداد المذكرة، و في وجود آراء متناقضة، يجب تسجيل الملاحظات حول وجود اختلاف الآراء من أجل مناقشتها فيما بعد.

    4 -/فرز المعلومات: يجب على الطالب استبعاد المعلومات التي لا تهم في تحرير المذكرة الاستخلاصية، حيث يقوم الطالب بتحليل المعلومات المتحصل عليها من الوثائق، و يقارنها ببعضها حتى يصل إلى الأفكار الرئيسية لتلك الوثائق، لكي يتمكن من وضع خطة ملائمة.  

    ثانيا: المرحلة التحريرية.

    في هذه المرحلة يقوم الطالب باستخلاص الأفكار من الوثائق المقدمة له و تحرير مذكرة وفق المنهج التالي:

    1 /المقدمة:  يجب أن تكون المقدمة مختصرة و قصيرة، تتضمن التعريف بالموضوع الذي استخلصه

    الطالب من الوثائق المقدمة و تنتهي بطرح الإشكالية و بالتقسيم الذي اعتمده الطالب للإجابة على هذه الإشكالية

    . 2 -المتن: يقوم الطالب هنا بدراسة المسألة القانونية المعروضة عليه وفقا لخطة متسلسلة تجمع العناصر المشتركة التي تتضمنها الوثائق الملحقة، و يمنع على الطالب تخصيص مطلب لكل وثيقة لأن هذا يتعارض تماما مع المبدأ الذي تقوم عليه المذكرة الاستخلاصية، و يجب على الطالب عدم الاعتماد على النقل الحرفي للجمل و فقراتها و إنما على الأفكار الرئيسية التي تحتويها، و يمكن للطالب كذلك الإشارة إلى الوثيقة المرجعية أثناء التحليل، كذكر رقم المادة القانونية و رقم القانون و تاريخ صدوره، و أيضا رقم و تاريخ الحكم أو القرار القضائي، أو الإشارة إلى رأي فقيه معين من خلال ذكر عنوان المرجع المنسوب إليه أو  المقال المنشور.

    3 -خاتمة: إن خاتمة المذكرة الاستخلاصية ليست مثل خاتمة البحث العلمي، لأن في هذا الأخير نحلل و نناقش، و نعطي في الختام النتائج و الاقتراحات، أما المذكرة الاستخلاصية فهي مجرد استخلاص الأفكار و المعلومات الواردة في الوثائق المقدمة للطالب، وعليه فإن خاتمة المذكرة الاستخلاصية هي مجرد خلاصة لما بحوزة الطالب من معلومات و معطيات تحصل عليها من خلال الوثائق التي هو بصدد دراستها.

    خامسا/ التحرير الإداري:

    يختلف الأسلوب الإداري عما هو متعارف عليه في الأسلوب الأدبي، فالأسلوب الإداري هو أسلوب يتحدد وفق فلسفة معينة مرتبطة بالوظيف العمومي، و هو ما يجعله  يشكل مجالا مستقلا، و ينفرد بخصائص مميزة، و كذا بصيغ و قواعد خاصة .

    أولا: مميزات التحرير الإداري يتميز الأسلوب الإداري عن غيره من الأساليب المستعملة بين الأشخاص الطبيعيين و الأشخاص الاعتبارية الخاصة، و من هذه الأخيرة إلى الإدارات العامة، حيث أن التحرير الإداري أو الكتابة الإدارية تتميز بجملة من المميزات الشكلية و الموضوعية، سيتم توضيحها فيما يلي:

    : 1 -المميزات الشكلية: تتمثل المميزات الشكلية للتحرير الإداري في:

    أ- اسم الدولة: من أهم الخصائص التي تتميز بها المراسلات الإدارية عن غيرها من المراسلات المتبادلة بين الأشخاص الطبيعيين و المعنويين الخواص هي اسم الدولة الذي يلزم كتابته على المراسلات الإدارية، ليضفي عليها طابع الرسمية من جهة، و معرفة النظام السياسي المعتمد و مكان تواجد الدولة على الخريطة العالمية من جهة ثانية، مثل: "الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية".

    ب- اسم الإدارة المرسلة: إن الإدارة المرسلة هي جهاز إداري يقوم بإرسال مراسلة إدارية لشخص طبيعي أو معنوي، هذا الاسم يكتب على المراسلة بالهامش الأيمن للورقة و في قمتها، و لهذا الاسم أهمية بالغة تكمن في أن يتعرف المرسل إليه على اسم الإدارة المرسلة و على موطنها و طبيعة اختصاصها، و على الإدارة الوصية.

    ج- الرقم:  يقصد بترقيم المراسلات و الوثائق الإدارية، و إعطاء رقم لكل مراسلة، أو وثيقة إدارية سواء كانت صادرة أو واردة من السجل المخصص لها، الذي يتم وضعه مباشرة أسفل اسم الإدارة أو المصلحة أو المكتب التابعين لها، مع إضافة الحرف أو الأحرف الأبجدية للإدارة المرسلة لاستخلاص،أن المراسلة قد صدرت من مكتب أو مصلحة معينة تابعة للإدارة المرسلة.

    و عليه، لا يمكن إرسال أو تلقي مراسلة أو وثيقة إدارية من غير تسجيلها أي إعطائها رقما تسلسليا من سجل الصادرات أو الواردات.

     فالعملية تقتضي الحرص و المحافظة الشديدين على المراسلات، و جميع الوثائق الإدارية من الضياع، و ما تجدر الإشارة إليه أن السجلات السالفة الذكر تستعمل لمدة سنة كاملة مع أعدادها التسلسلية ابتداء من 01 جانفي إلى غاية 31 ديسمبر، و من رقم واحد إلى ما  لا نهاية عند نهاية السنة.

    د- صفة المرسل و صفة المرسل إليه: تعبر هذه الصيغة عن اسم المسؤول الإداري صاحب الاختصاص الأصلي المخول له بقانون، أو بناء عليه لتمثيل الشخص المعنوي في موطن معين، و بالتالي فإن كتابة صفة الاسم الوظيفي للمسؤول – رئيس- على الرسالة بمفرده لا يعني من ذلك شيئا، و بإضافة اسم الشخص المعنوي - المجلس الشعبي البلدي – المسير من قبل المسؤول الإداري، يعني بذلك أن الرئيس اسم وظيفي، و المجلس الشعبي البلدي اسم لشخص معنوي - البلدية - . ومنه فإن الاسم الوظيفي - الرئيس - المسير لإدارة البلدية و في موطن معين، إجباري الكتابة على المراسلات بالقرب من هامشها الأيسر، و أسفله يكتب حرف " إلى" مشار إلى المرسل إليه، ثم يكتب الاسم المميز للذكور و الإناث، فالسيد بالنسبة للذكور صغارا و كبار

    والمرأة المتزوجة سيدة، و العازبة آنسة، و يليه مباشرة الاسم الشخصي للمرسل إليه، إن كان شخصا طبيعيا أو اسما وظيفيا للمسؤول المسير لشؤون إدارة الشخص المعنوي و مقره  الاجتماعي.

     هـ - الموضوع: يتمثل موضوع المراسلة الإدارية في هدفها المقصود، إذ تحرر الرسالة الإدارية، بدقة و موضوعية تامتين و يستخرج موضوعها في كلمة واحدة أو في جملة مفيدة، و تكمن أهمية ذكر موضوع الرسالة الإدارية في إنجاز العمل بسرعة عند القيام بعملية فرز المراسلات على اختلاف أنواعها و مواضيعها، و يأتي موضوع الرسالة الإدارية بعد المرسل إليه، و لكن في  أقصى اليمين.

     و- المرجع و الإشارة إلى النصوص المطبقة:  يشار إلى المرجع و النصوص المطبقة مباشرة أسفل الموضوع عند الاقتضاء، أي عندما تتطلب المراسلة وضع مرجع، فالمرجع هو السند الذي تستند إليه الإدارة عند الإجابة على مراسلة ما قبولا أو رفضا بحسب المقتضيات، وبالتالي فالمرجع هو تاريخ إصدار الرسالة، و رقمها الترتيبي المعطى لها من سجل الصادرات لدى الإدارة الأصلية، مثال: عند الإجابة على رسالة إدارية وردت إلى الإدارة من إدارة أخرى يكتب أمام المرجع: رسالتكم رقم ...... المؤرخة في .......، ثم يكتب في الفقرة الأولى من الرسالة: ردا على رسالتكم المشار إليها في المرجع المتعلقة بـ: .......، أو ردا على رسالتكم المشار إليها في المرجع، التي تطلبون فيها ....... يشرفني .........إلخ.

    فيما يتعلق بالرد على الرسالة الشخصية الواردة إلى الإدارة من شخص طبيعي، يكتب أمام المرجع: رسالتكم المؤرخة في .....، ثم يكتب أيضا في الفقرة الأولى من الرسالة: ردا على رسالتكم المشار إليها في المرجع و المتعلقة بـ: ...... يشرفني أن .......إلخ.

    إن وجه الاختلاف من حيث الإشارة إلى المرجع في الرسالتين الإدارية و الشخصية أن هذه الأخيرة موجهة من الإدارة إلى شخص طبيعي، و يشار في توحيد الزمن في الرسالة الموجهة إلى الإدارة إلى الرقم المعطى للرسالة الواردة من سجل صادرات الإدارة المرسلة، في حين لا يشار إلى الرقم في الرسالة الموجهة إلى الأشخاص الطبيعيين، كونها لم تحمل رقما من سجلات أصحابها عند تصديرها.

    أما بخصوص رسالة التذكير التي تذكر فيها الإدارة المرسل عن رسالة سابقة أرسلت إليه بخصوص موضوع معين، كطلب الالتحاق بالعمل مثال أو إتمام بناء مشروع سكني في موعده المحدد..... إلخ، و المرسل إليه لم يجب على الرسالة الأولى، فيكتب أمام المرجع: رسالتي رقم ..... المؤرخة في .......، ثم يكتب في الفقرة الأولى من الرسالة: تبعا لرسالتي المشار إليها في المرجع المتعلقة بـ:..... يشرفني أن ........ إلخ.) أما من حيث الإشارة إلى النصوص التشريعية و التنظيمية المطبقة فهي واجبة إن تعلق موضوع الرسالة بذلك، و من دونها لا يمكن إضفاء الصبغة القانونية عليها، و التي تستوجب الإصدار و التنفيذ في آن واحد، مثال على ذلك: عند الإجابة على رسالة شخص ما يطلب فيها توظيفه في وظيفة معينة أو طلب منحه ترخيص أو طلب شراء قطعة أرض أو مسكن، و طلبه هذا غير مستوف للشروط المنصوص عليها في القانون، لا نكتفي بالقول في الرد أن طلبه لم يحظ بالقبول.

     و عليه فمن واجب الإدارة أن توضح ذلك في مراسلتها إلى المرسل إليه و تبين له السبب الذي حال دون قبول طلبه، سواء بمقتضى قانون أو مرسوم أو قرار رقم .... الصادر بتاريخ ....، و ذلك عمال بخاصية الوضوح التي تتميز بها المراسلات الإدارية.

    ن- المرفقات: هي أشياء مادية ترفق مع الرسالة، يأتي ترتيبها إما بأسفل المرجع أو بأسفل الموضوع مباشرة إن لم يكن في المراسلة مرجع، فالمرفقات توضع في حالة إرسال وثيقة واحدة أو عدة وثائق، فيذكر عددها بالأرقام أمامها، ثم يوضح في محتوى الرسالة المقصود منها.

    ي- ترتيب الفقرات: ترتب الفقرات في الرسالة الادارية ترتيبا أفقيا حسب أولويتها، فقد تتشكل الرسالة من مقدمة و موضوع و خاتمة أو قد تقتصر على الموضوع و الخاتمة، أي الدخول مباشرة في الموضوع و ختمه بطلب، أو تنفيذ أمر معين أو الامتناع من تنفيذه، أو تقديم اقتراح، و التماس الموافقة عليه.

    إن المقصود بترتيب الفقرات بحسب الأولوية، أن تأتي الفقرة الموالية موضحة للفقرة السابقة، كبسط الموضوع في الفقرة الأولى، و شرحه و تحليله بقدر واف في الفقرة الثانية و النتيجة المتوخاة منه في فقرة أخيرة ثالثة.

    لا يعني مما سبق أن الرسالة تتشكل من ثالث فقرات لا غير، أي طرح الموضوع ثم تحليله و أخيرا النتيجة، فقد تتشكل الرسالة من عدة فقرات بحسب الموضوع المطروح لتنتهي بعد إزالة الغموض الذي يرد في فقرة فتوضحه فقرة ثانية أو ثالثة أو رابعة .....إلخ إلى غاية الوصول إلى المعنى المقصود من الرسالة.

    أخيرا تختم الرسالة بصيغة المجاملة المتمثلة في عبارات التقدير و الاحترام الواجبة من الموظف المرؤوس إلى الرئيس الإداري، و من الإدارة العامة إلى الإدارة الخاصة أو  شخص طبيعي.

     م- التوقيع و التاريخ و الختم الرسمي: إن التوقيع هو إجراء عملي قانوني يجريه صاحب الاختصاص الأصلي على المراسلات و الوثائق الإدارية موضحا فيه الاسمين الوظيفي و الشخصي له، و في حالة ما إذا فوض توقيعه إلى مرؤوسه، فيكتب الاسم الوظيفي لصاحب الاختصاص الأصلي في الاعلى و بأسفله الاسم الوظيفي للمفوض إليه، ثم الاسم الشخصي لهذا الأخير، و يأتي التوقيع في أسفل الصفحة، في الجهة اليسرى منها و بعد النص مباشرة .

    بالنسبة لتاريخ الرسالة الإدارية، يكتب في يسار الصفحة و في الجهة العليا منها، و تذكر فيه العناصر التالية دائما: المكان و اليوم و الشهر و السنة، مثال: بجاية في 23 أكتوبر2017.و بعد إنجاز الرسالة أو الوثيقة الإدارية، يتم وضع الختم " الطابع الرسمي للإدارة " بجانب التوقيع.

    . 2 -المميزات الموضوعية: إضافة إلى المميزات الشكلية، فإن التحرير الإداري يمتاز بجملة من المميزات الموضوعية التي هي كالأتي:

    أ- التجرد: حيث أنه ليس هناك مكان لكل الألفاظ، و كل العبارات الغير الموضوعية أو العامية أو المثيرة للانفعال في الأسلوب الإداري، بل و حتى النسق الصوتي، يجب أن يتسم بالجدية و الرسمية.

    ب- المجاملة: يجب أن يتحلى محرر الوثيقة الإدارية بحسن الالتفات و اللباقة، فبالرغم من كون الإدارة ملزمة في الكثير من الأحيان بالإجابة سلبا على عدد من الطلبات، إلا أنها تسعى دائما إلى إضفاء صفة التحفظ أو الاحتراس على ردود من هذا القبيل، حتى يبقى الأمل لدى أصحاب هذه الطلبات قائما.

    ج-المسؤولية:إن كل الوثائق الادارية ممضية من طرف ممثلي السلطة العامة، و بالتالي تكتسي طابع الرسمية، لذلك فإن التحرير الإداري بعيد كل البعد عن كل ما هو مجهول أو غامض أو مبهم، و يتعين على موقع الوثيقة الإدارية أن يكون معلوما حتى يتحمل مسؤولية ما يكتب.

    د- المنطق: يجب عرض الوقائع و الحيثيات بصفة عقلانية و منطقية، حسب أهميتها  التصاعدية.

     هـ- الموضوعية: من الخصائص الهامة و المهمة جدا في المراسلات الإدارية، خاصية الموضوعية التي تلزم المحرر عند الشروع في الكتابة أن يكتب باسم الإدارة التي ينتمي إليها و يخضع لقواعد الانضباط بها، و بعبارة أدق فالمحرر الإداري يكتب باسم الإدارة لا باسمه الخاص، فينحاز و يتحرر من الذاتية، فيكتب كتابة خالية من كل انفعال أو عاطفة شخصية، إذ يضع عبارات و صيغ مهذبة تعطي للإدارة هيبتها و احترامها باستعمال الصيغة التشريفية - يشرفني - في كلتا الحالتين قبولا و رفضا، حيث بموجبها يعبر عن شرف و سيادة الإدارة لا عن سرورها و أسفها، أي يسرني، يؤسفني، و على هذا الأساس فالمحرر الإداري لا يكتب باسمه الخاص،إنما يكتب باسم الإدارة، و هي بالطبع شخص  معنوي لا تتأسف و لا تتألم و لا تحز ن و لاتفرح .

    و- البساطة: يقال أن الأسلوب البسيط هو الأسلوب الأحسن و الأصعب، لذلك وجب على محرر الوثيقة الإدارية أن يمتنع عن اللجوء إلى الأسلوب البيروقراطي المعقد، فالهدف ليس إثارة إعجاب القارئ، بل تبليغه الفكرة في أسلوب يتسم بالبساطة، يكون في متناول العامة من القراء.

    ي- الحذر: يمتاز التحرير الإداري بالحذر الذي يعد ميزة لصيقة بسمو   الإدارة و هيبة الدولة، فمبدأ المسؤولية يتنافى تماما مع الخطأ.

    . م- الإيجاز و الوضوح و الدقة: تمتاز المراسلات الإدارية بخاصية الإيجاز و الإطالة فيما يقتضيه المعنى المقصود و الفائدة المرجوة، و عليه فإن المحرر الإداري ينتقي ألفاظا مهذبة في جمل قصيرة و مفيدة، و لا يعني هذا أن الإيجاز ينصب على النص فيجعله وجيزا فاقدا للمعنى و الهدف، فالمقصود من الإيجاز إنشاء نص واضح من كلمات و جمل قصيرة غير مكررة.

    لكي يتحقق هدف المراسلة الإدارية الذي أنشئت من أجله، يتوجب صياغة نصها من كلمات مفهومة و واضحة تقرأ و تفهم من قبل الأشخاص الموجهة إليهم دون عناء و لا تستدعي لفت انتباه الإدارة المنشئة لها لتوضيحها، فالمحرر الإداري مطالب بالكتابة و الرد على رسائل الأشخاص مختلفي المستويات العلمية، الشيء الذي يوجب عليه التعبير بألفاظ بسيطة لا يشوبها غموض، واضحة المعنى و المقصود.

    يتميز كذلك التحرير الإداري بالدقة التي تعني أخذ الحيطة و الحذر في صياغة نص الرسالة من كلمات و أحرف، و محل وجود هذه الأخيرة بأول و وسط و آخر الكلمة من جهة، و ربط الجمل بالفقرات من جهة ثانية .

    ثانيا: نماذج عن وثائق إدارية: Note

     :المذكرة- 1 هي وثيقة إدارية داخلية مؤقتة تتضمن مقررات من الرئيس الإداري إلى مرؤوسيه قصد العمل على تطبيق العليمات و التوجيهات الصادرة بشأن توحيد طرق العمل و تحسينها و تصدر أيضا من المرؤوس الإداري إلى رئيسه لإفادته بمعلومات عاجلة أو آجلة، و للمذكرة أشكال عديدة تتمثل في:

     - مذكرة توجيهية: تصدر عن الرئيس الإداري إلى مرؤوسيه قصد توحيد و تحسين طرق العمل بالإدارة,

    - مذكرة إعلامية: تصدر من الرئيس الإداري للأفراد في شكل إعلان للزوار بخصوص تحديد الزيارات، و تصدر من المرؤوس الإداري إلى رئيسه قصد إعلامه بواقعة معينة.

    - مذكرة مصلحية: تصدر في شكل إعلان من الرئيس الإداري إلى مرؤوسيه، تعني جميع المصالح و الموظفين التابعين لها، كتحديد مواقيت العمل مثال.

    - 2/المنشور la circulaire ::

    هو وثيقة إدارية داخلية تصدر من سلطة إدارية عليا و توجه إلى سلطات إدارية دنيا في شكل مذكرة أو رسالة ترسل إلى العديد من المرسل إليهم، و هي الميزة التي تميز المنشور عن باقي الوثائق الإدارية، فالمنشور يتصف بالديمومة أي أنه غير مؤقت كالمذكرة المصلحية.

    يصدر المنشور قصد تنظيم حالة معينة أو توضيح غموض وارد في نص من  النصوص القانونية، غير أنه لا ينشىء قاعدة قانونية أو يعدلها أو يلغيها .

    - 3 -التقريرle rapport :

    هو وثيقة إدارية داخلية مؤقتة تحرر و توقع و ترفع دائما من المرؤوس إلى الرئيس الإداري، قصد إفادة هذا الأخير بواقعة معينة متبو عة باقتراح أو عدة اقتراحات، تستهدف الحصول على موافقة الرئيس الإداري لاتخاذ تدابير عاجلة أو آجلة.

    أما بخصوص منهجية إعداد التقرير، فإنه يتطلب من المقرر الآتي:

    المقدمة: طرح الأسباب التي دفعت المقرر إلى إعداد التقرير.

    الموضوع: يتناول الدخول مباشرة في الموضوع و ذلك باستعراض القضية المطروحة. الاقتراحات: التي تكون متوافقة مع موضوع التقرير حتى تنال موافقة الرئيس

    . procès verbal ( pv)

    4-المحضر:procès verbal ( pv)هو وثيقة إدارية داخلية لها قوة الإثبات، تدون فيها وقائع قد سمعها أو شاهدها عون مختص من شخص أو عدة أشخاص أدلو بها إراديا بعين المكان أو عند استدعائهم إلى مقرات العمل أو التنقل إلى مكان تواجدهم و تدوين تصريحاتهم في مطبوع رسمي يوقع عليه المعنيون.

    5 - /البرقية و التلكس:  البرقية رسالة ترسل بواسطة البرق من مكتب بريد إلى آخر، و تتميز بميزة واحدة أساسية و هي إيجاز نصها إلى حد كبير، و تحرر البرقية لتوصيل أخبار هامة بشكل عاجل، سواء كانت حسنة أو سيئة. يعتبر التلكس مثل البرقية تماما، و يتطلب إرسال التلكس وجود جهازين، الأول للإرسال و الثاني للاستقبال، بحيث إذا رقن النص في جهاز الإرسال تلقاه جهاز الاستقبال و نسخه، و تتوافر أجهزة التلكس لدى الشركات الكبرى لانها وسيلة هامة لاستقطاب الأخبار بأقصى سرعة مما يسمح باتخاذ القرارات اللازمة في أقصر مدة.

    . 6 –المداولة: هي وثيقة إدارية داخلية، تصدر من مجلس و تتضمن مواضيع مختلفة، اقتصادية و اجتماعية أو ثقافية، يعرض موضوعها في شكل تقرير معلل - بيان أسباب – على المجلس في اجتماعاته العادية أو الاستثنائية و بحضور أغلبية أعضائه، فيناقشه، إما أن يرفضه أو يعدله أو يصادق عليه، و عند المصادقة من المجلس بالأغلبية، تحرر مداولة في شكل محضر جلسة، يبين فيها عدد الحاضرين و الغائبين في المجلس، و المصوتين بنعم أو لا و  الممتنعين، ثم توقع.


  • This topic

    فلسفة القانون

    د/ هامل: مقياس منهجية العلوم القانونية " فلسفة القانون".

    الأهداف التعليمية:

    - يتمكن الطالب من خلال دراسة هذا المقياس من اكتساب مهارات ومؤهلات تمكنه من إدراك عالمنا، وتحديد الطبيعة التي على أساسها أسس القانون، ومعرفة التيارات والمواقف الفلسفية في الأفكار، والنظريات التي طرحت في ميدان علم القانون، وبيان موقفه الفكري منها.

    المحاور الأساسية للمقياس:

    - المحور الأول: أصول القانون ومقاصده.

    - المحور الثاني: المذاهب الشكلية.

    - المحور الثالث: المذاهب الموضوعية.

    - المحور الرابع: المذاهب المختلطة.

    - المحور الخامس: تفسيير القانون.

    إن القضايا التي تشملها عادة عبارة فلسفة القانون، تحضى باهتمام الحقوقي المهتم بأساس دراسة القانون الوضعي وقيمته، وذلك لمعرفة مدى تقدم الفكر الانساني في إنشاء القانون وصياغته.

    - المحور الأول: أصول القانون ومقاصده.

    المطلب الأول: تعريف فلسفة القانون. 

             لقد قيل إن محاولة لتعريف فلسفة القانون لا جدوى منها ووقت ضائع، لأنه تحت لواء هذه التسمية تعددت الدراسات واختلفت مضامينها كلما زاد التعمق فيها. ولكن ألا تسعفنا في هذا المجال التسمية نفسها التي أوجدها لأول مرة عام 1821 الفيلسوف الألماني هيغل، وتكون "فلسفة القانون" هي الفلسفة المطبقة على القانون؟.

              هذا الرأي يمكن أن يكون مقبولا إذا صدر عن الفلاسفة، إلا أن هناك من القانونيين من يؤيد هذا الاتجاه فالأستاذ البلجيكي هيزر يرى أن فلسفة القانون "... هي الفلسفة في نطاق القانون مفهوما للعالم فأي عرض مقنع وعلمي لفلسفة وحدهم مختصون بفلسفة القانون باستثناء القانونيين، ففلسفة القانون ليست بفرع من فروع القانون... ولا هي بعلم وسيط بين القانون والفلسفة، وميدانها يقتصر على الفلسفة فقط.

             إلا أن مثل هذا الاتجاه ضعيف في الأساس الذي يقوم عليه وبالتالي خاطئ في النتائج التي يتوصل أو يعتقد التوصل إليها، فكلمة "فلسفة" تعني المعرفة العقلية، العلم بالمعنى العام للكلمة.

             فالفلسفة إذن هي دراسة متعمقة لفرع من فروع المعرفة البشرية ومنها القانون، فمحاولة إدراك طبيعة القانون الوضعي هي عمل فلسفي، فماذا يعني "التفلسف" غير محاولة فهم الواقع عن طريق التفكير.

            حين ينصب مثل هذا التفكير أو الدراسة المتعمقة على القانون فيكون من المنطقي، بل من الطبيعي أن يقوم بها المشتغلون بالقانون، فهي إذن من ميدان الدراسات القانونية أولا وأخيرا، ففي دراستنا لأساس القانون وطبيعته، لا ننطلق ولا يمكن أن ننطلق من " نظام فلسفي" معين، بل من استقراء الواقع القانوني للقانون انطلاقا من معطيات القانون الوضعي، وخير من يقوم بهذه المهمة هم القانونيين وحدهم،

               فلسفة القانون إذن هي في نطاق القانون لا الفلسفة بل هي كما قيل القانون الوضعي حين يكون محلا لفكر.تأملي.

             حقيقة أن القانوني حين يرجع إلى أسس القانون ويحاول أن يحدد طبيعته لا يمكن أن يبقى بمعزل عن التفسيرات أو "الاختيارات" الرئيسية التي طرحت لفهم أو لإدراك عالمنا، كما أنه لا يمكن أن يجهل أو يتجاهل مقدار تأثير هذه التيارات أو المواقف الفلسفية في الأفكار والنظريات التي طرحت في ميدان علم القانون، والقانوني إنسان وبالتالي لا يمكن أن نعزل مفهومه للقانون عن مفهومه للعالم والحياة وإذا كانت الفلسفة في الواقع تفكيرا في الإنسان ومصيره، فإن القانوني لا يمكن أن يتجاهلها لذا فإن كل نظام قانوني يتضمن موقفا فلسفيا في الحقيقة يسلم به المشرع لا بل إن بعض الحلول القانونية داخل النظام القانوني داخل النظام القانوني الواحد يمكن أن تكون محل مواقف فكرية متباينة، يكفي أن نسوق على سبيل المثال الحلول القانونية المتعلقة بالإجهاض، والطلاق، والتبني في النظام القانوني الفرنسي.

    لكن هذا لا يعني أن القانوني يخرج من ميدان القانون، أو من ميدان الدراسة القانونية حين يؤصل لموضوع دراسته، ما دام قد انطلق من القواعد القانونية، أو من الأنظمة القانونية محور مشاهدته واستقرائه، وحتى المشتغلون بالعلوم الطبيعية أو الرياضية لا يمكنهم إلا أن " يتفلسفوا " بهذا المعنى، وبالتالي لا يمكن أن يقال أنهم خرجوا من نطاق علمهم وأصبح هذا الأخير من اختصاص "الفلاسفة"، كما أن هذا لا يعني أيضا أن الفلسفة قادرة على أن تقدم تعريفا للقانون ففي أغلب مؤلفات "الفلاسفة" عن القانون نجد الفلسفة فيها أكثر من القانون، ومن الجائز أنهم لم يفتحوا مدونة أو مجموعة أحكام قضائية أو حتى كتابا في القانون.

            إلا أنه في هذا المجال ... يقول العميد دابا، يصنع القانون ويكون محل تفكير في تجربة معاشة تدعو إلى التأمل أولا، أولئك الذين اختاروا مهنة القانون.

           ويقول العميد ربير: "ليس المطلوب أن يفسر القانون بالفلسفة بل أن نرى ما يمكن أن نجد من فلسفة في القانون.

           وعليه فإن موقف الفلاسفة من القانون لا يمكن أن يغير صفة "فلسفة القانون" فالفلاسفة الذين انطلقوا من "نظام فلسفي" معين أي من تفسير طرحوه للعالم، حاولوا أن يدخلوا القانون في هذا "النظام" لكي يكتمل "تفسيرهم للحياة" وحاولوا بناء عليه، أن يقدموا مفاهيم وتصورات عن القانون تنسجم مع أنظمتهم الفكرية.

            وموقف كهذا لا يمكن إلا أن يشوه دراسة القانون وتعميقه ونقول " فلسفة القانون" بالمعنى الدقيق لأنه يعطيها طابعا "ايدولوجيا" معينا ينسجم مع معتقدات وأفكار الفيلسوف الذي عرج على القانون وهكذا فعل، مثلا أفلاطون، أرسطو، توما الاكويني، كانط وهيغل وحتى ماركس.

    فهؤلاء الفلاسفة لم يهتموا بمعرفة القانون بذاته أو في طبيعته أو في الأسس التي يقوم عليها، ولم يحاولوا أن يحددوا الظاهرة القانونية بقدر ما اهتموا بالقوانين العادلة وغير العادلة، وبتصورات عن القانون دون أن يركزوا الجهد على دراسة حقيقته وواقعه، فكانت بهذا المعنى "فلسفات" عن القانون.

              إلا أن مثل هذه الاهتمامات كانت قد سبقت تأريخي الاهتمام الحديث بدراسة أساس وطبيعته بعيدا عن "الفلسفة" وأحكامها القيمية وعن أنظمتها ومواقفها الذاتية بيد أن الحقيقة تقضي بأن تكون معالجة فلسفة القانون انطلاقا من القانون لا من الفلسفة، يعالجها المشتغلون بالقانون لا الفلاسفة.

           فما نحتاجه إذن في معالجة "فلسفة القانون" هو قانوني – فيلسوف، إن صح التعبير وليس فيلسوفا- قانونيا، فالأول هو أدرى وأكثر تأهيلا لمعالجة الموضوع من الثاني الذي هو طارئ على القانون وبالتالي على "فلسفته"!

            شاع استخدام عبارة فلسفة القانون منذ بداية القرن التاسع عشر وبخاصة بعد صدور مبادئ فلسفة القانون للفيلسوف الكبير هيغل.

          وحتى وقت قريب كانت فلسفة القانون تمارس بصورة مختلفة بحسب البلد. وفي فرنسا كان دور فلسفة القانون لفترة طويلة ضعيفا.

    يقصد بفلسفة القانون عموما البحث في الموضوعات الأشد عمومية في مجال القانون، وهي مجال واسع لبحث الموضوعات الأكثر أهمية في مجال القانون مثل أساس الإلزام في القانون ويقصد بذلك بحث مسألة العدل والعدالة وأغلب موضوعات مادة المدخل إلى القانون التي تدرس في السنة الأولى بكليات الحقوق في جامعاتنا تنتمي فعلا لمجال فلسفة القانون.

            وتنقسم فلسفة القانون إلى عدد من المباحث هي الوجود القانوني والقيم القانونية والمعرفة القانونية ويضيف إليها البعض علم الاجتماع القانوني.

            ويبيح الوجود القانوني في تعريف القانون وأساس إلزامه. وهنا يجري التمييز عادة بين النص القانوني الصادر عن المشرع، وبين القانون المجرد أو الموضوعي الذي يشير إلى معنى العدل الأسمى، والقيم القانونية التي هي المبادئ والمثل .

    -  هل هي العدل مثلا أم الأمن والاستقرار أم الحرية أم كلها معا. ومــــــــــــــــــــــــــــــا المقصود بكل منها؟.

             والمعرفة القانونية هي الوسائل التي يمكن بها التعرف على القانون: هل هي مجرد العقل أم التجربة والملاحظة، وما هي أدوات المعرفة القانونية. أما علم الاجتماع القانوني فيبحث في العلاقة بين القانون والمجتمع.

    وتتعدد مدارس أو مذاهب فلسفة القانون بتعدد الحضارات الإنسانية وأنساقها الثقافية.

    ولعل أهم مقابلة بين مذاهب فلسفة القانون هي تلك التي تجرى بين مذاهب القانون الطبيعي وفلسفة القانون الوضعية والفلسفة الاجتماعية في القانون ومذهب المادية التاريخية.

    المطلب الثاني: لماذا فلسفة القانون.

    الفرع الأول: ما هي فلسفة القانون.

    في البداية لنعرّف العبارة. ماذا تعني الكلمة؟ الفلسفة في الاشتقاق اليوناني الأصلي تعني " حب المعرفة"، منذ القدم والإنسان يمارس هذا النشاط الفكري الذي يصعب تحديده، لا أحد استطاع إيجاد تحديد واضح ونهائي للفلسفة لأن المسألة مرتبطة بفكر كل فيلسوف أو كاتب وبمنهجه، يمكننا اقتراح التعريف التالي: الفلسفة هي معرفة شاملة تطمح إلى تقديم تفسير شامل للعالم وللوجود الإنساني، كما هي أيضا تساؤل بامتياز حول كافة أمور الحياة.

             أم أهدافها فهي بنظر البعض البحث عن الحقيقة، أو عن الخير بنظر البعض الآخر أو عن الجمال. وأيضا عن معنى الحياة والسعادة. الفلسفة هي التفكر الدائم وعرض الأفكار على الآخرين المعارضين لأفكارنا بهدف إثارة الجدل. الفلسفة هي أيضا خلق المفهومات وتحليلها.

    لماذا الفلسفة؟

    في العصور القديمة كانت المعارف مندمجة في بعضها البعض تحت إشراف أم العلوم ونعني الفلسفة التي كانت تمثل في آن العلوم الصحيحة والعلوم الإنسانية بمجملها: الرياضيات، الفيزياء، الكيمياء، التاريخ، الجغرافيا، التربية، الشعر، أضف إلى ذلك قيم الجمال والحسن والأخلاق والعدل...الخ، كان ينبغي أن يلم الحكيم بكل هذا كي يدخل باب الفلسفة الملوكي.

    الفرع الثاني: العلاقة بين الفلاسفة والقانون؟

    لا يحب الفلاسفة لا القانون ولا العاملين في القانون لأنهم مثاليون يتطلعون إلى مدينة فاضلة لا نزاعات فيها ولا محاكم، هذا هو رأي فيلسوف القانون شارل برلمان: قلة نادرة هم الفلاسفة الذين يحفظون مكانا لصيرورة صناعة وتطبيق القانون لأن الفلاسفة، تقليديا، يبحثون في الحقيقة، في الكينونة، في الخير وفي العدل المطلق، وهكذا فهم يصبون إلى بناء منظومة نظرية ومثال اجتماعي يعفي البشر من اللجوء إلى التقنيات القانونية.

    الفقرة الرابعة: القانونيين والفلاسفة

    من الشائع أن الفلسفة بعيدة بامتياز عن مجال القانون، أي أن العاملين في القانون ( قضاة، فقهاء، ومحامون) نادرا ما يشعرون بالحاجة لبلورة أفكار فلسفية لدعم حججهم، ويعتقد أن الانتماء الوضعي ( الانتماء إلى المذهب الوضعاني) لكبار فقهاء القانون ( جيز، دوغي، باتيفول...) كان يمنعهم من الإفراط في إدخال تحاليل فلسفية، ولكن إذا نظرنا إلى هذا الأمر بعمق لوجدنا أن الفلسفة ليست غائبة إطلاقا عن مقاربتهم للقانون

    سواء تمَّ التعبير عن ذلك صراحة أم لا فإن الفلسفة هي الحاضر دوما في أي نص قانوني وفي أي مجال اختصاصي: قانون مدني، جزائي، تجاري، الفلسفة حاضرة في أي نص متعلق بالإفلاس ومفاعليه على سبيل المثال، بالقتل عمدًا، بالقبول الضمني في العقود....الخ.

    سواء في صياغة القاعدة القانونية أم في الأحكام الصادرة عن المحاكم مكان الفلسفة محجوز ؟ أو ليس العدل هو غاية القانون، وإن كانت مقاربته مختلفة من شخص لآخر.

    المطلب الأول: دراسة فلسفة القانون.

    فمنذ بداية القرن التاسع عشر الأوروبي بدأ الكلام وبدأت المؤلفات عن فلسفة القانون، فصدر عام 1823 مؤلف الفقيه الانجليزي أوستن: "محاضرات في علم القانون أو فلسفة القانون الوضعي".

    وخلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر ظهر العديد من المؤلفات في "النظرية العامة للقانون" ثم تراكمت المؤلفات في "فلسفة القانون".

    وتحتل فلسفة القانون مكانا مرموقا في مناهج كبرى الجامعات الأوروبية في اسبانيا وايطاليا وألمانيا والنمسا وهولندا وفي انجلترا وتكون غالبا تحت اسم "علم القانون".

    وزاد الاهتمام بفلسفة القانون بشكل ظاهر بعد الحرب العالمية الثانية،أما في فرنسا فإن القانونيين لم يهتموا لفترة طويلة بفلسفة القانون ولم يتناولوها إلا بشكل عارض، الأمر الذي حدا بأحد كبار القانونيين وهو "الفونس بواتيل" أن يعلن في محاضراته في فلسفة القانون التي نشرها عام 1899، أن استبعاد هذه المادة من مناهج الجامعات أمر غير طبيعي بالنسبة للتعليم العالي.

    الفرع الأول: مناهج فلسفة القانون

    طرح المشكلة: كل بحث في القانون يتضمن مستويات مختلفة تميزها درجة التعمق في مسائل القانون، وفي المستوى الأول يقضي المنهج السليم في البحث مواجهة القانون ككل بانتظار دراسة أجزائه، أي إعطاء صورة واضحة عن القانون تاركين التفاصيل والمتغيرات ومتجهين صوب الثوابت والأسس المشتركة.

    فالدراسة الأولى للقانون تتضمن، إذن إعطاء الأفكار والمفاهيم والمبادئ الأساسية والوسائل التي تساعد على فهم أقسام وفروع القانون الأساسية وكل ذلك سيكون من ميدان " المدخل إلى القانون".

    وعند التعمق في دراسة الأفكار والمبادئ والمفاهيم والنظريات القانونية التي تكونت عبر الزمن وعبر مواقف فكرية ومذهبية متعددة، وكل ذلك انطلاقا من معطيات القانون الوضعي، نكون قد انتقلنا إلى مستوى أعلى في معرفة القانون تبدأ من حيث ينتهي علم القانون الوضعي. في حين ان فلسفة القانون هي امتداد لعلم القانون.

            إن فلسفة القانون لا يمكن أن تكون غير مرحلة أو مستوى متقدم في تعميق علم القانون ومفاهيمه الأساسية فمع فلسفة القانون نبقى إذن في علم القانون الوضعي ومنه ننطلق لنصل إلى مستوى آخر لفهم القانون وإذا كان هناك من استقلال لفلسفة القانون عن علم القانون الوضعي فهو استقلال في الدرجة، وفي المستوى البحثي وليس في طبيعة المشاكل محل المعالجة فعلم القانون وفلسفة القانون مستويان في البحث لفهم النظام القانوني: الفلسفة تعميق لبعض جوانبه ولمشاكله الكبرى وليس نظرة فوقية تعلو عليه وتنفصل عنه.

             إلا أن البعض يعتقد أن هذه المهمة من اختصاص "النظرية العامة للقانون" ما دمنا في إطار القانون الوضعي والنظام القانوني، لكن التمييز بين النظرية العامة للقانون وفلسفة القانون ليس إلا مسألة تعوزها الدقة، في الرؤية لأنهما وجهان لحقيقة واحدة فإذا استعرضنا ما كتب تحت عنوان " النظرية العامة للقانون" نجد أنه ضمن فلسفة القانون في الحقيقة سواء من حيث طبيعة المشاكل محل المعالجة أم من حيث منهج تناولها.

    ومهما اختلف تناول الكتاب لمسائل فلسفة القانون فإنها يمكن أن ترد في آخر الأمر إلى مسألتين جوهريتين: أساس القانون وطبيعة القانون.

    المذاهب الفلسفية وفكرة القانون.

            يقصد بمذاهب الفلاسفة في مجال علم القانون تلك الأفكار التي طرأت في زمن معين ومكان محدد باعتبارها آراء خاصة بكل منهم، فعبروا عنها وناقشوها في حوار جاد مثمر أدى إلى إثرائها والاقتناع بها.

           وقد تحولت هذه الآراء إلى نظريات علمية، ونتج عن تطبيقها في عدة مناطق وأماكن وفي أزمنة مختلفة ومتباعدة أن أصبحت مذهبا فلسفيا قابلا للتطبيق في مجتمعات أخرى.

           ونتيجة لاستمرارية التفكير الإنساني، قد يقوم هناك مذهب آخر يعارض المذهب السابق أو يعدله أو يضيف له مبادئ جديدة.

            من خلال كل ذلك، سنتطرق إلى هذه المذاهب والاتجاهات الفلسفية المختلفة، بدءَ بالمذاهب الشكلية، ثم المذاهب الموضوعية وأخيرا المذاهب المختلطة.

    المحور الثاني: المذاهب الشكلية.

    هي المذاهب التي تكتفي بالمظهر الخارجي للقاعدة القانونية، فلا تنظر إلا إلى الشكل الذي تخرج به هذه القاعدة إلى الوجود في صورة ملزمة ولذلك فهي ترجع تكوين القاعدة القانونية إلى السلطة التي اكتسبت هذه القاعدة عن طريقها قوة الإلزام في الحياة العملية إذن فهي تربط بين القانون والسلطة التي تكسبه قوة الإلزام في العمل

    وقد نادى بهذه المذاهب الشكلية كثير من الفقهاء والفلاسفة اتفقوا جميعا من حيث المبدأ، وهو رد القانون إلى إدارة الحاكم، أو السلطان مع خلافات بسيرة في بعض الجزيئات لا تحل ولا تنقص من اتفاقهم على المبدأ ومن هؤلاء الفلاسفة والفقهاء.

    1/ مذهب أوستن:

    الفيلسوف الإنجليزي شغل منصب أستاذ في فلسفة القانون في جامعة لندن في النصف الأول من القرن 19 استمد مذهبه من نظريات الفلاسفة اليونان منذ القدم إذ كانوا يرون أن القانون مبدأ للقوة كما تأثر بما جاء به الفقيه الإنجليزي "توماس هوين" من أن القانون ليس طلبا ولا نصيحة وإنما هو أمر صادر عن حاكم بل القانون هو إدارة الحاكم أو السلطان الذي له السيطرة المطلقة إلا أن له الفضل في سياقة هذه الأفكار بشكل نظري والفكرة التي تقوم عليها مذهب أوستن بحيث عرف القانون بأنه أمر أو نهي يصدره الحاكم إسنادا إلى سلطة السياسية ويوجه إلى المحكومين ويتبعه جزاء ومن هذا التعريف يتبين أنه لكي يوجد قانون لابد من توفر ثلاث شروط:

    1/وجود حاكم سياسي: فالقانون في نظر أوستن لا يقوم إلا في مجتمع سياسي يستند في تنظيمه إلى وجود هيئة عليا حاكمة لها السيادة السياسية في المجتمع وهيئة أخرى خاضعة لما تصدره الهيئة الحاكمة من أوامر ونواهي .

    2/وجود أمر أو نهي: القانون في منظور ليس مجرد نصيحة أو إرشاد للأفراد إن شأوا التزموا به أو خالفوه بل هو أمر ونهي لا يجوز مخالفة وقد يكون صريحا أو ضمنيا. وكذلك بالنسبة لقواعد قانون العقوبات أحيانا تقتصر على تحديد العقوبة التي توقع على من يرتكب جريمة معينة وهي بذلك لا تصدر في صيغة أمر او نهي ولكنها ضمنيا تأمر بعدم ارتكاب الجرائم أو تنهي عنها

    وجود الجزاء : فكرة الجزاء لدى أوستن هي فكرة جوهرية في القاعدة القانونية بغيرها لا توجد القاعدة القانونية فالحاكم السياسي له من القوة والسلطة ما يمكنه من فرض إدارته على المحكومين عن طريق الجزاء على من يخالفه.

    النتائج المترتبة عن مذهب أوستن:

    1- إنكار صفة القانون على القانون الدولي العام لأنه يرى بأن جميع الدول متساوية في السيادة ولا توجد في المجتمع الدولي سلطة عليا فوق سلطة الدول توقع الجزاء على الدول التي تخالف القواعد القانونية وعلى هذا الأساس يعتبر أوستن أن قواعد القانون الدولي ما هي إلا مجرد مجاملات تراعيها الدول في سلوكها فيما بينها.

    2- إنكار صفة القانون على القانون الدستوري: لأن قواعد القانون الدستوري هي التي تبين شكل الدولة ونظام الحكم فيها والسلطات العامة داخل الدولة وعلاقتها بعضها ببعض كما تبين حقوق الأفرادالسياسية وحرياتهم والمقومات الأساسية للمجتمع، وعليه فإن قواعد القانون الدستوري هي قواعد بمحض اختياره، وبما أنه هو الذي يصدر هذه القواعد، فهو يستطيع دائما مخالفتها لأنها من ناحية ليست صادرة من سلطة أعلى منه ومن ناحية أخرى غير مقترنة بجزاء يوقع في حالة مخالفته، لأنه لا يعقل أن يوقع الحاكم الجزاء على نفسه على هذا الأساس يرى أوستن أن قواعد القانون الدستوري ماهي إلا مجرد قيود أو قواعد الأخلاق الوضعية على حد تعبيره تنظم علاقة الحاكم بالأفراد لم تلزمه بها سلطة أعلى منه.

    3- جعل التشريع هو المصدر الوحيد لقواعد القانونية باعتباره يتضمن أمرا أو نهيا يصدره الحاكم إلى المحكومين وعدم الاعتراف بالمصادر الأخرى كالعرف مثلا لأنه لا يصدر من الحاكم إلى المحكومين وإنما ينشأ من إتباع الناس سلوك معين ومنا طويل مع شعورهم بالتزاميته .

    4- وجوب التقيد في تفسير نصوص القانون بإدارة المشرع وقت وضع هذه النصوص وعدم الأخذ بما يطرأ بعد ذلك من ظروف جديدة لأن العبرة بإرادة الحاكم وقت وضع النص ولا عيره يتغير الظروف .

    النقد الموجه لأوستن :

    - يخلط بين القانون والدولة وكذلك بين القانون والقوة .

    - يؤخذ عنه أن التشريع المصدر الوحيد .

    - إنكاره للقانون الدولي العام .

    - إنكاره للقانون الدستوري

    - يؤخذ عليه التعبير بإدارة المشرع وقت وضع النصوص .

    02/مذهب الشرح على المتون:

             يختلف مذهب الشرح على المتون عن مذهب أوستن لأنه لم يكن نتاج رأي فقيه واحد وإنما كان ثمرة لأراء مجموعة من الفقهاء الفرنسيين الذين تعاقبوا خلال القرن 19 على فكرة تجميع أحكام المدني الفرنسي في مجموعة واحدة أطلق عليها " تقنين نابليون"، وكذلك يختلف مذهب الشرح على المتون عن مذهب أوستن في أن فقهاء مذهب الشرح على المتون ليسوا هم الذين نادوا بهذا المذهب، ذلك أن هذا الأخير ما هو إلا مجرد طريقة تفسير وشرح القانون أستخلص منها الفقهاء في أوائل القرن 20 المبادئ والأسس التي قام عليها هذا الأسلوب بالشرح والتفسير، وساقوا منها مذهبا له مميزاته الخاصة، وحددوا أسماء الفقهاء الذين ساروا على هذا الأسلوب ،وأطلقوا عليه اسم مذهب أو نظرية الشرح على المتون نظرا لطريقة التي سار عليها هؤلاء الفقهاء في شرح تقنين نابليون مثنا متنا وبنفس الترتيب الذي وردت به هذه النصوص في التقنين، وقد سميت المدرسة التي تكونت من فقهاء الشرح على المتون " بمدرسة التزام النصوص" والأسس التي تقوم عليها مذهب الشرح على المتون على أساسين هما:

    1- تقديس النصوص التشريعية: لقد أحدثت تقنيات نابليون جوا من الإبهار والإعجاب دفعت برجال القانون إلى قصر مفهوم القانون على المدونات التي يتم الإعلان عنها رسميا من طرف أجهزة الدولة فالتقنين أصبح هو الوجه المعبر للقانون وإدارة المشرع هي الترجمان الوحيد لإدارة الدولة ولعل السبب في تقديس فقهاء الشرح على المتون للنصوص القانونية يرجع إلى أن النظام القانوني السائد في فرنسا قبل صدور التقنين المدني الفرنسي الذي عرف باسم تقنين نابليون يختلف من الشمال إلى الجنوب فقد الجزء الشمالي يخضع لنظام قانوني أساسه قواعد العرف والتقاليد بينما الجزء الجنوبي يخضع لنظام قانون مستمد من القانون الروماني وقد كان توحيد القانون بلورة تقنين جديد شامل جامع ومانع أمل رجال الثورة الفرنسية، غير أن هذا الأمل لم يتحقق إلا في عهد نابليون بصدور تقنية المعروف باسمه، وقد قال تقنينه " إن القانون الوضعي مهما بلغ من التطور، والدقة لا يمكنه حل محل العقل الطبيعي " مشيرا بذلك إلى محدودية التقنين وقصوره عن الإتعاب الكامل للظواهر القانونية، ونظرا للمزايا الكبيرة التي حققها هذا التقنين بتوحيده لنظام القانوني في فرنسا، فقد شعر رجال القانون بعاطفة قوية تدفعهم إلى احترام وتقديس هذا التقنين باعتباره المصدر الوحيد للقانون، فهو بنظرهم قانون شامل كالكتاب المقدس قد أحاط بكل شيء مما جعلهم يتبعون في شرح هذا التقنين الطريقة التي تتبع في شرح الكتب المقدسة، وهي شرح نصوصه نصا بعد نص.

    2- اعتبار التشريع هو المصدر الوحيد للقانون: ذلك أن النصوص القانونية في منظور فقهاء مذهب الشرح على المتون تتضمن جميع الأحكام القانونية وتضع جميع الحلول لشتى الحالات وبذلك يعتبر التشريع هو المصدر الوحيد للقانون باعتباره المعبر عن إدارة المشرع ولقد ترتبت نتائج على هذا المذهب وهي

    أ-التزام القاضي بأحكام النصوص التشريعية إذ لا يجوز له الخروج عنها أو المسار بها نظرا لقدوسيتها فمهمته تتمثل في الحكم بمقتضى القانون وليس الحكم على القانون .

    ب- إذا عجز الشارع عن استخلاص قاعدة ما من النصوص التشريعية فإن اللوم والعيب في المشرع ذلك لأن التشريع يحوي جميع القواعد والمبادئ اللازمة في جميع الحالات .

    جـ- وجب الخضوع إلى نية وإرادة المشرع وقت وضع النصوص وهذا عند تفسير وشرح النصوص التشريعية .

    النقد الموجه لمدرسة الشرح على المتون هي:

    - أنه يعتمد على التشريع كمصدر وحيد للقانون.

    - الاكتفاء بإدارة المشرع وقت وضع النصوص .

    - تقديس النصوص يؤدي إلى النزعة الاستبدادية .

    03/مذهب هيجل:

    وهو فيلسوف ألماني وأستاذ له عدة مؤلفات منها كتابه الذي صدر سنة 1821 م بعنوان " مبادئ فلسفة القانون " يرى هيجل أن الدول الحقيقية الواقعية هي التي توقف في حسم التناقض الأساسي بين الوجدان الفردي والمصلحة العامة، فالدولة وفق فلسفة هيجل هي تجسيد لإرادة الإنسان، وحريته فلا أساس ولا شرعية للقانون، إلا إذا كان صادرا عن الدولة فالقانون هو إرادة الدولة سواءا في الداخل أو الخارج، ففي الداخل لا يمكن للمجتمع أن يرقى في مصاف الدولة، إلا إذا اندمج الأفراد في كيان الدولة فتذوب إرادتهم وحريتهم داخل الكيان من أجل تحقيق صالح عام يبغي أن يكون قاسما مشتركا بين الأفراد، وهذا يقتضي خضوع الأفراد المطلق للدولة ويقتضي أن تكون سيادة الدولة واحدة لا تتجزأ تتجسد في شخص واحد له السلطان المطلق وقراره واجب النفاذ باعتباره معبر عن الإدارة العامة التي تذوب في وحدتها جميع الاختلافات، أما في الخارج فطالما أن جميع الدول متساوية في السيادة، وطالما أنه لا توجد سلطة عليا تختص في الفصل في النزاعات التي تنشئ بين الدول، إذ أن الحرب هي الوسيلة الوحيدة لتنفيذ إدارة الدولة في المجتمع الدولي، وحل النزاع يكون لصالح الدولة الأقوى طبقا لمبدأ البقاء للأقوى.

    والنتائج المترتبة عن هذا المذهب هي :

    1- / تدعيم وتبرير الحكم الاستبدادي المطلق طالما أن إدارة الحاكم هي القانون الواجب النفاذ .

    2- /اعتبار التشريع هو المصدر الوحيد للقانون باعتباره هو المعبر عن إرادة الحاكم.

    3- / لا مجال للاعتراف بقواعد القانون الدولي فالقوة وحدها هي السبيل الوحيد لتنفيذ رغبات الحاكم وفض النازعات، كذلك الشأن بالنسبة لقواعد القانون الدستوري فالحكم له السلطان المطلق في علاقته مع الأفراد .

    أما فما يخص النقد الموجه لهيجل هو: 

    -الإدعاء بوجود مصدر وحيد للقانون هو التشريع.

    -التوحيد بين إدارة الحاكم المعززة بالقوة وبين القانون يؤدي إلى الاستبداد المطلق لكونه 

    ألماني يريد إعطاء الشرعية حتى يسيطر الشعب الألماني على العالم .

    04/مذهب كلسن :

         كلسن فيلسوف نمساوي اشتغل منصب أستاذ في مادة فلسفة القانون بجامعة فينا سنة 1917 كون مذهبا عرف بـ :" النظرية الصافية "، ووفقا لكلسن يجب أن يقتصر علم القانون على دراسة السلوك الإنساني مجرد من الاعتبارات، والضوابط الأخرى التي هي من اختصاص علوم أخرى كعلم الاقتصاد والسياسة …إلخ، فالنظرية الصافية للقانون تبحث في تحديد، ما هو القانون وكيف يتكون غير مبالية بما يجب أن يكون عليه.

    الأسس التي يقوم عليها مذهب أوستن هي :

    أ‌/- استبعاد جميع العناصر غير القانونية: يرى كلسن وجوب استبعاد كافة العوامل الغير قانونية كالعوامل الاجتماعية والاقتصادية والمبادئ الأخلاقية والمفاهيم السياسية، وغيرها فالقانون البحت يجب أن يقتصر في دراسته على القانون، كما هو والبحث عن صحة صدوره من الهيئة أو الشخص صاحب الاختصاص والتحقيق من مدى إتباعه، كما حددته السلطة المختصة، أو عدم إتباعه دون البحث في مضمونه إذ كان عادلا أم لا متفق مع مصلحة الجماعة أم غير ذلك إن البحث يتضمن أسباب نشأة القواعد هل هو من اختصاص علماء الاجتماع والسياسة والتاريخ فالقانون حسب كلسن هو مجموعة الضوابط القانونية ويتكون من قواعد قانونية عامة وفردية .

    ب‌- وحدة القانون والدولة: القانون ليس تعبيرا عن إرادة الدولة وليست الدولة صانعة للقانون بل القانون هو الدولة والدولة هي القانون والقانون هو مجموعة إرادات في شكل هرمي إذن فالقانون هو نظام هرمي كل قاعدة تحيا وتستمد شرعيتها وفعاليتها من القاعدة الأعلى منها وصولا إلى نظام القانون هو الدولة فالدولة ليست شخص معنوي بل هي مجموعة من القواعد القانونية وفق تدرج تسلسلي يبدأ من الأوامر الفردية أو القرارات وصولا إلى الدستور الذي هو النهاية الحتمية والسامية لهذه القواعد، أي الدستور وما يتفرع عنه من قواعد قانونية هي الدولة إلا أن كلسن لا يعتبر هذا النظام القانوني دولة إلا بوجود جهات مركزية مختصة بالتعبير عن القواعد القانونية التي تكون منها هذا النظام القانوني وتطبقها عن طريق الإلزام وعلى هذا النحو يدخل كلسن في هذا النظام القانوني الهرمي جميع الضوابط القانونية سواء كانت تتعلق بالنشاط الخاص بالأفراد أو النشاط الإداري أو باستعمال القوة الجبرية مثل المحضر القضائي عمله تعبير عن إرادة الدولة إذ هو مكلف تنفيذ حكم قضائي صادر من القاضي تطيقا لقاعدة عامة وضعها المشرع ومن أهم النتائج المترتبة على هذا المذهب هي :

    * رفع التناقض بين اعتبار القانون إرادة الدولة وبين ضرورة تقيد الدولة بسلطان القانون. 

    *وحدة القانون وعدم جواز تقسيمه إلى قانون عام وخاص .

    النقد الموجه لكلسن هو :

    * أنه يخفي مشكلة أساس القانون(لم يتمكن من إسناد الدستور إلى قاعدة أعلى منه).

    * دمج الدولة في القانون (أغلب الدساتير تنص على وجوب تقيد سلطة الدولة).

    -التشريع المصدر الوحيد.

    -أقفل قواعد القانون الدولي.

    -القول بوجود قواعد قانونية فردية.

    -تجريد القانون من كافة العناصر والعوامل غير القانونية .

    المحور الثالث:المدرسة الموضوعية.

                إذا كانت المذاهب الشكلية تهتم بالجانب الشكلي الذي ظهرت فيه القاعدة القانونية، فإن المذاهب الموضوعية تنظر إلى جوهر القانون و موضعه، وذلك عن طريق تحليله من الناحية الفلسفية والاجتماعية للتعرف على طبيعة وكيفية نشأته.

        وظهرت في هذا الإطار اختلافات، فالبعض اتجه نحو المثل العليا في تكوين القاعدة القانونية والعدالة الإنسانية كأساس للقانون وهو ما يطلق عليه بالاتجاه المثالي، في حين اتجه البعض الآخر إلى النظر نحو الحقائق الواقعية الملموسة التي تسجلها المشاهدات والتجارب العلمية وهو ما يعلق عليه بالاتجاه الواقعي .

    المبحث الأول: الاتجاه المثالي.

              يجمع الفقه على أن هذه المدرسة تتلخص في اتجاهين هما: مذهب القانون الطبيعي قديمه وحديثه المطلب الأول، ومذهب القانون الطبيعي المتغير المطلب الثاني.

    ·       مذهب القانون الطبيعي: القديم والحديث.

    الفرع الأول: مذهب القانون الطبيعي القديم.

            لقد عرف الإنسان منذ القدم أن هناك قانون أسمى من القوانين الوضعية و هذه الفكرة تعبر عن نزعة الإنسان إلى الكمال، و هي ليست من صنع الإنسان بل هي قواعد أبدية ثابتة أودعها الله في الكون ليستنبط الإنسان قواعده بحركات عقلية، لقد سمى هذا القانون بالقانون الطبيعي، مما جعل المفكرين يهتمون لهذا القانون و وضعوه مقياسا لمدى عدل و كمال القوانين الوضعية.

    التدرج الفكري للقانون الطبيعي :

                لقد شهدت فكرة القانون الطبيعي تطورا مستمرا مع مرور الوقت، وذلك التطور لم يشمل مفهومها التقليدي فحسب بل مضمونها و محتواها لأجل خدمة أهداف معينة، وسنحاول حصر هذا التطور في أربعة وقفات تاريخية محددة كالتالي :

    أولا: القانون الطبيعي عند اليونان.

             تأمل الفلاسفة الإغريق النظام الثابت الذي يسير عليه الكون و قالوا بوجود قانون أعلى يحتوي على قواعد خالدة ليست مكتوبة، و ليست من صنع الإنسان و ثابتة للزمان و المكان، و هذه القواعد تحكم الظواهر الطبيعية و العلاقات بين الناس على حد سواء .

            و على ذلك فإن هؤلاء الفلاسفة نادوا إلى وجوب التقيد بقواعد القانون الطبيعي والتحرر من إرادة الدولة لأن القانون الطبيعي أسمى من هذه الإرادة . غير أن الفيلسوف سقراط أوجب الطاعة للقوانين الوضعية ولو كانت ظالمة وذلك خشية أن يعصي الناس القوانين الوضعية بحجة عدم موافقتها لمبادئ القانون الطبيعي . 

    ثانيا: القانون الطبيعي عند الرومان.

             تأثر الرومان بفكرة القانون الطبيعي كفكرة قانونية بعدما كانت فلسفية عند اليونان فالقانون الطبيعي عندهم ينطبق على كافة الشعوب لأنه أعلى من القوانين الوضعية و سابق على وجودها.

           فنجد (شيشرون) يعتقد بوجود عدل أعلى من النظم و القوانين الوضعية، و بوجود قانون ثابت خالد مرافق للطبيعة و للعقل القويم ينطبق على الناس كافة و ثابت على وجه الدوام، و يعتبره القانون الحقيقي الذي لا يتغير من روما إلى أثينا و لا من اليوم إلى الغد .

    في نفس المعنى يضيف (جوستينيان) قائلا : " القانون الطبيعي هو السنن التي ألهمتها الطبيعة لجميع الكائنات الحية، و أنه ليس مقصورا على الجنس البشري، بل هو سار على جميع الأحياء، مما يحوم في الهواء أو يدب في الأرض أو يسبح في الماء " .

             و قد فرق الفقهاء الرومانيين بين القانون الطبيعي من جهة و كلا من القانون المدني و قانون الشعوب من جهة أخرى و لكن اعتبروا القانون الطبيعي هو المثل الأعلى الذي تستمد منه قواعد الشعوب .

    ثالثا: القانون الطبيعي عند الكنسيين في العصور الوسط. 

             أصبحت فكرة القانون الطبيعي في القرون الوسطى ذلك القانون الإلهي الذي يسمو على القانون الوضعي أي اصطبغت بصبغة دينية في كنف الكنيسة المسيحية ورجالها، فالقديس (توماس الإكويني) كان يفرق بين ثلاثة أنواع من القوانين بعضها فوق بعض يعلوها القانون الإلهي، و يليه القانون الطبيعي ثم القانون الوضعي.      - فالأول يمثل مشيئة الله و يصل إلى الناس عن طريق الوحي.

    - و القانون الطبيعي يشمل القواعد التي يمكن للعقل الإنساني اكتشافها و إدراكها.

    - و يوجد في الرتبة الثالثة القانون الوضعي فهو من صنع الإنسان.

              و يرى توماس بأن القانون الوضعي لا يكون عادلا إذا ما تعارض مع قواعد القانون الطبيعي، و مع ذلك فإنه يوجب طاعته تغليبا للمصلحة العامة، غير أنه إذا خالف القانون الوضعي قواعد القانون الإلهي، فإن طاعته لا تجب، ولا طاعة للقانون الوضعي في معصية القانون الإلهي، و الملاحظ هنا أن إخضاع السلطان المدني للسلطان الديني كان بقصد تدعيم و تقوية سلطة الكنيسة

    الفرع الثاني: القانون الطبيعي في العصر الحديث .

    أولا: عودة فكرة القانون الطبيعي في القرنين 17 و 18 بعد اختفاءها في القرن 16.

    بعد أن انقضت العصور الوسطى وزال عهد الإقطاع، وبدأت تتكون الدول الحديثة فظهر مبدأ سيادة الدولة الذي أطاح بسيادة الكنيسة . وقد قام فريق من الكتاب والفلاسفة في القرن16 بالدعوة لهذا المبدأ ومناصرته و من أشهرهم : ميكيافيلي في إيطاليا، و بودان في فرنسا .

               فميكيافلي من خلال كتابه (الأمير) أعطى للحاكم كل الوسائل لدعم سلطته (الغاية تبرر الوسيلة)، أما بودان فكان يدعو إلى سيادة مطلقة وفي سبيل ذلك أحل لصاحب السلطان أن يتحلل من القوانين التي يفرضها على رعاياه، فالحاكم فوق القانون.

                لقد نتج عن المغالاة في تصوير فكرة سيادة الدولة، إختفاء فكرة القانون الطبيعي خلال القرن 16، وطغت سلطة الدولة على حقوق الأفراد وحرياتهم في الداخل، وسادة القوة في تنظيم علاقاتها مع الدول الأخرى في الخارج .

              وهذا ما أدى إلى الحاجة مرة أخرى إلى فكرة القانون الطبيعي، وقد ازدهر هذا الأخير في القرنين 17-18 بسبب تحرر الدول الأوربية من هيمنة الكنيسة. ودعا الفقهاء آنذاك إلى وضع قوانين تصون حقوق الأفراد و حرياتهم بعيدا عن استبداد الحكام، وكذا إخضاع المجتمع الدولي لقواعد أساسها العدل و المساواة .

    وكان الرائد آنذاك الفقيه الهولندي(جروسيوس) الذي أصدر كتابا عن الحرب و السلم بعنوان (قانون الحرب) سنة 1625 حيث عرف فيه القانون الطبيعي بأنه :

    " القواعد التي يوحي بها العقل القويم والتي بمقتضاها يمكن الحكم، بأن عملا ما يعتبر ظالما أو عادلا تبعا لكونه مخالفا أو موافقا لمنطق العقل، وهو و ليد العقل و وليد الطبيعة يكسب منها صفة الوحدة و الثبات و الخلود، فلا يتغير بتغير الزمان أو المكان (والله نفسه لا يملك بذلك تغييره) لأن القانون الطبيعي قانون مستخلص من الطبيعة، ومن العقل، ليسبق القوانين الوضعية و يعلو عليها و من ثمة فالعقل يفرض وجود حقوق لصيقة بالإنسان تولد معه، فهذه الحقوق هي مبدأ أساسي من مبادئ القانون الطبيعي لا تستطيع القوانين الوضعية أن تتجاهله، ومع ذلك لم يتحرر هذا الفقيه حينما أقر الفتح والغزو ونظام الرق من تأثير عصره، والحرية في رأيه، وإن كانت من أهم الحقوق إلا أنه يمكن النزول عنها بموجب معاهدة أو عقد كما يمكن فقدانها نتيجة الهزيمة في الحرب أو الوقوع في الأسر.

    ثانيا/القانون الطبيعي والعقد الإجتماعي :

             اعتبر الفقهاء والمفكرين أن هذا الأخير هو أساس قيام الدولة التي نادى بها على الخصوص كل من الفلاسفة: الإنجليزيان (هوبز) و( لوك) و الفرنسي (جون جاك روسو ) ، فكان الأفراد يسيرون وفقا لغرائزهم وأهوائهم هذا الشيء الذي أدى إلى الفوضى وعدم الاستقرار وسيطرة الأنانية و تحكم القوة، ومن أجل البقاء و الدفاع عن النفس اتفق الناس فيما بينهم على التنازل عن حرياتهم بالقدر اللازم لقيام جماعة منظمة يعيشون في ظلها، فهؤلاء الفلاسفة يجمعون على أن العقد هو أساس نشأة الدولة وأساس وجود المجتمع السياسي، إلا أن تحديد الأطراف والأثار المترتبة عليه كانت محل خلاف.

               فهوبز يرى أن الحاكم ليس طرف في العقد فالأطرف تنازلوا عن حقوقهم و حرياتهم إلى الحاكم حتى يحقق لهم الأمن و النظام من خلال السلطة المطلقة التي يتمتع بها كما يرى بأن القانون الطبيعي يلزم الأفراد بطاعة الحاكم، والحقيقة أن رأي هوبز يؤدي إلى الإستبداد المطلق للحاكم و يؤيد النظام الملكي الذي كان يحكم إنجلترا، أما الفيلسوف لوك استخدم فكرة العقد الإجتماعي كوسيلة لمقاومة إستبداد الملوك ، أما الفيلسوف الفرنسي روسو فكان مبدأه أن لا سلطان إلا للشعب، ولذلك استخدم العقد الإجتماعي كأداة لإنكار حق الملوك في السيادة، و إنكار حكم الفرد و بمقتضى العقد الإجتماعي الذي أبرم بين أطراف الشعب حيث يتنازلون فيه عن حرياتهم الطبيعية المطلقة مقابل حريات مدنية محدودة. 

            وقد بلغت نظرية القانون الطبيعي أوج مجدها في أواخر القرن 18 وبداية القرن 19 . فقامت الثورة الفرنسية تحت شعار ( الدفاع عن الحريات والحقوق الطبيعية للإنسان ) وبذلك أصبح القانون الطبيعي مذهبا رسميا تضمنه إعلان رسمي هو( حقوق الإنسان و المواطن) سنة 1789.

    - الانتقادات الموجهة لمبادئ القانون الطبيعي :

               تعرض مذهب القانون الطبيعي الى مهاجمة عنيفة طوال القرن19 شككت من صحته ويأتي في مقدمة مهاجميه المذهب التاريخي الذي استند في حججه على الواقعية ومن هذه الإنتقادات ما يلي :

    _ إن القول بفكرة الخلود و الثبات التي يتميز بها القانون الطبيعي في منطق أنصاره، هو قول غير صحيح يكذبه الواقع و ينفيه التاريخ، فالقانون وليد البيئة الاجتماعية وحدها، وهي متغيرة في الزمان والمكان فمن غير المعقول أن يثبت القانون على حال واحدة.

    _ أما القول بأن العقل البشري هو الذي يكشف عن قواعد القانون الطبيعي، فإن ما يترتب عليه هو اختلاف هذه القواعد باختلاف الأشخاص الذين يستخلصونها بعقولهم ومن ثمة تختلف قاعدة القانون الطبيعي من شخص إلى أخر في مسألة واحدة .

    _ أما بالنسبة للنزعة الفردية التي ألزمت مذهب القانون الطبيعي طوال القرنين (17-18)، والتي تأكدت في عهد الثورة الفرنسية ووجدت طريقها إلى معظم نصوص ( تقنين نابليون )، وكذا إعلان حقوق الإنسان التي أبرزت ودعمت هذه النزعة، التي ترى بأن المجتمع يعمل على كفالة يتمتع بها دون أن ينقص منها أو يقيدها.

    - حركة إحياء القانون الطبيعي:

    أدت الإنتقادات الموجهة إلى مذهب القانون الطبيعي الى إضعافه و كادت أن تهجر هذه الفكرة طوال القرن 19، ولم تبعث من جديد إلا بعد بداية القرن 20، ونهاية القرن 19، وفي سبيل إحياء القانون الطبيعي ظهر إتجاهان : الأول (القانون الطبيعي ذو المضمون المتغير ، بزعامة الفقيه الألماني ستاملر )، و الثاني ( مذهب جمهور الفقهاء في اعتبار القانون الطبيعي موجه مثالي للعدل ).

     المطلب الثاني: القانون الطبيعي ذو المضمون المتغير.

    لقد سقطت فكرة القانون الطبيعي القائمة على قواعد أبدية خالدة صالحة لكل زمان ومكان تحت تأثير هجوم أنصارالمذهب التاريخي فكان لابد من تخليص القانون الطبيعي من الإنتقادات والتناقض الموجه إلى قواعده فكان الفقيه (ستاملر) أن قام بالجمع بين الخلود و التطور في فكرة القانون الطبيعي في ما سماه القانون الطبيعي بالمضمون المتغير و مضمون هذه الفكرة أن جوهر القانون هو مثل أعلى للعدل خالد ومتغير في نفس الوقت فهو خالد في فكرته متغير في مضمونه .

    و قد اعتنق هذه الفكرة الفقيه الفرنسي (سالي) و يتمثل جوهر هذه النظرة الجديدة في أن فكرة العدل في ذاتها خالدة أبدية وجدت في ضمير الإنسان على مر العصور و ستضل إلى الأبد و هو أمر لا يتغير ، و بهذا تعتبر فكرة العدل الإطار الثابت و الدائم للقانون الطبيعي .

    أما الذي يتغير فهو مضمون هذا العدل و طريقة تحقيقه فهو مرهون بظروف الحياة الإجتماعية التي تختلف من مكان إلى مكان ومن زمان إلى آخر ...

    و في هذا الإطار يتفق القانون الطبيعي ذي المضمون المتغير مع المذهب التقليدي للقانون الطبيعي في أمر واحد هو أن القانون الطبيعي يستخلصه الإنسان بعقله(2).

    انتقدت فكرة (ستاملر) في كونه قضى على المثل العليا حينما سلم بأن مضمون المتغير يتغير بتغير الزمان والمكان فلا يعقل أن يكون الأمر الواحد عدلا في مكان و زمان معين وفي مكان وزمان آخرين يعتبر ظلما . 

    المبحث الثاني: مذهب جمهور الفقهاء في اعتبار القانون الطبيعي موجه مثالي للعدل.

            يأتي في مقدمة هؤلاء الفقهاء (بلانيول) و(جوسران) فاعترضوا على أنصار القانون الطبيعي في القرن 18 من اعتبار وجود قانون مثالي نموذجي يتضمن قواعد تفصيلية تضع حلولا عملية لكل ما يعرض من مشاكل الحياة الإجتماعية في جزئياتها... فمثل هذا القول يكذبه الواقع و المنطق ، فمشاكل الحياة لا تعرض دائما بنفس الصورة في كل الجماعات.  

    فكان الرأي إبتداءا من مطلع القرن الحالي ، التضييق من نطاق فكرة القانون الطبيعي فقصورها على بضعة مبادئ مثالية ثابتة خالدة تمثل الحد الأدنى للمثل الأعلى للعدل، كمبدأ عدم الإضرار بالغير عند الخطأ ، مبدأ إعطاء كل ذي حق حقه، مبدأ عدم الإثراء على حساب الغير دون سبب مشروع. فهي مبادئ عامة تعبر عن الموجهات المثالية للعدل، وتعتبر أساسا ومثلا أعلى للتنظيم القانوني تستند إليه القوانين الوضعية في كل مكان وزمان، وبذلك تتحد وظيفة القانون الطبيعي، الذي لا يضع حلولا عملية لمشاكل الحياة الإجتماعية، ولكنه يكتفي بالتوجيه إلى الحلول العملية التي تضعها القوانين الوضعية لمشاكل الحياة الإجتماعية.

    فهي في جوهرها موافقة للقانون الطبيعي، خالدة ثابتة لا تتغير بتغير الزمان والمكان، ثابتة مبنية على أساس الحالة وهذا ما كرسه المشرع عندنا(في الجزائر) في المادة الأولى من القانون المدني عندما أجاز القاضي في الحالة التي لا يوجد فيها نص تشريعي يحكم بمقتضاه حيث جاء فيها ما يلي ": يسري القانون على جميع المسائل التي تتناولها نصوصه في لفظها أو في فحواها، وإذا لم يوجد نص تشريعي حكم القاضي بمقتضى مبادئ الشريعة الإسلامية، فإذا لم يجد فبمقتضى العرف، فإذا لم يوجد فبمقتضى مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة ".

              خلاصة القول نقول أن فكرة القانون الطبيعي احتفظت بمقوماتها فهي قواعد كامنة في الطبيعة أودعها الله فيها، ويقتصر دور الإنسان في الكشف عنها بعقله، والقانون الطبيعي واحد لا يتغير من مجتمع لآخر، ومن زمان لآخر، ويقتصر فقط على مبادئ وأصول عامة محدودة، لا تضع إلا حلول جزئية لمشاكل الحياة الاجتماعية.

    المبحث الثاني:الاتجاه الواقعي أو (المدرسة الواقعية) :

                 تنظر هذه المدرسة إلى القانون من خلال النظرة الواقعية، بحيث تعتبر القانون عبارة عن علم اجتماع واقعي يقوم على الملاحظة والتجربة، وهذا بخلاف ما تنظر له المدرسة المثالية، التي تعتمد في أصلا القانون إلى أساس ميتافيزيقي .

               تعتمد الفلسفة الواقعية على العالم المحسوس الذي يرتبط بالمشاهدة والتجربة، ومن ثم فهي تعارض ما تذهب إليه الفلسفة المثالية التي تنكر الملموس، وتتجه إلى العالم الميتافيزيقي .

    ومن أهم الاتجاهات الواقعية :

    - المذهب التاريخي .

    - مذهب التضامن الاجتماعي .

    - المذهب الفردي والمذهب الاشتراكي .

    مذهب التطور التاريخي:

              ظهرت بوادر المذهب التاريخي أو المذهب التطور التاريخي منذ القرن الثامن عشر في فرنسا، إذ أظهر بعض الفقهاء والفلاسفة أثر البيئة والظروف المحيطة بها في اختلاف القوانين، ورأوا أن القوانين يجب أن تتناسب وطبيعة البلاد التي تصدر فيها، ومن أهم الفلاسفة الذين ربطوا القانون بالبيئة الفقيه منتيسكيو في كتابه روح الشرائع وكذلك الفقيه بورتاليس أحد واضعي التقنين المدني الفرنسي في القرن التاسع عشر ، الذي عبر عن مبدأ من مبادئ التي قام عليها فيما بعد المذهب التاريخي ومحتواه هو : أن القانون يوجد ويتطور آليا مع تقدم الزمن دون تدخل من الإرادة الإنسانية ومقولته المأثورة في هذا الشأن :( تتكون تقنيات الشعوب مع الزمن فهي في حق لا تصنع)، وقد تبلورت هذه الأفكار في مذهب واضح المعالم على يد الفقيه الألماني سافيني سمي بالمذهب التاريخي الذي جعل من مبادئه وأسسه بديلا للاعتراض على فكرة التي ظهرت في ألمانيا سنة 1814 والتي تدعو إلى التقنين القانون المدني الفرنسي الذي جمعه نابليون في مجموعات سميت تقنينات والتي كانت تتفق مع المبادئ القانون الطبيعي، وما تقوم عليه من مسلمات أولية لا تستند إلى دليل من الواقع المادي. 

               ومن المآخذ التي أثارها أن تجميع القوانين وعدم تطورها، وأن العبرة عند سافيني بالنسبة للقانون هي قواعد السائدة التي تسجلها المشاهدة، وتعززها التجربة في مجتمع معين، وأن التجارب قد دلت أن القانون ليس واحد ثابتا، ولكنه متغير في الزمان والمكان تأثر في ذلك بعوامل البيئة المختلفة المتعددة ومسايرا لتطور ها واختلافها مما يستبعد معه تثبيت نصوصه وقواعده في التقنين يقضي إلى جمود وقعوده عهن حركة التطور لأسس التي يقوم عليها 

              يقوم المذهب التاريخي على أسس تتمثل في: 

    1 / إنكار وجود القانون الطبيعي: في منطق المذهب التاريخي أن القانون ليس من وحي مثل عليا حيث يرى سافيني بأنه لا توجد قواعد ثابتة أبدية يكشف عنها العقل فالقانون عنده من صنع الزمن ونتائج التاريخ. 

    2- /القانون وليد حاجة الجماعة: يرى المذهب التاريخي بأن القانون وليد البيئة الاجتماعية وحدها وأنه يتطور حسب ظروف كل مجتمع ويختلف من دولة إلى دولة أخرى بل ويتغير في دولة نفسها من جيل إلى آخر تغير الظروف الاقتصادية والاجتماعية وأن الجماعة لا يحدها زمن معين أو جيل معين بل هي كالسلسلة تندرج في خلفياتها الأجيال، وتتعاقب على مر الزمان فيرتبط فيها الحاضر بالماضي، ويمهد الحاضر للمستقبل ومن ثمة فليس القانون ثمرة جيل معين من أجيال الجماعة، وإنما هو ثمرة التطور التاريخي.

    3- القانون يتكون ويتطور آليا: في منظور المذهب التاريخي أن القانون ينبعث من جهد جماعي مشترك نسهم فيه الأجيال المتعاقبة في دولة معينة ويكتسب يذلك صفة قومية فهو يتكون ويتطور في تفاعل مستمر في الضمير الجماعي لكل أمة وهو بذلك يتكون تكوينا ذاتيا آليا لا تخلقه إرادة إنسانية أو تحوله عن الطريق المرسوم وفي نظر هذا المذهب يعتبر العرف هو الشكل الأكمل والأصدق للقانون، وهو تعبير مباشر وآلي عن الضمير الجماعي الوطني والحاصل أن القانون يخلق نفسه، وأن دور المشرع يقتصر على مجرد تسجيل الضمير الجماعي وتطوره على مر الزمن، وأن من مخاطر التشريع والتقنين هو وقف التطور التلقائي والجاري للقانون. 

    نقد المذهب :

            لقد أسهم هذا المذهب إلى تبيان الارتباط الوثيق بين القانون والبيئة، كما أسهم في تبيان أن القانون ليس هو تعبير عن إرادة الحاكم بل هو نتاج المجتمع، وبالتالي المشرع لا يفرض على الجماعة قانونا لا يستجيب لحاجاتها ورغباتها، وينبع من حقيقة مشاكلها، كما أسهم أيضا في تبيان دور العرف كمصدر من مصادر القانون بعد أن أغفلت القوانين الأخرى إلا أن ذلك لا يمنعنا من تسجيل بعض النقاط عليه.

    - أغفل دور الإنسان في تطور القانون، حيث ألغى دور المشرع في توجيه القانون واختيار أنسب القوانين كذلك أهمل دور الأفراد، فنتيجة كفاح الشعوب تم إلغاء قانون الرق، وتم الاعتراف بأهم الحقوق والحريات الأساسية. 

    - معارضة المذهب التاريخي لحركة تجميع القوانين لا تلقى الإجماع فللتقنين مزايا فهو وسيلة لتوحيد القانون في مختلف أجزاء الدولة، كما أنه يضفي على القواعد القانونية نوع من الثبات والاستقرار

    مذهب الغاية الاجتماعية :

    - هو مذهب من المذاهب الواقعية نادى له الفقيه الألماني إيرينج كرد فعل مباشر على المنهج التاريخي، أبرزه في مؤلفاته أهمها: " الكفاح من أجل القانون" و "الغاية من القانون".

    الفلسفة التي يقوم عليها :

    - يرى إيرينج أن القانون في تطور مستمر و لكنه ليس تطورا تلقائيا، كما يزعم أنصار المذهب التاريخي بل هو تطور يخضع إلى حد كبير لإرادة الإنسان والقانون ظاهرة اجتماعية والظواهر الاجتماعية تختلف عن الظواهر الطبيعية من حيث خضوعها لقانون الغاية دون قانون السببية، فالظواهر الطبيعية كتعاقب الليل و النهار بسبب دوران الأرض، أو سقوط الأجسام من أعلى إلى أسفل بسبب الجاذبية، تحدث كلما توافرت أسبابها دون أن يكون لإرادة الإنسان دخل في حدوثها أو دفعها نحو تحقيق غاية معينة،  ومن ثم فهي تخضع لقانون السببية، أما الظواهر الاجتماعية فلا تتم إلا بتدخل الإرادة البشرية تدفعها نحو تحقيق غاية معينة، و من ثم فهي تخضع لقانون الغاية .والقانون باعتباره ظاهرة اجتماعية، تلعب إرادة الإنسان دورا كبيرا و ايجابيا و نشأته و تطوره ، وقد يصل هذا الدور إلى درجة الكفاح و استخدام القوة و العنف لتوجيه القانون نحو تحقيق الغاية المرجوة، ذلك أن التطور قد يؤدي إلى تغيير بعض النظم القانونية القائمة في المجتمع و التي يحرص المستفيدون منها على بقائها و عدم تغييرها، الأمر الذي يؤدي إلى قيام الصراع والكفاح بين هؤلاء المستفيدين وبين من يريدون تعديل هذه النظم، ويتوقف بقاء أو تغيير هذه النظم على نتيجة هذا الصراع والكفاح، بحيث إذا تغلب أنصار التعديل أو التغيير ظهرت نظم قانونية جديدة وأدى ذلك إلى تطور القانون، فالثورات الاجتماعية وحركات التحرير الكبرى التي شهدتها الإنسانية في عصورها المختلفة كانت تقوم دائما دفاعا عن مبادئ قانونية، وكفاحا من أجل تعديل أوضاع قانونية لم تكن تتفق مع الظروف الاجتماعية القائمة، فمثلا تحرير الفلاحين من الإقطاعيين، لم يتحقق إلا بعد كفاح طويل وتضحيات مريرة لتعديل وتغيير الأنظمة القانونية التي كانت سائدة. وعلى هذا النحو فإن القانون في طبيعته وجوهره، وفقا لمذاهب إيرينج ليس إلا ثمرة الغاية والكفاح، الغاية هي حفظ المجتمع وأمنه وتقدمه والكفاح من أجل تحقيق هذه الغاية، و لذلك فإن هذا المذهب يسمى أيضا بمذهب الغاية والكفاح أو مذهب الكفاح .

    نقــــــده: رغم واقعية هذا المذهب أن ابرز دور الإرادة الإنسانية نشأة القانون وتطوره، كما أبرز خطأ المذهب التاريخي الذي ألبس القانون ثوب الآلية والتلقائية دون التوجيه الإنساني، إلا أن ما يعاب عليه جعل غاية القانون هي حفظ المجتمع وليس إقامة العدل، كذلك يؤخذ عليه أنه جعل الكفاح أساس تطور القانون وهذا تبرير لمنطق القوة حتى ولو لم تكن على حق وتبرير لمنطق الغاية تبرر الوسيلة، كذلك يؤخذ عليه أنه أفرط في جعل تطور القواعد القانونية كلها رهنا على إرادة الإنسان، وهذا ينافي الأعراف التي هي من مصادر القانون ولا تظهر فيه إرادة الإنسان بشكل جلي وواضح كذلك المجتمع يجعل القانون، وإذا ما طالب عن حقوقه فإن مطالبه عادة ما تكون اجتماعية بحتة.

    مذهب التضامن الاجتماعي:

             الفلسفة التي يقوم عليها لقد أسس الفقيه الفرنسي دوجي في أواخر القرن التاسع عشر مذهب التضامن الاجتماعي، وبين القواعد التي يقوم عليها هذا المذهب في مؤلفه المطول في القانون الدستوري الذي تجلى من خلال تأثر دوجي بالنزعة العلمية التي تنطلق من الواقع وترتكز على الملاحظة والتجربة، وهذا التأثر مع انتشار تطبيق المنهج التجريبي على العلوم الاجتماعية، ومن هنا أخذ دوجي بهذه الفكرة في تحديد النشأة و تطور القاعدة القانونية ليخرج مجموعة من الحقائق العلمية الواقعية التي يرى بأنها أساس القاعدة القانونية، أما مدى هذه الحقائق الملموسة مثل الحقائق المثالية، فإنها حسية واهية لا يمكن الأخذ بها وهذا ما جعل دوجي ينكر العديد من الأفكار والأسس التي يقوم عليها القانون مثل: الشخص المعنوي، السيادة، الحق ....وهذا ما يوضح تأثر دوجي بالنزعة الواقعية العلمية في أواخر التاسع عشر إذ ذاعت بين جمهور العلماء الاجتماعيين عموما والقانون خصوصا فكرة تطبيق المذهب التجريبي على هذه العلوم فقد أسس دوجي مذهبه على أساس حقائق واقعية ملموسة أولاها المجتمع الذي يعيش فيه الإنسان مع أقاربه و ثانيها التضامن الذي ينشأ بين أفراد هذا المجتمع ذلك أن الفرد لا يمكن أن يفي كل حاجاته ومتطلباته بنفسه دون الحاجة إلى مساعدة من الآخرين وهنا ينشأ التضامن الذي يزداد حاجة الفرد كلما زاد تطور المجتمع وتنوعه، ولقد ميز لا دوجي بين نوعين من التضامن

    1- التضامن بالاشتراك (التشابك): الذي ينشأ عند تشابك حاجات أو رغبات الأفراد ويتطلب عندئذ تحقيقها تضامن الأفراد فيما بينهم تكاثف الجهود

    2- التضامن بتقسيم العمل: الذي ينشأ عند اختلاف الأفراد في ميولهم واستعداداتهم، هذا ما يجعل كل فرد يتخصص في نشاط أو عمل معين يتضامن مع غيره من الأفراد من خلال تبادل الخدمات والسلع، وبالتالي تبادل المنفعة، ويزداد هذا النوع من التضامن مع تطور البنيان الاجتماعي .

             إن وجود مجتمع يترتب عليه التضامن من وجب حمايته عن طريق مجموعة من الضوابط والقواعد التي تنظم سلوك الأفراد من أجل الحفاظ على التضامن نجد ذاته، وقد يؤدي ذلك إلى نشأة الحد الاجتماعي الذي يميز ما بين الأفعال التي يجب القيام بها والأفعال التي وجب تركها والامتناع عنها أي الحد الفاصل بين ما هو صالح، وما هو طالح ويتفرع على هذا الحد الاجتماعي قواعد اجتماعية تنظم الأفراد .

    لقد عزز دوجي القاعدة القانونية بأساس آخر هو الشعور بالعدل، الشعور بالتضامن الاجتماعي كاف حسب دوجي أن المقصود بالعدل هو المعنى الواقعي للفكر بعيدا عن المعنى المثالي أي أن الإنسان يشعر بالتضامن والعدل في آن واحد غير أن القاعدة القانونية حسب دوجي لا تقوم على إجبار الدولة لكفالة احترامها كما تنادي المدرسة الشكلية التي ترجع القانون إلى إرادة الدولة ولأهم القاعدة التي تخضع للمثل الأعلى كما يدعي المنصب القانون الطبيعي لكن هي القاعدة التي يشعر أفراد المجتمع أنها ضرورة للحفاظ على التضامن الاجتماعي وأنه من العدل استعمال قوة الجبر في الجماعة لكفالة احترامها والانصياع لها .

    لقد وجهت لمذهب التضامن الاجتماعي جملة من الانتقادات تمثلت في :

             إن تطبيق المناهج العلمية التجريبي على الظاهرة الاجتماعية القانون صعب ويستحيل في بعض الحالات و هذا لأن العلوم الاجتماعية تخضع لمبدأ الغائية أي أن كل ظاهرة اجتماعية هدف أو غاية تحققها القانون  تنظيم المجتمع عكس العلوم الطبيعية التي تخضع لمبدأ السببية وبالتالي يسهل تطبيق المنهج التجريبي كما أن العلوم الاجتماعية تهدف إلى معرفة ما هو كائن، وما يجب أن يكون وهنا فهي تخضع لمبدأ التنبؤ والتطلع والذي يخرج عن دائرة الملاحظة والتجريب وليصل إلى التفكير كما أن الظاهرة الاجتماعية تمتاز بالتشابه والتغيير المستمر هذا ما يجعل تطبيق المنهج التجريبي عليها شيء صعب وعسير، ومن ثمة ففكرة دوجي فيما يخص تطبيق الملاحظة و التجربة على الظاهرة الاجتماعية على فكرة نسبية لا نستطيع الأخذ بها خصوصا في العلوم الاجتماعية .

    لقد حملت فكرة دوجي نوعا من التناقض من خلال خروجه عن الأساس الواقعي التجريبي من خلال اعتماده على التضامن بين الأفراد كأساس للقاعدة القانونية وإغفاله بالتنافس والتنازع بين الأفراد وهذا الاختيار لا يتأتى إلا بالرجوع إلى مثل أعلى يغلب اختيار التضامن على التنافس ومن هنا فقد خرج دوجي ونزعته الواقعية باعتماده النزعة المثالية وهذا من خلال ارتكازه على مثل أعلى من أجل حقيقة التضامن بين الأفراد وترك حقيقة التنافس والتنازع ، كما أن التضامن يكون في الخير و يكون كذلك في الشر الشيء الذي يجعل دوجي يستند على مثل أعلى من أجل التسليم بالتضامن بالخير وترك التضامن بالشر وهذا أيضا خروج عن أساس فكرته الواقعية والاعتماد على أساس مثالي وهذا يثبت استحالة اتخاذ الواقع بمفرده كأساس للقانون.

    أخذ دوجي بالفكرة الواقعية للعدل وترك البعد المثالي من خلال إقراره بموجب شعور بالعدل عند كل فرد حسب رغبته وحاجته رغم أن العدل مثل أعلى يشترك فيه كل الأفراد ومن ثم فإن الإنسان يخضع لفكرة العدل و ليس العكس .

    رغم أن مذهب دوجي قد حمل مجموعة من الجوانب السلبية إلا أنه أظهر أهمية الحقائق الواقعية المستمدة من الحياة الاجتماعية وأثرها في تكوين القاعدة القانونية كما أعطى بعدا علميا مبني على أساس الملاحظة و التجربة في القانون .

    نقـــــده

              لقد أسهم مذهب التضامن الاجتماعي في تبيان دور الحقائق الواقعية المستمدة من الحياة الاجتماعية في تكوين ونطور القانون إلا انه ومع ذلك وجهت إليه بعض الانتقادات منها :

            إذا كان المنهج العلمي التجريبي يعطي نتائج قطعية بحيث تتحقق النتيجة كلما وجد السبب، فإنه على خلاف من ذلك بالنسبة للعلوم الاجتماعية، ومنها القانون فإنها تتسم بالنسبة كذلك لدوجي لم يلتزم بالمنهج الواقعي التجريبي عندما أقر أن أساس القاعدة القانونية هو الشعور بالتضامن بين الأفراد المجتمع كحقيقة واقعية وأهمل حقيقة واقعية أخرى تثبتها المشاهدة والتجربة هي حقيقة التنازع والتنافس بين الأفراد في المجتمع نتيجة تعارض مصالحهم وكذلك لا يقتصر التضامن على الخير فقط أيضا التضامن في الشر ، وهو حقيقة واقعية وترتيبا على ذلك فالتضامن كحقيقة واقعية لا يصلح أساسا للقاعدة القانونية إلا بإعطائه قيمة مثالية كذلك دوجي جعل مجرد الشعور بالعدل أساس القاعدة القانونية، وهذا معناه تحكيم الأهواء الشخصية وهذا يؤدي إلى الفوضى في حين أن القانون يجب أن يستند إلى الحقائق الموضوعية ومن العدل كحقيقة ثابتة كما يفرضها العقل وليس كما يشعر به الأفراد، فالأفراد هم الذين يخضعون للعدل وليس العدل هو الذي يخضع للأفراد

    المحور الرابع: المدرسة المختلطة.

    ومؤسس هذه المدرسة هو الفقيه جيني حيث قامت نظريته على أنقاض المدرستين الشكلين والموضوعية ودمجهما في نظرية واحدة فأخذ عن المدرسة الشكلية فكرة تدوين القواعد القانون وسماه بعنصر الصياغة وأخذ عن المدرسة الموضوعية الحقائق الطبيعية والتاريخية وغيرها وسماه بعنصر العلم وهو ما تأثر به الفقه الحديث

    الأسس التي تقوم عليها نظريته :

    عنصر الصياغة : لقد أخذ جيني عن المدرسة ضرورة أن تكون القواعد القانونية في قالب مدون وعلى شكلية معينة أي أن تحرر على شكل نصوص تراعي فيها القواعد الإجرائية حتى يسهل توصيلها للأفراد

    عنصر العلم : وهو مأخوذ من المدرسة الموضوعية وهي عبارة عن مجموعة من الوقائع

    الوقائع الطبيعية : وهي عبارة عن مجموعة الوقائع التي تحدث من خلال الطبيعة دون أن يكون للإنسان دخل فيها وإنما تقدم له خدمات وتولد له حقوق ومن هنا لا بد من الاعتراف بهذه الحقوق وهي حقوق تكون متولدة مع الإنسان كذلك

    الوقائع التاريخية : وهي عبارة عن مجموعة الوقائع التي تكونت عبر التاريخ وقدمت خدمات للإنسان وولدت له حقوق .

    الوقائع العقلية: وهي التي تقوم باستنباط الحقوق من الحقوق الطبيعية وكذلك من الوقائع التاريخية

    الحقائق المثالية:  وهو أسمى الحقائق وهو الذي يسعى الإنسان إلى الوصول إليه وهو درجة السمو القانوني

    جوهر القاعدة القانونية في الفقه الحديث :

                لقد اتجه الفقيه الحديث اثر النقد الموجه إلى مذهب جيني إلا أن الحقائق الأربع التي يتكون منها جوهر القاعدة القانونية لا يصدق عليها جميعا وصف العلم هذه الحقائق لهذا فقد تم جمع الحقائق التي يتكون منها جوهر القاعدة القانونية في نوعين من الحقائق 

    أولا: حقائق علمية تجريبية تخضع للمشاهدة والتجربة 

             فالقاعدة القانونية هي نتاج واقع يجب تقويمه بالقياس على مثل أعلى يستخلصه العقل فالفقه الحديث أعطى لجوهر القاعدة القانونية عنصرين عنصر واقعي فالعنصر الواقعي يعتمد على :

    حقائق سياسية: وهي عبارة عن مختلف المتغيرات السياسية وتغير أنظمة الحكم في المجتمعات مما يؤثر على المجتمع وحقوقه، وبالتالي لابد من وجود قواعد قانونية لتنظم هذه التغيرات

    حقائق تاريخية: وهي عبارة عن مختلف المتغيرات التاريخية التي تساهم في تكوين الجماعة وحقوقها ولا بد من قانون لينظم هذه الحقوق

    حقائق دينية: وهي مجمل الحقائق المستخلصة من أحكام الدين والتي قد تساعد إظهار القواعد القانونية

    حقائق طبيعة اقتصادية واجتماعية: وهي عبارة عن مجموعة المتغيرات داخل المجتمع التي تكون بتدخل المجتمع بتدخل الطبيعة والتغيرات الاقتصادية وكذلك ظروف المجتمع .

    وهذا العنصر لا يكفي لتكوين القاعدة القانونية بل يجب تقويم هذه الحقائق بالقياس على مثل أعلى يفرضه العقل ألا وهو العدل .

    ثانيا : حقائق عقلية تفكيرية يستخلصها العقل

    والنوع الثاني يمثل العنصر المثالي في جوهر القاعدة القانونية .

    مفهوم العدل وصوره :إن للعدل مفاهيم وأنواع مختلفة

    مفهوم العـدل : العدل لغة معناه المساواة الإنصاف، ومفهومه البسيط هو إعطاء كل ذي حق حقه أما المفهوم العميق فهو يتمثل في مجموعة القواعد التي بكشف عنها العقل ويوحي بها الضمير ويرشد إليها النظر الصائب فهذه القواعد هي روح العدل أو هي الفطرة التي فطره الله الناس عليها .

    - العدل من حيث الشكل :

    إن تحقيق فكرة العدل يستوجب تطبيق القانون بصفة ملزمة ولو عن طريق القوة إذا تطلب الأمر ذلك فالقانون هو إدارة الحاكم يجب احترامها حيث يرى الفيلسوف الإنجليزي أوستن أن القانون الذي يحقق العدل هو إدارة الحاكم ومشيئته يطبقها بالقوة على الأفراد عند الضرورة فالعدل لديه مصدره ضمير الحاكم وينبع من إدارته فالحاكم يراقب ويشرف على توزيع العدل بين الناس توزيعا متساويا، أما أنصار مذهب الشرح على المتون فيرون أن فكرة تقديس النصوص التشريعية واحترامها باعتبارها شاملا لكل مواضع الحياة فالتشريع وحده هو الذي يتضمن جميع الأسس التي من شأنها تجسيد فكرة العدل ومفهوم العدالة .

    حيث يرى هيجل أن تحقيق فكرة العدل يقوم على تطبيق القانون الذي يكون أساسه من صنع الدولة (يعر عن إرادة الحاكم) فالدولة هي المنوطة باحترام القانون وإجبار الأفراد على طاعتها بما لها من وسائل الإكراه لأجل تحقيق العدالة .

    - العدل من حيث المضمون :

    يرى أصحاب مذهب القانون الطبيعي ذو المضمون المتغير أن فكرة تحقيق العدل ليست نابعة من قواعد قانونية ثابتة بل أنها مستلهمة من القواعد متغير ومختلفة باختلاف الظروف المحيطة بكل مجتمع .

    إن القانون الطبيعي الذي يدركه الإنسان بعقله يتصف بالكمال والمثل العليا هي العدل.

    إن فكرة إقامة نظام قانوني على أساس العدل ومحاربة الظلم وجدت في ضمير الإنسان منذ الأزل وستبقى ثابتة لا تتغير، أما الذي يتغير فهو الزمان والمكان ولكل جماعة تصورها الخاص لفكرة العدل وفقا لظروفها الاجتماعية، فما يعتبر عدلا في مجتمع ما قد يصبح ظلما مع مرور الزمن في نفس المجتمع ، مثال : الرق ، وقد وجهت انتقادات لهذا الاتجاه يحث أن فكرة العدل عندهم تؤدي إلى فكرة القانون الطبيعي ذاتها. لأن القانون هو الذي يجعل من العدل مثلا أعلى خاصا بجماعة معينة وفق لظروفها وتصورها لفكرة العدل، فما هو عدل في مكان معين وزمان معين يصبح ظلما في مكان آخر وزمان آخر، وهذا ما لا يمكن التسليم به فالعدل ليس تصورا شخصي بل هو إنساني عام فظاهرة الرق مثلا إذا كانت قد أجيزت في مجتمع ما وفي وقت ومكان معين فهذا النظام ليس عادلا فالرق في حكم حقيقة العدل ظالم .

          يرى ديجي أن الشعور بالتضامن الاجتماعي لدى الأفراد هو أساس القاعدة القانونية وهو يتمثل في الشعور القائم لدى الجماعة بماهية العدل كما هو وليس العدل وليس المثل الأعلى للعدل أو فكرته في ذاتها فليست القاعدة القانونية هي التي توضع وفق المثل العليا (العدل) بل هي القاعدة التي تشعر بها الجماعة أنها ضرورية ولازمة إلى صيانة التضامن الاجتماعي ومن العدل تسخير قوة الإجبار في الجماعة لكفالة احترامها.

    إن هذا الرأي قد يؤدي إلى تحكيم الأهواء والنزعات الفردية في حين انه يجب أن يسند هذا المثل الأعلى إلى حقائق موضوعية فالعدل يفرضه لعقل وليس ما تعتقده الجماعة .

    المطلب الثاني : صور العدل

    يصف الفقهاء العدل إلى نوعان : العدل الخاص والعدل العام

    * العدل الخاص: هو الذي يحكم العلاقات بين الأفراد ويقوم على أساس المساواة التامة المتبادلة بينهم ويسمي بالعدل التبادلي .

    * العدل العام: هو الذي يقوم على أساس اعتبار الفرد جزء من المجتمع باعتبار المجتمع هو الكل، فالعدل في هذه الحالة يرمي إلى تحقيق المصلحة العامة، ويتم عن طريق إقامة تفاصل بين القيم والأفراد من حيث الحاجة أو لقدرة أو لكفاءة ويشمل العدل توزيعي والعدل الاجتماعي .

    * العدل التبادلي : الأصل أنه كان مقصور على علاقات الأفراد التعاقدية الخاصة بالتبادل السلع والمنافع أي يجب للفرد على الفرد ولم يبقى محصورا في نطاقه الضيق من العلاقات التعاقدية بل أصبح يشمل كل ما ينشئه الأفراد من علاقات أيا كان مصدرها، وهو يقوم على أساس تساوي الأفراد وهذا التساوي يقتضي من الأفراد احترام كل منهم بحق الأخر إما بإعطائه له أو بالامتناع عن الاعتداء عليه وهذا الحق الذي يخص كل فرد قد يكون له ابتداء أو اكتسابا فيما يخص الفرد ابتداء كل ما يتعلق بوجوده أو كيانه المادي والنفسي ويعتبر ظلما اعتداء فرد على جسم فرد آخر بالضرب أو بالقتل أو الإهانة أو القذف، أما ما يخصه اكتسابا فهو ينصرف إلى كل ما يكتسبه من بعد يضيفه إلى نفسه كشيء خاص به والعدل هنا يكون بإقرار كل فرد على ما اكتسبه بطريق الاكتساب المشروع .

    * العدل التوزيعي: يقصد به العدل الذي يجب على الجماعة اتجاه الأفراد المكونين لها في توزيع المنافع والأعباء عليه، وهنا ينبغي مراعاة اختلاف الأفراد حسب حاجاتهم وقدراتهم وجدرانهم، فيترتب على هذه المساواة النسبية فالأفراد لا يعاملون نفس المعاملة المتساوية ( أي يتساوون مساواة مطلقة في الحصول على الوظائف العامة في الدولة ) .

    * العدل الاجتماعي: هو العدل الذي يسود علاقة الفرد اتجاه الجماعة من حيث واجباته نحو الجماعة أساس هذا العدل الاجتماعي يكمن في كون الفرد في الجماعة جزء في الجماعة وهذا الجزء مسخر لخدمة الكل فالصالح العام لا يتحقق إلا عن طريق الاشتراك بين الأفراد لأجل مصلحة واحدة وهذا العدل مبرر لإخضاع الأفراد لسلطة الحاكم الذي له الحق الأمر، وكذلك باسم الحق الاجتماعي يسخر الحاكم سلطته لتحقيق الصالح العام.

    تطور فكرة العدل عبر العصور :

    إن مفهوم العدل لم يصبح مفهوما شائعا في عصرنا الحاضر إلا بعد الثورات الكبرى التي أريقت فيها الدماء أزهقت في الأرواح وعانت البشرية منها ويلات الجوع والتشرد والدمار إن هاته الثورات المتعاقبة كانت تهدف إلى تحقيق العدل والمساواة وأن الظلم في التفاوت، ولكن أليست المساواة المطلقة ظلما؟ لقد اختلف المفكرون واختلفت المذاهب لتحديد إجابة شافية لهذا التساؤل وسنتعرض إلى الفكر الغربي ونظرته للعدل وكذا إلى الفكر الإسلامي ومكانة العدل فيه .

    تطور فكرة العدل في الفكر الغربي: لقد رأى أنصار التفاوت في الفكر الغربي لفكرة العدل أنها تتأسس على احترام التفاوت الموجود ويريدون في ذلك حججا تتعلق بالفوارق الطبيعية والفوارق الاجتماعية وحجج أخرى تبرر هذه الفوارق المختلفة .

                يختلف الناس بالولادة في قدرتهم ومواهبهم الجسمية والعقلية فمنهم الضعيف ومنهم القوي ومنهم الذكي ومنهم الغبي، فمن الظلم أن نبوئ الغبي أو الغير الكفء منصبا إداريا ممتازا يتوقف عليه نظام بعض الشؤون الاجتماعية أو غيرها، وبالتالي منحه مقابل ذلك جزاءات وامتيازات عالية، فلو وفرنا له ضرورية الحياة فقط ومنحنا الباقي للقادر الذكي لكن دائما في حدود العدل، إن هاته النظرة والرأي للفيلسوف أرسطو ومن ماثله الرأي فهو يزعم أن التفاوت قانون الطبيعة من ذلك أنه يعترف باسترقاق البعض الآخر هو ضرورة طبيعية ومادام الناس مختلفين من حيث الخصائص العقلية والفيزيولوجية، فلابد من توسيع شقة الاختلاف بينهم يقول كاريل اليكس العامل الفيزيولوجي والجراح الفرنسي " فبدلا من أن نحاول تحقيق المساواة بين اللامساواة العقلية والعضوية يجب أن نوسع دائرة هذه الاختلافات وننشئ رجال عظماء "، وبعد تحليل هذا الكلام نجد أن تقسيم سكان البلاد الحرة إلى طبقات مختلفة لا يرجع إلى المصادفة أو العرف الاجتماعي، وإنما هو مؤسس على قواعد بيولوجية صلبة وكذلك على صفات الأفراد الفيزيولوجية والعقلية، ففي المجتمع الديمقراطي كما ترى " بريطانيا وفرنسا " استطاع كل شخص أن يبلغ المكانة أو المركز الذي مكنته مقدرته من بلوغه.

            إن اليوم معظم عامة الشعب يدينون بمراكزهم وأوضاعهم إلى الضعف الوراثي لأعضائهم وعقولهم بالإضافة هذا الرأي فقد تبنى هذا الموقف بعض الأديان القديمة البراهيمية والتي بدورها تقسم الناس إلى أربع طوائف أعلاها الكهنة أو البراهمة وأدناها السفلى والأبخاس ونجد اليهود الذين زعموا أنهم وحدهم شعب الله المختار بل الإضافة إلى الحركة النازية التي قسمت الجنس البشري إلى طبقات أسماها الجنس الآري وقد علل أنصار التفاوت هذا النوع من الفوارق الاجتماعية والطبيعية بأنها كحافز يدفع الأفراد إلى السعي والنشاط ذلك أن الإنسان بطبعه مفطور على السعي لتحقيق آماله الواسعة في حياة بعض الناس في الرفاهية والعيش في النعيم يثير من حولهم ويعطيهم رغبة أقوى في العمل قصد الوصول إلى مستواهم، وهذا التفاوت لا يعني عدم مساواتهم أمام العدالة لأن ذلك يتحول إلى ظلم إلا أن هذه الطروحات تشبه إلى حد ما المبادئ التي انطلق منها التوسع الاستعمار في الحديث بدعوى أن القوة لها الحق بل ومن العدل أن يحتل القوي الضعيف ويسير شؤونهم المختلفة ويثبت العلماء أن العرق الصافي من المستحيل وجوده وأن كل بلاد العالم مزيج من العروق حتى إن الدم الذي تفتخر به ألمانيا نفسها إنما هو دم هجين إلى حد بعيد أكثر من غيره لأن العلم والواقع يؤكد أن الدم الهجين باعث على التقدم والنبوغ والحيوية .

            هناك أنصار المساواة في الغربي يقول شيشرون مخاطبا شعبه الروماني " الناس سواء وليس أشبه شيء من الإنسان والإنسان لنا جميعا عقل ولنا حواس وإن اختلفنا في العلم فنحن متساوون في القدرة على التعليم " وعن كتاب توماس جيفرسن في إعلان الاستقلال الأمريكي " إن جميع الناس قد خلقوا متساوين "

    نقـد : بالرغم إنه لا يمكننا إنكار فكرة المساواة إلا انه لا يمكن مساواة الناس في الحقوق والواجبات لأنه تختلف إمكانيتهم وقدراتهم العقلية والجسدية والعملية، فإذا سلمنا بالمساواة التامة والمطلقة فكيف يخدم بعضهم البعض .

    فكرة العدل في الفكر الإسلامي: إن العدل معناه إزالة الفوارق المصطنعة والفروق الواسعة التي نشأت بين أفراد والمجتمعات بطرق غير مشروعة ولابد من فتح الطريق أمام الجميع وتكافئ الفرص في جميع المجالات، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى )، يعتبر العدل أحد المبادئ الأساسية لنظام الحكم وغايته المقصودة وقد حرص الإسلام على تقريره حفاظا على كيان المجتمع البشري فقد جاء في قوله تعالى على لسان نبيه: (وأمرت لأعدل بينكم)، ويقصد بالعدل في الإسلام بوجه عام تنفيذ حكم بمعنى الحكم بمقتضيات ما جاءت به الشريعة الإسلامية وهو واجب في علاقة الفرد بنفسه وعلاقته بغيره من الناس وعلاقة الحاكمين بالمحكومين ومن شدة حرصه تعالى على العدل أنه لم يشدد على استعمال القوة مع مقترف أكبر الكبائر أي الشرك بينما شدد في استعمال القوة مع الباغي والمعتدي ومع الطرف الغير القائم بالعدل ويتضح ذلك قوله تعالى: ( فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله) وإذا كان الله تعالى قد وجه الخطاب بالعدل للمؤمنين( يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط) إن المساواة في الإسلام لها أهمية كبيرة يقول تعالى:( يا أيها الناس إن خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعرفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم) "5"، يتضح من هذه الآية أن الإسلام يقر مبدأ المساواة بين جميع الناس ويجعلها أحد أصوله التي تجد أساها في العقيدة التي جاءت لتكريم الإنسان باعتباره من أصل واحد وهو آدم فلا مجال للإدعاء بالانتساب إلى جنس أسمى مما عداه من الأجناس أو إلى طبقة هي أرقى الطبقات فالإسلام لا يعترف إلا بمفاضلة قوامها الأعمال وليس الإنسان وللمساواة صور كثيرة في الفقه والتاريخ الإسلامي نذكر منها المساواة بين الأفراد جميعا في تطبيق القانون، فالكل في مستوى واحد أما القانون فلا فرق بين الحاكم والخليفة أو من هم في مناصب السلطة العليا، وبين عامة الناس وتثبت هذه المساواة كذلك أمام القضاء، فلا وجود لمحاكم خاصة تختص بالنظر في خصومات طائفة معينة من المجتمع ومحاكم أخرى مختصة لعامة الناس. قال تعالى:(لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي)،وقد طبق هذا المبدأ على ارض الواقع وعلى أوسع نطاق فلا يخلو كتاب من كتب الرسول صلى الله عليه وسلم منها موجه للقبائل "ومن كان يهوديا او نصرانيا فانه لا يفتن عنها وعليه الجزية" ويقول عمر بن الخطاب في معاهدته مع أهل بيت المقدس عقب فتحها " هذا ما أعطى عمر أمير المؤمنين من الأمان أعطاهم أمان لأنفسهم ولكنائسهم وصلبانهم.. لا تسكن كنائسهم ولا تهدم ولا ينتقصه منها ولا من خيرها ولا من صلبهم لا يكرهون على دينهم ولا يضار أحد منهم" إن الإسلام لم يعطي للإنسان مساواة مطلقة إلا في حدود الحقوق والواجبات فهناك تفاوت مكفول للإنسان بقول تعالى (ورفعنا بعضكم فوق بعض درجات) وكل إنسان مسير لما خلق له فلكل ذي حق حقه .

    المحور الأخير: تفسيير القانون.

    المبحث الأول : ماهية التفسير القانوني

    إن التفسير القانوني في إطار مفهومه العام يعني أن القاعدة القانونية المراد تفسيرها يكتنفها الغموض ،ولذلك يسعى المشرع إلى توضيحها ولإعطاء أكثر دقة لماهية التفسير القانوني يجب أولاً أن نقوم بتعريفه وبعده نقوم بتبيان أهم أهدافه وأهميته بالنسبة للمجال القانوني وكذلك عرض أهم فروعه من تفسير تشريعي إلى تفسير قضائي ثم تفسير فقهي

    المطلب الأول : تعريف التفسير القانوني

    عملية تفسير قواعد بصفة عامة ، والتصرفات القانونية بصفة خاصة تضطلع بها جهات متعددة ومختلفة " فهكذا قد يضطلع بالتفسير رجال الفقه ويسمى التفسير الفقهي ، وقد تضطلع عليه السلطة التشريعية فيسمى بالتفسير التشريعي ، وقد تضطلع عليه السلطة التنفيذية أو سلطات إدارية أو حكومية يسمى بالتفسير التنظيمي أو التفسير الإداري" .

    وقد يقوم بوظيقة تفسير القانون سلطة القضاء خلال الإضطلاع بوظيفة النظر والفصل في المنازعات والدعاوى القضائية المختلفة وهنا يسمى بالتفسير القضائي .

    والتفسير هو استخلاص الحكم القانوني من النصوص التشريعية المعمول بها .

    الفرع الأول: تعريف التفسير لغة

    هو عملية عقلية منطقية لعمل من الأعمال المعروفة ، أي الذهنية والروحية التي تستهدف المعنى الذي يحمله اصطلاح معين ..." .

    الفرع الثاني: تعريف التفسير القانوني اصطلاحاً

    ولتحديد مفهوم التفسير يجب أن يكون هناك مفهوم ضيق ومفهوم أوسع وشامل .

    1- المفهوم الضيق أو المحدود : يقصد بالتفسير بالمفهوم الضيق أو المحدد هو استخلاص الحكم القانوني من النصوص التشريعية المعمول بها .

    وهو عملية تتعلق بنية وإرادة المعرفة تقوم بها سلطة مختصة بهدف تخصيص وتجسيد المعطيات القانونية الموجودة ، وذلك لاستنباط قاعدة أو مجموعة قواعد تطبق على علاقات أو مراكز آو تصرفات محددة .

    وعليه يقتصر التفسير وفق هذا المفهوم على تفسير التشريع دون غيره اعتباراً لمكانته بين المصادر الأخرى للقاعدة القانونية ولغموضه في الكثير من الأحيان وطبقاً لهذا المفهوم فإن مجال التفسير يقتصر فقط على قواعد التشريع .

    2- المفهوم الواسع للتفسير : يقصد بالتفسير إطلاقاً لا تحديداً الاستدلال على ما تتضمنه القواعد القانونية من حكم وتحديد المعنى الذي تتضمنه هذه القاعدة حتى يمكن مطابقتها على الظروف الواقعية .

    أو هو إجراء منهجي تستطيع بواسطته سلطة مختصة أن تبسط حكم أو مجموعة أحكام غامضة أو عنصر من عناصر القاعدة الواجبة التطبيق .

    ومن هنا فيكون مفهوم التفسير لكل قاعدة قانونية أياً كان مصدرها سواء التشريع أو الشريعة الإسلامية أو العرف ، وتبعاً لذل يتسع مجاله فيشمل جميع القواعد القانونية

    وكذلك يمكن استخلاص مجموعة من المعاني في هذين التفسيرين :

    التفسير ه عملية ذهنية تهدف إلى استخراج النص أو المضمون الحقيقي لقاعدة معينة.

    التفسير يعني وجود اصطلاح مطلوب اكتشاف واستخراج المحتوى الذي يتضمنه .

    التفسير يقتضي وجود سلطة عامة تضطلع عليه وكذلك وجود حكم غامض ومبهم يتطلب التفسير .


    المطلب الثاني : أهمية التفسير القانوني

    انطلاقاً من المفهوم الواسع والضيق للقانون والذي سبق ذكره فإنه يمكن تحديد ولو بإيجاز أهمية وأهداف التفسير.

    نبرز أهمية التفسير خاصة من النواحي التالية :

    1- إن التفسير عمل يسبق التطبيق وعليه يتعذر تطبيق القاعدة القانونية قبل تفسيرها خاصة إذا كنت ذات مدلول غامض من الصعب الاهتداء إليها .

    2- تتحكم عملية التفسير في مدى تطبيق القاعدة القانونية ومجال امتدادها فإذا فسرت بمفهوم واسع مثلاً فإنها ستحوي بين ثناياها وقائع كثيرة وخلاف ذلك إذا تم تفسيرها تفسيراً ضيقاً محدوداً فإنها تقتصر على وقائع دون أخرى .

    3- إن التفسير وإن كان بحسب وجهة نظر كثير من رجال الفقه يقتصر على التشريع انطلاقاً من فكرة أن القواعد التشريعية عادة ما يأتي بأسلوب مختصر كما انه قد يمتد لتفسير قواعد العرف بل وأحكام القضاء .

    المطلب الثالث :أهداف التفسير

    1- تحديد واكتشاف المعنى الحقيقي والسليم للقاعدة القانونية أو التصرف القانوني وذلك بكافة وسائل التفسير والمناهج المعتمدة في عملية التفسير .

    2- تدعيم وتكميل النص القانوني إذا ما شابه الإيجاز والاقتضاب .

    3- رفع التناقض القائم على أحكام القاعدة القانونية وبين التصرف القانوني وذلك بترجيح حكم على آخر إذا لزم ذلك.

    4-تكييف وملائمة القاعدة والتصرفات القانونية مع ظروف الحال والواقع بعناصره وجزئياته المتغيرة ، وتخصيص وتجسيد القاعدة القانونية وتقريرها لتصبح قابلة للتنفيذ .


    المطلب الرابع : أنواع التفسير القانوني

    ينقسم التفسير القانوني من حيث الجهة التي تتولاه إلى تفسير تشريعي وتفسير قضائي وتفسير فقهي .

    الفرع الأول: التفسير التشريعي

    هو الذي يقوم به المشرع نفسه أي الجهة التي سنت القاعدة القانونية أو جهة أخرى مفوضة من قبلها للقيام بهذا الأخير وهذا التفسير يضعه المشرع ليوضح به قصده من تشريع سابق ،إذا تبين له أن المحاكم لم تهتد إلى هذا القصد فتلتزم المحاكم عندئذ بهذا التفسير التشريعي ، ويستند التفسير التشريعي إلى فكرة الفصل بين السلطات فالقضاة عليهم فقط واجب تطبيق التشريع ،فإذا وجدوا غموضاً في بعض القواعد يتعين عليهم اللجوء إلى الجهة التي أصدرت النص أو القانون لتتولى تفسيره ، ولا يعتبر التشريع المفسر تشريعاً جديداً لذلك فهو ينطبق على الوقائع التي حدثت منذ صدور التشريع الأول .

    والتفسير التشريعي إذا كان من جهة يعبر عن مضمون القاعدة القانونية ويكشف عن أبعادها وخفاياها لأنه صادر عن نفس الجهة التي أصدرت النص ،إلا أن الظاهرة التي تشهدها المجتمعات اليوم أن المشرع قلما يتدخل لتفسير التشريع معين فهو يتنازل عن التفسير تاركاً المجال للقضاء والفقه كي يدلي كل بدلوه من أجل رفع الغموض واللبس الذي يحوم حول بعض القواعد التشريعية ، وإذا صدر تشريع تفسيري بخصوص مسألة معينة لا يمكن للقاضي الخروج عنه أو الاجتهاد بعد هذا التفسير بل هذا الأخير يرتبط بالنص الأصلي بعد ساعة نفاذه .

    الفرع الثاني : التفسير القضائي

    وهو التفسير الذي يقوم به القضاة وهم يفصلون في القضايا المعروضة عليهم حتى يتجسدوا حكم القانون على الوقائع التي بين أيديهم ويقومون بهذا دون أن يطلب منهم الخصوم ذلك

    والتفسير القضائي يحدث دائماً عكس التفسير التشريعي لأن القاضي لا يمكنه أن يطبق القانون قبل تفسيره ، فالتفسير عمل سابق للتطبيق كما سبق ذكره .

    والتفسير القضائي يمتاز بتأثره بالاعتبارات العلمية لأنه يجئ بمناسبة تطبيق القانون على واقعة معينة مطروحة أمامه.

    ومن خلال ما تقدم تبين أن دور القاضي أوسع وأدق من عمل المشرع نفسه لأن السلطة التنفيذية المختصة بالتشريع حيث تسن قاعدة قانونية تصفها دون النظر للحالات الخاصة والوقائع العلمية.

    " فالتشريع ينبغي أن يراعي فيه العمومية والتجريد بينما القاضي يفصل في المنازعات المعروضة عليه ويواجه وقائع وحالات عملية قد تختلف في موضوعها وقد تتشابه ، ويطلب منه الفصل يما تقره القواعد القانونية" .

    ولتسهيل عملية التفسير على القضاة عمدت دول كثيرة على تجميع قرارات محاكم النقض والمحاكم الإدارية العليا والمحاكم الدستورية في نشريات رسمية يسترشد بها القضاة " كما هو الحال في الجزائر  مثال على ذلك نشرة القضاء الصادرة عن وزارة العدل" .

    مدى إلزامية اجتهادات المحكمة العليا بالنسبة للمحاكم والمجالس القضائية في الجزائر :

    تنص المادة 152 من دستور 1996 على أن :" تمثل المحكمة العليا في جميع مجالات القانون المقومة لأعمال المجالس القضائية والمحاكم ، تضمن المحكمة العليا ومجلس الدولة توحيد الاجتهاد في جميع أنحاء البلاد وليسهران على احترام القانون" .

    فهذا النص الدستوري اعترف صراحة للمحكمة العليا ومجلس الدولة بالدور الريادي في توحيد الاجتهاد القضائي والسهر على احترام القانون ، ومنه نفهم أن المؤسس الدستوري تبنى نظام ازدواجية القضاء على الأقل في قمة الهرم القضائي ، ففصل بين القضاء العادي (المدني ، الأحوال الشخصية ، التجار ، الاجتماعي ، البحري ..) والقضاء الإداري .

    حيث عهد المؤسس للمحكمة العليا أمر النظر في الأحكام والقرارات القضائية التي تمس أحد المجالات المذكورة ، فإن رأت في الحكم أو القرار مخالفة للقانون تدخلت ونقضته وتحيل الملف إلى الجهة القضائية التي أصدرت الحكم .

    وعلى الصعيد الإداري عهد المؤسس الدستوري حديثاً لمجلس الدولة هذه الهيئة القضائية الجديدة مهمة السهر على احترام القانون والاجتهاد في المسائل الإدارية "

    الفرع الثالث : التفسير الفقهي

    " هو التفسير الذي نجده في كتابات الفقهاء ويغلب عليه طابع المنطق لأن الفقه لا تعرض عليه حالات واقعية يطلب من الفصل فيها خلاف التفسير القضائي . وهذا التفسير يقوم به فقهاء القانون من خلال مؤلفاتهم وأبحاثهم وتقتصر مهمة الفقيه على استخلاص حكم القانون انطلاقاً من قواعده المجردة دون معالجة الظروف الخاصة والحالات الواقعية ، فالفقيه يتناول بالشرح والتحليل وجهة نظر مختلف المدارس الفقهية بخصوص الإشكالات القانونية المطروحة في شتى فروع العلوم القانونية وبربط هذه التحاليل بخطوات المشرع وباجتهادات القضاء وكثيراً ما يقارن بين مختلف الأنظمة القانونية وأحكام القضاء المقارن كل ذلك بهدف الوصول إلى تشخيص مواطن الضعف والقوة وبغرض لفت نظر المشرع لما يعيد للنصوص قوتها وتناسقها وانسجامها .

    وقديماً لعب الفقه في القانون الروماني دوراً رائداً إذ اعتبر مصدر من مصادر القانون بسبب أن القضاة والمحلفين لم يكونوا مختصين في القانون فكانوا بحاجة ماسة إلى الاستعانة برجال الفقه ، وفي النظام الإسلامي احتل الفقه مكانة مرموقة وحسبنا أن نشير بأن الإجماع غدا بمثابة مصدر احتياطي يلجأ إليه القاضي في حالة عدم وجود نص في الكتاب أو السنة .

    المبحث الثاني : المذاهب المختلفة في التفسير وموقف المشرع الجزائري منها.

    هناك عدة مدارس للتفسير لها نظريات واتجاهات مختلفة في كيفية تفسير القانون والتصرفات القانونية .

    فهناك مدارس الاتجاه التقليدي في التفسير تدافع عن التفسير الضيق للقانون (مدرسة الشرح على المتون) وهناك مدارس أوسع من المدارس التقليدية اهتمت بالجوانب العديدة المحيطة بالقانون .

    المطلب الأول: نظرية الالتزام بالنص (مدرسة الشرح على المتون)

    ظهرت هذه المدرسة نتيجة صدور المجموعات القانونية في فرنسا ، وهي مدرسة تقليدية تقدس التفسير الضيق والحرفي للنصوص والقواعد القانونية، حيث تعتقد هذه المدرسة أن النصوص القانونية تتضمن على دقائق القانون وتفاصيله، كما أنها احتوت كافة الفرضيات والاحتياطات لمواجهة تطورات مفاجأة في الحياة، وهذا بسبب ذكاء وفطنة المشرع وقة تبصره وإدراكه ووعيه العميق، كما أن المشرع متمكن من اللغة القانونية، فهو ينتقي الألفاظ والمصطلحات ويحدد دلالاتها ومضمونها بعناية ودقة .

    ومن ثم وجب عند التفسير الرجوع إلى إرادة المشرع وقت وضعه للقواعد القانونية وإلى إٍرادة صاحب التصرف القانوني حين إصداره للتصرف. ويجب أن تتم عملية الرجوع والبحث عن إرادة المشرع من خلال النصوص بألفاظها ودلالتها اللغوية والاصطلاحية وتراكيبها اللغوية .

    الفرع الأول: النقد الموجه إلى هذه النظرية

    إن أبرز نقد وجه لهذه النظرية أنها اعتبرت التشريع مصدراً وحيداً من مصادر القانون وألزمت القاضي بأن يبحث عن الإرادة الظاهرة أولاً ثم المفترضة ثانياً، وأنكرت دور بقية المصادر ، وحتى ولو كان هناك عدم إنكار على دور التشريع في تنظيم العلاقات والروابط إلا أن ذلك يعني أن نضرب عرض الحائط بقية المصادر.

    المطلب الثاني : المدرسة التاريخية أو الاجتماعية

    ظهرت هذه المدرسة في كل من ألمانيا وفرنسا، ثم بدأ إشعاعها ينتشر في بقية أنحاء العالم بدرجات مختلفة ويعتمد مذهب هذه المدرسة في مجال التفسير أنه حتمية عدم التقيد بحرفية وجمود النصوص القانونية بل لابد من تفسير القانون في المحيط الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والتاريخي العام لوقت سن ووضع التشريعات القانونية، فالمشرع وفقاً لمبدأ تباين النظم الاجتماعية بصفة عامة والقانون بصفة خاصة يتأثر ويتبادل ويتفاعل حتمياً بمعطيات وحوادث الواقع الاجتماعي .

    ومن أبرز أنصار هذه المدرسة نجد فوت مارلن بفرنسا ، سافيني وهيجور باشتا في ألمانيا ، ويمتاز هذا المذهب بالواقعية والمنهجية العلمية والموضوعية والدقة في التفسير السليم والحقيقي للقانون ، وهذه المدرسة كانت تحتاج إلى مدارس علمية وبحثية أخرى وواقعية لتكملة التفسير القانوني حتى يكون التفسير حيوياً وواقعياً وفعالاً.

    الفرع الأول:النقد الموجه إلى هذه النظرية

    رغم المرونة التي تطبع هذه النظرية ورغم تقديرها للظروف الاجتماعية وضرورة مواكبة التشريع لها إلا أنها فتحت مجالاً واسعاً للقاضي أو الفقيه للخروج عن إرادة المشرع الحقيقية تحت حجة تفسير القانون وفقاً لمعطيات اجتماعية جديدة وكان مصيرها مثل مصير الإرادة المفترضة التي نادى بها أصحاب مدرسة الشرح على المتون .

    المطلب الثالث : مدرسة البحث العلمي الحر

    انطلقت هذه المدرسة من فكرة أن التشريع قد يكون مشوباً بالنقص وأن هذا النقص ينبغي أن يجبر بالرجوع إلى مصادر أخرى ، وظهرت هذه المدرسة كرد فعل على النتائج السلبية غير الواقعية وغير المنطقية لتطبيقات مدرسة الشرح على المتون ، والتي طالت مدتها نسبياً، فقد نشأت هذه المدرسة على يد فرنسوا جيني الذي دعا إلى ضرورة تطبيق هذه النظرية في كتابه" منهجية التفسير والمصادر في القانون الخاص الفرنسي" عام 1899 وظهر في طبعة جديدة عام 1954.

    مضمون هذه المدرسة هو أن التشريع سيتم دائماً بالنقص وعدم الإحاطة والشمولية في تنظيمه لتفاصيل العلاقات والمراكز والأوضاع القانونية مهما حاول المشرع من إبداء دقة وإحاطة بكافة جوانب العلاقات القانونية .

    ولذلك كان على السلطة المختصة في تفسير القانون أن تكمل هذا النقص بواسطة التفسير العلمي الحر الواقعي بواسطة استخدام مناهج البحث العلمي، فهذه المدرسة ترفض ابتداء الاعتماد على النصوص والبحث من خلالها على إرادة المشرع.

    وبالرغم من خشية بعض الفقهاء من أن يؤدي الاعتراف للقاضي بسلطة الاجتهاد ووضع الحلول اللازمة لسد الفجوات والنقص الموجود في التشريع إلى حدوث الفوضى والاضطراب في تفسير القانون بالرغم من هذا التخوف فإن مذهب هذه المدرسة يلقى مقبولاً من كافة الفقهاء.

    المطلب الرابع : موقف المشرع الجزائري من هذه المدارس

    نصت المادة الأولى من القانون المدني على أنه:" يسري القانون على جميع المسائل التي تتناولها نصوصه في لفظها أو في فحواها، وإذا لم يوجد نص تشريعي حكم القاضي بمقتضى مبادئ الشريعة الإسلامية ،فإذا لم يوجد فبمقتضى العرف فإذا لم يوجد فبمقتضى مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة " .

    ويتضح أن المشرع الجزائري تأثر بمدرسة الشرح على المتون لأن المادة الأولى من القانون المدني ألزمت القاضي أن يفسر نصوص التشريع لفظاَ وإذا لم يستطع الاهتداء بمفهوم النص بالنظر لألفاظه فعليه أن يتخلص هذا لمعنى من فحوى النص أو من روحه إلا أن المشرع الجزائري قد ظهر في المادة الأولى المذكورة متأثراً بنظرية الشرح على المتون خاصة الفقرة الأولى إلا أن ذلك اقتصر فقط على الإرادة الظاهرة للمشرع التي يستلهمها القاضي من فحوى النص فليس للقاضي أن يبحث في الإرادة المفترضة كما ذهبت لذلك مدرسة الشرح على المتون.

    وقد تأثر المشرع الجزائري أيضاً بمدرسة البحث العلمي الحر حين إقرارها برجوع القاضي أو المفسر إلى معنى النص التشريعي فإذا لم يجد فيمكن له البحث عن القاعدة القانونية في المصادر المذكورة للتشريع.

    قائمة المراجع:

    1/ إبراهيم أبو النجا، محاضرات في فلسفة القانون، ديوان المطبوعات الجامعية، الساحة المركزية، بن عكنون، الجزائر، الطبعة الثالثة، 1992.

    2/ فاضلي ادريس، الوجيز في فلسفة القانون، ديوان المطبوعات الجامعية، الساحة المركزية، بن عكنون، الجزائر، 2003.

    3/ حسان هشام، محاضرات في فلسفة القانون، معهد العلوم القانونية والإدارية، المركز الجامعي زيان عاشور، الجلفة، ألقيت على طلبة السنة الأولى، 2007/2008.

    4/ حوبه عبد القادر، محاضرات في المنهجية للسنة الاولى،  مناهج العلوم القانونية،  المركز الجامعي بالوادي، معهد العلوم القانونية والإدارية،  2009/2010.