Aperçu des sections

  • الفضاءات العمومية الافتراضية

    ثانيا: الفضاءات العمومية الافتراضية :
    مفهومها:
    لقد شكل ظهور الانترنت وتطورها قفزة نوعية في مجال التواصل الإنساني، وذلك بالنظر إلى إلغائها وتقريبها للمسافات بين الأشخاص وتخطيها لكل الحواجز والحدود الجغرافية، كما أتاحت شبكة الانترنت مساحات واسعة وتفاعلية أدت إلى إدخال الفرد المستخدم لها في حالة دائمة من التفاعل المستمر الذي نشأ عنه تبادل الأدوار والمعلومات والمشاركة في المواقف والاهتمامات والمناقشة في مختلف المواضيع والقضايا التي تشغل العقول، و تعرف هذه المساحات الجديدة باسم الفضاء الافتراضي ( الرقمي أو الالكتروني).
    يعرف الفضاء الالكتروني ( الافتراضي ) بأنه مجال طبيعي ومادي ويرى آخرون بأنه ذا طابع افتراضي حيث يرون انه تلك البيئة الافتراضية التي تعمل بها المعلومات الالكترونية والتي تتصل عن طريق شبكات الكمبيوتر، كما يعرف بأنه ذلك المجال الذي يتميز باستخدام الالكترونيات والمجال الكهرومغناطيسي لتخزين وتعديل أو تغيير البيانات عن طريق النظم المتصلة والمرتبطة بالبنية التحتية الطبيعية.
    ويشير الباحث الصادق الهمامي إلى أن الفضاء العمومي الافتراضي عبارة عن فضاء متنوع الأبعاد يحتضن أنماطا متعددة من الكتابة الجديدة ( التدوين..) وأنماطا من الاتصال ذات نماذج تقليدية كالإعلان والتسويق، وفي هذا المضمار ينشط عدد من الفاعلين: مؤسسات اقتصادية، أحزاب سياسية ومنظمات حكومية وجماعات افتراضية وأفراد مغمورون أو نجوم...، وخطابات فردية ومؤسساتية منظمة وغير منظمة، كما أن هذا الفضاء ييسر نفاذ المشاركين إلى النقاش العام وتعزيز طابع التنوع الفكري عبر استحداث مساحات أخرى للنقاش وتجاوز التنميط الفكري.
        خصائص الفضاءات الرقمية :
    تتسم الفضاءات الرقمية الافتراضية بجملة من الخصائص قدمها الباحث ماكويل على النحو الآتي:
    *التفاعلية وهي تتمثل في نسبة الاستجابة والمبادرة التي يقوم بها المستخدم مقارنة بما يقدمه المصدر من معلومات.
    *الحضور الاجتماعي أو روح التفاعل الاجتماعي وهي مدى إحساس الفرد المستخدم بالتواصل الشخصي مع الآخرين من خلال استخدام هذه الفضاءات الرقمية .
    * الثراء في الوسيلة : ونعني به مدى قدرة الوسيلة على تقريب المسافة بين مختلف وجهات النظر ومد جسور التفاهم بين مختلف المرجعيات وتقليص الفوارق وإزالة سوء الفهم والغموض من خلال تعدد خصائصها.
    * الاستقلالية: وهي درجة إحساس المستخدم بالتحكم والسيطرة على المحتوى وذلك بعيدا عن سيطرة وتحكم الآخرين.
    * الخصوصية: وهي قدرة المستخدم على اختيار المحتوى الذي يناسبه وحماية معلوماته الشخصية بدون متابعة أو تدخل المصدر.
    * الشخصنة : عندما يكون المحتوى مخصصا لفرد ومتوافقا مع احتياجاته على سبيل المثال يمكن للمستخدم تخصيص نوع محدد من الأخبار بحيث يستقبلها بشكل شخصي ويتناسب مع ميولاته الذاتية وكذلك مع ظروفه الزمانية والمكانية.
    وفيما يخص انعكاسات هذه الفضاءات الافتراضية  فقد أثرت بشكل واضح وقوي على العملية الاتصالية من خلال سرعة انتقال المعلومات وتبادلها على نطاق واسع جعل الأفراد في حالة من التفاعلية الدائمة نتج عنها تبادل الأدوار بين أطراف العملية الاتصالية ،  وعلى الممارسة الإعلامية من جهة أخرى حيث ظهر ما يعرف بإعلام المواطن ، حيث أصبح الفرد يصنع المحتوى الإعلامي الذي يتماشى مع اهتماماته و يعكس الواقع بصدق وموضوعية وذلك بالاعتماد على مصادره الخاصة وإمكاناته الذاتية ، كما شكلت هذه الفضاءات الالكترونية أيضا منبرا هاما للتعبير والنقاش وتبادل الرؤى والأفكار وبالتالي المساهمة في تشكيل الرأي العام.
        أشكال الفضاءات الرقمية:
    تتمثل الفضاءات الرقمية التي أتاحتها شبكة الانترنت في :الشبكات الاجتماعية المدونات ومنتديات الحوار والدردشة:
    أ – الشبكات الاجتماعية:
    وقد عرفها كل من إلسون وبويد على أنها مواقع تتشكل من خلال الانترنت ، تسمح للأفراد بتقديم لمحة عن حياتهم العامة ، وإتاحة الفرصة للاتصال بقائمة المسجلين والتعبير عن وجهة نظر الأفراد أو المجموعات من خلال عملية الاتصال وتختلف طبيعة التواصل من موقع للآخر، ومن جهة أخرى عرفت الشبكات الاجتماعية على أنها مجموعة من المواقع على شبكة الانترنت ظهرت مع الجيل الثاني للويب تتيح التواصل بين الأفراد في بنية مجتمع افتراضي ، يجمع بين أفرادها اهتمام مشترك أو شبه انتماء ( بلد، جامعة، شركة...الخ) يتم التواصل بينهم من خلال الرسائل أو الاطلاع على الملفات الشخصية ومعرفة أخبارهم  ومعلوماتهم التي يتيحونها للعرض ، فهي وسيلة فعالة للتواصل الاجتماعي بين الأفراد سواء كانوا أصدقاء تعرفهم في الواقع أو أصدقاء عرفتهم من خلال السياقات الافتراضية، ومن أمثلة ذلك نذكر التويتر، الفايس بوك، الواتساب ....الخ.                                                      
    ب- المدونات:  
    تعرف المدونات على أنها : مواقع انترناتية تتيح عملية النشر البسيط و الفعال ، و تسمح بإنتاج النصوص  والرسومات ومقاطع الفيديو على أساس منتظم ، كما تمكن من استقبال مختلف التعاليق ودون معرفة خاصة بهوية المعلقين.
    كما يمكن أن نعتبر المدونات عبارة عن مواقع شخصية يؤسسها الأفراد للتعبير عن أفكارهم وطرح انشغالاتهم وتباحثها مع الآخرين من خلال استقبال تعاليقهم و ذلك في مختلف الميادين والقضايا المطروحة للنقاش.                                                                
    ويرجع الفضل إلى بزوغ هدا النمط من التواصل إلى الثورة المعلوماتية المعاصرة التي وفرت لكل متمكن من أبجديات البحث في الشبكة العنكبوتية  فرصة الخروج من الوضع ألسكوني والمشاركة في الفضاء العام      والتفاعل مع الآخرين من خلال إنشاء المدونات التي تعد فضاء لتبادل الأفكار والمعلومات والأخبار  والخدمات ، ومما لا شك فيه أن عوامل اجتماعية وسياسية وثقافية وعلمية وتقنية قد أدت إلى ظهور المدونات ، فشيوع القمع وضياع المصالح العامة بسبب القرارات الاعتباطية والمتناقضة والردود الانفعالية  والاستبدادية في الحكم وخنق الحريات وخاصة حرية التعبير والتفكير أفضى إلى البحث عن قنوات جديدة للتعبير عن الذات وإبداء الرأي ، فالمدونات تعطي سلطة جديدة للمواطن وتساهم في توسيع قدرات الأفراد   والجماعات على ممارسة النقد الاجتماعي والمشاركة في النقاشات العامة التي تمس مصالحهم وقضاياهم المحلية منها أو الدولية.
        خصائص التدوين:
     يتسم التدوين بمجموعة من الخصائص التي تحكم صيرورة إنتاجه والتي تجعله مختلفا عن أشكال النشر الالكتروني ومن بين هده السمات المحورية نذكر:
     - البساطة فالإدراجات مرتبة بطريقة كرونولوجية معكوسة أي من الأحدث زمنيا ثم الذي يليه ، ولا تتبنى المدونات المعايير المتبعة في الفضاء الإعلامي فيما يتعلق بتصنيف المدرجات ( التدوينات)                                                                      
      - الاختصار والمباشرة فهي توظف سجل لغوي عادي وعامي في أحيان كثيرة، وبما أن الانترنت تمثل محيطا تبادليا تغلب غليه التخمة المعلوماتية لذا فان المترددين على المدونات يثمنون المدونين الذين يعبرون عن أفكارهم ورؤاهم بأقل عدد ممكن من الكلمات والعبارات.                                                                                  
      - الانفرادية أي أن المدونة يقوم على إدارتها شخص واحد في غالب الأحيان حيث يتخذها كفضاء للتعبير عن انشغالاته.                                                           
      - تمكين زوارها من نشر تعاليقهم تحت الإدراج وهو ما يحولها إلى فضاء للتبادل والتحاور والتفاعل، إن هذه الطبيعة (الميزة) التفاعلية التي تجعل من المدونات أدوات ملائمة لخلق أنماط جديدة من الإعلام ألتشاركي
      - إمكانية الإحالة إلى مواقع أخرى من خلال الروابط التي تتيحها  المدونات والهدف منها هو أن الكثير من المدونين يريدون إثراء مضامين مدوناتهم بتطعيمها بتعليقات أو أفكار يعثرون عليها أثناء إبحارهم في الإنترنت ويرون أنها تساهم في خلق تفاعلية اكبر بينهم وبين المترددين عليها .
      - استخدام تطبيقات تكنولوجية متشابهة في إدارة و تحرير وأرشفة الإدراجات والوثائق ، إنها تستخدم واجهات ونماذج بسيطة في بنائها التقني.
    وعموما فالمدونات ليست فقط عبارة عن تطبيقات تقنية بحتة لكنها تحيل أيضا إلى نوع من الممارسة الاجتماعية لجماعة معينة داخل الفضاء الاجتماعي الافتراضي، فالمدونون يعتبرون أنفسهم كجزء من جماعة تتقاسم فيما بينها مجموعة من القيم والرموز والطقوس اللغوية.
    ج - منتديات الحوار و الدردشة :
    وهي مواقع على الشبكة يتم تحميل برنامج المنتدى عليها وتتفرع منه وصلات تبويب مصنفة ، والمعرفات فيها ثابتة للمشرفين والأعضاء على حد سواء ، ولكل منتدى عادة مشرف عام يسمى في بعض المنتديات المراقب العام وفريق من المشرفين لهم صلاحيات متفاوتة ، فثمة مشرفون لهم صلاحية تحرير وتعديل مشاركات بقية الأعضاء وآخرون تتسع صلاحياتهم لتشمل حذف المواضيع ، وفي الغالب يكون المشرفون أعضاء عاديين في المنتدى تتم ترقيتهم وفق اعتبارات تضعها إدارة المنتدى ، غير أن الدور الإعلامي الأبرز للمنتديات يتمثل في كونها مساحة للرأي العام ، ففي المنتديات نجد تعددية في الرأي حيال جملة متباينة من الأحداث والقضايا  على نحو يتجاوز قدرة وسائل الإعلام المحلية وثانيا يعطي مؤشرات أولية على حجم و نوع اهتمامات الجمهور المحلي بالقضايا المطروحة في وسائل الإعلام التقليدية والصحف الالكترونية ، هذا الدور جعل ما يطرح في المنتديات ينتقل إلى تلك الوسائل.
  • الفضاءات الرقمية ومظاهر التحول في الراي العام

    يشير ألبورت فلوريد الى أن الرأي العام هو تعبير جمع كثير من الأفراد عن آرائهم في موقف معين معارضين أو مؤيدين بحيث تكون نسبتهم مع الكثرة كافية للتأثير على أفعالهم بطرق مباشرة أو غير مباشرة تجاه الموضوع الذي هم بصدده ، أما ويليام ألبينج فيرى أن الرأي العام ينتج عن تفاعل أفكار الأشخاص في أي شكل من أشكال الجماعة ، في حين عرف آخرون الرأي العام على أنه وجهة نظر أغلبية الجماعة الذي لا يفوقه أو يجبه رأي آخر وذلك في وقت معين إزاء مسألة تعني الجماعة تدور حولها المناقشة صراحة أو ضمنيا في إطار هذه الجماعة.

    أما قاموس ويبستر فيعرف الرأي العام على أنه  الرأي المشترك خصوصا عندما يظهر على أنه رأي العامة من الناس، عموما يمكننا القول أن الرأي العام هو محصلة تفاعل مجموع الآراء الفردية التي يبديها الأفراد إزاء قضية أو موضوع يهمهم أو يمس قيمهم و ذلك خلال فترة زمنية معينة.
    :على العموم سنحاول في هذه المحاضرة التطرق الى النقاط التالية
    مفهوم الرأي العام
    العوامل المؤثرة في تشكيل الرأي العام
    خصائص التحول في الرأي العام في ظل الفضاءات الرقمية
    مظاهر التحول في الرأي العام في ظل الفضاءات الرقمية
  • تشكل الرأي العام : الانتقال من الفضاء العمومي التقليدي إلى الفضاء الرقمي :

    تشير الدراسات الى وجود العديد من العوامل التي تتداخل في تشكيل الرأي العام  وبلورته لعل أهم هذه العوامل هو المناخ السياسي السائد في مجتمع ما والذي يتحدد من خلاله الرأي العام ، حيث نجد أن الأنظمة الليبرالية والديمقراطية تمنح لأفرادها منابر التعبير عن آرائها وتقديم ملاحظاتها بخصوص الممارسة السياسية ، والبرامج والمشاريع ...الخ وذلك عبر مختلف الفضاءات العمومية  التي تعد مفتوحة ومتاحة أما المواطنين والتي تؤطرها وتنظمها القوانين التي تسنها السلطة الحاكمة بغية تحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي ، حيث تسمح هذه الفضاءات العمومية بخلق و توفير دوائر للنقاش والحوار ومباحثة مختلف المسائل التي تهم الشأن العام فتظهر بذلك الآراء المختلفة التي تباين في كثير من الأحيان بيت التأييد  والمعارضة وذلك بحسب القناعات والحجج التي يمتلكها كل فرد يعبر عن رأيه .

    وعلى العكس من ذلك تماما فإن الأنظمة الديكتاتورية تحتكر الفضاءات العمومية وتسيطر عليها وهي ليست مفتوحة في وجه المواطنين جميعا بل هي تحت سيطرة وإدارة الجماعات الموالية  للنظام فحسب ، بينما كل من هو معارض للسلطة السياسية فليس له مكان أو فضاء للممارسة السياسية أو للإدلاء برأيه والتعبير عنه ، بالإضافة إلى ذلك فأن الأفراد في ظل الأنظمة الدكتاتورية لا يستطيعون الجهر بآرائهم خاصة إذا ما كانت لا تتماشى مع السياسية العامة للسلطة السياسية ، كما أن الأفراد يتعرضون لشتى الممارسات القمعية سواء بطرق قانونية أو غير قانونية ومن هذه الممارسات : منع التجمهر ، القيام بالمظاهرات ، القيام بالإضرابات وذلك من خلال فرض عقوبات مختلفة كالسجن والتغريم ، وبالتالي فالرأي العام في ظل هذه الأنظمة الدكتاتورية يظل كامنا نتيجة الخوف والمضايقات السياسية الممارسة على الأفراد في الفضاء العمومي، و من هذا المنطلق يمكن القول أن تشكل الرأي العام يتجلى أكثر كلما كانت الفضاءات العمومية متاحة للأفراد للتعبير عن آرائهم والجهر بها وذلك في ظل نظام سياسي ديمقراطي ، بينما تنعدم فرص الرأي العام في التبلور كلما كان النظام السياسي السائد دكتاتوري.