أصل بني عثمان وقيام الدولة العلية
في الوقت الذي كان فيه المسلمون بقيادة
السلاجقة يقاتلون جحافل الصليبين التي خرجت من أوربا باتجاه المشرق الإسلامي
للسيطرة على بيت المقدس، كانت موجه أخرى من قبائل المغول المتوحشة تتجمع في أواسط
آسيا وتتجه غربا نحو البلاد الإسلامية. وما إن أخذ مد الغزوة الصليبية بالتراجع في
معركة حطين الشهيرة وإنقاذ بيت المقدس من أيديهم في عام 583هـ/م، حتى زرع جنكيز
خان زعيم تلك القبائل الموت والدمار في ربوع العالم الإسلامي، فدمر معالم الحضارة
فيه لمدة خمس سنين متوالية وخاصة في منطقة شمال العراق. ثم قام حفيده هولاكو
فاستولى على بغداد عاصمة الخلفاء العباسيين فنهبها وأحرقها وقتل معظم سكانها الذين
بلغوا في ذلك الزمن قرابة الثمانمائة ألف نسمة بما فيهم الخليفة وحاشيته عام
656هـ/1258م. في زحمة تلك الأحداث الرهيبة التي لم يشهد لها المسلمون مثيلا، كانت
يد القدر تنبت البذرة الأولى للدولة العثمانية الإسلامية الوليدة التي استطاعت في
أقل من قرنين أن تمد جناحيها شرقا وغربا وجنوبا وتدق أبواب فيينا باسطة لواء
الإسلام على معظم ما يعرف اليوم بدول أوروبا الشرقية واليونان وجزر البحر الأبيض
المتوسط وأجزاء من إيطاليا والنمسا، كما خضعت لسيطرتها الأرض الممتدة من جبال القفقاس
شمالا حتى الصحراء الإفريقية جنوبا وحدود المغرب الأقصى غربا، كما أنها مدت جناحها
الشرقي حتى بلاد فارس وجبال كردستان، شاغلة مساحة من الأراضي قدرت بأكثر من 10
ملايين ميل مربع؛ فكانت أقوى دولة في العالم آنذاك. وقدر لها أن تصبح
إمبراطورية مترامية الأطراف وأن تحكم شعوبا ومللا ونحلا غير متجانسة، وأن تكون
أطول دول الترك بقاء؛ إذ عمرت 623 عاما، وتربع على عرشها أربعون حاكما والثلاثة
الأول منهم بكوات، والباقون سلاطين، ووليها منذ سقوط القسطنطنية سنة 1453م حتى
انقراضها سنة 1924م خمسة وثلاثون خليفة وسلطانا، وبجمعهم بين السلطة الزمنية
والدينية امتلكوا أحقية التلقيب بأمير المؤمنين وخليفة المسلمين، ودعي لهم على
منابر العالم الإسلامي طوال (406) أعوام.