Aperçu des sections

  • التعريف بالمقياس

  • السميولوجيا: موضوعها ومفاهيمها

    1-    موضوع علم السيميولوجيا:

    1-1-        إشكالية المصطلح                                         

    يشيع استعمال مصطلحين لتعيين علم العلامات في الغرب؛ الأول هو Semiologie  والثاني هو Semiotique. وهما كلمتان مركبتان تشتركان في سابقة واحدة هي Semio، التي يعود أصلها إلى الكلمة اليونانية Semeion، وهي تعني "السمة" أو العلامة، لكنهما تختلفان من حيث الكاسعة Suffixe. ففي المصطلح الأول نجد Logie التي يعود أصلها إلى الكلمة اليونانية Logos، وهي تعني الخطاب، وتطلق أيضا على العلم في سياق مقابلته بالأسطورة Mythos. وفي المصطلح الثاني نجد Tique التي يعود أصلها إلى اللغة اللاتينية، حيث تدل على النسبة الديداكتيكية.

    على أن الباحثين -في المجال الفرنسي على وجه الخصوص-وظفوا المصطلحين معا باعتبارهما مترادفين إلى حدود السبعينات من القرن العشرين، ليشرع بعد هذا التاريخ مفهوماهما في التباين، بيد أن الباحثين اختلفوا كذلك بهذا الشأن. فمنهم من جعل السيميولوجيا تتضمن السيميوطيقا، ومنهم من جعل السيميوطيقا تستوعب السيميولوجيا. 

    غير أن الاختلاف بين المصطلحين لم يقتصر على الجانب الإتيمولوجي أو الفيلولوجي، بل تعدى ذلك أحيانا ليصبح قضية إبستمولوجية تذكي النقاشات المتعلقة بعلم العلامات. فقد تم اختيار المصطلح الأول أي سيميولوجيا من قبل العالم اللغوي السويسري فردينان دي سوسير في بدايات القرن العشرين للدلالة على علم عام للعلامات ينطلق من اللسانيات بصفتها فرعا نموذجيا، بينما تم اعتماد المصطلح الثاني سيميوطيقا - في نفس الفترة تقريبا- من قبل الفيلسوف الأمريكي شارل سندرس بيرس، ليدل على علم عام للعلامات يصدر عن المنطق والفلسفة. وهكذا فإن التباين الإبستمولوجي بين مؤسسي السيمياء جعل مصطلح سيميولوجيا أكثر ارتباطا بالمباحث والاتجاهات المتفرعة عن دي سوسير، في حين ظل مصطلح سيميوطيقا أكثر استعمالا فيما يتفرع عن تصورات بيرس من مباحث واتجاهات.

    وخلافا لهذا ميز أمبرتو إيكو بين المصطلحين اعتمادا على حجم تبعيتهما لعلم اللسان. فالسيميولوجيا تميل -في نظره-إلى استعارة نماذج اللسانيات ومفاهيمها واجراءاتها المنهجية، لتعممها على ظواهر غير لسانية، في حين تجنح السيميوطيقا إلى الاستقلال عن علم اللسان واصطناع مفاهيمها الخاصة بها.

    أما عند العرب فقد مال فريق إلى البحث عن مقابل للمصطلح الأجنبي بناء على تركيبه الاشتقاقي، فاقترحت مقابلات عديدة نذكر منها: علم العلامات وعلم الأدلة، وآثر باحثون آخرون البحث عن كلمة عربية أصيلة تفي بالغرض، وبذلك اقترح بعض الباحثين لفظ سيمياء مقابلا للمصطلحين الفرنسي والإنجليزي.

    نطلق إذن مصطلح "السيمياء" على العلم العام للعلامات، أما فروع هذا العلم ومجالاته فنشير إليها بالإضافة أو بالنسبة. وهناك تدقيق آخر يتعلق بموضوع "السيمياء" الذي هو العلامة. فإذا كان هذا المصطلح مستعملا لدى كل السيميائيين الغربيين، فهو يلقى لدى المترجمين والباحثين العرب مقابلات عديدة، منها "الدليل"، "الإشارة"، "العلامة"، "السمة"، "الرمز" و "الأمارة" وغير ذلك.

    1-2-        موضوع السيميولوجيا السيميولوجيا

    إن السيميولوجيا ليست مقاربة منهجية ونظرية حديثة العهد، فقد مضى على نشأتها عقود، منذ أن رسم دي سوسير ملامحها الأساسية في مؤلفه "محاضرات في اللسانيات العامة" المنشور عام 1916، وفيه يعلن ولادة علم جديد. على أن أصول اللفظ تذهب أبعد من هذا التاريخ، وقد تعود إلى القرن الـ 17 مع الفيلسوف الإنجليزي "جون لوك"، إذ يرى أن كل فكر بشري تحكمه العلامات، فحتى نبلغ ميكانزمات هذا الفكر علينا أن نبدأ بفهم حياة العلامات وأنماط اشتغالها.

    يقول "دي سوسير" منذ البداية " إن اللغة نسق من العلامات يعبر عما للإنسان من أفكار، وهي في هذا شبيهة بالكتابة وبأبجدية الصم والبكم، وبالطقوس الرمزية، وبآداب السلوك، وبالإشارات الحربية وغيرها. غير أن اللغة تبقى أهم الأنساق على الإطلاق، لهذا من الممكن أن نتصور علما يدرس حياة العلامات في صلب الحياة الاجتماعية، ونقترح تسميته بالسيميولوجيا، وهي كلمة مشتقة من الكلمة اليونانية Semeion التي تعني علامة، ولعلها تيسر لنا فهم العلامات والقوانين التي تحكمها. وما اللسانيات إلا جزء من هذا العلم العام عند "دي سوسير"، أما عند "رولان بارث" ونظرا إلى فقر المعرفة السيميولوجية التي ما تزال في بدايتها، فلا يمكنها مبدئيا إلا أن تكون جزءا من المعرفة اللسانية إلى حين بناء أدواتها المعرفية والمنهجية والاستقلال بموضوعاتها غير اللسانية.

    إن السيميولوجيا هي العلم الذي يدرس العلامات وحياة الدلائل داخل الحياة الاجتماعية، وقد يشكل فرعا من علم النفس الاجتماعي، وبالتالي فرعا من علم النفس العام. ومن شأن هذا العلم أن يطلعنا على كنه هذه العلامات، وعلى القوانين المادية والنفسية التي تحكمها، وتتيح إمكانيات تمصلها داخل التركيب.

    فالسيميولوجيا علم خاص بالعلامات، هدفها دراسة المعنى الخفي لكل نظام علاماتي. فهي تدرس لغة الإنسان والحيوان، وغيرها من العلامات غير اللسانية، باعتبارها نسقا من العلامات مثل علامات المرور وأساليب العرض في واجهة المحلات التجارية والخرائط والرسوم البيانية والصور وغيرها.

    ومن آباء هذا العلم اللساني القدير "فردينان دي سوسير"، وهو أول من عرف هذا العلم بأنه "علم يدرس حياة العلامات في وسط الحياة الاجتماعية". وكذلك "شارل ساندرس بيرس" الذي يقول "أعني بالسيميوطيقا مذهب الطبيعة الجوهرية والتنوعات الأساسية للدلالة الممكنة"، وكذلك "رولان بارث" الذي يقول " استمدت السيميولوجيا، هذا العلم الذي يمكن أن نحدده رسميا بأنه علم الدلائل أو العلامات، مفاهيمها الإجرائية من اللسانيات". وهناك نوعان من السيميولوجيا؛ تعنى الأولى بدراسة أنظمة التواصل، أي العلامات المستعملة للتأثير في المستقبل، وتعنى الثانية بدراسة أنظمة العلامات التي تشكل الموضوع الأساسي لأي بحث سيميولوجي.

    العلامة

    توضح "جوليا كريستيفا" موضوع السيميولوجيا في قولها " إن دراسة الأنظمة الشفوية وغير الشفوية، ومن ضمنها اللغات، كونها أنظمة تتمفصل داخل تركيب الاختلافات..."، ومن خلال هذه المقولة التي أشار إليها "دي سوسير" سابقا، ندرك موضوع السيميولوجيا، فهي تهتم بالعلامة من حيث كنهها وطبيعتها، وتسعى إلى الكشف عن القوانين المادية والنفسية التي تحكمها وتتيح إمكانية تمفصلها داخل التركيب. وقد لاحظت " جان مارتيني" أن مختلف التعاريف حول السيميولوجيا تتضمن مصطلح علامة وهذا مؤشر على أن هذا هو موضوعها.

    ويعرف "دي سوسير" العلامة بأنها وحدة نفسية ذات وجهين مرتبطين ارتباطا وثيقا، ويتطلب أحدهما الآخر. أما الوجهان فهما الصورة الذهنية "التصور"، والصورة السمعية. والتأليف بينهما يعطينا الدليل، الذي يتوفر على مكونين اثنين الدال والمدلول، وبالجمع بينهما يتكون المعنى، إلا أن العلاقة بينهما تعتبر اعتباطية.

    أما بالنسبة لبيرس فمن الصعب أن نفهم العلامة لأنها وردت في سياق منطقي دقيق، يعتمد كثرة التفريعات والتقسيمات. ولذلك يمكن القول بأنه يعرفها بأنها "شيء ما يعوض شيئا معينا بالنسبة لشخص محدد؛ أي أنه يخلق في ذهن هذا الشخص علامة معادلة أو علامة أكثر تطورا، يسميها "بيرس" مؤولا للعلامة الأولى، ويعوض هذه العلامة شيء معين هو ما يسميه موضوع العلامة.

    ينبثق مفهوم العلامة من منظور "بيرس" انطلاقا من السيميوزيس " العلامة أو الممثل هو الأولاني الذي ينوب عن الثانياني الذي يسمى الموضوع، والممثل يحدد الثالثاني الذي يدعى المؤول، وهذه هي العلاقة الثلاثية الأصيلة. وأي شيء يحدد شيئا آخر هو "مؤوله"، بحيث إن المؤول يحيل على موضوع، وهذا الموضوع يحيل بدوره على موضوع آخر بنفس الطريقة. أي أن المؤول أصبح هو نفسه علامة وهكذا إلى ما لا نهاية، وهو نشاط نابع من فعل يقتضي بالضرورة حضور الأبعاد الثلاثية للعلامة (الممثل، الموضوع، المؤول)، فالسيميوزيس يغذو في تصور "بيرس" فعل العلامة وعملها.

    بناء على ماسبق، فإن العلامة ثنائية عند "دي سوسير"، ثلاثية عن "بيرس".


     


  • المراحل التاريخية لتطور مفهوم السيميولوجيا

    التطورتعد السيميائيات الحديثة قفزة نوعية في تطور العلوم، فقد بدت في أسسها ومفاهيمها ونتائجها علما جديدا. فهي طريقة جديدة في فهم الظواهر وتحليلها، ولها حدودها ومفاهيمها وأدواتها الجديدة. فالسيميائيات ليست تطورا للبنيويةمثلاأو لأيٍ من النظريات المتشابهة معها في مجال البحث. بل إنها ردة فعل لها؛ فلقد جاءت السيميائيات الحديثة لهدم وتقويض النظريات السابقة، وتقديم نظرة مختلفة للظواهر، وتصورٍ مختلفٍ لكيفية تحليلها وفهمها. لذلكوبالرغم من الخلفية المعرفية المتعددة والإرث التاريخي الكبير -يمكن القول إنها شكلت قفزة كيفية وقطيعة معرفية مع النظريات التي سبقتها.

    ولذلك نجد أن" غريماس"يعرف السيميائيات بأنها علم جديد مستقل تماما عن الأسلاف البعيدين،وهو من العلوم الأمهات ذات الجذور الضاربة في القدم، فهيأي السيميائيةعلم جديد، وهي مرتبطة أساسا ب)سوسير( وكذلك )بورس( الذي نظر إليها مبكرا.  ومن تعريف) غريماس (السابق -وهو أحد أعمدة السيميائيات الحديثةنتحصل على ثلاثة أمور :1- أن السيميائيات الحديثة علم جديد مستقل استقلالا

    تماما عن السيميائيات التقليدية/الكلاسيكية أو ما عبّر عنه ب"الأسلاف البعيدين". بمعنى أنها ليست تطورا لها أو لغيرها من النظريات الأخرى؛ مما يعني وجود قطيعة أبستمولوجيا بينهما. 2-أن السيميائيات الحديثة من العلوم الجامعة) الأمهات (، ولها جذورها الضاربة في القدم، أي أنه لا يمكن تجاهل الإرث التاريخي والخلفية المعرفية التي اتكأت عليها. إلا أنه رجع ليقول إنها علم جديد. فبالرغم من اتصالها بهذا الإرث إلا أنها علم جديد ومستقل بأسسها ومفاهيمها وأدواتها.  3-الأمر الثالث الذي يشير إليه التعريف أن بداية هذا العلم الجديد كانت مع )سوسير( و)بورس(، وما كان قبلهما ليس إلا إرهاصات لظهوره وتشكله.

    للتعرف على السيميولوجيا بشكل دقيق يتطلب التعرف على بداية نشأتها الأوربية والأمريكية وكذلك التعرف على كيفية استقبال الثقافة العربية لها؛ وذلك لتعقب التغييرات التى طرأت عليها منذ نشأتها وإنتقالها إلى ثقافات أخرى؛ فالتفكير السيميائي بمعناه العام يشمل كل عملية تفسير للدلالة وآلية اشتغالها، في الشكل والاستعمال والتوظيف، فلا ريب إنها تضرب بجذورها في أقدم العصور لارتباطها الشديد بالنشاط الذهني البشري عموما.

    لقد اهتم الإنسان منذ القدم بالسيميولوجيا، وذلك من خلال محاولة إدراكه لمحيطه الذي يعيش فيه وللتواصل مع المفردات الخاصة والعامة لهذا المحيط، أما السيميولوجيا كعلم فهى حديثة نسبيا، فالنشاط السيميائى يرتبط بظهور الإنسان على وجه الأرض فبشعوره بالانفصال عن الطبيعة والكائنات الأخرى، وباستقامة عوده، بدأ فى تشكيله لأدوات تواصلية جديدة، تتجاوز أدواته القديمة كالصراخ والهرولة والاستعمال العشوائي للجسد والإيماءات، فبدأ ببلورة أدوات للتواصل تقوم على علامات و أشكال رمزية ، أساسها التواضع الاجتماعي مما أتاح له تكوين ثقافة خاصة تعتمد على علامات خاصة قابلة للدراسة والتمحيص ، وهناك من يرى أن ظهور الإرهاصات الأولى للسيميائية يرجع إلى الفكر اليونانى القديم وذلك من خلال الفكر الأرسطى.

     ويرجع ظهور السيمياء كعلم إلى اهتمام القدماء بنظرية المعنى، فميز الرواقيون* بين الدال والمدلول، كما اهتم علماء المنطق والفلسفة العرب بالأنساق الدالة عن كشف قوانين الفكر وهو ما يظهر فى كتابات الفلاسفة الإسلاميين مثل "الغزالى" و"ابن سينا"، وذلك بوصفهم باللفظ بأنه رمزا والمعنى بأنه مدلولا مع عدم إغفالهم للعلاقة الاعتباطية بين الدال والمدلول، فلقد بدأت دراسة المعنى فى اللغة منذ أكثر من ألفى سنة ، وكما يرى "أميبرتو إيكو" أن الرواقيين هم أول من قال بأن للعلامة )دال ومدلول(، ويقول "إيكو" أن دراسة العلامة تعنى كل أنواع السيميائيات وليس العلامة اللغوية فقط. فالنظر إلى ثقافة المجتمع فى السلوك والعادات والتقاليد والأزياء تشمل على الكثير والكثير من العلامات، ويجدر الإشارة إلى أن الحضارة الأغريقية ظهرت مع الرواقيين.

     كما ظهرت مرحلة ثانية للسيميولوجيا والتى بدأت كما يراها «إيكو" مع نظرية التأويل التى سعى من خلالها القديس "أوغستين" إلى محاولة تأويل النصوص المقدسة بالتساؤل حول ماذا يعنى أن نفسر أو نؤول؟ مؤكدا على معالجة العلامة من خلال إطار الاتصال والتواصل والتوصيل.

    وتعتبر مرحلة العصور الوسطى هى المرحلة الثالثة فى نشأة السيميولوجية حيث إزداد خلال هذه الحقبة التأمل لكل من العلامات واللغة.

    وفى المرحلة الرابعة سعى المفكرين الألمان والإنجليز فى القرن السابع عشر إلى تنشيط نظرية العلامات والإشارات، فلقد استعمل "جون لوك" عام 1690 م مصطلح السيميوطيقا وذلك فى كتابه "مقال نحو الفهم البشرى"، وهدف هذا المصطلح إلى الاهتمام بطبيعة الدلائل التى يستعملها العقل لفهم الأشياء، ثم بعد ذلك ظهرت الموسوعة والموسوعيين تبعها ظهور دراسات سيميولوجية للعال "لايبنتز" حول نظرية الدلائل، كما ألف الفيلسوف "هوسيسرل" دراسة بعنوان "السيميائيات" وفى السبعينات من القرن العشرين قام العالم السويسرى "دى سوسير" بإحداث تطور كبير للسيميولوجيا تميزت بطبعها الواسع معتبرا اللسانيات جزءا منها.

    ومن الناحية التاريخية يمكن ربط التحليل البنيوى للسرد كتحليل سيميولوجى بفن الشعر والخطابة الأرسطيين وذلك نسبة إلى أخلاف أرسطو الكلاسيكين، ولكنه ظهر بوضوح مع أعمال الشكلانيين الروس واللذين قام "تزفيتان تودوروف" بترجمة جزء من أعمالهم إلى الفرنسية حيث أن الشكلانيون الروس كانوا مجموعة من شعراء ونقاد وأدباء  ولسانيين وعلماء فلكلور واللذين كانوا يهتمون بالأشكال المختلفة للعمل الأدبى فى الفترة من 1920 م إلى 1925 م.، وانعكست الشكلانية الروسية على أعمال عالم اللسانيات "رومان جاكبسون" والذى كان لأعماله دور فى الإنطلاق نحو دراسة الخطاب الأدبى، ومن الجانب المنهجى فإن ظهور التحليل البنيوى للسرد هو بمثابة تطور  للسانيات المسماة باللسانيات السردية.

     وفي مطلع القر ن العشرين اتخذت بعض الدراسات اتجاه ا سيميائيا أساسه هو النظرية والنهج اللغوي والنقدي المعتمد على أسس وخطوات منهجية صحيحة من خلال "دى سوسير" ومنطلقاته اللسانية و"بورس" وفلسفته الظاهراتية المعتمدة على الملاحظة التجريدية لخواص العلامات، فمن خلال التنظير الذي قدماه كل من سوسير وبورس مع ما تتميز به السيمياء من مرونة وحيوية أصبحت كعلم لها حضورها القوى ضمن مختلف المناهج النقدية.

    وتختلف الأراء حول نشأة السيميولوجيا، وإ ن كان من الشائع أن نشأة السيميولوجيا واتجاه روادها إلى استقلالها كعلم يعود إلى ستينات القرن العشرين وتحديدا عام 1964 م وذلك عقب صدور عددا خاصا لمجلة إبلاغات حول "المباحث السيميولوجية" والتى تتضمن على دراسات مؤسسة للسيميولوجيا من أهمها مقال "رولان بارت" بعنوان "مبادئ فى السيميولوجية".

    ومن خلال هذا الطرح يمكن القول أن السيمياء كعلم ليست جديدة بقدر ما هي استمرارية لمفاهيم وتصورات سبقته وإن كانت لا ترقى إلى الفكر الحالى لها الذى وفر أسسس مختلفة للتعامل معه بشكل منهجى . ونظرا لارتباط السيميولوجيا باللسانيات وعلوم اللغة وتباين الأراء حول ما إذا كانت السيميولوجيا فرعا من فروع اللغة أم أنها أعم وأشمل من ذلك؛ فإن الأمر يتطلب تسليط الضوء على تاريخ علم اللغة مع التعرف على الأنظمة السيميولوجية اللغوية، فوجود العلامات اللغوية فى سياق اجتماعى معين يزيد من قدرتها على أن تكون ذات مغزى، فاللغة نظام تحكمه القواعد؛ حيث أن الكلام والكتابة ينطوىان على اختيار علامات يتم استخدامها وفق هذه القواعد.

     


    • السيميولوجيا واللسانيات

      1-    رؤية دي سوسير:

      من المعروف أن السيميولوجيا هي ذلك العلم الذي يبحث في أنظمة العلامات سواء أكانت لغوية أم أيقونية أم حركية. وبالتالي، فإذا كانت اللسانيات تدرس الأنظمة اللغوية، فإن السيميولوجيا تبحث في العلامات غير اللغوية التي تنشأ في حضن المجتمع. وبالتالي، فاللسانيات هي جزء من السيميولوجيا حسب العالم السويسري فردينان دي سوسير F. De Saussure، ما دامت السيميولوجيا تدرس جميع الأنظمة، كيفما كان سننها وأنماطها التعبيرية؛ لغوية أو غيرها.

      ولقد حصر دي سوسير هذا العلم في دراسة العلامات ذات البعد الاجتماعي. ويعني هذا أن السيميولوجيا تبحث في حياة العلامات داخل الحياة الاجتماعية، أي: لها وظيفة اجتماعية، ولها أيضا علاقة وطيدة بعلم النفس الاجتماعي. وفي هذا الصدد يقول دوسوسير»: «اللغة نظام علامات، يعبر عن أفكار. ولذا، يمكن مقارنتها بالكتابة، بأبجدية الصم ـ البكم، بأشكال اللياقة، بالإشارات العسكرية، وبالطقوس الرمزية، إلخ.. على أن اللغة هي أهم هذه النظم على الإطلاق. وصار بإمكاننا، بالتالي، أن نرتئي علما يعنى بدراسة حياة العلامات داخل المجتمع، وسيشكل هذا العلم جزءا من علم النفس العام. وسندعو هذا العلم سيميولوجيا   Sémiologie وسيتحتم على هذا العلم أن يعرفنا بما تتشكل منه العلامات، وبالقوانين التي تتحكم فيها. وبما أنه لم يوجد بعد، فيستحيل التكهن بما سيكون عليه. ولهذا العلم الحق بالوجود في إطاره المحدد له مسبقا، على أن اللسانيات ليست إلا جزءا من هذا العلم، فالقوانين التي قد تستخلصها السيميولوجيا ستكون قابلة للتطبيق في مجال اللسانيات،وستجد هذه الأخيرة نفسها مشدودة إلى مضمار أكثر تحديدا في مجموع الأحداث الإنسانية.

      وعليه فدي سوسير يحصر العلامات داخل أحضان المجتمع، ويجعل اللسانيات ضمن السيميولوجيا. اللسانيات

      2-    رؤية رولان بارث

      إذا كان فرديناند دو سوسير يرى أن اللسانيات هي جزء من علم السيميولوجيا، فإن رولان بارت "Roland Barthes" في كتابه" عناصر السيميولوجيا"، يقلب الكفة، فيرى أن السيميولوجيا هي الجزء، واللسانيات هي الكل. ومعنى هذا أن السيميولوجيا في دراستها لمجموعة من الأنظمة غير اللغوية، كالأزياء، والطبخ، والموضة، والإشهار، تعتمد على عناصر اللسانيات في دراستها، وتفكيكها، وتركيبها. ومن أهم هذه العناصر اللسانية عند "رولان بارث" نذكر: الدال والمدلول واللغة والكلام، والتقرير والإيحاء، والمحور الاستبدالي الدلالي والمحور التركيبي النحوي، أي يجب أن تكون السيميولوجيا مجرد فرع من علم اللسان وليس العكس، وذلك نظرا للضعف الملحوظ في مناهج الأنظمة السيميولوجية حيث يقول "لا يمكن أن تكون المعرفة السيميولوجية حاليا إلا صورة عن المعرفة اللسانية"، هكذا إذن يولي دي سوسور أهمية قصوى للغة والمجتمع أي إلى الوظيفة الاجتماعية للدليل والاتصال، بينما يبقى اهتمام بارث منصبا على الدلالة وأنماطها.

      من وجهة نظر بايلون كريستيان (Christian baylon) وبول فابر (Paul Fabre) يبحث علم اللسان في نظام دلائل خاصة) أي في أنظمة الدلائل اللفظية) بخلاف السيميولوجيا التي تختص "بدراسة أنظمة الدلائل غير اللفظية، أما روجي ميتشلي فيرى أنّ السيميولوجيا علم عام يهتم بدراسة حياة جميع الدلائل (اللغة اللفظية langue ، الإشارات signaux ، الطقوس،  التقاليد coutumes ، الشفرات المختلفة codes divers  داخل الحياة الاجتماعية". بالتالي يتعلق الأمر بكل الدلائل (العلامات (التي تكوّن الرسائل الأساسية للتواصل الإنساني كيف ما كانت مكونات هذه الرسائل لغوية، سمعية، بصرية سمعية، بصرية، شمية، حركية...

       

       

       


    • مدخل إلى السيميولوجيا البنيوية

      عرفت الدراسات اللسانية تطورا ملحوظا في أواخر القرن التاسع عشر، حيث تم تجاوز المناهج المعتمدة في الدراسة اللغوية إلى اعتماد المنهج الوصفي البنيوي الذي يرجع معظم الباحثين بداية ظهوره إلى عهد (دي سوسير)، قبل انتشاره في كل بقاع العالم وتأثيره على مختلف العلوم والتخصصات. ولما كانت سمة التطور ملازمة للنظريات اللسانية، فإنه كان لا بد من نقد المنهج البنيوي اللساني، والاتجاه البنيوي في دراسة اللغة عامة، أو إظهار عيوب بعض مبادئه وأركانه لتبرير ضرورة التبشير بنظرية أخرى تقوم على أنقاض التي سبقتها. 

       1- نشأة اللسانيات البنيوية؛ دي سوسير وما بعده فردينان دي سوسير

      يتفق معظم الباحثين في الدرس اللساني الحديث على أن اللسانيات البنيوية قد بدأت بشكلٍ فعلي وجلي مع صدور الطبعة الأولى من محاضرات (دي سوسير)، وإن اتفقوا كذلك في عدم وجود بنيوية واحدة، حيث تتعدد البنيوية وتختلف بتعدد رجال الفكر البنيوي واختلافهم.

       إن التمييز هنا ضروري؛ لأن الفرق بينهما كبير جدا، إذ "البنيوية بمعناها الواسع، هي طريقة بحث في الواقع، ليس في الأشياء الفردية. بل في العلاقات بينها"، وهو ما يعبر عنه في التصور السوسيري بالنسق système، فالبنية structure عنده "نسق من العلاقات الباطنة، له قوانينه الخاصة المحايثة، من حيث هو نسق يتصف بالوحدة الداخلية والانتظام الذاتي، على نحو يفضي فيه أي تغير في العلاقات إلى تغير النسق نفسه، وعلى نحو ينطوي معه المجموع الكلي للعلاقات على دلالة يغدو معها النسق دالا على معنى ".

      والحق أن مصطلح البنية لم يظهر في لسانيات (دي سوسير)، بل ثمة مفاهيم أخرى أخذت معنى البنية كما هو الشأن بالنسبة لمفهوم النسق، مما يوحي إلى أن الاتجاه البنيوي لم يبدأ من حيث المفهوم، بقدر ما برز في محاضراته باعتباره منهجا جديدا في التعامل مع الظاهرة اللغوية. ومن الحقائق التي ينبغي أن نسلم بها منذ البداية هي صعوبة الحديث عن البنيوية في الدراسات اللسانية في معزل عن باقي العلوم الأخرى، وفي معزل عن السياق الذي ظهرت فيه العوامل التي أنتجت هذا النوع من المنهجية.

      فقد فتحت البنيوية آفاقا كثيرة في مجالات العلوم الإنسانية المختلفة، حيث "عرف الأدب البنيوية، وطبقها، كما عرف النقد الأدبي التوليدية والبنيوية النقدية، كما درست الأنثروبولوجيا البنيوية، والدراسة البنيوية للأسطورة والأسلوبية النقدية، وفي علم الاجتماع نجد الدراسة البنيوية والوظيفية، وفي علم السيميولوجيا، وعلم التحقيق اللغوي نجد دراسات متنوعة جادة" وفي هذا الصدد يقول غلفان: "ولم تعد المنهجية البنيوية تقتصر على المجال اللساني وحده. بل تُبَنْينُ structurer كل شيء، إذا جاز لنا أن نستعمل هذا التعبير، تُبَنْينُ المجتمع واللاشعور والثقافة والأدب والفكر والسينما والمسرح والمطبخ واللباس والإعلانات الإشهارية، وكل مرافق الحياة الاجتماعية والسياسية والفكرية والاقتصادية".

      لكن بالرغم من انتشار المنهج البنيوي واعتماده في الدراسة من قبل مختلف العلوم والتخصصات، فإنه "قد عثر على مركزه في الدراسة اللسانية، واتخذ قوته الدافعة من منجزات (سوسير) و(جاكبسون) وأساتذة آخرين كالفونولوجي الروسي (تروبتزكوي)". لقد عرف القرن التاسع عشر انتشار المنهج الوصفي البنيوي في دراسة اللغة دراسة علمية في وقت معين ومحدد، ومع بداية القرن العشرين وبالضبط مع صدور محاضرات (دي سوسير) 1916، حيث بين فيها اللساني السويسري أن المنهج المقارن لم يأت بنتائج علمية؛ مما دفعه إلى الإعلان عن البذرة الأولى لنشأة المنهج الوصفي في دراسة اللغة".

      وقد تطور هذا المنهج وعرف انتشارا كبيرا بعد (دو سوسير)، ولعل من أهم ما يبين ظهور المنهج البنيوي في اللسانيات على يده تلك القفزة النوعية التي عرفتها الدراسات اللغوية بعد ظهور محاضراته وانتشارها بين الباحثين. لقد انطلق (دي سوسير) من البحث في طبيعة اللغة باعتبارها موضوع البحث العلمي، محددا موضوع اللسانيات في دراسة اللغة في ذاتها ولذاتها، مع تحديد موقع هذا العلم باعتباره جزءا من علم عام، كان (دو سوسير) قد بشر بميلاده وهو علم السيميائيات.

      "وأبرز ما يتجلى في هذه المحاضرات من المنهج الوصفي تحديد المادة المدروسة، والخروج من التعميم إلى التخصيص، والفصل بين أمرين قد يتراءى للمرء أنهما أمر واحد"، فقد ميز بين اللغة والكلام، كما قسم اللسانيات إلى لسانية آنية synchronique ولسانية تزامنية diachronique مع تحديد الدليل اللغوي (العلامة اللغوية) في الدال والمدلول والقول بالعلاقة الاعتباطية بينهما. كانت هذه المبادئ بمثابة القواعد والأسس التي اعتمدها (دو سوسير) في إرساء بداية حقيقية للسانيات البنيوية في جنيف قبل أن يعمل تلامذته على تطوير أهم أفكاره خاصة (تشارلز بالي 1865-1947) و(ألبيرت سيشهاي 1870-1946). بل إن "التأثير الذي أحدثته أفكار (دو سوسير) لم تبق حبيسة أوروبا، بل وصل صداها إلى أمريكا حيث تكونت هناك مدارس بنيوية إضافة إلى المدارس التي ظهرت بأوروبا بالرغم من الانتقادات التي وجهت إلى مبادئها، خاصة قضية التزامن عند (باختين) الذي يرى" أن النظام التزامني ليس له أي وجود حقيقي.

      2-خصائص الدليل الألسني

      يتميز الدليل الألسني البشري من ستة خصائص كالتالي:

      اللسان نظام دلائل -نظرية الدليل الألسني (دال/ مدلول) -الطابع الاعتباطي _ التسلسل الخطي _ الطابع المميز _ التقطيع المزدوج

      3-ثنائيات "دي سوسير"

      يتفق اللسانيون على أن البنيوية تقوم على أساس نظريٍ مؤداه "أن البنية تتألف من عناصر ومكونات جزئية، وأن أي تغير يطرأ على أي واحد من هذه المكونات لا بد أن يؤثر في سائر المكونات والعناصر الأخرى".

      أما المبادئ التي قدمها (دي سوسير) في دراسة اللغة دراسة بنيوية باعتبارها نظاما لا يمكن تحليل ظواهره اللغوية بعزلها عن بعضها؛ إذ هي أجزاء في نسق أكبر. ولعل من أهم المنطلقات التي انطلق منها (دي سوسير) اعتباره اللغة ظاهرة اجتماعية؛ وينبغي دراستها وفق هذا المبدأ، دون اللجوء إلى معايير أخرى خارجة عن مادتها، ولهذا فقد أبعد (دي سوسير) كل ما يتعلق بالذهن في دراساته اللغوية بهدف إثبات موضوعيتها.

      لقد انطلق (دو سوسير) من تحديد موضوع اللسانيات في دراسة اللغة في حد ذاتها ومن أجل ذاتها، وذلك انطلاقا من الفصل بين جملة من الثنائيات نوجزها في الآتي:

      ·                التمييز بين اللسان والكلام: فرق دي سوسير في هذا الشأن بين ثلاثة مصطلحات:

      * اللغة/ Langage: ظاهرة إنسانية لها أشكال متعددة تنتج من الملكة اللغوية.

      * اللسان/ Langue : هو جزء معين، متحقق من اللغة بمعناها الإنساني الواسع، وهو اجتماعي عرفي مكتسب، ويشكل نظاما متعارفا عليه داخل جماعة إنسانية محددة مثال ذلك : اللسان العربي، الفرنسي،

      * الكلام/ Parole : مفهوم فردي ينتمي إلى اللسان، ويشمل ما يعتري أداء الفرد للسان من ملامحَ فردية. ولأن اللسانيات منظومة اجتماعية، فإنه دعا إلى دراسة اللسان لأنه اجتماعي، ولم يجعل اللغة ولا الكلام ضمن موضوع اللسانيات.

      إن التمييز بين اللسان والكلام هو "التمييز بين النظام اللغوي langue والتكلم باللغة أو كتابتها الكلام (parole). وهذا التمييز في حقيقته تمييز لما هو اجتماعي عما هو فردي ذاتي، لا تحكمه قواعد مشتركة، ولأن اللسان حسب (دي سوسير) خاضع لنظام عام لا يمكن تحليل مكوناته إن لم تكن داخل هذا النظام"، "فإن الأمر يتعلق بتحليل نسقه، وكل نسق باعتباره مكونا من وحدات يشترك بعضها البعض الآخر، يتميز عن الأنساق الأخرى بالتنسيق الداخلي بين هذه الوحدات تنسيقا يكون منها البنية". فاللغة حسب (دي سوسير) متسمة بالطابع الاجتماعي، ومن ثم فإنه يمكن النظر إليها بغض النظر عن المتكلمين بها، وبهذا تكون معاكسة للكلام الذي "لا يمكن أن يكون ظاهرة اجتماعية، لأنه إنتاج فردي شعوري تماما".

      إن اللسان انطلاقا مما سبق جزء من اللغة، ونتاج اجتماعي لها عكس الكلام الذي يتسم بالفردانية، فكان هذا التمييز بداية حقيقية لظهور التداوليات والعلوم التي تدرس اللغة، بمعزل عن السياق والمجتمع والعوامل الخارجية بصفة عامة. وقد كان (أنطوان مييه) من أهم من سلكوا هذا الطريقَ الذي أبعده (دو سوسير) في دراساته بعد الفصل بين اللغة والكلام. 

      التمييز بين الدراسة التزامنية Synchronique والدراسة التاريخية Diachronique وإعطاء الأهمية للتزامنية، لاعتبار سهولة فهم النظام في حالته الثابتة أكثر من الحالة المتغيرة. وتهتم السانكرونية بدراسة لغة معينة في مرحلة زمنية محددة بعينها، وتسمى كذلك بالدراسة الآنية. أما الدياكرونية فإنها تتبع ما تتعرض له اللغة من تغير وتحول خلال فترات زمنية متعاقبة. وقد اختار (دي سوسير) الدراسة التزامنية لأنها الأكثر مناسبة في دراسة اللغة دراسة بنيوية.

      تجدر الإشارة إلى أن الدراسة التزامنية قد أثرت على الدرس اللساني بعد (دو سوسير)، وصار كثير من اللسانيين يدافعون عن تطبيقِها في الدراسات اللغوية، كما هو الشأن بالنسبة للباحث الروسي (كارتيبسكي) في دفاعه عن تطبيق المنهج التزامني في وصف الأفعال الروسية، مستشهدًا بقول (دو سوسير): اللغة نظام يجب أن ينظر فيه إلى الأجزاء داخل علاقة مترابطة وتزامنية، و"على هذا الأساس قام التمييزُ بين نوعين من اللسانيات: لسانيات آنية تزامنية؛ تتناول اللغة باعتبارها نسقا في حقبة معينة، ولسانيات تعاقبية؛ تدرس متغيرات هذا النسق عبر مراحل تطوره". والحق أن هذه الثنائية تجاوزت حقل اللسانيات واقتحمت مختلف العلوم والمجالات.

      · التمييز بين الدال والمدلول: جاء هذا التمييز من التفريق الذي قام به (دو سوسير) بين اللسانيات والسيميائيات، حيث تهتم اللسانيات بالأدلة اللغوية. والدليل اللغوي في تصور (دو سوسير) يتكون من وجهين لا ينفصلان. فهو: "عنصر من عناصر الجهاز اللغوي، وهي مكونة من عنصرين يتصلان ببعضهما اتصالا كاملا. فهما كوجهيِ الورقة يسمى أحدهما (الدال) وهو الصورة السمعية التي يتضمنها الدليل أو العلامة، ويسمى الثاني (المدلول) وهو المتصور الذهني ويسمى قديما المعنى، فليست العلامة هي الدال وحده أو هي المدلول وحده وإنما هما معا، وبعبارة أخرى: لا يمكن الفصل بينهما". بهذا، إذن، تكون اللغات علامات وكل علامة لا تخرج عن كونها دالا ومدلولا، أي أصوات تتألف منها، ومعنى ذهنيا يكون مختزنا في الذهن.

      يتسم الدليل اللغوي حسب (دو سوسير) بالطبيعة النفسية لوجهيه؛ حيث إن المدلول ليس هو الشيء، وهذه الطبيعة النفسية قد عبر عنها بالتصور، كما أن الدليل ليس هو الصوت الفيزيائي المحض، وإنما الأثر النفسي الذي يحدثه الصوت، لذلك فإننا نستطيع أن نستظهر على سبيل المثال قصيدة في عقولِنا دون تحريكِ أعضاء جهاز الصوت. 

      تربط بين الصورة السمعية والتصور الذهني، أي ما يعرف عند "دي سوسير" ب) الدال والمدلول (علاقة ذات طبيعة اعتباطية بمعنى أن ارتباطهما يخضع للتواضع والعرف والتعاقد من جهة أو إلى الطابع الثقافي الذي يحكم الظواهر المكونة للتجربة الإنسانية في كليتها من جهة ثانية كمفهوم أقصى للاعتباطية. وهذا حسب تصور دي سوسير للدليل اللساني، وبالتالي فاللغة نظام من الدلائل سواء كانت طبيعية) توحي بوجود علاقة سببية بين الدال والمدلول (أو غير طبيعية) لوجود علاقة غير سببية (.

      ·  التمييز بين التركيب Syntagmatique والاستبدال Paradigmatique:

      أطلق "دي سوسير" على محور التركيب محور العلاقات الترابطية أما الثاني فأطلق عليه محور الاستبدال، أي محور الاختيار أو التوزيع.

      وميز بين المحورين لاعتماد كل منهما على نشاط ذهني مختلف، لأن "دي سوسير" يعني بالترابط تجميع العلامات وتسلسها بشكل خطي في سياق معين، فكل كلمة ترتبط بما يسبقها وما يلحقها في السلسلة الكلامية، والعلاقة الموجودة بين مجمل العناصر المكونة للجملة هي علاقات تجاورية تجعل من التدليل يتبع سيرا خطيا يقود من أول كلمة إلى آخر كلمة داخل السلسلة المنطوقة أو المكتوبة. فكل كلمة داخل هذه السلسلة تستمد قيمتها من الكلمة السابقة عليها ومن الكلمة اللاحقة لها. وتشكل هذه الوحدات سلسلة كلامية تشير إلى علاقات واقعية، وهذا ما يسمح بتقطيعها إلى كيانات منفصلة.

       أما على صعيد التوزيع أو الاختيار (الاستبدال)، فإن الوحدات المنتمية إلى هذا المحور مرتبطة فيما بينها بعلاقات تتم في «الغياب»، فكل وحدة تشكل نقطة مركزية تلتف حولها مجموعة من الوحدات القابلة للتحقق مع أدنى تنشيط للذاكرة أو الرغبة في تغيير السجل الدلالي، إن المبدأ الذي يحكمها هو التصنيف.

    • العلامة في سيميولوجيا التواصل وسيميولوجيا الدلالة

      سيميولوجيا الاتصالأولا: سيميولوجيا التواصل

      1-مفهوم سيميولوجيا التواصل

      تهدف هذه السيميولوجيا عبر علاماتها وإشاراتها إلى الإبلاغ والتأثير في الغير، وبتعبير آخر تستعمل سيميولوجيا التواصل مجموعة من الوسائل اللغوية وغير اللغوية لتنبيه الآخر والتأثير فيه، عن طريق إرسال رسالة وتبليغها إياه؛ ولهذا ركز روادها على الوظيفة التواصلية، وأقاموا العلامة على ثلاثة أسس (الدال والمدلول، والوظيفة القصدية (، فشرط ما يعتبر ضمن هذا النوع من الممارسات أن يكون الهدف من استخدامها وتوظيفها هو التعبير عن مراد الشخص وقصده في أن يُؤثر في المتلقي للعلامة بوجه من وجوه التأثير. من روادها بويسنس، بريتو، مونان، أوستين، مارتيني...

      2-مقومات سيميولوجيا التواصل

      تقوم سيميولوجيا التواصل على دعامتين هامتين هما:

      أ-محور التواصل وما يجري فيه.

      ب-محور العلامة) أنواعها، مكوناتها (، وعلاقة كل ذلك بالقصد.

      1-محور التواصل: وهو إما لساني أو غير لساني.

      1 - 1 -التواصل اللساني : نحو ما يبدو في أشكال التعبير اللغوي والأفعال الكلامية ،التي يصدرها الناس في مواقف محددة ،بهدف التواصل فيما بينهم ،وجدير بنا أن نتحدث هنا عن مفهوم دارة الكلام أو التخاطب عند فرديناند دي سوسير . والتي تبتدئ بالصورة الذهنية) المدلول (عند المتكلم، وتنتهي بصورة ذهنية مماثلة عند المتلقي، مرورا بترجمتها عند المتكلم في شكل أصوات، تنتقل عبر الفضاء الناقل لتقرع أذن السامع، الذي يحولها من صورة سمعية) دال (، تتقمص هيئة الصوت، إلى صورة ذهنية أو فكرة، هي عين ما أراد المتكلم أن يصل إليه.

      - 1 - 2 التواصل غير اللساني : ويضم مجموعة من الأنساق الرمزية الأخرى ،ماسوى اللغات الطبيعية، وقد صنّفه "بويسنس" إلى ثلاثة أقسام :

      أ-العلامة الثابتة: وهي العلامة التي لا قيمة لها إلا باعتبار أنها أُنتجت لأجل تلك القيمةالمعترف بها، كما أنها تتميز بكونها ثابتة ومستمرة، ولنا في إشارات المرور أفضل مثال.

      ب-العلامة المتغيرة) غير ثابتة): وهي التي تتغير فيها العلاقة بين طرفيها بحسب -الظروف والحاجة، كما في الملصقات الإشهارية، التي توظف اللون والشكل بهدف التأثير في المستهلك، وتوجيه انتباهه إلى نوع معين من السلع في ظرف خاص، قد يزول بزوال السلعة، أو الرغبة في تسويقها.

      ج-العلامة العفوية: وهي العلامة التي أُنتجت لقصد غير قصد الإشارة بالأصل، ثم تم تحويلها إلى قصدية واضحة المعالم، مثل: لون السماء في دلالته على حالة الملاحة، والهلال في العد والحساب.

      2 -محور العلامة : كما يراها "بريتو" مكونة من :

      أ-الإشارة: وهي التي ترتبط طبيعيا بما تحيل عليه بعلاقة الملازمة، ولكن في غياب ما تُشير إليه أو تلازمه، وإلا بطل مفعولها. ومن أمثلة الإشارة البصمات المعتمدة في تحريات الشرطة، والتي تقوم بدور الإحالة على السارق وتحديد هويته.

      ب-المؤشر: وهي بمفهوم "بريتو" علامة اصطناعية لا قيمة لها إلا في حضور المتلقي، كما نجده في العلامات البحرية وإشارات المرور.

      ج-الأيقون: ويدل على ما يحيل عليه بطريقة المشابهة أو المماثلة، كالصور الفوتوغرافية، والتمثال المجسم.

      د-الرمز: وهو الذي أُنتج ليقوم مقام علامة أخرى مقصودة، كدلالة السلحفاة على البطء.

      ثانيا: سيميولوجيا الدلالة

      1-تعريف سيميولوجيا الدلالةسيميولوجيا الدلالة

      إذا كان أنصار سيميولوجيا التواصل رأوا أنه من الضروري من أجل الحفاظ على موضوع السيميولوجيا منسجما؛ ينبغي العودة إلى المبدأ الذي أرساه "دي سوسير" فيما يتعلق بالعلامة؛ والقاضي بأنها ذات طبيعة

      اجتماعية، وهو ما يعني بتعبير آخر أن تكون دالة بقصد من المستعمل في محيط اجتماعي عرفي، فإن "رولان بارت" ومن لفّ لفه من تلاميذته رأوا أن الواقعة التي تشكل العلامات وساطتها) الممارسة السيميولوجية( بل شكلها ومادتها قالبا مؤلفا من وجهين كوجهي العملة الواحدة ،التي أشار إليها دي سوسير في محاضراته، والتي تختص بالدال والمدلول ،اللذين هما دعامة الدلالة ،والروح الكامنة في كل علامة ،سواء قصد من خلالها تحميل تلك الدلالة أم عُرت من تلك القصدية ،فالمهم في كل ممارسة أن نقوم بعملية تواصل يبنيها التدليل ،وهذا التواصل لا يعني البتة أن مادته دوما هي اللغة الطبيعية ،بل قد يتم باللغة كما قد يتم بغير اللغة ،وهذا ما يُشكل نقطة تلتقي عندها السيميولوجيا باللغة ،والتي سُجل حضورها في جميع مظاهر التواصل اللفظي وغير اللفظي ،وهذا ما يمهد الطريق عند "رولان بارت" لإرساء مقولة بديلة عن مقولة "دي سوسير" في محاولة ترسيم الحدود ؛إذ ذهب إلى القول إن اللسانيات أوسع مدى من السيميولوجية ،باعتبار أن اللغة هي التي تمدنا بالمعاني والدلالات والأسماء للأشياء التي يقترحها الكون علينا ،لتكون جميع مظاهر التواصل الأخرى مشتقة عن اللغة تالية لها وتقتضيها.

      2-ثنائيات سيميولوجيا الدلالة

      يقودنا الحديث عن سيميولوجيا الدلالة إلى الحديث عن أهم ركائزها ومقوماتها، والتي يمكن أن تُختزل في أربعة مقومات أساسية، تتوزع في شكل ثنائيات تقابلية، تبدو وكأنها امتدادا لنظيرتها في الاتجاه البنيوي، وهي) اللغة والكلام، الدال والمدلول، المركب والنظام، التقرير والإيحاء. (

      2-1-اللغة والكلام

      ثنائية اللغة والكلام هي من الثنائيات المهمة في لسانيات "دي  سوسير" ، وتصعب أسبقية أحدهما على تصور لغة دون كلام، ولا كلام خارج اللغة ولأهمية هذه الثنائية وقناعة بارت بمدى كثافة مفهوم الثنائية )لغة / كلام(بالتطورات ما وراء اللسانية سلم بوجود مقولة عامة اسمها اللغة/ الكلام مطردة تمتد لتتسع كل أنظمة الدلالة، حتى ولو طبّقت على أنواع التواصل غير اللفظية  .

      لقد قام بارت بتطبيق هذه الثنائية على ظاهرة الطعام واللباس والأثاث، على أساس أن الثقافة بمعناها الواسع عند بارت تقع تحت مرمى علم الدلالات.

      2-2-الدال والمدلول

      تعني العلامة مجموع الدال والمدلول، ويمكن أن نفرق بين علامة لسانية ترتبط باللغة، وأخرى سيميولوجية تتميز عن اللسانية بكونها غير لغوية، وتشمل أشياء كثيرة، كاللباس والسيارة والطعام والإيماءة والفيلم والموسيقى والإعلان والأثاث والعناوين الصحفية... ورغم أنها تبدو غير متجانسة إلا أن قاسما مشتركا يجمعها هو أنها جميعا علامات حوّلها المجتمع لأغراض دلالية، فاللباس يصلح للتغطية، والطعام للتغذية، والسيارة للتنقل، والهاتف للاتصال، ومع ذلك تصلح للدلالة على شيء ما أيضا، إلا أن دلالتها السيميولوجية تنحصر في وظيفتها الاجتماعية، وهذه الوظيفة الاجتماعية رهينة الاستعمال في سياق محدد، وهذا الاستعمال مشروط بحلول وقته وأوانه، وهذا الوقت والأوان ليسا شيئا غير علامة لهذا الاستعمال.

      إن المعاطف تلبس وقاية للجسد من البرد، ولا تستعمل إلا حين وقت البرد والشتاء، ومجيئ هذا الوقت علامة دالها ومدلولها ارتداء المعاطف، في حين أن العلامة اللسانية توجد بين دالها ومدلولها كما توحد الصفحة بين وجهها وظهرها

      2-3-المركب والنظام

      العلاقات التي توحد بين الألفاظ يمكن أن تنمو على صعيدين يولد كل واحد منهما قيمه الخاصة، ويتلاءم هذان الصعيدان مع شكلين من أشكال النشاط الذهني، أولهما صعيد المركبات، والمركب تأليف للأدلة يرتكز على مدى، وهذا المدى في اللغة المتمفصلة، امتداد سطري ذو بعد واحد) السلسلة الكلامية). الصعيد الثاني: هو صعيد تداعي الألفاظ وتجميعها) خارج الخطاب) أي على (الصعيد المركبي (تتجمع الوحدات التي تشترك في وجه من أوجهها في الذاكرة، وتؤلف بذلك فئات تسودها علاقات متنوعة: فكلمه تدريس يمكن أن تجتمع من حيث المعنى مع تعليم وتلقين، ومن حيث الصوت مع درَّس دارس درَس، وتشكل كل فئة أو مجموعة سلسله استذكارية محتملة) أو خزينة الذاكرة (، وعلى عكس ما يحدث على صعيد التركيب فإن الألفاظ تتحد في كل سلسلة غيابيا. فالألفاظ في النظام تمتاز بالحضور في الذهن والغياب في التلفظ،ولكن في السلسلة الكلامية تعتبر ألفاظها) التركيب (حاضرة في اللفظ وغيرها من الألفاظ موجودة في الذهن غائبة في التلفظ.

      2-4-التقرير والإيحاء

      استغل بارت في مشروعه السيميولوجي فكرة هذه الثنائية من" هيلمسليف" الذي نقل أفكار"دي  سوسير" عن العلامة اللغوية إلى إطار أوسع، وذلك باستبدال مفهومي: الدال والمدلول بمستوي التقرير والإيحاء فكان من بين أهم منجزات "بارث" إدخال المفهومين )التقرير والإيحاء(  إلى سيميولوجيا الدلالة.  ويقر بارث أن هذه الثنائية مستوحاة من لسانيات "هيلمسليف"، ولكنه يرى أن دراستها في مقدمة "هيلمسليف" يكتنفها قصور منهجي. يقول "بارث": " ظواهر الإيحاء لم تدرس بعد بطريقة منهجية، توجد بعض الإشارات في مقدمة"هيلمسليف"، إلا أن المستقبل واعد دون شك بالنسبة للمناسبات الإيحائية؛ لأن المجتمع يطور باستمرار أنظمة للمعاني الثانوية انطلاقا من النظام الأول الذي تقدمه له اللغة البشرية. ويحتوي الإيحاء باعتباره هو نفسه نظاما، على دوال ومداولات وعملية توحد أولاء بأولئك) دلالة (، وأول ما يجب القيام به بالنسبة لكل نظام، هو جرد هذه العناصر الثلاثة".

      هكذا نجد أنفسنا أمام نظامين يتداخل ويتشابك أحدهما مع الآخر، ولكنهما منفصلان عن بعضهما البعض، إلا أن" انفصال" النظامين يمكن أن يتم بطريقتين مختلفتين تمام الاختلاف حسب نقطة اندماج النظام الأول في الثاني، مؤديا بالتالي إلى مجموعتين متعارضتين

    • تصنيف الدلائل في المدارس السيميولوجية

      أولا: التصنيف التقليدي للدلائلالدلائل

      تقسم الدلائل وفق التصنيف التقليدي إلى دلائل طبيعية ودلائل اصطناعية.

      1 - 1 -الدلائل الطبيعية :

      هي الدلائل التي تحددها قوانين فيزيائية بحتة، بحيث يرتبط الدال والمدلول بعلاقة سببية مباشرة، كما يحدث للدخان الذي يشير إلى وجود النار وللأعراض التي تدل على وجود المرض، أثر الأقدام.

      1-2 -الدلائل الاصطناعية:

      هي الدلائل التي وضعت بصفة اصطناعية أو اعتباطية أي بموجب اتفاق عرفي من أجل إقامة الاتصال وتحقيقه بواسطتها، وهذا لا يمنع البتة من أن تسخر الدلائل الطبيعية) مثل: السحاب، البرق، الرعد والثلج في ديكور مسرحية أو مشهد سينمائي (لأغراض الاتصال.

      هكذا تمثل الدلائل الاصطناعية مجموع إشارات الاتصال التي نطلق عليها اسم الدلائل، بينما تتجسد الدلائل الطبيعية في مثال القرينة.

      ثانيا: التصنيف الأكاديمي الفرنسي

      حسب التصنيف الذي أقامه بايلون كريستيان وبول فابر يمكن د راسة أنواع الدلائل في شكل ثنائيتين رئيسيتين: القرينة والإشارة من جهة والدليل والرمز من جهة أخرى.

      2-1-القرينة/الإشارة

      بخلاف الإشارة) الاتصالية (فإن القرينة هي كل دليل لا يتضمن أي نية في التبليغ.

      أ- القرينة  (indice) :

      حسب" لويس بريتو"، القرينة هي واقعة يمكن إد ا ركها فورا وتعرفنا على شيء يتعلق بواقعة أخرى غير مذكورة. يكاد جميع الباحثين يقدمون مثالا واحد حين يتعلق الأمر بتعريف القرينة ذاك هو الدخان الذي يدرك بحاسة البصر فإنه ينبئ عن وجود نار، إذ الكل يعرف أنه لا دخان بدون نار ومعنى ذلك أن الدخان لا يكون قرينة إلا حيث لا تظهر النار للعيان.

      ب -الإشارة (signal) :

      يمكن تقسيم الإشارات إلى نوعين رئيسيين: إشارات الدلالة (signaux significatifs)، إشارات الاتصال (signaux communicatifs).

      1-إشارة الدلالة:

      على الرغم من أنّ هذه الإشارات يمكن أن تحمل رسالة وتدل على شيء إلا أنّ وظيفتها الأساسية لا تكمن في ذلك بل تكمن في الجانب النفعي الذي أنشئت من أجله، لنأخذ مثالا من الهندسة المعمارية: إنّ المسجد قد بني بالدرجة الأولى من أجل إقامة الصلاة إلا أنه غالبا ما تتجسد في هندسته المعمارية البصمات الفنية والثقافية أو الحضارية للشخص الذي أشرف على بنائه أو موضة الملابس.

      2-إشارة الاتصال:

      هي الإشارات التي وضعا أساسا من أجل حمل رسالة أو نقل خبر كإشارات المرور والدلائل اللسانية. على خلاف القرينة تتضمن الإشارات الاتصالية النية في التبليغ، مثال: إنّ السماء العاصفة ليس في نيتها الإعلان عن رداءة الطقس ولكن بفضل هذه القرينة يشرع مسؤول الحماية المدنية على مستوى الشاطئ من مباشرة تعليق العلم الأحمر. إنّ هذا العلم هو إشارة اتصالية وضعت بغرض إعطاء تحذير للمصطافين.

      2-2-الرمز/الدليل: تكون الإشارة الاتصالية التي نخصها بتسمية الدليل) بخلاف الإشارة الدلالية (إما رمزا أو دليلا) لسانيا أو سيميولوجيا(

      أ- الرمز (symbole) :

      هو إشارة اتصالية تقوم على ركائز طبيعية، مثل الدخان الذي يعني وجود النار، يدل الرمز الذي تتضمنه لافتة المرور) المنعطف الخطير (على وجود خطر محتمل، وهكذا يكون بين العنصر "أ") شكل اللافتة (والعنصر "ب") منعرج الطريق (علاقة طبيعية أو فيزيائية وطيدة، إذن الرمز هو الإشارة الاتصالية التي تسجل علاقة قياس ثابتة داخل ثقافة معينة مع العنصر الذي تمثله.

      ب-الدليل

      عندما لا تكون هناك علاقة طبيعية بين العنصر "أ" والعنصر "ب"، أي بين العلم الأحمر والسباحة الخطيرة في مثال العلم الأحمر المعلق في الشاطئ، نقول عن هذه الإشارة بأنها دليل سيميولوجي، أمثلة أخرى للدليل السيميولوجي: لافتة الريح الجانبية، اللافتة التي تدل على وجود أشغال ولا فتة نهاية الممنوعات.

      ثالثا: التصنيف الأمريكي

      يفرق شارل ساندرس بيرس بين ثلاثة أنواع من الدلائل: الأيقونة، المؤشر، والرمز

      3-1-الأيقونة (icone) :

      يبنى مصطلح الأيقونة ليدل على شيء تجمعه بشيء آخر علاقة المماثلة، إذ ترتكز الدلائل القياسية أو الأيقوينة على مبدأ التشابه بين الدال والمدلول) كالقياس السمعي، مثل: الضجيج والقياس البصري مثل: الرسم أو الصورة الفوتوغرافية).

      تسمى في السيميولوجيا هذه الدرجة في التشابه أو التعليل بين الدال والمدلول بدرجة الإيقونية (degré d’iconicité)، وهي الدرجة التي تسمح لنا من التعرف من خلال صورة أو كاريكاتير مثلا على علاقة معينة (يشترك في إدراكها فرد أو جماعة نفسها).

      3-2-المؤشر (index) :

      عرف "بريتو" المؤشر بأنه العلامة التي هي بمثابة إشارة اصطناعية، هذا المؤشر وهو يفصح عن فعل لا يؤدي المهمة المنوطة به إلا حيث يوجد المتلقي له. وهو الذي يمكن أن يتناسب مع الدلائل الطبيعية والقرينة الفرنسية. لكن إذا كان المؤشر يمكن أن يكون على غرار الدلائل الطبيعية والقرينة خاليا من أي نية تبليغية إلا أنّ المؤشر على العكس من ذلك قد يكون مسخرا لأغراض الاتصال والإشارة المتعمدة، وفي هذه الحالة يتجسد المؤشر في كل دليل يستخدم بطريقة إرادية ليوحي بشيء) الإشارة الإيمائية (أو ليشير إليه) الإشارة اللفظية (.

      3-3-الرمز (symbol) :

      يذكر قاموس أكسفورد أن الرمز عبارة عن شيء يقوم مقام شيء آخر أو يمثله أو يدل عليه لا بالمماثلة إنما بالإيحاء السريع أو بالعلاقة العرضية أو بالتواطؤ، من ذلك الحرف المكتوب، الرسالة البريدية،..الخ

      الرمز هو الذي يصادف الدليلي اللساني السوسوري الذي هو اعتباطي أو عرفي غير معلّل) أي لا يستند إلى أي علاقة قياسية أو أيقونية تربطه بالواقع (.

      يعد من بين أنواع الرمز كل من الشعارات والصفات والإشارات (les insignes) ، مثال: يقال أن السلحفاة رمز للبطء وإن الثور شعار للقوة، كما أن الحمامة رمز للسلام في  حين أن الديك شعار للحذر.


    • سيميولوجيا الخطاب البصري

      1-تعريف الصورةالصورة

      كلمة صورة image مشتقة من الأصل اللاتيني imago، أما مصدرها السيميولوجي فيأتي من اللفظة imatari التي تعني التماثل مع الواقع وبهذا يصبح مصطلح الصورة يعني سيميولوجيا كل تصوير تمثيلي يرتبط مباشرة بالمرجع الممثل بعلاقة التشابه المظهري، أو بمعنى أوسع كل تقليد تحاكيه الرؤية في بعدين (رسم، صورة (أو في ثلاثة أبعاد في حالة النقش أو التماثيل.

      كما تعّرف الصورة بأنها كل تقليد تمثيلي مجسد أو تعبير بصري معاد، وهي معطى حسي للعضو البصري، حسب فولشينيوني (Fulchignoni) أي إدراك مباشر للعالم الخارجي في مظهره المضيء.

      إن الصورة بصفة عامة، تصور لغوي وعقلي وذهني وخيالي وحسي وبصري، قد تنقل العالم الواقعي أو تتجاوزه نحو عوالم خيالية وافتراضية أخرى، لكن أهم ما في الصورة هو طبيعتها اللغوية والفنية والجمالية

      الخاصة وارتباطها بمتخيلات غنية وثرية. كما أن للصورة " الخطاب " آليات تعبيرية قد تتجاوز الصور الشعرية إلى صور نثرية وسردية ودرامية موسعة وبصرية تشكيلية، تجعل من مبحث الخطاب " الصورة " عالما منفتحا وخاصا، يمكن استكشافها واستجلاؤها عبر السياق السيميائي الدلالي.

      2-الرسالة البصرية وإنتاج المعنى

      إنّ اللغة البصرية التي يتم عبرها توليد مجمل الدلالات داخل الصورة هي لغة بالغة التركيب والتنوع وتستند من أجل بناء نصوصها إلى مكونين:

      - البعد العلاماتي الأيقوني

      - البعد العلاماتي التشكيلي

      فالرسالة البصرية تستند من أجل إنتاج معانيها، إلى المعطيات التي يوفرها التمثيل الأيقوني كإنتاج بصري لموجودات طبيعية تامة) وجوه، أجسام، حيوانات، أشياء من الطبيعة...الخ(، وتستند من جهة ثانية إلى معطيات من طبيعة أخرى، أي إلى عناصر ليست لا من الطبيعة ولا من الكائنات التي تؤثث هذه الطبيعة. ويتعلق الأمر بما يطلق عليه التمثيل التشكيلي للحالات الإنسانية، أي العلامة التشكيلية: الأشكال والخطوط والألوان والتركيب.

      إنّ البعد التضميني والدلالي للصورة هي نتاج تركيب يجمع بين ما ينتمي إلى البعد الأيقوني وبين ما ينتمي إلى البعد التشكيلي مجسدا في أشكال من صنع الإنسان وتصر فه في العناصر الطبيعية بتراكمية ثقافية من تجارب أودعها أثاثه، وثيابه، ومعماره، وألوانه، وأشكاله، وخطوطه. وتعد الصورة من هذه االزاوية ملفوظا بصريا مركبا ينتج دلالاته استنادا إلى التفاعل القائم بين مستويين مختلفين في الطبيعة، لكنهما متكاملان في الوجود.

      من هذا المنطلق، يمكن طرح قضية الدلالة والتدليل في الرسالة البصرية، وكيفية تحول المرجع الفوتوغرافي من الحياد والصمت إلى علامة، وإلى نص لا ينفلت من لعبة المعنى. وهو الطرح الذي يستدعي مستويين اثنين على الأقل في قراءة الرسالة البصرية.

      - المستوى الأول : هو الداخل الأيقوني

      - المستوى الثاني : هو الخار ج الأيقوني

      إنّ رصد هذين المستويين في علاقتهما الجدلية والمتداخلة يقود إلى تحديد وجهة نظر الفاعل الفوتوغرافي، ورؤيته للعالم، وهي الرؤية التي تعين مسار الصورة، إطارها، ومواضيعها، إيقاعاتها وألوانها، بكلمة واحدة: طريقة تمثيلها.

      3-مقاربة "رولان بارث" لتحليل الصورة رولان بارث

      استوحى "بارث" مقاربته من علم اللسان والتحليل النفسي والأنتروبولوجيا الحديثة وقد انطلق في دراسته من فكرة العلاقة بين الدال والمدلول وبين الدليل والمرجع، فخرج بمستويين التعييني والتضميني وجمعهما في الرسالتين الأيقونتين، ثم أضاف رسالة ثالثة سماها الرسالة الألسنية.

      بالتالي يقسم التحليل السيميولوجي للصورة حسب هذا الباحث إلى ثلاث مستويات:

      3-1-المستوى الأيقوني التعييني أو الإدراكي (Dénotation) :

      نعني به القراءة الأولية السطحية للرسالة ومن خلال هذه ا القراءة يطرح المحلل سؤال ماذا أرى؟ وهو ما يقابل الدال عند "دي سوسير". يتضمن هذا المستوى عدة خطوات إجرائية نذكرها فيما يلي:

      -الدراسة المورفولوجية: وهي السيرورة الدلالية لبناء الصورة هكلها، خطوطها، محاورها التركيبية.

      -الدراسة الفوتوغرافية: وهو المجال الذي يتم فيه مساءلة العناصر الفنية المتعلقة بالتأطير، اختيار الزوايا وما يقابلها من جانب المتلقي من حركة العين ووضع المركز البصري بالإضافة إلى الجدلية الفوتوغرافية (الظل / الضوء).

      -الدراسة التبوغرافية: ويتم فيها تحليل الإرسالية اللسانية من حيت طريقة كتابتها) حجم البنط -قياس السطر -طراز الحرف (طريقة وضعها والمسا حة المخصصة لها.

      -دراسة الألوان: يتم تحليل قوة الألوان المستعملة، طبيعتها ومدى طغيانها أو العكس.

      -دراسة الشخصيات: أي تحديد الأشخاص في الصورة، سنهم، جنسهم، ملابسهم.

       ويندرج هذا المحور الدراسي العام أي الدراسة الشكلية بخطواتها الإجرا ئية فيما يعرف سيميا ئيا بتحديد طبيعة الدليل. وهي عند "رولان بارث" تسمى التعيين وتعني الدلالة الأولى.

      3-2-المستوى التضميني (Connotation) :

      يعتمد التحليل التضميني على االقراءة المعمقة للمعطيات التعيينية المكونة للرسالة البصرية من خلال طرح سؤال لماذا؟ أي لماذا قدمت هذه المعطيات بهذه الطريقة، وكذلك محاولة الربط بينها من خلال البحث عن العلاقات التي تجمعها ببعضها البعض.

      كما يعتمد هذا المستوى من التحليل على الثقافة الخاصة بالمتلقي والقدرة على قراءة ما وراء الصورة من خلال الكشف عن الدلالات والقيم الرمزية الثقافية التي تحملها هذه الرسالة البصرية. بالتالي يناشد هذا المستوى الخبرة الذاتية للفاعل، ويشير إلى القيم الثقافية الخاصة بمفكك الشفرة. ويتضمن الخطوات الإجرا ئية التالية:

      أ-دراسة الأبعاد السيكولوجية للصورة مل خلال:

      - تحليل المعطيات الفوتويرافية كالتأطير، اختيار الزوايا، الإضاءة.

       -تحليل وتفسير الأبعاد التبوغرافية) لماذا اختير هذا البنط او ذاك النوع من الكتابة؟ (.

       -تحليل سيكولوجي للألوان ولإيحاءاتها المختلفة.

      ب -دراسة التضمينات الإجتماعية والثقافية للصورة مل خلال:

       -تحليل المدونات التعينية.

       -تحليل مدونة الحركات والإشارات.

       -تحليل مدونة الوضعيات.

       -تحليل سوسيوثقافي الألوان.

      3-3-الدراسة(الرسالة) الألسنية: وهو المحور الذي يتم فيه دراسة علاقة الجانب الألسني بالجانب الأيقوني) الصورة (من خلال وظيفتي الترسيخ والمناوبة.

      أ-وظيفة الترسيخ "الإرساء ancrage": ذلك أن الصورة تتسم بالتعدد الدلالي أي تقدم للمتلقي عددا

      كبيرا مل المدلولات لا ينتفي إلا بعضها ويهمل البعض الآخر، ومل ثمة فإن النص اللفظي يوجه إدراك

      المتلقي ويقود قراءته للصورة، بحيث لا يتجاوز حدودا في التأويل.  فالنص اللغوي إذ يمارس سلطة على الصورة مادام يتحكم في قراءتها أو يكبح جما حها الدلالي، إنه يقوده نحو معنى منتقى مسبقا.

      ب-وظيفة المناوبة) الربط التدعيم): وتكون حين يقوم النص بإضافة دلالات جديدة للصورة، بحيت أن مدلولاتها تتكامل وتنصهر في إطار واحد.

      4-مقاربة "مارتين جولي" لتحليل الصورة

      ترى "مارتين جولي" أن الأنساق البصرية تتميز ببناء محكم تتضافر فيه مختلف مكوناته التعبيرية لتبليغ رسالة محددة، وهناك بعض العناصر التي تتوفر في نسق وتغيب في آخر، إلاّ أن هناك عناصر مشتركة في كل نسق بصري وتشمل علامات أيقونية وعلامات تشكيلية.

      تعتمد العلامات الأيقونية عمى مبدأ التشابه بيد الدّال والمدلول، وتشكل مكونا أساسيا من مكونات الأنساق البصرية، ليس باعتبارها عاملا مساعدا على استنساخ الواقع وتقديمه فقط، بل لما تضمره من أبعاد إيحائية عديدة ومتشعبة، حيث أن الصورة تحاول أن تقول دائما أكثر مما تعرضه بالدرجة الأولى، كما أن تأويل الأيقونات في الرسالة البصرية يتم على أساس إجراءات إيحائية متعددة، مؤسسة على مؤثرات مختلفة تتوزع بين الاستعمالات السوسيوثقافية للصورة، وأشكال وطرق عرضها على المشاهد. أما العلامات التشكيلية تتمثل في مجمل العناصر التشكيلية المضافة للعلامات الأيقونية والمساهمة في تشكيل النسق البصري لاسيما الصورة،

      فهي ليست مواد تكميلية للعلامة الأيقونية فقط، بل تسهم في تحديد مضمون الرسالة، حيث أن كل عنصر له مساهمة في توجيه المشاهد نحو قراءة محددة.

      ترتكز "مارتين جولي" في تحليلها على تقاطع ثلاث أنواع من المستويات المتباينة شكليا والمتكاملة نسقيا وهي:

      1-المستوى الشكلي: يتكون هذا المستوى من مختلف عناصر الصورة الشكلية والتصويرية، أي كل ما ينتمي إلى الألوان، الأشكال، التكوين الداخلي، الإطار، الدعامة، التأطير، زاوية التقاط الصورة، الإضاءة وكل ما

      يدخل في نسيج العلامات، وهذا المستوى يبقى خاصا بالإدراك الحسي للرسالة البصرية.

      2-المستوى الأيقوني: يتعمق هذا المستوى بكل أنظمة الدلائل الأيقونية التي تقود إلى استحضار معارف أصلية مكتسبة، ثقافية مجردة، ولا يمكن فصلها عن مكونات تشكيل الصورة وعما تشير إليه ضمنيا بأبعاد إيحائية عديدة ومتفرعة، غالبا ما تتجاوز نطاق المماثلة المادية للموضوع المنقول. وتقترح "مارتين جول" في هذا المستوى التطرق إلى الموضوعات المصورة مع وصف دقيق لأجزائها الحاضرة والغائبة وما تحمله من أبعاد تعبيرية محددة في السياق السوسيوثقافي.

      وفي هذا المستوى تتحدث "جولي" عن العلامة التي تأخذ البعد الإزدواجي بين الشكلي والأيقوني باعتبارها علاقة تفاعلية محددة لإنتاج الدلالة الكمية للصورة المرئية، وهي في نواتها دائرية تمر من الشكلي، وصولا إلى الأيقوني أو العكس، ويمكن الاقرار أن هذا المستوى يعبر عن تأويل الوضعيات والتمثلات بواسطة العملية الإيحائية.

      3-المستوى الألسني: لقد لاحظت الباحثة أن الد راسة اللغوية تساعد في إنتاج الدلالة والبلاغة دراسة مهمة، ولا يمكن الاستغناء عنها، ولذلك، فهي تشترك مع "بارث" في مسألة حضور اللغة في الصورة، وفي أشكال التواصل الأخرى، لأن دورها الجوىهي يتجاوز بذلك عناصر التلفظ لتقوم بوظيفتي الإرساء والترسيخ.

       

       

       

       

       

       

       

       


    • سيميولوجيا الخطاب السينمائي

      1-تعريف اللغة السينمائيةالسينما

      يقول المؤرخ والناقد "جان ميتري " بأن السينما كوسيلة اتصال هي بمثابة لغة لقدرتها على تنظيم الأفكار وبنائها ونقلها للآراء وتحويلها، وهذه اللغة ترتكز أساسا على الصورة) الفيلم صورة (، وعلى تعاقب الصور. بمعنى أن الصور حسب النوع الحكائى المختار في شكل نظام "دلائل ورموز" أي في شكل لقطات ومتتاليات. كما أن هذه اللغة تختلف عن اللسان البشري لأنها لا تستمد دلالتها من صور Figure اعتباطية Arbitraires، ولكن من خلال إعادة إنتاج الشبه Analogie البصري والصوتي.

      يرى الكاتب "أيزنشتاين" أن اللغة، حينئذ السينمائية: هي وقف على الأفلام الحكائية التي تريد أن تحكي قصصا، فتكون اللغة الفيلمية حددت بالقصة أولا وبالحكاية، والسينما لغة عالمية ووسيلة تخاطب بين الشعوب. قادرة على الوصول إلى كل مكان.

       أما "أبل كانس" الذي يضع السينما في اللغة اللفظية (verbal) البدائية القائمة على الوحدات الكتابية التمثيلية، فإنه يسمي السينما: بلغة الصور التي وإن لم تتطور ينبغي أن تكتسب قواعد مفصلة.

       في سياق آخر يرى السيميولوجي "كريستيان ماتز" Christien Metz أن اللغة السينمائية لغة مركبة تتألف من اقتران خمسة مواد تعبيرية دالة، نوعان منهم يؤلفان شريط الصور وهي الصور الفوتوغرافية المتحركة والبيانات المكتوبة، وثلاثة أنوع أخرى تمثل شريط الصوت وهي الصوت الشبهي (Son analogique) أو الأيقوني (Iconique) كالضجيج والصوت المنطوق (Son plonique) ، صوت المتكلم من خلال الحوار أو التعليق والصوت الموسيقي.

        تمتاز اللغة السينمائية بتعاقب صور تكون بطريقة خطية متسلسلة، وهذا ما يولد أو يخلق لدى المشاهد الإحساس بالاستمرارية، لدرجة أنه لا يمكن إدراك وجود وحدات متقاطعة ومميزة، تستمد قيمتها على غرار الوحدات اللغوية من خلال حضورها أو غيابها، وهذه الوحدات المميزة تسمى باللقطات في السينما؛ كما تمتاز اللغة السينمائية بعلاقة شبيهة بين الدال والمدلول. فحسب النظرية السوسورية تكون العلاقة الموجودة بين الدال) تعبير صوتي (والمدلول) المضمون (اعتباطية، أي مجرد اتفاق عرفي لكن الأمر يختلف بالنسبة للغة السينمائية فالصور المتحركة والأصوات المسجلة كالضجيج تعد بمثابة نسخ طبق الأصل للواقع، فكل دال من الدوال معلل (Motivé) بنسب متفاوتة، بفضل وجود علاقة شبهيه تجعل كل دال بصري صوتي مرتبط بمدلوله.

      2-اللغة السينمائية عند "كريستيان ماتز"

      يعتبر "كرستيان ماتز" من منظري سيميولوجيا السينما، واستطاع أن يخلصها من تحنيط الفوتوغرافيا ولا حركيتها، حيث انتبه الى أن السينما ليست الفوتوغرافيا ولن تكون، السينما تحوي الفوتوغرافيا وليس العكس. فاللقطة كائن دينامي حيوي حركي عكس الصورة الفوتوغرافية حنيط للحظة زمنية وتوقيفها، فلا يمكن تطبيق مقاربات الفوتوغرافيا في السينما، من هذا المنطلق بحث عن سيميولوجيا تراعي الخصوصية والحركية ... لتخليصها من مفاهيم مغلوطة ومتسرعة فيقول " لقد حان الوقت أن نتوقف عن التفكير العام عن الفيلم ... لندخل بيسر الى عصر الدراسات المتخصصة لا العامة ... لنبدأ الد راسة العلمية للسينما " .

      يوضح" ماتز" منذ البداية أن السينما لن تكون تواصلية بقدر ما تكون تعبيرية " السينما ليست وسيلة للتواصل، فهي لا تسمح مباشرة بالتبادل الثنائي بين مُرسِل ومُستقبِل: الإنسان لا يستجيب لفيلم بفيلم آخر يقدَّم في نفس اللحظة ومجال المعنى لا يتشوش بمجال ما يسمى التواصل، وبالمعنى الضيق للكلمة لا يتشوش بمجال الكلام، الأكثر تحددا، والسينما تعني، ولكنها تفعل ذلك كوسيلة للتعبير لا كوسيلة تواصل". ويعتقد أن السينما والتلفزيون مترابطان على مستوى مادة التعبير، ويشير أن الفرق بينهما ثقافي أكثر منه سيميولوجي؛ إذ أن كليهما يستخدم نفس القنوات الخمس للمادة .

      السينما تعبيرية بمعنى أنها تقع على النقيض من الطبيعية، ومن جماليات مشابهة الواقع " التعبيرية لا ترى إنما لديها رؤيا، لا تصف وانما تحيا، لا تعيد إنتاج شيء وإنما تُشكل، لا تأخذ إنما تبحث ... تصرخ قوة الأشياء. الدينامية برغبتها في أن تخلق، يجب أن تنتظم اللوحة) اللقطة في السينما والمشهد في المسرح)".

      يترك علم السيميولوجيا دراسة ماهو فيلمي، أي المظاهر الخارجية للفيلم لأنظمة أخرى مرتبطة به مثل علم الاجتماع وعلم الاقتصاد وعلم النفس الاجتماعي والتحليل النفسي والفيزياء والكيمياء، أما السينما فهي المجال الخصب والعمل الفني والفعلي، وهنا ينبغي أن يطرح سؤال: كيف يكون الفيلمي قادر على إعطاء معنى/ دلالة؟ " فمثلا يرغب السيميولوجي في أن يكشف الامكانات العامة للمعنى في لقطة زوم، وفي نفس الوقت يرغب أيضا في أن يعرف الوظيفة الخاصة التي يقوم بها الزوم بجانب التقنيات الاخرى ... حيث يكمن في قلب مجال الواقع السينماتوغرافي، وفي لب الواقع لسينماتوغرافي توجد الدلالة، ويلج السيميولوجي مباشرة الى هذا اللب.

      3-خصائص اللغة السينمائية

      تستعمل السينما في خطابها عددا كبيرا من الدلائل التي تأخذها من الواقع، أي تستعمل أشكال خاصة بها ولا توجد عند غيرها، وتستعين بأصناف دلالية أخرى ومدونات ثقافية أخرى ومن الحياة الاجتماعية، وهذه الدلائل المستوردة لا تأخذ قيمتها الإيديولوجية والدلالية في الفيلم إلا من خلال العلاقة التي تقوم فيما بينهما، ومن خلال الدلائل والأشكال الأخرى المستوردة، إلى جانب الأشكال السينمائية الخاصة التي تحمل

      معاني متعددة؛ فكل من الأشكال والمعاني المستوردة التي تولد من الأشكال السينمائية الخاصة هي معاني فيلمية، وهذه المعاني التي تشكل محتوى اللغة السينمائية تمتاز بخصائص رئيسية وهي ملامح حسية نتعرف من خلالها على الصورة بمعناها الذي تحدده وظيفتها الدلالية والميكانيكية وتتمثل فيما يلي:

      - الأيقونية (Iconicité) : وتشير إلى علاقة دالة قائمة على التشابه بين الدال والمدلول، فالصورة الفيلمية لها درجة أيقونية كبيرة تجعلها أكثر إيحاء من غيرها.

      - النسخ الميكانيكي : الصورة هي نتاج عملية آلية فهي وسيلة لنسخ ميكانيكي للواقع.

      - التعددية : (Multiplicité) اللغة السينمائية تتكون من عدة صور فوتوغرافيات وهي متنوعة ومختلفة.

      - الحركية (Mobilité) : وهي ميزة أساسية ورئيسية للسينما، وهذا ما يميزها عن الوسائل التعبيرية الأخرى وخاصة بتحريك الكاميرا من مكان لأخر.

      4-عناصر اللغة السينمائية

      تتكون اللغة السينمائية من أوضاع خاصة وتتمثل في) سلم اللقطات، زوايا التصوير، حركات الكاميرا، تقنيات السينما والتي بدورها تشمل كل من السيناريو، المونتاج، الحوار.... الخ)، كما تتكون اللغة السينمائية من أوضاع غير خاصة وتتمثل في) الشخصيات، الديكور، الموسيقى، الصوت، الإضاءة...)

       4-1-الأوضاع الخاصة: وتشمل ما يلي:

      -سلم) أنواع (اللقطات: تنقسم اللقطات إلى ثمانية أنواع متميزة.

      -زوايا التصوير) زوايا التقاط الصور ودلالتها (: تستطيع الكاميرا لقابليتها للحركة تصوير أي لقطة من الديكور من خلال عدة زوايا متباينة.

      4-2-الأوضاع غير الخاصة: هناك أوضاع أخرى في الصورة الفيلمية غير خاصة بها لوحدها فقط وتتمثل فيما يلي:

      - الشخصيات: تعمل الشخصيات على خلق الصراع الذي ينمي العمل ويزيد من حركاته وتفاعله ومن ثم يخلق التشويق، فالشخصيات هي العمود الرئيسي الذي يحرك العمل الفني ؛وميول الشخصيات واتجاهاتها هي التي تكون محض تصادم مع ميول واتجاهات أخرى وهذا التصادم يولد الصراع كما هو معروف ويصنع الحبكة والتأزم، وصولا للذرّوة التي دائما ما تكون محض اهتمام المشاهد.

      - الديكور : Le décor يعد الديكور عنصرا هاما في عملية الإبداع السينمائي، فهو يساعد في استحداث البعد الدرامي المناسب، ويمكن اعتبار الديكور في معناه الواسع شخصية متخفية لكن دائمة الحضور هدفه في كل فيلم البحث عن البعد الدرامي الأفضل من أجل وضع المشاهد في إطاره الجغرافي ا لاجتماعي المناسب و الملائم.

      - الإضاءة l’éclairage : الإضاءة هي عنصر فني ودرامي يقدم موضوع ما أو شخصية من خلال حصرها وعزلها في دائرة الضوء والأجسام الصغيرة مثلا يمكن أن تجذب الانتباه إذا توافرت لها إضاءة أعلى وألوان أنصع من ألوان الأجسام المحيطة بها، كذلك يمكن للإضاءة أن تبرز شخصية أو موضوع معين من خلال تحريك الموضوع من المناطق المظلة إلى المناطق المضيئة، ولها القدرة على جعل تمثيل النص والطبيعة والجوّ المعنوي محسوسا؛ وتفيد الإضاءة في خلق الإحساس بالعمق المكاني وفي خلق جوّ انفعالي .

      -الموسيقى: تعرف الموسيقى سيميولوجيا بأنها ذلك النسيج الصوتي TEXTURE SONOREالذي ينظم وحداته على محور زمني، وبهذا تستقى الموسيقى دلالتها من تناغم إيقاعاتها على العموم. تستخدم الموسيقى في الأفلام لملء فترات الصمت المصاحبة للصورة أو التعبير عن حالة نفسية أو تأزم في الموقف الدرامي، كما تستعمل كقيمة إيقاعية أو لأغراض حسية، وتساعد في تعميق الإحساس البصري للصورة السينمائية وتجميل الحكاية وتجعلها واضحة ومنطقية وشاعرية أيضا. فالموسيقى تكون مصاحبة للصورة وزخرفتها، بإحداث توازن حسي للمتفرج، ولها دور أيضا تأثيري سيكولوجي.

      - الصوت : يمتلك الصوت قدرات كبيرة في التعبير عن الجو العام للفيلم من خلال مختلف المؤثرات الصوتية، فوضع مؤثر صوتي في المشهد عن وضع الأحداث المصورة وكذلك باستخدام الموسيقى لوحدة الصوت. كما يساهم الصوت والضجيج في الرفع من مصداقية الحدث المصور، ويضفي عليه أبعادا درامية هامة، وبالتالي فإن الأصوات السينمائية ليست مجرد أصوات عادية، بل تعتبر دلائل خاصة في الخيال الفيلمي.

      5-مقاربة "كريستيان ماتز" للخطاب السينمائي

      تمر عملية التحليل بمجموعة من المراحل تنطلق من المستوى التعييني وفيه يتم التقطيع الفني للفيلم، ثم تحليل مشاهد الفيلم وصولا إلى المستوى التضميني.

      -المستوى التعييني: يتعلق خاصة بالجانب التقني،ويتم في:

      -التقطيع الفني

      -تحليل المشاهد

      -دراسة وتحليل العلاقة بين الصوت والصورة

      -تحليل العبارة الخطية في الفيلم

      -المستوى التضميني: نتاج الفيلم منظورا له كخطاب، بمعنى كمجموعة دلالات داخلة في علاقات ذات أبعاد مختلفة.

       


    • :قائمة المراجع

      ·       Groupe µ, Traité du signe visuel, Paris, Seuil, 1992

      ·       Barthes, Roland (1961). Le message photographique, Communications, n°1

      ·       Barthes, Roland (1964). Rhétorique de l’image, Communications, n°4

      ·       Fontanille, Jacques (2008). Pratiques sémiotiques, Paris, PUF

      ·       Greimas A.J., & CourteS J. (1979). Sémiotique, dictionnaire raisonnée de la théorie du langage, Paris, Hachette.

      ·       BARTHES Roland, La chambre claire. Note sur la photographie, Éditions de l’Etoile, Gallimard, Le Seuil, 1980.

      ·       ECO Umberto, Le signe, Le Livre de poche, 1988..

      ·       JOLY Martine, Introduction à l’analyse de l’image, Armand Colin, 2005.

      ·       Semprini Andrea, Analyser la communication 2. Regards sociosémiotiques, Paris, L’Harmattan, 2007.

      ·       Boutaud Jean-Jacques, Veron Eliseo, Sémiotique ouverte. Itinéraires sémiotiques en communication, Paris, Hermès-Lavoisier, coll. « Formes et sens », 2007.

      ·       Philippe Verhaegen, Signe et communication,  DE BOECK SUP– 3 novembre 2010

      ·      محمد نور الدين أفاية  ، الصورة والمعنى،  المركز الثقافي للكتاب، 2019

      ·      عبد القادر فهيم شيباني، السيميائيات العامة أسسها ومفاهيمها، الدار العربية للعلوم ناشرون، 2010

      ·      دانيال تشاندلر، أسس السيميائية،  ،  المنظمة العربية للترجمة  . 2008

      ·      مجموعة مؤلفين ، السيميائية: الأصول، القواعد، والتاريخ، دار مجدلاوي للنشر والتوزيع ، 2013

      ·      بيير جيرو:  السيميائيات - دراسة الأنساق السيميائية غير اللغوية،  دار نينوى للدراسات والنشر والتوزيع .

      ·      مصطفى غلفان، السانيات البنيوية ؛ منهجيات واتجاهات،  دار الكتاب الجديد المتحدة ، 2013

      ·      رشيد بن مالك - عز الدين مناصرة،  السيميائية: أصولها وقواعدها، منشورات الاختلاف، 2002

      ·      مجلة عالم الفكر : السيميائيات (عدد خاص) - مجلد 35 - عدد3 .

      ·      إريك بويسنس: ترجمة وتقديم: جواد بنيس.، السيميولوجيا والتواصل، مجموعة البحث في البلاغة والأسلوبية. ط1: 2005.

      ·      سعيد بنكراد،  السميائيات ؛ مفاهيمها وتطبيقاتها ،  منشورات ضفاف ، 2015

      ·      جميل حمداوي، السيميولوجيا بين النظرية والتطبيق ، مؤسسة الوراق للنشر والتوزيع، 2011

      ·      محمد السرغيني محاضرات في السيميولوجيا ، دار الثقافة ، 1987

      ·      أمبرتو إيكو ، العلامة ؛ تحليل المفهوم وتاريخه، المركز الثقافي العربي ، 2007

      ·      مجموعة مو، بحث في العلامة المرئية - من أجل بلاغة الصورة ، المنظمة العربية للترجمة، 2012