Aperçu des sections

  • التعريف بالمقياس

  • السميولوجيا: موضوعها ومفاهيمها

    1-    موضوع علم السيميولوجيا:

    1-1-        إشكالية المصطلح :  

     يستخدم في الغرب مصطلحان للإشارة إلى علم العلامات: "Semiologie" و"Semiotique". يشتركان في الجذر اللغوي "Semio"، المشتق من الكلمة اليونانية "Semeion" التي تعني "السمة" أو "العلامة"، لكنهما يختلفان في اللاحقة. فالمصطلح الأول يحتوي على "Logie"، المستمدة من الكلمة اليونانية "Logos" التي تعني الخطاب أو العلم، بينما يحتوي المصطلح الثاني على "Tique" ذات الأصل اللاتيني، التي تشير إلى العلاقة الديداكتيكية.

    حتى سبعينيات القرن العشرين، كان الباحثون الفرنسيون يستخدمون المصطلحين كمترادفين، لكن بعدها بدأ التمييز بينهما. فهناك من رأى أن السيميولوجيا تشمل السيميوطيقا، بينما رأى آخرون العكس. ولم يكن هذا الاختلاف مقتصرا على الجانب اللغوي، بل تحول إلى قضية إبستمولوجية أثارت نقاشات علمية. فقد تبنى فردينان دي سوسير مصطلح "سيميولوجيا" في بداية القرن العشرين، مشيرا إلى علم عام للعلامات ينطلق من اللسانيات، بينما استخدم الفيلسوف الأمريكي شارل ساندرس بيرس مصطلح "سيميوطيقا"، ليشير إلى علم العلامات المستند إلى المنطق والفلسفة.

    وقد ميز أمبرتو إيكو بين المصطلحين بناء على مدى ارتباطهما بعلم اللسان؛ فالسيميولوجيا تستعير مناهج اللسانيات لتطبيقها على الظواهر غير اللغوية، بينما تسعى السيميوطيقا إلى الاستقلال بمفاهيمها الخاصة.

    أما في العالم العربي، فقد حاول الباحثون إيجاد مكافئ عربي مناسب. فاقترح البعض مصطلحات مثل "علم العلامات" و"علم الأدلة"، بينما فضل آخرون استخدام كلمة "سيمياء" كمقابل للمصطلحين الأجنبيين. وعليه، يطلق مصطلح "السيمياء" على علم العلامات العام، بينما يشار إلى فروعه بإضافات تمييزية.

    2-1-موضوع السيميولوجياالسيميولوجيا

    السيميولوجيا ليست مقاربة حديثة النشأة، بل ترجع جذورها إلى القرن السابع عشر مع الفيلسوف جون لوك، الذي رأى أن الفكر البشري محكوم بالعلامات، ما يستدعي فهم طبيعتها وآليات اشتغالها. وقد أسس فردينان دي سوسير السيميولوجيا كعلم مستقل في كتابه "محاضرات في اللسانيات العامة" (1916)، معتبرا أن اللغة مجرد جزء من هذا العلم العام. أما رولان بارث، فقد رأى أن السيميولوجيا ما تزال في بداياتها، ما يجعلها حاليا فرعا من اللسانيات إلى أن تحقق استقلالها العلمي.

    يهدف علم السيميولوجيا إلى دراسة العلامات في سياقها الاجتماعي، وقد يعتبر فرعا من علم النفس الاجتماعي. وهو يدرس أنظمة العلامات المختلفة، سواء اللسانية كالكلام، أو غير اللسانية مثل إشارات المرور، والرموز، والرسوم البيانية.

    من أبرز مؤسسي هذا العلم دي سوسير، الذي عرفه بأنه "علم يدرس حياة العلامات داخل الحياة الاجتماعية"، وشارل ساندرس بيرس، الذي رأى أنه يختص بدراسة طبيعة العلامات ودلالاتها المتنوعة. كما أضاف رولان بارث أن السيميولوجيا استمدت مفاهيمها من اللسانيات، لكنها تسعى إلى بناء أدواتها الخاصة.

    تنقسم السيميولوجيا إلى فرعين رئيسيين:

    1.     دراسة أنظمة التواصل، أي العلامات التي تؤثر في المتلقي.

    2.     دراسة أنظمة العلامات باعتبارها موضوع البحث السيميولوجي الأساسي.

    2-العلامة في السيميولوجيا

    ترى الباحثة جوليا كريستيفا أن السيميولوجيا تهتم بدراسة الأنظمة الشفوية وغير الشفوية، لفهم طبيعة العلامات وآليات تمفصلها داخل التراكيب المختلفة. وقد لاحظت جان مارتيني أن جميع تعريفات السيميولوجيا تتضمن مفهوم العلامة، ما يؤكد أنها جوهر هذا العلم.

    أما دي سوسير، فقد عرف العلامة بأنها وحدة نفسية ذات جانبين متلازمين: الصورة السمعية والتصور الذهني، مشيرا إلى أن العلاقة بينهما اعتباطية. في المقابل، قدم بيرس مفهوما أكثر تعقيدا للعلامة، إذ رأى أنها تتكون من ثلاثة عناصر: الممثل (العلامة)، الموضوع (ما تشير إليه العلامة)، والمؤول (التفسير الذهني للعلامة). وبهذا، فإن العلامة عند دي سوسير ثنائية، بينما هي ثلاثية عند بيرس

    3-أهمية السيميولوجيا في علوم الإعلام والاتصال

    لقد أصبح استخدام المنهج السيميائي شائعا مؤخرا في تحليل الرسائل الإعلامية، ليكون بديلا أو مكملا لتحليل المضمون. وكان هذا المنهج في الأصل مقتصرا على تحليل المضامين الأدبية المختلفة. كما أن هناك علاقة وثيقة بين السيميائيات ونظرية الإعلام، حيث تتقاطع اهتماماتهما في دراسة أنماط التواصل اللفظي وغير اللفظي. إضافة إلى ذلك، تهتم نظرية الإعلام بالعناصر الحاملة للمحتوى الإعلامي والوسائط التي يتم استخدامها لإيصاله إلى الجمهور. وبالنسبة للتليفزيون، فإنه يعد وسيلة اتصال حديثة أحدثت تحولا نوعيا، ويعود هذا التحول إلى الثلاثينيات من القرن الماضي بفضل تقنياته المتقدمة وسرعة انتشاره، مما جعله يحتل المرتبة الأولى بين وسائل الإعلام السائدة آنذاك. وبناء على ذلك، يمكن القول إن المادة التليفزيونية تتميز بتنوع العناصر السيميائية التي تستخدم في الخطاب الإعلامي، حيث يعتبر هذا الخطاب "منتجا لغويا إخباريا متعدد الأبعاد في سياق اجتماعي وثقافي محدد"، وهو شكل من أشكال التواصل الفعّال في المجتمع، ذو قدرة كبيرة على التأثير في المتلقي وإعادة تشكيل وعيه وتوجيه رؤاه المستقبلية، وذلك وفقا للوسائط التقنية التي يتم استخدامها والأسس المعرفية التي تنبثق منها.

    ويرى السيميائيون أن المواد الإعلامية هي عبارة عن نصوص، ويعتبر البعض منهم وسائل الاتصال بمثابة لغات في بعض جوانبها. وقد ساعدت الدراسات الإعلامية المتعلقة بالأساليب التقنية والرمزية لوسائل الإعلام في إثراء المنطق السيميائي من خلال تحديد أهداف قد تكون محدودة نسبيا، مثل ضرورة فهم المشاهد للتلفزيون، ودور الوسائط في تحويل الخطاب العلمي، إلى جانب العناصر مثل الكتابة على الشاشة كالمقدمات وغيرها.

    وعند الحديث عن العلاقة بين السيميولوجيا والإعلام، نجد أن ذلك يعكس تعددية سيميائية، إذ أن أغلب عناصر الرسالة الإعلامية تحمل طابعا سيميائيا خاصا بها، مثل الصوت والصورة. وتتنوع هذه العناصر بين نوع الصوت وطبيعته، وكذلك نوع الصورة وخصائصها من حيث الأشكال والألوان والإضاءة واللقطات. ومن ثم، يتطلب الأمر تسليط الضوء على بعض هذه العناصر، حيث تظل الصورة واحدة من أبرز هذه العناصر.


           


     


  • المراحل التاريخية لتطور مفهوم السيميولوجيا

    التطور

    1-السيميائيات الحديثة: قفزة نوعية في العلوم

    تعد السيميائيات الحديثة قفزة نوعية في تطور العلوم، فقد بدت في أسسها ومفاهيمها ونتائجها علما جديدا. فهي طريقة جديدة في فهم الظواهر وتحليلها، ولها حدودها ومفاهيمها وأدواتها الجديدة. فالسيميائيات ليست تطورا للبنيويةمثلاأو لأيٍ من النظريات المتشابهة معها في مجال البحث. بل إنها ردة فعل لها؛ فلقد جاءت السيميائيات الحديثة لهدم وتقويض النظريات السابقة، وتقديم نظرة مختلفة للظواهر، وتصورٍ مختلفٍ لكيفية تحليلها وفهمها. لذلكوبالرغم من الخلفية المعرفية المتعددة والإرث التاريخي الكبير -يمكن القول إنها شكلت قفزة كيفية وقطيعة معرفية مع النظريات التي سبقتها.

    ولذلك نجد أن" غريماس"يعرف السيميائيات بأنها علم جديد مستقل تماما عن الأسلاف البعيدين،وهو من العلوم الأمهات ذات الجذور الضاربة في القدم، فهيأي السيميائيةعلم جديد، وهي مرتبطة أساسا ب)سوسير( وكذلك )بيرس( الذي نظر إليها مبكرا.  ومن تعريف) غريماس (السابق -وهو أحد أعمدة السيميائيات الحديثةنتحصل على ثلاثة أمور :1- أن السيميائيات الحديثة علم جديد مستقل استقلالا

    تماما عن السيميائيات التقليدية/الكلاسيكية أو ما عبّر عنه ب"الأسلاف البعيدين". بمعنى أنها ليست تطورا لها أو لغيرها من النظريات الأخرى؛ مما يعني وجود قطيعة أبستمولوجية بينهما. 2-أن السيميائيات الحديثة من العلوم الجامعة) الأمهات (، ولها جذورها الضاربة في القدم، أي أنه لا يمكن تجاهل الإرث التاريخي والخلفية المعرفية التي اتكأت عليها. إلا أنه رجع ليقول إنها علم جديد. فبالرغم من اتصالها بهذا الإرث إلا أنها علم جديد ومستقل بأسسها ومفاهيمها وأدواتها.  3-الأمر الثالث الذي يشير إليه التعريف أن بداية هذا العلم الجديد كانت مع )سوسير( و)بيرس(، وما كان قبلهما ليس إلا إرهاصات لظهوره وتشكله.

    2-نشأة السيميولوجيا وتطورها

    لفهم السيميولوجيا بدقة، ينبغي التطرق إلى نشأتها في أوروبا وأمريكا، ثم تتبع كيفية استقبالها في الثقافة العربية والتغيرات التي طرأت عليها. فالتفكير السيميائي يرتبط بعملية تفسير الدلالة وآلية اشتغالها، وهو نشاط ذهني موغل في القدم. فمنذ العصور القديمة، كان الإنسان يسعى لفهم بيئته والتواصل مع رموزها، مما أدى إلى تطور أدوات تواصلية قائمة على العلامات والرموز. ويرجع بعض الباحثين الإرهاصات الأولى للسيميائيات إلى الفلسفة اليونانية، لا سيما من خلال فكر أرسطو، ثم تطور الاهتمام بالعلامات عبر العصور، إذ ميز الرواقيون بين الدال والمدلول، كما انشغل الفلاسفة المسلمون، مثل "الغزالي" و"ابن سينا"، بدراسة العلاقة بين اللفظ والمعنى. ويرى "أمبرتو إيكو" أن الرواقيين هم أول من طرح مفهوم الدال والمدلول، مشيرا إلى أن العلامات ليست مقتصرة على اللغة، بل تمتد إلى العادات والتقاليد والأزياء.

    3-مراحل تطور السيميولوجيا

    1.     المرحلة الأولى: بدأت مع الرواقيين والفكر الأرسطي، حيث وضعت الأسس الأولى لنظرية العلامة.

    2.     المرحلة الثانية: ارتبطت بنظرية التأويل عند القديس "أوغسطين"، الذي ركز على تفسير النصوص الدينية في إطار الاتصال والتواصل.

    3.     المرحلة الثالثة: شهدت العصور الوسطى اهتماما متزايدا بالعلامات واللغة.

    4.     المرحلة الرابعة: في القرن السابع عشر، أسهم الفلاسفة الألمان والإنجليز في تنشيط نظرية العلامات، حيث استخدم "جون لوك" مصطلح السيميوطيقا في كتابه "مقال نحو الفهم البشري" (1690م)، وتبعه "لايبنتز" و"هوسرل" بدراسات حول العلامات والدلالة.

    5.     المرحلة الخامسة: مع بداية القرن العشرين، أحدث "دي سوسير" تطورا كبيرا في السيميولوجيا، حيث اعتبر اللسانيات جزءا منها، كما ساهم الشكلانيون الروس في تطوير التحليل البنيوي للسرد.

    في الستينات، استقلت السيميولوجيا كعلم بعد صدور عدد خاص من مجلة "إبلاغات" عام 1964، تضمن مقالات مؤسسة لهذا المجال، منها "مبادئ في السيميولوجيا" لـ "رولان بارث".

    ومن خلال هذا الطرح يمكن القول أن السيميولوجيا كعلم ليست جديدة بقدر ما هي استمرارية لمفاهيم وتصورات سبقته ،وإن كانت لا ترقى إلى الفكر الحالى لها الذى وفر أسسس مختلفة للتعامل معه بشكل منهجى . ونظرا لارتباط السيميولوجيا باللسانيات وعلوم اللغة وتباين الأراء حول ما إذا كانت السيميولوجيا فرعا من فروع اللغة أم أنها أعم وأشمل من ذلك؛ فإن الأمر يتطلب تسليط الضوء على تاريخ علم اللغة مع التعرف على الأنظمة السيميولوجية اللغوية، فوجود العلامات اللغوية فى سياق اجتماعى معين يزيد من قدرتها على أن تكون ذات مغزى، فاللغة نظام تحكمه القواعد؛ حيث أن الكلام والكتابة ينطوىان على اختيار علامات يتم استخدامها وفق هذه القواعد.

     


    • السيميولوجيا واللسانيات

      اللسانيات

      تباينت الآراء حول موقع السيميولوجيا بين العلوم، فبينما يرى البعض أنها فرع من اللسانيات، يعتبرها آخرون علما أشمل يشمل أنظمة العلامات غير اللغوية. فاللغة، بوصفها نظاما من العلامات، تتحدد دلالتها من خلال السياقات الاجتماعية التي تستخدم فيها، مما يبرز أهمية القواعد التي تحكمها.

      وبفضل مرونتها المنهجية، أصبحت السيميولوجيا أداة تحليلية قوية تمتد إلى مختلف المجالات، من الأدب إلى الفنون البصرية والإعلانات والثقافة الشعبية، مما جعلها إحدى أكثر المناهج البحثية تأثيرا في العصر الحديث.     

      رؤية دي سوسير

      يعرف علم السيميولوجيا بأنه الدراسة العلمية لأنظمة العلامات، سواء كانت لغوية أو بصرية أو حركية. فإذا كانت اللسانيات تهتم بتحليل الأنظمة اللغوية، فإن السيميولوجيا تتجاوز ذلك لتشمل دراسة جميع العلامات غير اللغوية التي تنشأ في السياق الاجتماعي. ومن هذا المنطلق، يرى العالم السويسري فردينان دي سوسير (F. De Saussure) أن اللسانيات ليست سوى فرع من فروع السيميولوجيا، ما دامت هذه الأخيرة تهتم بجميع الأنظمة التعبيرية، بغض النظر عن طبيعتها أو سننها.

      وقد ركز دي سوسير في تعريفه للسيميولوجيا على دراسة العلامات ذات البعد الاجتماعي، مشيرا إلى أن العلامات تؤدي وظيفة اجتماعية وتتصل بعلم النفس الاجتماعي. ويعكس ذلك قوله:

      "اللغة نظام من العلامات يعبر عن الأفكار، ويمكن مقارنتها بأنظمة أخرى مثل الكتابة، أبجدية الصم والبكم، أشكال اللياقة، الإشارات العسكرية، الطقوس الرمزية، وغيرها. ومع ذلك، تبقى اللغة أهم هذه الأنظمة على الإطلاق. لذا، يمكننا تصور علم يهتم بدراسة حياة العلامات داخل المجتمع، وهو ما سنطلق عليه اسم السيميولوجيا. سيشكل هذا العلم جزءا من علم النفس العام، وسيساعد في الكشف عن طبيعة العلامات والقوانين التي تحكمها. وبما أن هذا العلم لم يتبلور بعد، فمن الصعب التنبؤ بطبيعته المستقبلية. لكن من المؤكد أن اللسانيات ليست سوى جزء من السيميولوجيا، وستكون القوانين المستخلصة منها قابلة للتطبيق في مجال اللسانيات، مما يضع هذه الأخيرة في سياق أكثر تحديدا ضمن الدراسات الإنسانية".

      بناء على ذلك، فإن دي سوسير يعتبر أن دراسة العلامات لا يمكن فصلها عن الحياة الاجتماعية، ويضع اللسانيات ضمن السيميولوجيا بوصفها أحد فروعها.

      رؤية رولان بارث 

      على عكس دي سوسير، يرى رولان بارث (Roland Barthes) في كتابه عناصر السيميولوجيا أن العلاقة بين السيميولوجيا واللسانيات معكوسة تماما. حيث يعتقد أن السيميولوجيا ليست العلم الأشمل، بل هي مجرد فرع من فروع اللسانيات.

      ويرجع بارت هذا التصور إلى أن التحليل السيميولوجي يعتمد بشكل أساسي على الأدوات والمفاهيم اللسانية لفهم وتفكيك مختلف الأنظمة غير اللغوية، مثل الأزياء، والطبخ، والموضة، والإعلانات. ومن أبرز المفاهيم اللسانية التي يوظفها بارت في التحليل السيميولوجي:

      • الدال والمدلول
      • اللغة والكلام
      • التقرير والإيحاء
      • المحور الاستبدالي الدلالي والمحور التركيبي النحوي

      ويرى بارت أن السيميولوجيا لا تزال تفتقر إلى منهجية مستقلة، وتعتمد في تحليلها للأنظمة الدلالية على الأسس اللسانية، وهو ما يؤكده بقوله: "لا يمكن أن تكون المعرفة السيميولوجية حاليا إلا صورة عن المعرفة اللسانية".

       

       


    • مدخل إلى السيميولوجيا البنيوية

      عرفت الدراسات اللسانية تطورا ملحوظا في أواخر القرن التاسع عشر، حيث تم تجاوز المناهج المعتمدة في الدراسة اللغوية إلى اعتماد المنهج الوصفي البنيوي الذي يرجع معظم الباحثين بداية ظهوره إلى عهد (دي سوسير)، قبل انتشاره في كل بقاع العالم وتأثيره على مختلف العلوم والتخصصات. ولما كانت سمة التطور ملازمة للنظريات اللسانية، فإنه كان لا بد من نقد المنهج البنيوي اللساني، والاتجاه البنيوي في دراسة اللغة عامة، أو إظهار عيوب بعض مبادئه وأركانه لتبرير ضرورة التبشير بنظرية أخرى تقوم على أنقاض التي سبقتها. 

       1- نشأة اللسانيات البنيوية؛ دي سوسير وما بعده فردينان دي سوسير

      يتفق الباحثون على أن بداية اللسانيات البنيوية تعود إلى محاضرات فرديناند دي سوسير التي نشرت عام 1916 بعد وفاته، لكنهم يختلفون في تحديد مفهوم محدد للبنيوية، إذ تتعدد مدارسها بتعدد روادها واتجاهاتهم الفكرية.

      تركز البنيوية على دراسة العلاقات بين العناصر اللغوية بدلا من دراسة العناصر نفسها بشكل منفصل. ويرى دي سوسير أن اللغة ليست مجرد مجموعة من الكلمات، بل هي نظام متكامل من العلاقات الداخلية، حيث يؤدي أي تغيير في جزء من هذا النظام إلى تأثير مباشر في بنيته ككل.

      على الرغم من أن دي سوسير لم يستخدم مصطلح "البنية" بشكل مباشر، فإن مفهوم "النسق" الذي تحدث عنه يعكس الفكرة ذاتها، إذ أشار إلى أن اللغة تتكون من مجموعة من الوحدات المترابطة التي لا يمكن فهمها إلا ضمن سياقها البنيوي.

      لم يقتصر تأثير البنيوية على اللسانيات فقط، بل امتد إلى مجالات متعددة مثل الأدب، وعلم الاجتماع، والأنثروبولوجيا، والسينما، والمسرح، وحتى الإعلانات التجارية. غير أن اللسانيات ظلّت المجال الأكثر تأثرا وتطويرا للبنيوية، خاصة مع أعمال رواد مثل رومان جاكوبسون ونيكولاي تروبتزكوي، الذين أسسوا حلقة براغ اللسانية.

      في بداية القرن العشرين، جاءت محاضرات دي سوسير لتشكل نقطة تحول في الدراسات اللسانية، إذ أظهرت محدودية المنهج المقارن، وأرست الأسس النظرية للمنهج الوصفي البنيوي، الذي طوره لاحقا تلامذته مثل تشارلز بالي وألبرت سيشهاي. كما انتقلت أفكار دي سوسير إلى الولايات المتحدة، حيث نشأت مدارس بنيوية جديدة، رغم تعرضها لبعض الانتقادات، خصوصا فيما يتعلق بمفهوم التزامن، إذ رفضه ميخائيل باختين مؤكدا أن النظام اللغوي التزامني ليس مستقلا عن التاريخ والتغيرات الاجتماعية.

      2-خصائص الدليل الألسني

      حدد دي سوسير مجموعة من الخصائص التي تميز الدليل اللغوي البشري:

      • اللغة كنظام من الدلائل: تقوم اللغة على مجموعة من الإشارات أو العلامات التي تعبر عن معان محددة.
      • العلاقة بين الدال والمدلول: العلامة اللغوية تتكون من عنصرين مترابطين، هما الدال (الصورة الصوتية) والمدلول (المفهوم الذهني المرتبط بها).
      • الطابع الاعتباطي للعلامة اللغوية: العلاقة بين الدال والمدلول ليست طبيعية أو منطقية، بل هي نتيجة اتفاق اجتماعي.
      • التسلسل الخطي للكلام: العلامات اللغوية تتجسد في الزمن وفق تسلسل خطي، فلا يمكن نطق كلمتين في آن واحد.
      • التمييز بين العناصر اللغوية: تعتمد اللغة على الفروقات بين الوحدات اللغوية، إذ يكتسب كل عنصر معناه من خلال اختلافه عن العناصر الأخرى.
      • التقطيع المزدوج للوحدات اللغوية: يمكن تحليل اللغة على مستويين: الأول يتمثل في الوحدات الدلالية (الكلمات والتراكيب)، والثاني في الوحدات الصوتية (الأصوات التي تتكون منها الكلمات).

      3-ثنائيات "دي سوسير"

      يتفق اللسانيون على أن البنيوية تقوم على أساس نظريٍ مؤداه "أن البنية تتألف من عناصر ومكونات جزئية، وأن أي تغير يطرأ على أي واحد من هذه المكونات لا بد أن يؤثر في سائر المكونات والعناصر الأخرى".

      أما المبادئ التي قدمها (دي سوسير) في دراسة اللغة دراسة بنيوية باعتبارها نظاما لا يمكن تحليل ظواهره اللغوية بعزلها عن بعضها؛ إذ هي أجزاء في نسق أكبر. ولعل من أهم المنطلقات التي انطلق منها (دي سوسير) اعتباره اللغة ظاهرة اجتماعية؛ وينبغي دراستها وفق هذا المبدأ، دون اللجوء إلى معايير أخرى خارجة عن مادتها، ولهذا فقد أبعد (دي سوسير) كل ما يتعلق بالذهن في دراساته اللغوية بهدف إثبات موضوعيتها.

      لقد انطلق (دو سوسير) من تحديد موضوع اللسانيات في دراسة اللغة في حد ذاتها ومن أجل ذاتها، وذلك انطلاقا من الفصل بين جملة من الثنائيات نوجزها في الآتي:

      الفرق بين اللسان والكلام.

      ميز دي سوسير بين ثلاثة مفاهيم رئيسية:

      • اللغة (Langage): قدرة بشرية عامة تشمل جميع أشكال التواصل اللغوي.
      • اللسان (Langue): نظام لغوي محدد يتشاركه أفراد جماعة معينة، مثل العربية أو الفرنسية.
      • الكلام (Parole): الاستخدام الفردي للغة، الذي يختلف من شخص لآخر.

      يعتبر دي سوسير أن اللسان هو الظاهرة الاجتماعية المستقرة التي يمكن دراستها علميا، بينما يعد الكلام ظاهرة فردية لا تحكمها قواعد ثابتة، لذا استبعده من مجال اللسانيات.

      ·      الفرق بين الدراسة التزامنية والتعاقبية

      • الدراسة التزامنية (Synchronique): تهتم بوصف اللغة كما هي في لحظة زمنية معينة، دون النظر إلى تطورها التاريخي.
      • الدراسة التعاقبية (Diachronique): تدرس تغيرات اللغة عبر الزمن وتاريخ تطورها.

      فضل دي سوسير المنهج التزامني، إذ رأى أنه يساعد على تحليل اللغة كنظام متكامل، وهو ما أثر بشكل كبير في تطور اللسانيات البنيوية لاحقا.

      الفرق بين الدال والمدلول

      اعتبر دي سوسير أن العلامة اللغوية تتكون من عنصرين مترابطين:

      • الدال: الصورة الصوتية للكلمة، أي الجانب المادي المسموع.
      • المدلول: المفهوم الذهني الذي تستحضره الكلمة في ذهن المتلقي.

      وأشار إلى أن العلاقة بين الدال والمدلول اعتباطية، أي أنها ليست قائمة على منطق طبيعي، بل تعتمد على اتفاق جماعي داخل المجتمع اللغوي.

      ·      الفرق بين التركيب والاستبدال

      • العلاقات التركيبية (Syntagmatique): تشير إلى العلاقة بين الكلمات داخل الجملة وفق ترتيب معين.
      • العلاقات الاستبدالية (Paradigmatique): تعبر عن العلاقة بين الكلمات التي يمكن أن تحل محل بعضها في سياق معين.

      تؤثر العلاقات التركيبية على معنى الجملة بناء على ترتيب الكلمات، بينما تحدد العلاقات الاستبدالية إمكانية اختيار مفردات مختلفة دون الإخلال بالقواعد النحوية.

    • العلامة في سيميولوجيا التواصل وسيميولوجيا الدلالة

      سيميولوجيا الاتصالأولا: سيميولوجيا التواصل

      1-مفهوم سيميولوجيا التواصل

      تهدف سيميولوجيا التواصل من خلال علاماتها وإشاراتها إلى نقل المعلومات والتأثير في الآخرين. وهي تستخدم وسائل لغوية وغير لغوية لتحقيق هذا الهدف، حيث يتم إرسال رسالة بغرض إيصال المعنى إلى المتلقي والتأثير عليه. لهذا السبب، ركز رواد هذا التوجه على الوظيفة التواصلية للعلامة، التي تقوم على ثلاثة عناصر رئيسية: الدال، المدلول، والوظيفة القصدية. فالشرط الأساسي في هذا النوع من العلامات هو أن يكون استخدامها نابعا من رغبة المتكلم في التعبير عن قصده والتأثير في المتلقي. ومن أبرز رواد هذا الاتجاه: بويسنس، بريتو، مونان، أوستين، مارتيني وغيرهم.

      2-مقومات سيميولوجيا التواصل

      تعتمد سيميولوجيا التواصل على دعامتين رئيسيتين:

      أ‌-      محور التواصل وما يجري فيه

      ب‌-  محور العلامة (أنواعها، مكوناتها) وعلاقتها بالقصد.

      2-1-محور التواصل: ينقسم إلى:

      • التواصل اللساني: يظهر في التعبير اللغوي والأفعال الكلامية التي تصدر في مواقف محددة بقصد التواصل. وهنا نشير إلى مفهوم "دارة الكلام" عند فرديناند دي سوسير، حيث تبدأ العملية بصورة ذهنية (المدلول) عند المتكلم، ثم تتحول إلى أصوات تنتقل عبر الفضاء، لتصل إلى أذن المتلقي، الذي يقوم بدوره بتحليلها إلى صورة ذهنية مماثلة.
      • التواصل غير اللساني: يشمل مجموعة من الأنساق الرمزية غير اللغوية. صنّفه "بويسنس" إلى ثلاثة أنواع:

      1.     العلامة الثابتة: مثل إشارات المرور، التي تحتفظ بقيمتها طالما أنها معترف بها اجتماعيا.

      2.     العلامة المتغيرة: مثل الملصقات الإشهارية التي تتغير بحسب الظروف والحاجة.

      3.     العلامة العفوية: وهي التي لم تنتج أصلا للإشارة، لكن أعيد تأويلها بشكل قصدِي، مثل لون السماء ودلالته على الطقس.

      2-2 -محور العلامة: يحدد "بريتو" مكونات العلامة كما يلي:

      • الإشارة: لها علاقة طبيعية بما تشير إليه، مثل البصمات التي تدل على هوية الشخص.
      • المؤشر: علامة اصطناعية لا قيمة لها إلا بوجود المتلقي، مثل إشارات المرور.
      • الأيقون: يعتمد على المشابهة، مثل الصور الفوتوغرافية والتماثيل.
      • الرمز: يستخدم للدلالة على شيء آخر، مثل السلحفاة التي ترمز إلى البطء.

      ثانيا: سيميولوجيا الدلالة

      1-تعريف سيميولوجيا الدلالةسيميولوجيا الدلالة

      يرى أنصار سيميولوجيا التواصل أن العلامة يجب أن تكون ذات طبيعة اجتماعية ودالة بقصد من المستخدم. في المقابل، ركز "رولان بارث" وتلامذته على العلاقة بين الدال والمدلول باعتبارها جوهر الدلالة. فالسيميولوجيا عندهم ليست مرتبطة فقط باللغة، بل تشمل مختلف أشكال التواصل اللفظي وغير اللفظي.

      يؤكد "بارث" أن اللغة توفر لنا المعاني والدلالات التي تنبثق منها جميع مظاهر التواصل الأخرى، مما يجعله يقترح رؤية مغايرة لـ "دي سوسير"، حيث اعتبر أن اللسانيات أشمل من السيميولوجيا، لأن اللغة تنتج المعاني التي يتم تأويلها في سياقات اجتماعية مختلفة.

      2-ثنائيات سيميولوجيا الدلالة

      يقودنا الحديث عن سيميولوجيا الدلالة إلى الحديث عن أهم ركائزها ومقوماتها، والتي يمكن أن تُختزل في أربعة مقومات أساسية، تتوزع في شكل ثنائيات تقابلية، تبدو وكأنها امتدادا لنظيرتها في الاتجاه البنيوي، وهي) اللغة والكلام، الدال والمدلول، المركب والنظام، التقرير والإيحاء. (

      تعتمد سيميولوجيا الدلالة على أربع ثنائيات رئيسية:

      2-1-اللغة والكلام:

      تعد ثنائية "اللغة والكلام" إحدى المفاهيم الأساسية عند "دي سوسير". لا يمكن تصور لغة دون كلام، ولا كلام خارج اللغة. وقد وسع "بارث" هذا المفهوم ليشمل كل أنظمة الدلالة، مثل الطعام واللباس والأثاث، باعتبار أن الثقافة بشكل عام تخضع لمنطق الدلالة.

      2-2-الدال والمدلول :

      تتكون العلامة من دال ومدلول. هناك علامات لسانية مرتبطة باللغة، وأخرى سيميولوجية غير لغوية، مثل اللباس والسيارات والإيماءات والإعلانات. هذه العلامات تؤدي وظيفة اجتماعية، حيث تُستخدم ضمن سياقات محددة ترتبط بزمن ومكان معين.

      2-3-المركب والنظام:

      العلاقات بين الألفاظ تنمو على مستويين:

      • المركب: وهو ترتيب الأدلة ضمن سلسلة كلامية ذات بعد خطي.
      • النظام: وهو تصنيف الكلمات في فئات دلالية، مثل ربط كلمة "تدريس" مع "تعليم" و"تلقين".

      في النظام، تكون الألفاظ حاضرة ذهنيا لكنها غائبة في التلفظ، بينما في المركب، تكون الألفاظ ملفوظة وحاضرة في السلسلة الكلامية.

      2-4-التقرير والإيحاء:

      استلهم "بارث" هذه الثنائية من "هيلمسليف"، حيث قام بنقل مفهومي "الدال والمدلول" إلى إطار أوسع، من خلال مستويي:

      • التقرير: وهو المعنى الأساسي المباشر.
      • الإيحاء: وهو المعنى الثانوي الذي يكتسبه الشيء داخل ثقافة معينة.

      يرى "بارث" أن المجتمع يطور باستمرار أنظمة معاني ثانوية تنطلق من النظام الأساسي الذي تقدمه اللغة. ويعتبر الإيحاء نظامًا دلاليًا مستقلا له دواله ومدلولاته، مما يسمح بتحليل العلامات في سياقات متعددة.

      بهذا، يتبين أن سيميولوجيا التواصل وسيميولوجيا الدلالة يتكاملان في دراسة العلامات داخل المجتمع، حيث تركز الأولى على الوظيفة التواصلية للعلامة، بينما تهتم الثانية بالدلالة التي تحملها العلامات في السياقات الاجتماعية والثقافية المختلفة.

    • تصنيف الدلائل في المدارس السيميولوجية

      أولا: التصنيف التقليدي للدلائلالدلائل

      يتم تصنيف الدلائل وفق النهج التقليدي إلى نوعين رئيسيين: الدلائل الطبيعية والدلائل الاصطناعية.

      1-1-الدلائل الطبيعية:

      تشير هذه الدلائل إلى الظواهر التي تحكمها قوانين فيزيائية بحتة، حيث تربط الدال بالمدلول بعلاقة سببية مباشرة. على سبيل المثال، يشير الدخان إلى وجود نار، وتدل الأعراض المرضية على وجود مرض معين، كما يمكن أن تعكس آثار الأقدام مرور شخص ما.

      -2-1 الدلائل الاصطناعية:

      هي الدلائل التي تنشأ بطريقة اصطناعية أو اعتباطية وفقا لاتفاق عرفي، بغرض إقامة الاتصال ونقل المعلومات. ورغم ذلك، يمكن للدلائل الطبيعية أن تستخدم لأغراض الاتصال، مثل توظيف السحب والبرق والرعد والثلج في مشهد مسرحي أو سينمائي.

      بذلك، تمثل الدلائل الاصطناعية جميع الإشارات المستخدمة في الاتصال، في حين تتجسد الدلائل الطبيعية في مثال القرائن.

      ثانيا: التصنيف الأكاديمي الفرنسي

      بحسب تصنيف بايلون كريستيان وبول فابر، تصنف الدلائل ضمن ثنائيتين أساسيتين: القرينة/الإشارة، والدليل/الرمز.

      -1-2 القرينة / الإشارة

      على العكس من الإشارة الاتصالية، فإن القرينة هي دليل لا يحمل نية تبليغية.

      أ- القرينة (Indice):

      وفقا للويس بريتو، تمثل القرينة واقعة يمكن إدراكها فورا وتدل على حدث آخر غير ظاهر. المثال الشائع لهذا المفهوم هو الدخان، حيث يستدل من وجوده على وجود نار، إذ لا يمكن أن يوجد دخان دون نار.

      ب- الإشارة (Signal):

      تنقسم الإشارات إلى:

      1.     إشارات الدلالة: تحمل هذه الإشارات رسالة معينة، لكنها تستخدم أساسا لغرض نفعي. فمثلا، يبنى المسجد أساسًا للصلاة، لكنه قد يعكس أيضا طابعا فنيا وثقافيا.

      2.     إشارات الاتصال: تستخدم لنقل رسالة بوضوح، مثل إشارات المرور واللافتات اللغوية. فعلى سبيل المثال، السماء العاصفة لا تعلن عن سوء الطقس بشكل مباشر، ولكن مسؤولي السلامة البحرية يستخدمون هذه القرينة لتعليق علم أحمر على الشاطئ، وهو إشارة تحذيرية للمصطافين.

      -2-2 الرمز / الدليل

      تنقسم الإشارة الاتصالية إلى رموز وأدلة.

      أ- الرمز (Symbole):

      هو إشارة اتصالية تستند إلى علاقة طبيعية، مثل لافتة المرور التي تشير إلى منعطف خطير، حيث توجد علاقة طبيعية بين شكل اللافتة والمنعطف.

      ب- الدليل (Indice):

      عندما لا تكون هناك علاقة طبيعية بين الدال والمدلول، يعرف هذا النوع من الإشارة بالدليل السيميولوجي. على سبيل المثال، العلم الأحمر على الشاطئ لا يرتبط طبيعيًا بخطر السباحة ولكنه يشير إلى ذلك بناءً على اتفاق عرفي.

      ثالثا: التصنيف الأمريكي

      يفرق شارل ساندرس بيرس بين ثلاثة أنواع من الدلائل: الأيقونة، المؤشر، والرمز

      -1-3 الأيقونة (Icone):

      تشير الأيقونة إلى شيء يحمل تشابها مباشرا مع مدلوله، مثل الصور الفوتوغرافية أو الرسوم الكاريكاتيرية، التي تعكس درجة الإيقونية بين الدال والمدلول.

      -2-3 المؤشر (Index):

      وفقا لبريتو، يعد المؤشر علامة اصطناعية تستخدم فقط بحضور المتلقي. يمكن أن تكون بعض المؤشرات خالية من أي نية تبليغية، في حين أن بعضها الآخر يستخدم عمدا لأغراض التواصل، مثل الإيماءات أو الإشارات اللفظية.

      -3-3 الرمز (Symbol):

      يعرف الرمز بأنه إشارة تمثل شيئا آخر من خلال الإيحاء أو الاتفاق العرفي. وفقا لقاموس أكسفورد، الرمز ليس بالضرورة أن يكون مماثلا لما يمثله، لكنه يكتسب دلالته من خلال الاستخدام الثقافي أو العرفي، مثل استخدام السلحفاة كرمز للبطء أو الحمامة كرمز للسلام.

      بذلك، تختلف الرموز عن الأدلة الطبيعية لكونها تستند إلى التوافق العرفي بدلا من العلاقة الطبيعية أو الفيزيائية.


    • سيميولوجيا الخطاب البصري

      1-تعريف الصورةالصورة

      تعود كلمة "صورة" (Image) إلى الأصل اللاتيني imago، أما جذرها السيميولوجي فيرتبط بالكلمة imatari التي تعني التشابه مع الواقع. بناءً على ذلك، يمكن تعريف الصورة من منظور سيميولوجي بأنها أي تمثيل بصري يحاكي الواقع بشكل مباشر، سواء كان ذلك في بعدين، مثل الرسم والصور الفوتوغرافية، أو في ثلاثة أبعاد، مثل التماثيل والنقوش.

      كما تعرف الصورة على أنها تجسيد مرئي يمثل الواقع أو يعيد إنتاجه، فهي تجربة حسية يدركها البصر مباشرة، وفقا لفولشينيوني (Fulchignoni). وتعد الصورة وسيطا متعدد الأبعاد، إذ يمكن أن تعكس الواقع الحقيقي أو تتجاوزه إلى عوالم خيالية وافتراضية، لكنها تتميز دائمًا بطبيعتها اللغوية والفنية والجمالية. فهي ليست مجرد انعكاس للعالم، بل تنطوي على دلالات ورموز تستند إلى مخزون ثقافي وفكري غني.

      علاوة على ذلك، فإن مفهوم "الصورة" يتعدى الإطار البصري إلى مجالات أخرى مثل الشعر، السرد، والدراما، مما يجعل منها عنصرًا جوهريًا في الخطاب البصري القائم على آليات تعبيرية تمتد عبر مجالات فنية مختلفة.

      2-الرسالة البصرية وإنتاج المعنى

      تعتمد اللغة البصرية على منظومة دلالية معقدة تستند إلى مكونين أساسيين:

      1.     البعد العلاماتي الأيقوني: وهو التمثيل البصري للكائنات والموجودات الطبيعية مثل الوجوه، الأجسام، الحيوانات، والأشياء المختلفة.

      2.     البعد العلاماتي التشكيلي: يشمل العناصر البصرية غير الطبيعية مثل الأشكال، الخطوط، الألوان، والتركيب، والتي تُستخدم للتعبير عن الحالات الإنسانية والمشاعر.

      ينتج المعنى داخل الصورة من خلال المزج بين هذين البعدين؛ إذ يعتمد البعد الأيقوني على محاكاة الواقع، بينما يضفي البعد التشكيلي طابعًا ثقافيًا وفنيًا على الصورة من خلال استخدام الألوان، الملابس، العمارة، والزخارف التي تحمل دلالات اجتماعية وتاريخية. وبهذا تصبح الصورة خطابًا بصريًا مركبًا يتفاعل مع عناصر مختلفة لإنتاج معانٍ متعددة.

      3-مستويات تحليل الرسالة البصرية

      عند تحليل الصورة وفهم دلالاتها، يمكن التمييز بين مستويين رئيسيين:

      1.     المستوى الأيقوني الداخلي: يركز على العناصر البصرية الموجودة داخل الصورة نفسها، مثل الأشكال، الشخصيات، والألوان.

      2.     المستوى الأيقوني الخارجي: يهتم بالسياق الثقافي والاجتماعي الذي تنتمي إليه الصورة، وكيفية توظيفها لنقل رسالة معينة أو التعبير عن رؤية محددة للعالم.

      يكشف تحليل هذين المستويين عن وجهة نظر المصور أو الفنان، حيث تعكس الصورة رؤيته للواقع وطريقته في تمثيله من خلال اختيار الزوايا، الإضاءة، الإيقاع اللوني، والعناصر التكوينية الأخرى. وبهذا، تتحول الصورة من مجرد انعكاس صامت للواقع إلى نص بصري غني بالمعاني والتأويلات.

      4-مقاربات تحليل الصورة

      1-4-مقاربة رولان بارث لتحليل الصورة

      استلهم رولان بارث منهجه في تحليل الصورة من علم اللسانيات، والتحليل النفسي، والأنثروبولوجيا الحديثة. انطلق في دراسته من العلاقة بين الدال والمدلول، والدليل والمرجع، مما قاده إلى تحديد مستويين رئيسيين في الصورة: المستوى التعييني والمستوى التضميني، واللذان يتجسدان في رسالتين أيقونيتين. وأضاف إليهما رسالة ثالثة سماها الرسالة الألسنية.

      بناء على ذلك، يقسم بارث التحليل السيميولوجي للصورة إلى ثلاثة مستويات أساسية:بارث

       4-1-1-المستوى الأيقوني التعييني (Dénotation)

      يتعلق هذا المستوى بالقراءة السطحية الأولية للصورة، حيث يطرح المحلل السؤال: "ماذا أرى؟"، وهو ما يعادل مفهوم "الدال" لدى دي سوسير. يتضمن هذا التحليل مجموعة من الخطوات الإجرائية:

      • الدراسة المورفولوجية: تحليل بنية الصورة من حيث الخطوط والمحاور التكوينية.
      • الدراسة الفوتوغرافية: تتناول العناصر الفنية مثل التأطير، اختيار الزوايا، توزيع الضوء والظل.
      • الدراسة التيبوغرافية: تحليل النصوص المرافقة للصورة من حيث الخط (حجمه، نوعه، موضعه).
      • دراسة الألوان: تحليل طبيعة الألوان المستخدمة ومدى تأثيرها على المشاهد.
      • دراسة الشخصيات: فحص الأشخاص داخل الصورة من حيث العمر، الجنس، الملابس.

      يهدف هذا المستوى إلى تحديد طبيعة العلامات البصرية المستخدمة، وهو ما يسميه بارث "التعيين"، أي الدلالة الأولية للصورة.

      4-1-2-المستوى الأيقوني التضميني (Connotation)

      يتجاوز هذا المستوى التحليل السطحي إلى البحث في المعاني الرمزية والثقافية التي تحملها الصورة، وذلك بطرح السؤال: "لماذا تم تقديم هذه العناصر بهذه الطريقة؟". يعتمد هذا التحليل على الربط بين عناصر الصورة والخلفية الثقافية والمعرفية للمتلقي، ويتضمن خطوتين أساسيتين:

      أ. التحليل الفني للصورة:

      • دراسة التأطير، زوايا الالتقاط، الإضاءة وتأثيرها على الانطباع النفسي للمشاهد.
      • تحليل نوع الخطوط والنصوص المصاحبة وتأثيرها الدلالي.
      • تحليل الألوان من منظور سيكولوجي واستكشاف دلالاتها العاطفية والرمزية.

      ب. التحليل الاجتماعي والثقافي للصورة:

      • دراسة الرموز الثقافية والاجتماعية المتجسدة في الوضعيات، الإشارات، والألوان.
      • تحليل الحركات والإيماءات ومدى ارتباطها بالسياق الاجتماعي والثقافي.

      4-1-3-الرسالة الألسنية

      في هذا المستوى، يتم تحليل العلاقة بين النصوص المكتوبة والصورة من خلال وظيفتين أساسيتين:

      1.     وظيفة الترسيخ (Ancrage): تساعد النصوص المرافقة للصورة على توجيه المشاهد نحو تأويل معين، مما يحد من التعدد الدلالي للصورة ويوجه قراءتها ضمن إطار محدد.

      2.     وظيفة المناوبة (Relay): في هذه الحالة، لا يكون النص مجرد مفسر للصورة، بل يضيف إليها دلالات جديدة، مما يعزز تكامل المعنى بين المكونات اللغوية والبصرية.

      4-2-مقاربة مارتين جولي لتحليل الصورة

      ترى مارتين جولي أن الصورة ليست مجرد انعكاس للواقع، بل هي نسق بصري محكم تتداخل فيه العلامات الأيقونية والتشكيلية لإيصال رسالة محددة. إذ لا تعتمد الصورة فقط على استنساخ الواقع، بل تضمر معاني وإيحاءات متعددة تتجاوز ما هو ظاهر للمشاهد.

      تعتمد جولي في تحليل الصورة على مستويين رئيسيين:

      1.     العلامات الأيقونية: تقوم على مبدأ التشابه بين الدال والمدلول، وتعكس أبعادًا رمزية وإيحائية تتجاوز حدود الشكل الظاهري للصورة.

      2.     العلامات التشكيلية: تتضمن العناصر البصرية مثل الألوان، الأشكال، والخطوط، والتي لا تُكمل الصورة فحسب، بل تسهم في بناء معناها وتوجيه تأويلها.

      ترتكز مارتين جولي في تحليل الصورة على ثلاثة مستويات متكاملة

      1- المستوى الشكلي

      يتعلق بتحليل عناصر الصورة الظاهرة مثل:

      • الألوان، الأشكال، التكوين الداخلي، التأطير، الإضاءة.
      • زاوية التقاط الصورة ومدى تأثيرها على الإدراك البصري للمشاهد.
      • بنية الصورة وعلاقتها بالإطار العام للنص البصري.

      2-المستوى الأيقوني

      يركز على الدلالات الرمزية والإيحائية المرتبطة بالثقافة والمعرفة المكتسبة. يهدف هذا التحليل إلى:

      • وصف العناصر المصورة وتحديد رموزها التعبيرية.
      • تحليل العناصر الغائبة وتأثيرها على معنى الصورة.
      • البحث في العلاقة بين الشكل والمحتوى وتأثيرها على الرسالة البصرية.

      3-المستوى الألسني

      تؤكد جولي، كما فعل بارث، على أهمية اللغة في بناء دلالة الصورة، إذ تساعد النصوص المصاحبة في توجيه التفسير من خلال وظيفتي:

      • الإرساء (Ancrage): حيث يحد النص من تعدد التأويلات ويوجه القارئ نحو معنى معين.
      • المناوبة (Relay): حيث يضيف النص أبعادا دلالية جديدة تدعم المعاني البصرية. 

      يتضح من مقاربات رولان بارث ومارتين جولي أن الصورة ليست مجرد انعكاس للواقع، بل هي نص بصري متعدد المستويات، يحمل دلالات مباشرة وغير مباشرة، تتراوح بين الإدراك الحسي والمعاني الرمزية العميقة. ويظل تحليل الصورة عملية تتطلب فهمًا للسياقات الثقافية والاجتماعية، إضافة إلى إدراك العناصر البصرية والتشكيلية التي تشكل بنيتها.

       

       

       


    • سيميولوجيا الصورة الإشهارية

      1-الصورة الإشهارية:

      الصورة الإشهارية هي مجموعة من التمثيلات التي تحتوي في طياتها تقنيات بلاغية، بحيث إذا كان للإشهار هدف ثقافي، فإنه يعود إلى صفاء وغنى بنيته البلاغية، ليس لما قد يحمله من معلومات صحيحة، بل لما يحتويه من جزئه المتخيل. يظهر أن الصورة الإشهارية هي عبارة عن غوص في عوالم متخيلة وليست حقيقية، ويعود تأثيرها على المتلقي إلى استخدامها أساليب متقدمة في الإقناع، سواء كانت لغتها تقريرية أو دلالاتها ضمنية. بناءً على ذلك، فإن تنوع العلاقات بين ما هو مرئي وما هو مدرك يعزز من الفعل التأويلي ويُوسع من آفاق توقعات المتلقي.

      وفقا لبيرس (Peirce)، لا يتم إدراك الصورة (الموضوع) إلا بوجود مؤول، الذي يمثل خزانا للأفكار، حيث لا تتشكل الدلالة إلا بتفاعلها مع المؤول الذي يثيرها. ومن هنا، فإن الوجوه البلاغية هي وسائل تستثمرها الجهة المرسلة باستخدام الأبعاد اللسانية، مثل اللغة والأيقونات، بهدف الحجاج والإقناع.

      تعتمد الصورة الإشهارية على الإقناع من خلال عناصرها الأيقونية (التي تستند إلى ما يقدمه السنن الثقافي أو الإدراكي أو سنن التعرف، كما عبر عنه أمبرتو إيكو) والعناصر التشكيلية غير المرتبطة بالفكرة التي تعتمد على التشابه بين الدال والمدلول. فاللون الأخضر، على سبيل المثال، لا يثير الاهتمام فقط لأنه يشبه ما هو موجود في الطبيعة، بل لأنه يرتبط بخصائص ذات أبعاد رمزية. بمعنى آخر، قد يتكون الدال الأيقوني والدال التشكيلي من مادة واحدة، لكن مدلولاتهما تتفاوت باختلاف شكلهما. وبالتالي، يتشكل تصور المتلقي وإدراكه بناءً على هذا التنوع. ولكل متحدث وسيلتين أساسيتين لإثبات حجته: الاستنتاج والغواية. كل حجة تعتمد إما على العقل (logos) أو العاطفة والنوازع (pathos).اشهار

      2-الدلالة في الصورة الإشهارية:

      لا يمكن الحديث عن الصورة الإشهارية بمعزل عن العلامة البصرية، فهي أحد محددات التدليل المرتبط بالثقافة ونموذج المجتمع، مما يجعل مستويات الدلالة في الصورة الإشهارية مفعمة بتداخلات دلالية عدة. يعود ذلك إلى وظيفتها التعيينية باعتبارها مكونًا بصريًا، أيقونيًا ولغويًا، يحمل معنى وواقعة إبلاغية تم بلورتها في إطار تتداخل فيه أسنان متنوعة من النواحي الاقتصادية، السياسية، الاجتماعية والنفسية، وغيرها. من هنا، تظهر صعوبة تحديد معنى الصورة، إذ يتدخل في تفسيرها مجموعة من العوامل والمحددات.

      استنادًا إلى هذا التصور، تعمل الصورة كسنن مكون من علامات ممتلئة، حيث لا يمكن إدراك دلالتها إلا ضمن نظام كلي، إذ لا ترتبط بما هو خارج عنها، بل يتعلق الأمر بتحديد انتماء كل عنصر منها إلى النسق الذي يدل داخله. وهكذا، تظهر أهمية العلاقة بين الدال والمدلول في تحديد المعنى.

      تظل الصورة الإشهارية أداة للتعبير والتواصل عبر نسقيها اللساني وغير اللساني، بما أنها تنتج عدة رسائل إبلاغية تصل إلى المتلقي داخل سياق محدد، مما يساهم في رسم توقعات وآفاق تأويله. وعليه، فإن السياق يلعب دورًا كبيرًا في التأثير على سلوك المتلقين لأنه يستهوي مشاعرهم ويشغل أفكارهم.

      واقترح إيكو ثلاثة مستويات من التسنين لفهم الدال الأيقوني أو العلامة البصرية في الصورة الإشهارية:

      ·       التسنين الإيقوني: يتعلق هذا بالمترجمات الذهنية التي تحدث بعد العملية الإدراكية للدال اللفظي، وتحويله إلى دال بصري له شكله وبنيته في الواقع. بكلمات أخرى، هو إعطاء اللفظ مضمونه.

      ·       التسنين الإيقونوغرافي: يشمل مجموع التمثيلات البصرية التي تُلبس اللفظ مدلولًا مُسننًا بالتعاقد الاجتماعي. على سبيل المثال، عندما يُذكر لفظ "السلام"، يرتبط ذهن المتلقي فورًا بصورة "طائر الحمام"، حيث يُلبس السلام شكل الحمام.

      ·       التسنين البلاغي: يتعلق بإيصال المعنى إلى المتلقي بأفضل صورة ممكنة، وهو محاولة التعبير بطريقة تستهوي العقل وتكون سهلة الفهم والإدراك، مما يبرز دور البلاغة في الجمالية التي يكتسبها اللفظ بهدف التأثير على المتلقي.

      -3المقاربة السيميولوجية للخطاب الإشهاري:

      تعتبر المقاربة السيميولوجية من أهم وأبرز المقاربات المستخدمة لتحليل الخطاب الإشهاري، إلى جانب المقاربة التداولية. فهي تجمع بين تحليل الصوت، الصورة، الموسيقى، الحركة، الأداء، اللون، الإشارة، الدلائل، وأنظمة عمل العلامات، بالإضافة إلى تحليل الأبعاد الاجتماعية والثقافية، النفسية، والأيديولوجية للخطابات. بذلك، يمكننا القول إن الخطاب الإشهاري، وبالأخص السمعي البصري، هو بمثابة "ميكروفيلم"، حيث يتم إنتاجه وتنسيقه بواسطة مجموعة كبيرة من المتخصصين، مثل المهندسين في مجالات التقنية، التجهيزات، المؤثرات الخاصة، وغيرها.

      من المهم تحديد أنماط حضور كل صنف من العلامات وكيفية عملها داخل الخطاب الإشهاري، وتتمثل هذه العلامات فيما يلي:

      ·       العلامات التشكيلية: تتضمن جميع العناصر التشكيلية المضافة للعلامات الأيقونية التي تساهم في تكوين نسق الخطاب الإشهاري البصري. نظرًا لأهميتها التعبيرية الكبيرة، يعتبرها "جماعة مو البلجيكية" أكثر من مجرد مواد تزيينية أو تكملية، بل تساهم بشكل كبير في تحديد مضمون الخطاب الإشهاري ككل. كل عنصر يلعب دورًا في توجيه المتلقي نحو قراءة محددة.

      ·       العلامات الأيقونية: تشكل جزءًا أساسيًا من مكونات الخطاب الإشهاري البصري، إذ لا تساعد فقط في استنساخ الواقع، بل تملك أيضًا أبعادًا إيحائية متنوعة. فالخطاب الإشهاري يسعى دائمًا إلى إيصال أكثر مما يظهر بشكل مباشر، سواء على مستوى التصريح أو التلميح.

      ·       العلامات اللغوية: يعتمد الخطاب الإشهاري البصري على مجموعة متكاملة من العلامات، بما في ذلك العلامات اللغوية. وتكمن ضرورة حضور هذا العنصر في الرسالة الإشهارية بسبب قدراته التواصلية الخاصة التي تساعد في سد النقص التعبيري في الرسائل الأيقونية والتشكيلية الأخرى، وتحافظ على دقة القراءة وتمنع أي انزلاق تأويلي قد يضر بالهدف الأساسي للخطاب.

       

       


      • سيميولوجيا الخطاب السينمائي

        1-تعريف اللغة السينمائيةالسينما

        يعتبر "جان ميتري" أن السينما تمتلك لغة خاصة بها، نظرا لقدرتها على تنظيم الأفكار وبنائها ونقلها إلى الجمهور، مما يجعلها وسيلة اتصال فعالة. تعتمد هذه اللغة بشكل أساسي على الصورة السينمائية وتعاقب المشاهد، حيث يتم ترتيب اللقطات في تسلسل سردي وفقا لنوع الحكاية المختارة، مما يجعلها تحمل دلالات ورموزا مميزة. وعلى عكس اللغة البشرية التي تعتمد على دلالات اعتباطية، فإن السينما تستمد معانيها من إعادة إنتاج الواقع بطريقة بصرية وصوتية.

        يرى "أيزنشتاين" أن اللغة السينمائية تتجسد بشكل واضح في الأفلام السردية التي تحكي قصصا، حيث تحدد القصة والحبكة طبيعة هذه اللغة، ما يجعل السينما وسيلة عالمية قادرة على تجاوز الحدود الثقافية والجغرافية. أما "أبل كانس"، فيصنف السينما ضمن اللغات البدائية اللفظية، معتبرا أنها تعتمد على الصور التمثيلية التي يجب أن تمتلك قواعد واضحة ومتطورة.

        من جهة أخرى، يقدم السيميولوجي "كريستيان ماتز" رؤية أكثر تركيبا، حيث يرى أن اللغة السينمائية تتكون من خمس مواد تعبيرية مترابطة:

        1.     الصورة الفوتوغرافية المتحركة (اللقطات السينمائية)

        2.     البيانات المكتوبة (النصوص الظاهرة على الشاشة)

        3.     الصوت الأيقوني (Son Iconique)، مثل الضجيج الطبيعي.

        4.     الصوت المنطوق (Son Plonique)، المتمثل في الحوارات والتعليقات الصوتية.

        5.     الصوت الموسيقي، الذي يرافق المشاهد لتعزيز التأثير العاطفي.

        تتميز اللغة السينمائية بأنها تقدم تسلسلا خطيا للصور، مما يخلق إحساسا بالاستمرارية لدى المشاهد، وهذا التسلسل يجعل من الصعب ملاحظة العناصر المنفصلة، على عكس اللغة المكتوبة التي تعتمد على وحدات لغوية محددة. كما أن العلاقة بين الدال والمدلول في السينما ليست اعتباطية كما هو الحال في اللغة البشرية، بل تعتمد على التشابه بين الصورة والواقع، مما يمنح كل عنصر سينمائي دلالة بصرية وصوتية مبررة.

        2-اللغة السينمائية عند "كريستيان ماتز"

        يعد "كريستيان ماتز" من أبرز منظري سيميولوجيا السينما، حيث ساهم في تمييز السينما عن الفوتوغرافيا من خلال إبراز حركيتها وديناميكيتها. يرفض ماتز اعتبار السينما مجرد امتداد للفوتوغرافيا، إذ يرى أن الصورة الفوتوغرافية تجمد الزمن بينما السينما تحركه، مما يجعلها أكثر تعبيرية.

        يشير ماتز إلى أن السينما ليست وسيلة تواصل تقليدية، لأنها لا تتيح تبادلا مباشرا بين المرسل والمتلقي، بل هي وسيلة تعبيرية قائمة على بناء المعنى من خلال الصورة والصوت. كما يؤكد أن السينما والتلفزيون يشتركان في نفس القنوات التعبيرية، لكن الاختلاف بينهما ثقافي أكثر منه سيميولوجي، حيث يرتبط التلفزيون بالاستهلاك اليومي، بينما ترتبط السينما بالإبداع الفني.

        يرى ماتز أن التعبيرية السينمائية لا تعيد إنتاج الواقع كما هو، بل تعيد تشكيله وفق رؤية فنية، حيث لا تصف الأشياء فقط، بل تمنحها بعدا ديناميكيا يحاكي الإحساس والخيال. ومن هذا المنطلق، يركز علم السيميولوجيا على دراسة الدلالات السينمائية وليس على الجوانب التقنية أو الإنتاجية.

        3-خصائص اللغة السينمائية

        تستند السينما إلى مجموعة من الخصائص التي تجعلها وسيلة تعبير فريدة، وهي:

        1.     الأيقونية (Iconicité): تتميز الصورة السينمائية بعلاقتها الوثيقة بالواقع، حيث تحمل تشابها بصريا قويا مع الأشياء الحقيقية، مما يمنحها إيحاء دلاليا عاليا.

        2.     النسخ الميكانيكي: تعتمد السينما على عمليات تسجيل ميكانيكية للواقع، مما يجعلها أقرب إلى إعادة إنتاجه بشكل موضوعي.

        3.     التعددية (Multiplicité): تتألف اللغة السينمائية من عدة صور متحركة متتابعة، مما يخلق تنوعًا بصريًا داخل الفيلم.

        4.     الحركية (Mobilité): الحركة عنصر أساسي في السينما، سواء من خلال تحريك الكاميرا أو من خلال حركة العناصر داخل الإطار، مما يمنحها طابعا ديناميكيا يميزها عن الفنون الساكنة كالتصوير الفوتوغرافي.

        4-عناصر اللغة السينمائية

        تنقسم اللغة السينمائية إلى نوعين من العناصر:

        1-الأوضاع الخاصة:

        وهي العناصر التقنية التي تميز السينما عن غيرها من الفنون، وتشمل:

        • سلم اللقطات: ينقسم إلى عدة أنواع، مثل اللقطة القريبة، اللقطة البعيدة، اللقطة المتوسطة، وغيرها، حيث تؤدي كل لقطة وظيفة دلالية مختلفة.
        • زوايا التصوير: تمتلك الكاميرا القدرة على التقاط المشهد من زوايا متعددة، مما يؤثر على إدراك الجمهور للحدث السينمائي.
        • حركة الكاميرا: تلعب دورا أساسيا في توجيه انتباه المشاهد وتحديد الإيقاع البصري للفيلم.
        • تقنيات السينما: تشمل المونتاج، السيناريو، الحوار، والإخراج، حيث تعمل هذه العناصر معا على بناء القصة السينمائية بشكل متماسك.

        2-الأوضاع غير الخاصة:

        وهي العناصر التي تتشارك فيها السينما مع فنون أخرى، مثل المسرح والأدب، وتشمل:

        • الشخصيات: تمثل عنصرا محوريا في الفيلم، حيث تخلق الصراع وتطور الحبكة من خلال تفاعلها مع الأحداث.
        • الديكور: يلعب دورا هاما في تحديد الإطار الزمني والجغرافي للفيلم، كما يساهم في تعزيز الأجواء الدرامية.
        • الإضاءة: تؤثر على تكوين المشهد وتساعد في توجيه انتباه المشاهد إلى عناصر محددة داخل الكادر السينمائي، كما تخلق أجواء نفسية وانفعالية مختلفة.
        • الموسيقى: تستخدم لملء فترات الصمت، وإضفاء طابع درامي على المشاهد، وتعزيز الإحساس البصري، مما يجعلها عنصرا هاما في بناء الحالة الشعورية للفيلم.
        • الصوت: يشمل الحوار، المؤثرات الصوتية، والضجيج، حيث يساهم في خلق بيئة سينمائية أكثر واقعية وإضفاء طابع درامي على الأحداث.

        5-مقاربة "كريستيان ماتز" للخطاب السينمائي

         تعتمد على تحليل الفيلم عبر خطوتين أساسيتين:

         1-المستوى التعييني

        يركز هذا المستوى على الجوانب التقنية والبنائية للفيلم، حيث يتم:

        • التقطيع الفني: تقسيم الفيلم إلى لقطات ومشاهد وفق بناءه السردي والتقني.
        • تحليل المشاهد: دراسة تكوين المشاهد، زوايا التصوير، الحركة داخل الكادر، والإيقاع البصري.
        • دراسة العلاقة بين الصوت والصورة: تحليل مدى التوافق أو التناقض بين العناصر السمعية والبصرية في الفيلم، وتأثيرها على المعنى والإحساس.
        • تحليل العبارة الخطية: دراسة النصوص المكتوبة في الفيلم، مثل الحوارات، التعليقات، والعناوين، ومدى تأثيرها على بناء المعنى.

        2- المستوى التضميني

        في هذا المستوى، يتم النظر إلى الفيلم على أنه خطاب متكامل، أي كمجموعة من الدلالات التي تدخل في علاقات ذات أبعاد مختلفة، مثل:

        • تحليل الأبعاد الرمزية والإيديولوجية للفيلم.
        • دراسة التأثيرات الثقافية والاجتماعية الكامنة في السرد السينمائي.
        • استكشاف كيفية توظيف العناصر السمعية والبصرية لخلق معانٍ تتجاوز المعنى المباشر.

        من خلال هذه المقاربة، يؤكد كريستيان ماتز على أن الفيلم ليس مجرد تسلسل من المشاهد، بل هو نظام دلالي معقد يتطلب دراسة معمقة لفهم آلياته التعبيرية والتواصلية.


      • :قائمة المراجع

        ·       Groupe µ, Traité du signe visuel, Paris, Seuil, 1992

        ·       Barthes, Roland (1961). Le message photographique, Communications, n°1

        ·       Barthes, Roland (1964). Rhétorique de l’image, Communications, n°4

        ·       Fontanille, Jacques (2008). Pratiques sémiotiques, Paris, PUF

        ·       Greimas A.J., & CourteS J. (1979). Sémiotique, dictionnaire raisonnée de la théorie du langage, Paris, Hachette.

        ·       BARTHES Roland, La chambre claire. Note sur la photographie, Éditions de l’Etoile, Gallimard, Le Seuil, 1980.

        ·       ECO Umberto, Le signe, Le Livre de poche, 1988..

        ·       JOLY Martine, Introduction à l’analyse de l’image, Armand Colin, 2005.

        ·       Semprini Andrea, Analyser la communication 2. Regards sociosémiotiques, Paris, L’Harmattan, 2007.

        ·       Boutaud Jean-Jacques, Veron Eliseo, Sémiotique ouverte. Itinéraires sémiotiques en communication, Paris, Hermès-Lavoisier, coll. « Formes et sens », 2007.

        ·       Philippe Verhaegen, Signe et communication,  DE BOECK SUP– 3 novembre 2010

        ·      محمد نور الدين أفاية  ، الصورة والمعنى،  المركز الثقافي للكتاب، 2019

        ·      عبد القادر فهيم شيباني، السيميائيات العامة أسسها ومفاهيمها، الدار العربية للعلوم ناشرون، 2010

        ·      دانيال تشاندلر، أسس السيميائية،  ،  المنظمة العربية للترجمة  . 2008

        ·      مجموعة مؤلفين ، السيميائية: الأصول، القواعد، والتاريخ، دار مجدلاوي للنشر والتوزيع ، 2013

        ·      بيير جيرو:  السيميائيات - دراسة الأنساق السيميائية غير اللغوية،  دار نينوى للدراسات والنشر والتوزيع .

        ·      مصطفى غلفان، السانيات البنيوية ؛ منهجيات واتجاهات،  دار الكتاب الجديد المتحدة ، 2013

        ·      رشيد بن مالك - عز الدين مناصرة،  السيميائية: أصولها وقواعدها، منشورات الاختلاف، 2002

        ·      مجلة عالم الفكر : السيميائيات (عدد خاص) - مجلد 35 - عدد3 .

        ·      إريك بويسنس: ترجمة وتقديم: جواد بنيس.، السيميولوجيا والتواصل، مجموعة البحث في البلاغة والأسلوبية. ط1: 2005.

        ·      سعيد بنكراد،  السميائيات ؛ مفاهيمها وتطبيقاتها ،  منشورات ضفاف ، 2015

        ·      جميل حمداوي، السيميولوجيا بين النظرية والتطبيق ، مؤسسة الوراق للنشر والتوزيع، 2011

        ·      محمد السرغيني محاضرات في السيميولوجيا ، دار الثقافة ، 1987

        ·      أمبرتو إيكو ، العلامة ؛ تحليل المفهوم وتاريخه، المركز الثقافي العربي ، 2007

        ·      مجموعة مو، بحث في العلامة المرئية - من أجل بلاغة الصورة ، المنظمة العربية للترجمة، 2012