1-تعريف الصورة
تعود كلمة
"صورة" (Image) إلى الأصل
اللاتيني imago، أما جذرها السيميولوجي فيرتبط بالكلمة imatari التي تعني
التشابه مع الواقع. بناءً على ذلك، يمكن تعريف الصورة من منظور سيميولوجي بأنها أي
تمثيل بصري يحاكي الواقع بشكل مباشر، سواء كان ذلك في بعدين، مثل الرسم والصور
الفوتوغرافية، أو في ثلاثة أبعاد، مثل التماثيل والنقوش.
كما تعرف
الصورة على أنها تجسيد مرئي يمثل الواقع أو يعيد إنتاجه، فهي تجربة حسية يدركها
البصر مباشرة، وفقا لفولشينيوني (Fulchignoni). وتعد الصورة
وسيطا متعدد الأبعاد، إذ يمكن أن تعكس الواقع الحقيقي أو تتجاوزه إلى عوالم خيالية
وافتراضية، لكنها تتميز دائمًا بطبيعتها اللغوية والفنية والجمالية. فهي ليست مجرد
انعكاس للعالم، بل تنطوي على دلالات ورموز تستند إلى مخزون ثقافي وفكري غني.
علاوة على
ذلك، فإن مفهوم "الصورة" يتعدى الإطار البصري إلى مجالات أخرى مثل
الشعر، السرد، والدراما، مما يجعل منها عنصرًا جوهريًا في الخطاب البصري القائم
على آليات تعبيرية تمتد عبر مجالات فنية مختلفة.
2-الرسالة البصرية وإنتاج المعنى
تعتمد اللغة
البصرية على منظومة دلالية معقدة تستند إلى مكونين أساسيين:
1. البعد العلاماتي الأيقوني: وهو التمثيل
البصري للكائنات والموجودات الطبيعية مثل الوجوه، الأجسام، الحيوانات، والأشياء
المختلفة.
2. البعد العلاماتي التشكيلي: يشمل العناصر
البصرية غير الطبيعية مثل الأشكال، الخطوط، الألوان، والتركيب، والتي تُستخدم
للتعبير عن الحالات الإنسانية والمشاعر.
ينتج المعنى
داخل الصورة من خلال المزج بين هذين البعدين؛ إذ يعتمد البعد الأيقوني على محاكاة
الواقع، بينما يضفي البعد التشكيلي طابعًا ثقافيًا وفنيًا على الصورة من خلال
استخدام الألوان، الملابس، العمارة، والزخارف التي تحمل دلالات اجتماعية وتاريخية.
وبهذا تصبح الصورة خطابًا بصريًا مركبًا يتفاعل مع عناصر مختلفة لإنتاج معانٍ
متعددة.
3-مستويات
تحليل الرسالة البصرية
عند تحليل
الصورة وفهم دلالاتها، يمكن التمييز بين مستويين رئيسيين:
1. المستوى الأيقوني الداخلي: يركز على
العناصر البصرية الموجودة داخل الصورة نفسها، مثل الأشكال، الشخصيات، والألوان.
2. المستوى الأيقوني الخارجي: يهتم بالسياق
الثقافي والاجتماعي الذي تنتمي إليه الصورة، وكيفية توظيفها لنقل رسالة معينة أو
التعبير عن رؤية محددة للعالم.
يكشف تحليل
هذين المستويين عن وجهة نظر المصور أو الفنان، حيث تعكس الصورة رؤيته للواقع
وطريقته في تمثيله من خلال اختيار الزوايا، الإضاءة، الإيقاع اللوني، والعناصر
التكوينية الأخرى. وبهذا، تتحول الصورة من مجرد انعكاس صامت للواقع إلى نص بصري
غني بالمعاني والتأويلات.
4-مقاربات
تحليل الصورة
1-4-مقاربة
رولان بارث لتحليل الصورة
استلهم رولان بارث منهجه في تحليل
الصورة من علم اللسانيات، والتحليل النفسي، والأنثروبولوجيا الحديثة. انطلق في
دراسته من العلاقة بين الدال
والمدلول، والدليل
والمرجع، مما قاده إلى تحديد مستويين رئيسيين في الصورة: المستوى التعييني
والمستوى التضميني،
واللذان يتجسدان في رسالتين أيقونيتين. وأضاف إليهما رسالة ثالثة سماها الرسالة الألسنية.
بناء على
ذلك، يقسم بارث التحليل السيميولوجي للصورة إلى ثلاثة مستويات أساسية:
4-1-1-المستوى الأيقوني التعييني
(Dénotation)
يتعلق
هذا المستوى بالقراءة السطحية الأولية للصورة، حيث يطرح المحلل السؤال: "ماذا
أرى؟"، وهو
ما يعادل مفهوم "الدال" لدى دي
سوسير. يتضمن هذا التحليل مجموعة
من الخطوات الإجرائية:
- الدراسة المورفولوجية: تحليل بنية الصورة من حيث
الخطوط والمحاور التكوينية.
- الدراسة الفوتوغرافية: تتناول العناصر الفنية مثل
التأطير، اختيار الزوايا، توزيع الضوء والظل.
- الدراسة التيبوغرافية: تحليل النصوص المرافقة للصورة
من حيث الخط (حجمه، نوعه، موضعه).
- دراسة الألوان: تحليل
طبيعة الألوان المستخدمة ومدى تأثيرها على المشاهد.
- دراسة الشخصيات: فحص
الأشخاص داخل الصورة من حيث العمر، الجنس، الملابس.
يهدف هذا
المستوى إلى تحديد طبيعة العلامات البصرية المستخدمة، وهو ما يسميه بارث "التعيين"، أي الدلالة الأولية للصورة.
4-1-2-المستوى
الأيقوني التضميني (Connotation)
يتجاوز
هذا المستوى التحليل السطحي إلى البحث في المعاني الرمزية والثقافية التي تحملها
الصورة، وذلك بطرح السؤال: "لماذا
تم تقديم هذه العناصر بهذه الطريقة؟".
يعتمد هذا التحليل على الربط بين عناصر الصورة والخلفية
الثقافية والمعرفية للمتلقي، ويتضمن خطوتين أساسيتين:
أ.
التحليل الفني للصورة:
- دراسة التأطير، زوايا الالتقاط، الإضاءة
وتأثيرها على الانطباع النفسي للمشاهد.
- تحليل نوع الخطوط والنصوص المصاحبة وتأثيرها
الدلالي.
- تحليل الألوان من منظور سيكولوجي واستكشاف
دلالاتها العاطفية والرمزية.
ب.
التحليل الاجتماعي والثقافي للصورة:
- دراسة الرموز الثقافية والاجتماعية المتجسدة
في الوضعيات، الإشارات، والألوان.
- تحليل الحركات والإيماءات ومدى ارتباطها
بالسياق الاجتماعي والثقافي.
4-1-3-الرسالة
الألسنية
في هذا
المستوى، يتم تحليل العلاقة بين النصوص المكتوبة والصورة من خلال وظيفتين أساسيتين:
1.
وظيفة
الترسيخ (Ancrage): تساعد
النصوص المرافقة للصورة على توجيه المشاهد نحو تأويل معين، مما يحد من التعدد
الدلالي للصورة ويوجه قراءتها ضمن إطار محدد.
2.
وظيفة
المناوبة (Relay):
في هذه الحالة، لا يكون النص مجرد مفسر للصورة، بل يضيف إليها
دلالات جديدة، مما يعزز تكامل المعنى بين المكونات اللغوية والبصرية.
4-2-مقاربة
مارتين جولي لتحليل الصورة
ترى مارتين جولي أن الصورة ليست
مجرد انعكاس للواقع، بل هي نسق
بصري محكم تتداخل فيه العلامات الأيقونية والتشكيلية لإيصال رسالة
محددة. إذ لا تعتمد الصورة فقط على استنساخ الواقع، بل تضمر معاني وإيحاءات متعددة
تتجاوز ما هو ظاهر للمشاهد.
تعتمد جولي في تحليل الصورة على
مستويين رئيسيين:
1.
العلامات
الأيقونية: تقوم
على مبدأ التشابه بين الدال والمدلول، وتعكس أبعادًا رمزية وإيحائية تتجاوز حدود
الشكل الظاهري للصورة.
2.
العلامات
التشكيلية: تتضمن
العناصر البصرية مثل الألوان، الأشكال، والخطوط، والتي لا تُكمل الصورة فحسب، بل
تسهم في بناء معناها وتوجيه تأويلها.
ترتكز مارتين جولي في تحليل
الصورة على ثلاثة مستويات
متكاملة
1- المستوى
الشكلي
يتعلق
بتحليل عناصر الصورة الظاهرة مثل:
- الألوان، الأشكال، التكوين الداخلي، التأطير،
الإضاءة.
- زاوية التقاط الصورة ومدى تأثيرها على الإدراك
البصري للمشاهد.
- بنية الصورة وعلاقتها بالإطار العام للنص
البصري.
2-المستوى
الأيقوني
يركز على
الدلالات الرمزية والإيحائية المرتبطة بالثقافة والمعرفة المكتسبة. يهدف هذا
التحليل إلى:
- وصف العناصر المصورة وتحديد رموزها التعبيرية.
- تحليل العناصر الغائبة وتأثيرها على معنى
الصورة.
- البحث في العلاقة بين الشكل والمحتوى وتأثيرها
على الرسالة البصرية.
3-المستوى
الألسني
تؤكد جولي، كما فعل بارث، على أهمية اللغة في بناء دلالة الصورة،
إذ تساعد النصوص المصاحبة في توجيه التفسير من خلال وظيفتي:
- الإرساء
(Ancrage): حيث
يحد النص من تعدد التأويلات ويوجه القارئ نحو معنى معين.
- المناوبة
(Relay): حيث
يضيف النص أبعادا دلالية جديدة تدعم المعاني البصرية.
يتضح من
مقاربات رولان بارث
ومارتين جولي
أن الصورة ليست مجرد انعكاس للواقع، بل هي نص بصري متعدد المستويات، يحمل دلالات
مباشرة وغير مباشرة، تتراوح بين الإدراك الحسي والمعاني الرمزية العميقة. ويظل
تحليل الصورة عملية تتطلب فهمًا للسياقات الثقافية والاجتماعية، إضافة إلى إدراك
العناصر البصرية والتشكيلية التي تشكل بنيتها.