1-تعريف الصورة
كلمة صورة image مشتقة من الأصل اللاتيني imago، أما مصدرها السيميولوجي فيأتي
من اللفظة imatari التي تعني التماثل مع الواقع وبهذا يصبح مصطلح الصورة يعني سيميولوجيا
كل تصوير تمثيلي يرتبط مباشرة بالمرجع الممثل بعلاقة التشابه المظهري، أو بمعنى أوسع كل تقليد تحاكيه الرؤية في بعدين (رسم، صورة (أو في ثلاثة أبعاد في حالة النقش أو التماثيل.
كما تعّرف الصورة بأنها كل تقليد تمثيلي مجسد أو تعبير بصري معاد، وهي معطى حسي للعضو البصري، حسب فولشينيوني (Fulchignoni) أي إدراك مباشر للعالم الخارجي في
مظهره المضيء.
إن الصورة بصفة عامة، تصور لغوي وعقلي
وذهني وخيالي وحسي وبصري، قد تنقل العالم الواقعي أو تتجاوزه نحو عوالم خيالية
وافتراضية أخرى، لكن أهم ما في الصورة هو طبيعتها اللغوية والفنية والجمالية
الخاصة وارتباطها بمتخيلات غنية وثرية. كما أن للصورة " الخطاب "
آليات تعبيرية قد تتجاوز الصور الشعرية إلى صور نثرية وسردية ودرامية موسعة وبصرية تشكيلية، تجعل من مبحث الخطاب " الصورة "
عالما منفتحا وخاصا، يمكن
استكشافها واستجلاؤها عبر السياق السيميائي الدلالي.
2-الرسالة البصرية وإنتاج المعنى
إنّ اللغة البصرية التي يتم عبرها توليد مجمل الدلالات داخل الصورة هي لغة بالغة التركيب والتنوع وتستند من أجل بناء نصوصها إلى مكونين:
- البعد العلاماتي الأيقوني
- البعد العلاماتي التشكيلي
فالرسالة البصرية تستند من أجل إنتاج معانيها، إلى المعطيات التي يوفرها التمثيل الأيقوني
كإنتاج بصري لموجودات طبيعية تامة) وجوه، أجسام، حيوانات، أشياء من الطبيعة...الخ(، وتستند من جهة ثانية إلى معطيات من طبيعة أخرى، أي إلى عناصر ليست لا من الطبيعة ولا من
الكائنات التي تؤثث هذه الطبيعة. ويتعلق الأمر بما يطلق عليه التمثيل التشكيلي للحالات
الإنسانية، أي العلامة التشكيلية: الأشكال والخطوط والألوان والتركيب.
إنّ البعد التضميني والدلالي للصورة هي نتاج تركيب يجمع بين ما ينتمي إلى البعد الأيقوني
وبين ما ينتمي إلى البعد التشكيلي مجسدا في أشكال من صنع الإنسان وتصر فه في العناصر الطبيعية
بتراكمية ثقافية من تجارب أودعها أثاثه، وثيابه، ومعماره، وألوانه، وأشكاله،
وخطوطه. وتعد الصورة من هذه االزاوية ملفوظا بصريا مركبا ينتج دلالاته استنادا إلى التفاعل
القائم بين مستويين مختلفين في الطبيعة، لكنهما متكاملان في الوجود.
من هذا المنطلق، يمكن طرح قضية الدلالة والتدليل في الرسالة البصرية، وكيفية تحول المرجع الفوتوغرافي من الحياد والصمت إلى علامة، وإلى نص لا ينفلت من لعبة المعنى. وهو الطرح الذي يستدعي مستويين اثنين على الأقل في قراءة الرسالة البصرية.
- المستوى الأول :
هو الداخل الأيقوني
- المستوى الثاني :
هو الخار ج الأيقوني
إنّ رصد هذين المستويين في علاقتهما الجدلية والمتداخلة يقود إلى تحديد وجهة نظر الفاعل
الفوتوغرافي، ورؤيته للعالم، وهي الرؤية التي تعين مسار الصورة، إطارها، ومواضيعها، إيقاعاتها وألوانها، بكلمة واحدة: طريقة تمثيلها.
3-مقاربة "رولان بارث"
لتحليل الصورة 
استوحى "بارث" مقاربته من علم اللسان والتحليل النفسي والأنتروبولوجيا الحديثة وقد انطلق في دراسته من فكرة العلاقة بين الدال والمدلول وبين الدليل والمرجع، فخرج بمستويين التعييني
والتضميني وجمعهما في الرسالتين الأيقونتين، ثم أضاف رسالة ثالثة سماها الرسالة الألسنية.
بالتالي يقسم التحليل السيميولوجي للصورة حسب هذا الباحث إلى ثلاث مستويات:
3-1-المستوى الأيقوني التعييني أو الإدراكي (Dénotation) :
نعني به القراءة الأولية السطحية للرسالة ومن خلال هذه ا
القراءة يطرح المحلل سؤال ماذا
أرى؟ وهو ما يقابل الدال عند "دي سوسير". يتضمن هذا المستوى عدة خطوات إجرائية نذكرها فيما يلي:
-الدراسة المورفولوجية: وهي السيرورة الدلالية لبناء الصورة هكلها، خطوطها، محاورها التركيبية.
-الدراسة الفوتوغرافية: وهو المجال الذي يتم فيه مساءلة العناصر الفنية المتعلقة بالتأطير، اختيار الزوايا وما يقابلها من جانب المتلقي من حركة العين ووضع المركز البصري بالإضافة إلى الجدلية
الفوتوغرافية (الظل / الضوء).
-الدراسة التبوغرافية: ويتم فيها تحليل الإرسالية اللسانية من حيت طريقة كتابتها) حجم البنط -قياس السطر -طراز الحرف (طريقة وضعها والمسا حة المخصصة لها.
-دراسة الألوان: يتم تحليل قوة الألوان المستعملة، طبيعتها ومدى طغيانها أو العكس.
-دراسة الشخصيات: أي تحديد الأشخاص في الصورة، سنهم، جنسهم، ملابسهم.
ويندرج هذا المحور
الدراسي العام أي الدراسة الشكلية بخطواتها الإجرا ئية فيما يعرف سيميا ئيا بتحديد طبيعة الدليل. وهي عند "رولان بارث" تسمى التعيين وتعني الدلالة الأولى.
3-2-المستوى التضميني (Connotation) :
يعتمد التحليل التضميني على االقراءة المعمقة للمعطيات التعيينية المكونة للرسالة البصرية من خلال طرح سؤال لماذا؟ أي لماذا قدمت هذه المعطيات بهذه الطريقة، وكذلك محاولة الربط بينها من خلال البحث عن العلاقات التي تجمعها ببعضها البعض.
كما يعتمد هذا المستوى من التحليل على الثقافة الخاصة بالمتلقي والقدرة على
قراءة ما وراء الصورة من خلال الكشف عن الدلالات والقيم الرمزية الثقافية التي تحملها هذه الرسالة البصرية. بالتالي يناشد هذا المستوى الخبرة الذاتية للفاعل، ويشير إلى القيم الثقافية الخاصة بمفكك الشفرة. ويتضمن الخطوات الإجرا ئية التالية:
أ-دراسة الأبعاد السيكولوجية للصورة مل خلال:
- تحليل المعطيات الفوتويرافية كالتأطير، اختيار الزوايا، الإضاءة.
-تحليل وتفسير الأبعاد التبوغرافية) لماذا اختير هذا البنط او ذاك النوع من الكتابة؟ (.
-تحليل سيكولوجي للألوان ولإيحاءاتها المختلفة.
ب -دراسة التضمينات الإجتماعية والثقافية للصورة مل خلال:
-تحليل المدونات التعينية.
-تحليل مدونة الحركات والإشارات.
-تحليل مدونة الوضعيات.
-تحليل سوسيوثقافي الألوان.
3-3-الدراسة(الرسالة) الألسنية:
وهو المحور الذي يتم فيه دراسة علاقة الجانب الألسني بالجانب الأيقوني) الصورة (من خلال وظيفتي الترسيخ والمناوبة.
أ-وظيفة الترسيخ "الإرساء ancrage": ذلك أن الصورة تتسم بالتعدد الدلالي أي تقدم للمتلقي عددا
كبيرا مل المدلولات لا ينتفي إلا بعضها ويهمل البعض الآخر، ومل ثمة فإن النص اللفظي يوجه إدراك
المتلقي ويقود قراءته للصورة، بحيث لا يتجاوز حدودا في التأويل. فالنص اللغوي إذ يمارس سلطة
على الصورة مادام يتحكم في قراءتها أو يكبح جما حها الدلالي، إنه يقوده نحو معنى منتقى مسبقا.
ب-وظيفة المناوبة) الربط التدعيم): وتكون حين يقوم النص بإضافة دلالات جديدة للصورة، بحيت أن مدلولاتها تتكامل وتنصهر في إطار واحد.
4-مقاربة "مارتين جولي" لتحليل
الصورة
ترى "مارتين جولي" أن الأنساق البصرية تتميز ببناء محكم تتضافر فيه
مختلف مكوناته التعبيرية لتبليغ رسالة محددة، وهناك بعض العناصر التي تتوفر في
نسق وتغيب في آخر، إلاّ أن هناك عناصر مشتركة في كل نسق بصري وتشمل علامات أيقونية وعلامات تشكيلية.
تعتمد العلامات الأيقونية عمى مبدأ التشابه بيد الدّال والمدلول، وتشكل مكونا أساسيا من مكونات الأنساق البصرية، ليس باعتبارها عاملا مساعدا على استنساخ الواقع وتقديمه فقط، بل لما تضمره من أبعاد إيحائية عديدة ومتشعبة، حيث أن الصورة تحاول أن تقول دائما أكثر مما تعرضه بالدرجة الأولى، كما أن تأويل الأيقونات في الرسالة البصرية يتم على أساس إجراءات إيحائية متعددة، مؤسسة على مؤثرات مختلفة تتوزع بين الاستعمالات السوسيوثقافية للصورة، وأشكال وطرق عرضها على المشاهد. أما العلامات التشكيلية تتمثل في مجمل العناصر التشكيلية المضافة للعلامات الأيقونية والمساهمة في تشكيل النسق البصري لاسيما الصورة،
فهي ليست مواد تكميلية للعلامة الأيقونية فقط، بل تسهم في تحديد مضمون
الرسالة، حيث أن كل عنصر له مساهمة في توجيه المشاهد نحو قراءة محددة.
ترتكز "مارتين جولي" في تحليلها على تقاطع ثلاث أنواع من المستويات المتباينة شكليا والمتكاملة نسقيا وهي:
1-المستوى الشكلي: يتكون هذا المستوى من مختلف عناصر الصورة الشكلية
والتصويرية، أي كل ما ينتمي إلى الألوان، الأشكال، التكوين الداخلي، الإطار، الدعامة، التأطير، زاوية التقاط الصورة، الإضاءة وكل ما
يدخل في نسيج العلامات، وهذا المستوى يبقى خاصا بالإدراك الحسي للرسالة البصرية.
2-المستوى الأيقوني: يتعمق هذا المستوى بكل أنظمة الدلائل الأيقونية التي تقود إلى استحضار معارف أصلية مكتسبة، ثقافية مجردة، ولا يمكن فصلها عن مكونات تشكيل الصورة وعما تشير إليه ضمنيا بأبعاد إيحائية عديدة ومتفرعة، غالبا ما تتجاوز نطاق المماثلة المادية للموضوع المنقول. وتقترح "مارتين جول" في هذا المستوى التطرق إلى الموضوعات المصورة مع وصف دقيق لأجزائها الحاضرة
والغائبة وما تحمله من أبعاد تعبيرية محددة في السياق السوسيوثقافي.
وفي هذا المستوى تتحدث "جولي" عن العلامة التي تأخذ البعد الإزدواجي بين
الشكلي والأيقوني باعتبارها علاقة تفاعلية محددة لإنتاج الدلالة الكمية للصورة
المرئية، وهي في نواتها دائرية تمر من الشكلي، وصولا إلى الأيقوني أو العكس، ويمكن الاقرار أن هذا المستوى يعبر عن تأويل الوضعيات والتمثلات بواسطة العملية الإيحائية.
3-المستوى الألسني: لقد لاحظت الباحثة أن الد راسة اللغوية تساعد في إنتاج الدلالة والبلاغة دراسة مهمة، ولا يمكن الاستغناء عنها، ولذلك، فهي تشترك مع
"بارث" في مسألة حضور اللغة في الصورة، وفي أشكال التواصل الأخرى، لأن دورها
الجوىهي يتجاوز بذلك عناصر التلفظ لتقوم بوظيفتي الإرساء والترسيخ.