على اعتبار أنّ المنهج هو
الطريق الذي يتبعه الباحث أثناء إجراء دراسته، فإنه يعتبر ضرورياً جدًا في مختلف
البحوث والدراسات العلمية، كونه يُمثل "جملة الخطوات المنظمة التي على الباحث إتباعها،
في إطار الالتزام بتطبيق قواعد معينةٍ تمكّنه من الوصول إلى النتيجة
المُسطّرة"[i]،
فالمنهج بالمحصلة ما هو إلا "وسيلةٌ يمكن عن طريقها الوصول إلى الحقيقة"[ii]
وعلى اعتبار أنّ طبيعة الموضوع في أيّ بحث علمي، هي العامل
الوحيد المُحدِّد للمنهج المناسب في عملية البحث، كونه "الطريق الأقصر
والأسلم الذي على الباحث أن يسلكه للوصول إلى الهدف المنشود وهو الحقيقة
العلمية"[iii]، فإن فهم أساليب دراسة الفنون السمعية البصرية
المعاصرة –كحقل معرفي مولد للمعنى- شكلت موضوعا مهما في السنوات الأخيرة لدى
المشتغلين على محور تاريخ الفن المعاصر فبرزت المقاربة السيميولوجية كواحدة من أهم المقاربات المعتمدة في دراسة المواد
السمعية البصرية عمومًا والصور المتحركة خصوصاً، والتي يُعرّفها عميد السيميائية
رولان بارث Roland Barthes بأنها "شكلٌ من أشكال البحث الدقيق في المستويات
العميقة للرسالة الأيقونية أو الألسنية، والتي يلتزم الباحث فيها بالحياد
والموضوعية اتجاه الرسالة، مع سعيه لتحقيق التكامل عبر التطرق إلى مختلف المستويات
المدعمة للتحليل من خلال تحديد وضعيتها ووظيفتها في إطار المعنى العام"[iv].
فالتحليل السيميولوجي إذاً، هو ذلك التحليل
الذي يستهدف العلاقات الداخلية النوعية بين عناصر الخطاب محل الدراسة وتفسير هذه العلاقات واستقرائها، ثم تحليل ما تمّ
التوصل إليه وتفسيره بشكل علمي وأكاديمي للوصول إلى نتائج عملية، يمكن الأخذ بها،
خاصة وأنها ستسمح لنا لاحقاً بالوقوف عند الدّلالات الخفية والضمنية للرسالة الفيلمية
محل التحليل، وهي تسعى إلى الكشف عن أهمية الصورة ووظيفتهاب اعتبارها أداةً
إعلامية تحمل أبعاداً دلاليةً خاصة ومتعددة، وفي هذا الصدد تحديدا يقول موريس إنجرسMaurice Angers بأن المقاربة
السيميولوجية هي "طريقة خاصة غير تقليدية، تستعمل النظرية العلمية دون تقليد
أعمى، أين يجوز للباحث التغيير فيها وفق ما تقتضيه نوعية الإشكالية البحثية"[v]، فالمقاربة
السيميولوجية وفق أنجرس إذًا تمتاز بخصوصية شديدة، تجعلها غير متقيّدة
بشروطٍ نظرية صارمة كما هو الشأن مع باقي المقاربات والمناهج، إنما يتم توظيفها حسب الأهداف
المتوخاة من الدراسة العلمية، وعلى العموم يطلق على المجال العام للدراسات الفيلمية،
مصطلح نظرية الفيلم، وفيه تتم عمليّة دراسة الأفلام وفق مقاربات عديدة، وقد تبدوا نظرية الفيلم في بعض الأحيان صعبة ومعقدة ، ولكنها
أساسا عبارة عن مجموعة من الأدوات المختلفة التي يمكننا استخدامها لشرح كيفية اشتغال
الفيلم، وفيما يلي بعض الأساليب النظرية الأكثر فائدة واستخداماً في الدراسات
السينمائية[vi]:
- نظرية المؤلف: وتقوم
على فكرة أن المخرج هو عبقرية فنية مسؤولة عن خلق معنى الفيلم، بدلا من
الآلاف من الناس الآخرين.
- النظرية المعرفية: وتقوم
على استخدام العلوم مثل علم الأعصاب وعلم النفس للمساعدة في شرح كيفية مشاهدة
الجمهور وفهم الأفلام.
- التفكيكية: وهي
لا تعني مجرد تفكيك الأفلام، ولكن تفكيك الطرق التي تفكر فيها وتفسرها.
- النسوية: دراسة
الفيلم كعنصر من عناصر النظام الأبوي، أو التفوق
الذكوري الهيكلي على المرأة.
- الشكلانية: وفيها
يتمّ التركيز على الخصائص الشكلية للفيلم (مثل المونتاج أو تكوين الصورة)
لفهم مدى اختلافه عن الوسائط الفنية الأخرى.
- التحليل الأيديولوجي: ويرتكز
على الفكرة القائلة بأن الثقافة تشكل الكيفية التي يفكر بها الناس ويتصرفون،
ويسعى التحليل الإيديولوجي إلى فضح السياسة الخفية للفيلم.
- ما بعد الاستعمارية: تحليل
تأثير أو إرث القوة الاستعمارية التي تمارس على الثقافات أو الأمم، ففي
دراسات الأفلام، ينظر الباحثون
في مجال ما بعد الاستعمار إلى الأفلام التي صنعها صناّع الأفلام من
البلدان المستعمرة (أو التي كانت مستعمرة سابقاً) وتمثلات الشعوب والحركات
التحررية وغيرها
- ما بعد الحداثة: مرحلة
النظرية النقدية التي تدعي أن الأفكار الكبيرة القديمة قد انتهى وقتها، وأن
الفن العالي والثقافة الشعبية لا ينفصلان الآن، وأن الصور أصبحت أكثر واقعية
من الواقع ذاته.
- دراسات التلقي: وترتكز
على مبدأ سؤال مشاهدي الأفلام عما يفكرون فيه، بدلاً من النظر في كيفية
تفاعلهم مع ما يرونه في الفيلم.
- السيميائية: دراسة
كيفية اشتغال الفيلم، وذلك باستخدام الرموز والإشارات الدلائل التي يتم
توظيفها لنقل المعنى.
وفي هذا المقال، سنحاول التعرف أكثر على المقاربة
السيميولجية، من النظرية السيميائية، وفهم طريقة تحليل الأفلام نصياً، حسب
المقاربة التي وضعها الباحث السيميولوجي الفرنسي رولان بارث، وتفكيك آليات تطبيقها
على المواد الفيلمية المنتقاة من أجل التحليل خدمة لأغراض علمية محددة مسبقاً.
1-
خلفية تاريخية للمقاربة
السيميولوجية:
1-1 من البنيوية واللسانية إلى السيميائية الصورية
إنّ الدراسات السيميولوجية والمصنفة تحت غطاء البحوث
الكيفية ترجع أساسا إلى دراسات وأعمال العالم البنيوي والفيلسوف الأمريكي تشارلز
بيرس Charles S Peirce من جهةٍ، وأعمال
اللساني السويسري دي سوسيرF. De Saussure من جهة أخرى، واللذين كانا من أوائل من أشاروا إلى وجود
"علم السيميولوجيا" خلال السنوات الأولى من القرن العشرين، وساعدا في
جعله جُزءًا من علم اللسانيات الواسع، أين يشير الأمريكي روبرت شولز في الفصل
الرابع الخاص بالتأويل في الأفلام من كتابه المرجعي "السيمياء والتأويل"
إلى فكرةٍ على قدرٍ كبير من الأهمية، تتلخصّ في كون النصوص المُصورة والمعروضة على
الشاشة تتمتع بميزة "تكثيفية" قد تختزل الغنى التأويلي وتزيده مع كل
مستوى، وهو ما يعطينا حقلاً غنياً ممكناً من التأويل[vii]، ما
يُبرز لنا دور السميولوجيا كمنهج حيوي في عملية تحليل هذا المعنى وتأويله.
وبالعودة إلى السيميولوجيا وفي تقديم بسيط
لها، يمكن أن تًعرَّف على أنها "علمٌ خاصٌ بدراسة العلامات وحياة الدلائل
داخل الحياة الاجتماعية، هدفها دراسة المعنى الخفيّ لكل نظامٍ علاماتي، وتدرس لغة
الإنسان والحيوان وغيرها من العلامات"[viii]، فهي
إذاً مقاربة منهجيةٌ علميةٌ تعالج الأنساق
الدالة، الأمر الذي سمح لها بالاستقلال عن البنيوية ونُظمها ونظرياتها الصارمة،
بالرغم من أن رواد السيميولجيا الأوائل هم بنيويون بالأساس.
فهدف السيميولوجيا هو
دراسة أنظمةٍ معقدةٍ مكونةٍ من دلائل متنوعة، تشمل الصور والحركات والكلمات، وحتى
الرقصات والاستعراضات والتحيّات وحركات الجسد وإيماءات الوجه، والتي تعتبر لغاتً
اتصاليةً متنوعةً وأنظمة دلالية متكاملة كما يسميها رولان بارث، مع التنويه إلى أن
فكرة دراسة الأنظمة الدلالية تطورت كثيرًا بعد وضع دي سوسير لنظريته الشهيرة
"دليل: دال- مدلول"، بحيث
أنّ الدال هو الوجود المادي للدليل، والمدلول هو التصور الذهني لهذا الدليل.
فالسيميولوجيا عند دي
سوسير إذًا تتناول ثلاث محاور رئيسيةٍ كبرى هي:
1. الدليل في حد ذاته، ويسمى أيضا بالإشارة، أين تتم دراسة الدليل
ووسائل توصيله والأساليب التي تربطه مع الأفراد الذين يستعملونه.
2. النظم أو الآنية: وهي الأوضاع التي من خلالها تستعمل هذه الدلائل،
والأساليب التي تطورت في نطاقها هذه الأوضاع حسب احتياجات المجتمع وثقافته.
3. الثقافة: وهي التي نستعمل في
إطارها النظم والدلائل، وهي عند دي سوسير ارتباطٌ بين دال ومدلول بما يُكوّن لنا
معنى، ويؤكد على أن الدّليل لا يكون إلا في إطار نظام معين وهذا الأخير (النظام)
ما هو إلا مجموعة من العلاقات المتداخلة أو المتعارضة أو المتماثلة بين الدلائل
التي تكوّنه، إذ أن هدف السيميولوجيا هو اكتشاف معنى الدليل، بدايةً بالدليل
اللفظي وصولاً إلى المعاني الظاهرة والباطنة، في إطار السياق العام للنظم والثقافة
السائدة في المجتمع[ix].
كما نُؤكد هنا على أنّ الدال والمدلول تربط بينهما علاقة
اعتباطية، لا يمكن بأي حال
ملاحظتها، فليس هناك علاقة بين الصورة الصوتية والفكرة المراد توصيلها،
فكلمة "قط" مثلا لا تشبه من حيث "التصويت" ذلك الحيوان بأيّ شكل
من الأشكال، وبهذه العلاقة الاعتباطية وضمن نُظُمٍ معينةٍ، وداخل مجتمعٍ ذو ثقافة
معينة، يتم الربط بين الصورة الصوتية والمعنى[x]، كما لا
يفوتنا التأكيد أيضاً على أن الدال في حد ذاته ليس شيئًا،
بقدر ما هو تمثيلٌ نفسي لذلك الشيء،
فالدال لا يمكن تحديده إلا من خلال المعنى الذي يحمله أو حسب استعماله من طرف
المتحدث، كونه هو حامل الصورة الصوتية للرسالة، أما المدلول فهو مرتبطٌ كليًا
بالدال، ومهمته تبليغية حسب ما يحمله الدال، سواءً كان صوتاً
أو كتابةً أو صورةً آو جميعها معا في إطار "لغة"
متفق عليها بين طرفي العملية الاتصالية (المرسل والمستقبل)[xi]، في حين
يختزل الفرنسي رولان بارث هذا الأمر في أنّ التحليل السيميولوجي يغوص في مضامين
الرسالة والخطابات ويسعى لتحقيق التحليل النقدي، فهو إذا تحليل كيفي
واستقرائي لرسالة ذات مضمون كامن وباطن.
إنّ هذه الخلفية المنهجية المبسطة تسمح لنا بتقديم تحليل سيميائي في
المستوى، ويقصد
بالتحليل بشكل عامٍ "تلك العمليات العقلية التي يستخدمها الباحث في دراسته للظواهر والأحداث والوثائق لكشف العوامل المؤثرة في الظاهرة
المدروسة، وعزل عناصرها عن بعضها بعضًا، ومعرفة خصائص وسمات هذه العناصر، وطبيعة العلاقات القائمة
بينها، وأسباب الاختلافات ودلالاتها، لجعل الظواهر واضحةً ومُدركةً من جانب العقل[xii].
أما التحليل السيميولوجي فمن الضروري التنويه بأنه وكغيره من عديد المفاهيم المرتبطة بعلوم الإعلام والاتصال لم
يًحسم أمره بعد بتعريف جامعٍ مانعٍ يصل إلى حد الاتفاق التام، ومردّ
ذلك المشكلات العديدة والعميقة المرتبطة بحدوده وإجراءاته على المستويات التطبيقية
(أمنهجٌ هو أم أداة ؟) وذك على الرغم من التطور والتوسع الهائلين اللذين شهدهما
التحليل السيميولوجي في الدراسات والبحوث السمعية البصرية والأيقونية عموما خلال
العقود القليلة الماضية.
لكن هذا اللاحسم لم يمنع عديد الباحثين
المشهود لهم، بمحاولة ضبط ماهية التحليل السيميولوجي، وعلى رأسهم نجد الباحث
الدانماركي القدير لويس يامسلاف L. Hjelmslev الذي يقول
عنه أنه "مجموع التقنيات المستعملة في وصف الشيء وتحليله باعتباره دلالةً في
حد ذاته، وبإقامته علاقات مع أطراف أخرى، ويسعى إلى تفكيك وفهم الرسائل التي تحمل
عادة معاني ضمنية مختلفة قد يغفل عنها المتلقي، والتي هي في الحقيقة مرتبطة ببعض
المدونات الداخلية في تكوين البيئة التي نشأ فيه المتلقي[xiii].
وهذا ما يحيلنا إلى الفكرة
الأوسع التي جاء بها رولان بارث حول السيمويولوجيا كعلمٍ دارسٍ للعلامات أو
الإشارات أو الدوال اللغوية أو الرمزية، سواءً كانت طبيعية أم صناعية، فيقول أنّ
هذه العلامات إما أن يقوم الإنسان بوضعها اصطلاحًا عن طريق اختراعها واصطناعها
والاتفاق مع أخيه الإنسان على دلالاتها ومقاصدها مثل: اللغة البشرية ولغة إشارات
المرور، أو أنّ الطبيعة هي التي أفرزتها بشكل عفويٍّ وفطريّ لا دخل للإنسان في
ذلك، كأصوات الحيوانات وأصوات عناصر الطبيعة والمحاكيات الدالة على التوجع والتعجب
والألم والصراخ[xiv].
ويرى بارث أنه ''من الضروري اليوم توسيع مفهوم اللغة [langue]، خاصة من
الناحية الدلالية: فاللغة هي "التجريد الكلي" للرسائل التي يتم إرسالها،
أو استلامها، ولا يوجد فرق إذا تم تمرير رسالة لفظية، من خلال التواصل غير اللفظي أو
الصورة. إذ تُظهر العديد من الدراسات كيف أن السيميائية في العلوم الإنسانية تصبح
أداة فعالة للكشف عن المعاني الخفية في الإشارات والرموز والصور.
السيميولوجية إذن مقاربة تتعامل مع الرموز سواء كانت في شكل نصوص أو
صور وأيضا مع معانيها الكامنة، وبالتالي فإن الأفلام الحديثة بما أنها تستخدم بشكل
مكثف الرموز والصور من أجل التأثير على الذهن لدى الجمهور والأهمية الاجتماعية،
فإن هذه المقاربة تصبح أداة قوية وفعالة للغاية لتفسير هذه الرموز والصور.
وإذا كانت اللسانيات علماً يدرس كل
ما هو لغوي ولفظي، فإن السيميولوجيا تدرس ما هو لغوي وما هو غير لغوي أيضاً، أي
تتعدى المنطوق إلى ما هو بصريّ، كعلامات المرور ولغة الصم والبكم والشفرة السرية
ودراسة الأزياء وطرائق الطبخ وغيرها.
وإذا كان فرديناند دو سوسير يرى أن
اللسانيات هي جزءٌ من علم الإشارات أو السيميولوجيا، فإن رولان بارت في كتابه
"عناصر السيميولوجيا" يقلب الجرّة تماماً، فيرى بأن السيميولوجيا هي الجزء
وأن اللسانيات هي الكل ومعنى هذا أن السيميولوجيا في دراستها
لمجموعة من الأنظمة غير اللغوية كالأزياء والطبخ والموضة والإشهار تعتمد على عناصر
اللسانيات في دراستها وتفكيكها وتركيبها، ومن أهم هذه العناصر اللسانية عند رولان
بارت نذكر الدال والمدلول، واللغة والكلام، والتقرير والإيحاء وغيرها[xv]
وفيما يخص
المقاربة السيميولوجية كوسيلة لتحليل الأفلام السينمائية، فيمكن القول بأنها تلك
المقاربة التي تبحث عن الدلالة الحقيقية لمحتوى الرسائل، عبر محاولة معرفة معناها
الحقيقي ومضمونها الخفيِّ بعد تحليلها، فالتحليل السيميولوجي حسب الناقد رولان
بارث شكلٌ من أشكال البحث الدقيق في المستويات العميقة للرسائل الإعلامية والألسنية،
بحيث يلتزم فيها الباحث الحياد التام نحو الرسالة، مع الحرص على الوقوف على
الجوانب السيكولوجية والاجتماعية والثقافية التي من شأنها المساعدة في تدعيم
التحليل الذي يغوص في مضامين الرسالة وخطاباتها، ويسعى لتحقيق التحليل النقدي، فهو
باختصار تحليلٌ كيفيٌّ واستقرائي للرسالة ذو مضمونٍ كامنٍ باطنٍ[xvi].
رولان بارث
1-2 سيميولجيا التحليل النصي للأفلام:
إذاً، وللوصول
إلى تفكيك الدلائل والرموز في الأفلام التسجيلية أو الروائية التي يستهدفها
الباحثون، تتم عادة الاستعانة بمقاربة التحليل السيميولوجي للأفلام، وهذا
بهدف معرفة مختلف الدلائل والمعاني المرتبطة بصورة الشيء المُراد فهمه المواد
الفيلمية محل التحليل، وتحديد المحتوى الضمني لها، والتي يًعدّ الباحث الفرنسي
والمُنَظِّر السيميائي والسينمائي كريستيان ماتز Christian Metz من أوائل من وظّفها،
وكان من الرواد الذين استعانوا كثيراً بالسيميولوجيا في دراسة الأفلام
وفهمها.
مع ضرورة
أخذنا بعين الاعتبار حقيقة أنّ طُرق تحليل الأفلام تختلف باختلاف الهدف الذي تصبو
إليه الدراسة، ويتم ذلك غالباً باختيار طريقة التحليل التي تضمن الوصول إلى الهدف
الرئيسي واستخراج وحدات التحليل الأساسية للفيلم المقصود، وفي شكلٍ أكثر تبسيطا
يمكن القول أنّ تحليل الأفلام هو "عملية تجزئة بنية الفيلم إلى مكوناته
الأساسية ثم إعادة بنائه، وذلك لتحديد عناصره المميزة واكتشاف الروابط الموجودة
بين مختلف هذه العناصر المعزولة"[xvii]، وهذا
التحليل الفيلمي لا يترك الكثير من التفاصيل الخاصة بالزوايا الاجتماعية،
الثقافية، السيكولوجية والسياسية المتضمنة في الفيلم دون تحديدٍ، بل إنه يهتم كذلك
باللغة وكيفية التعبير عن الدلائل المختلفة، خاصة وأن الفيلم عملٌ فنيٌ مستقلٌ
قادرٌ على توليد النص (تحليل النص) كما هو قادرٌ على بناء دلالات معينة عبر منهجٍ
سردي (تحليل روائي) ومعطيات بصرية وصوتية (تحليل أيقوني)[xviii]، فالتحليل الفيلمي يبحث في العلاقة بين الدال
والمدلول وكذا علاقة الفيلم بالمشاهد، لذا يتم تفكيكه إلى عدة عناصر وإعادة تركيبه
لأغراض تخدم الدراسة.
وهنا، يشير
كلٌّ من الباحثين الفرنسيين جاك أمون Jacques Aumont وميشال ماري
Michel Marie في كتابهما
المرجعي "تحليل الأفلام" إلى أنّ عملية تحليل الفيلم لا تقوم لها قائمةٌ
إلا بإدراك مُحللي الأفلام ودارسيها لثلاث مسلمات وهي:
ü
أنه لا يوجد هناك منهج
عمومي لعملية تحليل الأفلام، بمعنى أنها متروكة للباحث وأهداف الدراسة.
ü
أنّ عملية تحليل الفيلم
لا محدودةٌ ولا نهائيةٌ، باعتبار أن هناك دائما مجالا للإضافة أو وجود شيء آخر
يمكن تحليله في الفيلم، وأنّ نفس الفيلم يمكن دراسته عدة مرات وبمواضع مختلفة، دون
أن يكون هناك تشابه أو تماثل في الاهتمامات والأفكار.
ü
أنه من الضروري معرفة
تاريخ السينما وتاريخ الفيلم والخطابات المقدمة حوله وما رافقه، اجتنابًا للإعادة
وتلافيًا للتكرار[xix].
وتقوم عملية التحليل
النصي بالنظر إلى الفيلم على أنه نص يتكون من ثلاثة مفاهيم أساسية وهي:
·
النص الفيلمي: ويُقصد به الفيلم
كوحدة خطابٍ مكونةً من مجموعة من النصوص.
·
النظام النصي: وهو خاصٌ بكل فيلم،
بحيث يُحدد للنص النموذج المُوضح للغرض الفيلمي، بحيث يُشكّل نسقًا عامًا تتحد فيه
النصوص الفيلمية لتوليد معنىً عامٍ للفيلم، فهو بشكل ما "النموذج
البنيوي" للعرض الفيلمي.
·
إلى جانب المدونات
أو الشيفرات، وتُعد أصغر وحدات النصوص الفيلمية، والتي تشكل معا (وبمعانيها)
نصًا فيلميًا يتطور إلى تشكيل نظامٍ نصيٍّ متكامل، وذك حسب الشرح المفصل للباحث
جمال شعبان شاوش في رسالته حول "صورة الإرهاب في السينما".
إن التحليل النصي
للأفلام يشير أيضا إلى دراسة الكتابة والخطاب الفيلمي من خلال دراسة نسقه،
مكوناته، ووظائفه، وهذا للوصول إلى تفسير المعنى المنتج من خلال هذه الكتابة، فهو
كما قال عنه كريتسيان ماتز أنه "حين نتكلم عن الفيلم فإننا نتكلم عن الفيلم
كخطاب دالٍ، عبر تحليل بنيته الداخلية ودراسة مظاهره وأشكاله الداخلية، خاصة أن
الصورة السينمائية تشمل على مظهر خارجي يمثل المعنى التعييني
للرسالة، كما يشتمل على المضمون الداخلي الذي يحمل معانٍ ضمنية،
بحيث تعكس الصورة المُقدَّمةُ واقعاً مُعاشاً يمثل المرجع الذي أُخذت منه[xx].
2-
دليلٌ عمليّ لتحليل
الأفلام حسب مقاربة رولان بارث السيميولوجية:
2-1 ما هي مقاربة رولان بارث السيميولوجية؟
ولتحقيق أهداف التحليل
النصي، يعمد الباحثون إلى توظيف المقاربة البارثية (نسبة إلى رولان بارث) التي
تساعد في فهم أفضل وأعمق وأدق للفيلم وأفكاره ورسائله – الظاهر منها والخفي-،
وتقوم هذه المقاربة على ثلاثة أنظمة: أولها المستويين التعييني والتضمينيdénotation et connotation، وثانيها المرجع le référent ، وثالثها
الثقافة la culture.
فقد اهتم بارث منذ البداية بإنشاء نظام ثانوي لدراسة
الفن والثقافة، وطور مفهوم السيميائيات الضمنية، وهو نظام معقد من المعاني
والدلالات من المستوى الثاني، ويجب دعمه من الخارج( الثقافة) من خلال: التقاليد اللغوية
والثقافية ، العلاقات بين السبب والنتيجة ، الكليشيهات ، إلخ.
في عام 1960 تم نشر مقالتين لبارت تمثلان فهمه النظري للغة
الفيلم: "مشكلة المعنى في السينما" و"الوحدات
الصادمة" في السينما: مبادئ البحث. وهذه
هي الأعمال الأولى لبارث التي يتعامل فيها مع قضايا نظرية بحتة دون الخوض في
الخلفيات الأيديولوجية. في مقال "مشكلة المعنى في السينما"، يشير بارت،
إلى أن الفيلم لا يمكن اختزاله إلى مجرد إشارات خالصة، وبعبارة أخرى ، إلى تكوينات
سيميائية دون معنى، ويشير إلى أن الفيلم وعلاماته تؤدي في المقام الأول وظيفة
تواصلية إذ ينقلان إلى المشاهد رسالة معبر
عنها فيما يطرح من رموز تستجدي بناء المعنى[xxi].
أمّا النظام الأول فيتعلق بالمستوى
التعييني بين الدال والمدلول في خضم الدليل، وتعيين وتحديد
مختلف المعاني البيّنة والجليّة، ويرتبط أساساً بالجانب الكمي للصورة، والعمل على
الإجابة عن سؤالي كيف وماذا؟، أما المستوى
التضميني، فيركز على العلاقة الكيفية التي تربط الدليل
(الدال + المدلول) بالمحيط الخارجي، ويجيب عن السؤال لماذا؟، أي أنه
يحاول أن يرتبط بالنظام الاجتماعي وبالسياق السوسيوثقافي للفعل الفيلمي، وذلك من
خلال استنطاق المعاني الكامنة أو الخفية، وفك رموزها وشيفراتها، وتفسير مدلولاتها
وربطها مع ثقافة صناع العمل ورؤاهم.
في حين
يُقصد بالمرجع ذلك السياق العام الذي تتشكل ضمنه الرسالة
البصرية، ويشمل الخلفية التي بُني عليها العمل أحقيقيةٌ هي أم تخيلية؟ وكذا مجموع
الظروف المتعلقة بصانع الفيلم ومتلقيه، وهما طرفا العلمية الاتصالية كما هو واضح.
وأخيرًا نجد
الثقافة، والتي تتعلق بمدى ارتباط النص الفيلمي وعناصره
التعيينية والتضمينية بثقافة المجتمع (أهي نابعةٌ منه أم موجهة إليه؟) وعن مدى
اتفاق صاحب الرسالة الفيلمية مع متلقيها على قاموسٍ ثقافي ولغوي متقارب أو يكاد
يكون متطابقا.
2-2 كيفية تحليل الأفلام تحليلا نصيا قبل تفسيرها في ضوء
المقاربة البارثية:
لتحليل الأفلام تحليلاً نصيا تتم الاستعانة
غالبا بأدوات وتقنيات متعددة، ينظر إليها غالبا على أنها "خطوات التحليل"،
وقد فصل فيهما الباحثين جاك أومون وميشال في الكتاب الشهير L’analyse des films والتي تشمل:
أ- الأدوات
الوصفية: instruments descriptifs: وتضم هذه الأدوات
العناصر التالية:
1-
التقطيع
التقني: وهو مصطلحٌ يشير إلى وصف الفيلم في حالته النهائية،
ويرتكز على نوعين اثنين من الوحدات هما اللقطات والمتتاليات، فالتقطيع التقني
"عمليةٌ تكاد إلزامية في إنجاز وتحليل أيّ فيلم في حالته
النهائية"[xxii]، (وإن
كانت الدراسات البحثية مؤخرا باتت تميل إلى الاستغناء عن خطوة التقطيع التقني
لأسباب نُفصل فيها لاحقاً)، فالتقطيع التقني هو مصطلح يشير أيضا إلى الكتابة
السابقة للتصوير، يضمّ الكلمات والرسومات الأولية وما ستؤول إليه المعطيات التقنية
لكل لقطة مرئية.
وإذا
كانت الدراسات السيميولجية الكيفية الحديثة تميل للاستغناء عن هذه "العودة
إلى الكتابة السابقة"، فإنه لا بأس بالتعريج على أهم العناصر
التي تؤخذ بعين الاعتبار عند التقطيع التقني:
أ-
اللقطاتplans : وتشمل
على رقم اللقطة، سلم اللقطات، زاوية التصوير، وحركات الكاميرا.
ب- شريط الصوتbande sons
: ويشمل
الموسيقى، الصوت والحوار، والمؤثرات الصوتية.
جـ- شريط الصورةbande image : ويشمل على محتوى الصورة، الشخصيات،
المكان والأشياء.
2- التجزئةsegmentation : وتتمثل هذه التقنية في عملية
تحديد المتتاليات وهي لفظٌ لغويٌ سينماتوغرافي يشير إلى تسلسل وتتابع اللقطات التي
تشكل وحدةً روائيةً، وتتكون المتتالية الواحدة بدورها من عدة لقطاتٍ، والتي هي
أصغر جزء في السلسلة الفيلمية.
3-وصف صورالفيلمdescription
des images : وتعني تحويل الرسائل الإعلامية
والمعاني التي يحتويها الفيلم إلى لغة مكتوبة، بحيث تعطي هذه الخطوة التفاصيل
الخاصة بمحتوى الصورة[xxiii].
ومن المهم بمكمنٍ الإشارة إلى أنّ الباحثين
باتوا يميلون للاستغناء عن خطوة التقطيع التقني كما أسلفنا الذكر لأسباب عديدة،
يمكن إيجازها في النقاط التالية:
أولها، أنّ الدراسات
التحليلية السيميولجية، باتت خلال السنوات الأخيرة تعتمد كثيرا على التحليل
والتفسير واستقراء المضامين الخفيّة، خاصة مع تثبيت هذا النوع من الدراسات على
نطاقٍ واسعٍ في بحوث علوم الإعلام والاتصال لجذورٍ متينة في الحقول البحثية
الكيفية، وبالتالي صار التركيز على المقاربات التحليلية هو الأهم، فهدف جداول
التقطيع التقني تذكيريٌّ بحتٌ، يسمح لنا بأخذ نظرةٍ عامةٍ حول المقطع محلّ
التحليل، وتحديد ما فيه دون تفسير أو تحليلٍ، شأنها في ذلك شأن المستوى
التعييني من المقاربة البارثية التي وضعها رولان بارث وتُنسب إليه،
فالغاية من التقطيع التقني إنما هي نقل الفيلم إلى حالته الأولى وإرجاعه إلى نصٍ
مكتوبٍ، أي القيام بعملية عكسية تؤدّي هدفاً توضيحيا فقط حول نوعية المشاهد ومدتها
وحركة الكاميرا فيها، وهو ما يمكن استدراكه في المستوى التعييني لتحليل المقطع
المختار.
ثانيها: أنّ المقاربة
البارثية التي تعتمد في طورها الأول على مستوى تعييني بحت، فإن الباحث عندما يعتمد
على التقطيع التقني للنص الفيلمي فإنه بالموازاة يقوم بوصف المقطع محل التحليل
وصفًا كاملا شاملا، يتَناول فيه كل شيء في المقطع المحلل، من محتويات المشاهد
والشخصيات الحاضرة فيها وطبيعة اللقطات والحوار والتعليق الصوتي والموسيقى
التصويرية المرافقة، والتي اُضيف إليها في الدراسات البحثية اللاحقة عناصر أخرى
بسيطة (لكنها مهمة) اقتبست في أغلبها من جداول التقطيع التقني مثل مدة اللقطة
وحجمها، وزاوية تصويرها، فبات من الشائع احتواء المستوى التعييني على وصفٍ تامِ لمحتوى
المشاهد بالإضافة إلى العناصر التقليدية الأخرى التي يضمّها التقطيع التقني من
حركات كاميرا وزوايا تصويرٍ.
فمؤيدو هذا التيار،
يرون بأنّ كلاً من المستوى التعييني لمقاربة رولان بارث السيميائية،
وجداول التقطيع التقني التي تستمدّ من خطوات التحليل الفيلمي التي يقترحها أمون
وزملاؤه يشتركان في نفس الهدف، وهو وصف الحدث الذي يتناوله المقطع محلّ التحليل
بطريقة وصفيةٍ كتابيةٍ، إنما يختلفان فقط في طريقة التعبير، فجداول التقطيع التقني
تأخذ طابعًا عمليًا من خلال الوصف المُعتمِد على ملء خاناتٍ مُقسّمةٍ
على شريطي الصوت والصورة والحوارات الدائرة وسطها، مع تحديد نوع اللقطات فيها
وزوايا تصويرها، في حين أنّ المستوى التعييني يصف هو الآخر هذا المحتوى لكن بطريقة
نثرية مباشرة يمتاز بها الأسلوب الوصفي المنتشر بشكل واسعٍ في الدراسات الإعلامية.
بل إنّ هناك من ذهب أبعد من ذلك وقال أنّ محتوى
جداول التقطيع التقني ومحتوى المستوى التعييني هما وجهان لعملة واحدةٍ،
وأنهما تكرارٌ لا طائل منه في كثيرٍ من الأحيان، ويُشجع اليوم عديد الباحثين
والأساتذة الجامعيين المتمرّسين في هذا النوع من الدراسات طلبتهم في الدراسات
العليا على الاستغناء عن جداول التقطيع التقني، مع أخذ مميزاتها (مدة اللقطة
ونوعها وزاوية التقاطها وحركة الكاميرا المعبرة عنها) ودمجها مع محتوى التحليل
التعييني، تلافياً للتكرار أو الحشو المبتذل، واستغلالها في إثراء المستوى
التضميني وتحليلاته وإعطاء قيمة للبحث من خلال النوعية، لا من خلال التكرار والحشو
غير المفيد.
ب-الادوات الاستشهادية instruments
citationnels: وتضم نسخةً من الفيلم وعملية الوقوف عند الصورة.
1- نسخة من الفيلم:
وهي التقنية الأولى المستخدمة في الأدوات الاستشهادية لتحليل الأفلام، هدفها عرض
الأشياء بشكل دقيق وتسهيل عملية التحكم في التحليل باستخدام تقنيات أخرى تساعد على
فحص هذه النسخة، كالتصوير البطيء والقيام بعملية وقوفٍ عند الصورة.
2- الوقوف عند الصورة أو الفوتوغرامات: وتعني
عملية التوقف التي نُحدثها على مستوى الصورة أثناء التحليل، وتكمن قيمتها في أنها
تسمح لنا باكتشاف أدق وأبسط الدلائل والعناصر التحليلية التي قد تمر علينا دون
مشاهدتها أثناء تعاقب لقطات الفيلم، كما يمكن اعتبارها كنمط أو نوع خاص لتحليل
الأفلام، يقوم على تجميدٍ مؤقتٍ للقطات أثناء تعاقبها، بشكل يسمح بقراءة الصورة
واستخراج أهم مكوناتها.
3-
وأخيراً، ملخصاً عن الفيلم
وبطاقةً تقنية عنه.
جـ - الأدوات الوثائقية: وتشمل المعلومات
السابقة واللاحقة لبث الفيلم
1- المعلومات السابقة لبث الفيلم:
وتشمل المعلومات والوثائق عن السيناريو، الميزانية، الإنتاج، التصريحات
والروبورتاجات والمقابلات الصحفية عن الفيلم قبل بداية عملية البث والتصوير.
2- المعلومات اللاحقة للبث: وتشمل المعلومات المتعلقة بالتوزيع، عدد النسخ
الموزعة، أماكن البيع، النشر، والمعلومات المتعلقة بالتحليل والنقد[xxiv].
وتندرج جميع هذه
الخطوات المذكورة أعلاه ضمن التحليل التعييني للمقاطع التي تمّ انتقائها من
مجموع الأفلام المًشكّْلة لعينة دراسة الباحثين.
إنّ أيّ
باحثٍ وفي تحليله السيميولوجي للأفلام الروائية أو التسجيلية المنتقاة والتي يبتغي
فهمها وتفكيكها رسائلها الظاهرة والضمنية عبر مقاربة التحليل النصي الأفلام وفوق
الطريقة البارثية، إنما يكون مجبرا بدايةً على مشاهدة كل فيلم منها عدّة مراتٍ من
أجل رصد الأفكار الرئيسية للفيلم محل التحليل، ومعرفة أهم التفاصيل والأفكار التي
يضُمُّها، ثم يقوم بعدها بتحديد أهم المقاطع والمتتاليات المناسبة للدراسة، وذلك
باستخدام تقنية التصوير البطيء، ومن ثمة توظيف تقنية الوقوف على الصورة
(الفوتوغرام) بهدف فحص ومعاينة ومعرفة عناصر الصورة بدقة والتحكم في التحليل
بقراءة الصورة قراءةً خاصة، بتحويل العناصر والدلائل التي تحتويها الصورة إلى
بيانات وعناصر مكتوبة، وهي المرحلة الأولى في التحليل أي المستوى التعييني والذي
يجيبنا عادةً عن سؤال ماذا؟، ثم تأتي المرحلة الثانية في التحليل والمتعلقة بتحديد
المستوى التضميني بطرح السؤال لماذا؟،
ويقوم بالتعبير عن هذه المستويات من خلال
القيام بعملية تحليلية نصية للأفلام محل التحليل بإتباع أدوات التحليل الفيلمي ثم
تحليل الصورة، على أن يتم في المستوى التضميني التطرق إلى تحليل الشفرات البصرية
المتنوعة، كزوايا التصوير وسلم اللقطات ودلالات الصورة، بالإضافة إلى تجسيد
الشفرات السينماتوغرافية والتعمق في معاني الصورة والقيم الرمزية والأيقونية
المُعبر عنها، ثم التركيز على المستوى الألسني اللغوي، واهتمام الباحث بالنص
الفيلمي، على أن يقوم ختاماً بشرح وتفسير الأبعاد الدلالية والمعاني غير المباشرة
للنص الفيلمي حسب فهمه الشخصي والبيانات التي جمعها من تحليله.
دليل
عملي من أجل التحليل السيميولوجي للفيلم السينمائي:
يحدد هذا الدليل الذي تم بناؤه
بالاستناد إلى قراءة الدراسات السابقة في المجال، ومقاربتها وفق سيميولوجيا رولان
بارث وتوجهاته في بناء واشتقاق المعنى من النص الفيلمي، والأنشطة الرئيسية التي
يقوم بها المحللون من باحثين وأكاديميين عندما يجرون نقدًا سيميولوجيا لنص فيلمي ما.
1.
أن تقدم للقارئ لمحة موجزة عن الرسالة
أو الفيلم المراد تحليله، والفكرة هنا هي تقديم وصف موجز للفيلم وقصته ،
وإعطاء صورة عن المخرج، وتكوينه، وظروف إنتاج الفيلم ونوعه، والقائمين عليه...بحيث
يمكن للقارئ تصور الرسالة الفيلمية في عمومها، حتى ولو لم يتمكن من مشاهدتها.
2.
أن تحدد الدلائل والمدلولات
الرئيسية، وذلك بطرح أسئلة مثل: ما هي الدلائل الهامة وما هي مدلولاتها؟ ما هو
النظام (من العلامات) الذي يعطي معنى النص؟ ما هي المسائل الأيديولوجية
والاجتماعية المعبر عنها؟
3.
تحديد النماذج التي تم
استغلالها.
طرح أسئلة مثل: ما هي الفكرة التي يرتكز
عليها الصراع في النص الفيلمي؟ هي الأضداد المقترنة التي تناسب مختلف الشخصيات في
الفيلم ( الشجاع/ الجبان) ( الغني/ الفقير)، ا(الخير/ الشر)...؟ هل لهذه الصفات
والسلوكات المتضادة أي أهمية نفسية أو اجتماعية في الفيل؟
4.
تحديد نظام المعاني بطرح أسئلة مثل:
ما هي المعلومات أو الرسائل (المباشرة والضمنية) التي تم توظيفها؟ ويمكن الإجابة
على هذا السؤال من خلال النظر إلى
- الرسالة اللغوية
وتتكون هذه الرسالة من جميع الكلمات ( الدال والمدلول)
-
رسالة الرموز وتتكون
هذه الرسالة من الرموز التي يتم توظيفها في الصورة.
- رسالة الرموز المشفرة (الرمزية)
وتتكون هذه الرسالة من الدلالات البصرية التي نكتشفها في ترتيب العناصر
المصورة.
5.
وأخيراً، حدد المبدأ في العمل
في الرسالة أو النص، وبعبارة أخرى بلاغة النص في التعبير عن المعنى.
خاتمة
من خلال كل
هذه المراحل، يمكننا استخراج المحتوى التعييني للفيلم أي الشكل الجلي منه للعيان،
ثم التحليل التضميني الذي يمكن كشفه من خلال ربط الجانب الوصفي لصور الفيلم بالبعد
الإيديولوجي والضمني، وتحديد التفاعلات التي تحدث بين وحدات التحليل فيما بينها،
وبالتالي الوصول إلى معرفة مختلف المعاني والدلائل المتعلقة بسيميولوجيا موضوع
البحث.
- عبد الخالق محمد علي: خطوات نحو بحث النهج
الإعلامي، دار المحجة البيضاء، بيروت، 2010، ص 101. [i]
- لسيد
احمد مصطفى عمر: البحث العلمي: إجراءاته ومناهجه، مكتبة الفلاح، القاهرة، 2002،
ص166.[ii]
- عبد
الرحمن بدوي: مناهج البحث العلمي، وكالة المطبوعات، الكويت، 1997، ص7. [iii]
[iv]- Roland Barthes : Eléments De Sémiologie , ed denoel gonthier , Paris , sans
année , p 133
[v]- Maurice Angers :
Initiation pratique à la méthodologie des sciences humaines, Casbah édition
Alger, 1997, P 96
[vi]- James Catridges, Film Studies For Dummies, Jhon Wiley
and Sons, Chechister,2015, P 83
روبرت
شولز: السيمياء والتأويل، ترجمة سعيد الغانمي، المؤسسة العربية للترجمة والنشر،
بيروت، 1994، ص 106. - [vii]
قدور
عبد الله ثاني: سيميائية الصورة، مغامرة سينمائية في أشهر الارساليات البصرية في
العالم، دار الغرب للنشر والتوزيع، وهران، 2005، ص 48.- [viii]
- جوديث لازار: سوسيولوجيا الاتصال الجماهيري،
ترجمة علي وطفة، دار الينابيع للنشر، دمشق، 1994، ص 185.[ix]
[x]- Judith Lazar, La
science de la communication, que sais-je, Edition Dahleb, Alger , 1993,
P44.
[xi]
- أحمد يوسف: السيميائيات الواصفة، المنطق السيميائي وجبر العلامات،
الدار الغربية للعلوم ناشرون ومنشورات الاختلاف، بيروت- الجزائر، 2005، ص 37.
[xii]- حامد الدفاعي وجبار العبيدي: المرشد العلمي في البحوث
النفسية والاعلامية، مركز عبادي للنشر،
صنعاء، 1996، ص 38.
[xiii]
- وردية راشدي: تمثلات الثقافة الشعبية الامازيغية في الانتاج السينمائي
الجزائري، دراسة تحليلية سيميولوجية لفيلمي جبل باية والربوة المنسية،
رسالة مقدمة لنيل شهادة الماجيستير في علوم الأعلام والاتصال، جامعة الجزائر3،
2012، ص 19.
[xiv]
- موفق محمد جواد المصلح: ترابط سيميائية النص، ورقة بحثية غير
منشورة، كلية اللغات لجامعة بغداد، بغداد، 2010، ص 02.
[xv]
- جميل الحمداوي: الاتجاهات السيميوطيقية:
التيارات والمدارس السيميوطيقية في المدارس الغربية، دار الألوكة للنشر، عمان،
د س ن، ص 43.
[xvi]
- Maurice Angers : Initiation pratique à la méthodologie
des sciences humaines, Casbah édition Alger, 1997, P 9.
[xvii]
- فايزة يخلف: خصوصية الاعلان التلفزيوني
الجزائري في ظل الانفتاح الاقتصادي، دراسة تحليلية سيميولوجية لبنية الرسالة
الاشهارية، أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في علوم الإعلام والاتصال، جامعة
الجزائر3 ، 2005، ص 08.
[xviii]
- جاك أمون وميشال ماري : تحليل الأفلام،
ترجمة أنطوان حمصي، منشورات وزارة الثقافة
السورية، دمشق، 1999، ص 08.
- المرجع السابق، ص 41. [xix]
[xx]
- جمال شعبان شاوش: صورة الإرهاب في السينما الجزائرية - تحليل
سيميولوجي لفيلمي المنارة ورشيدة: رسالة مقدمة لنيل شهادة الماجستير في علوم الإعلام والاتصال، الجزائر، 2007، ص
14.
[xxi]- Mihael
Konstantinov,ROLAND BARTHES AND YURII LOTMAN- SEARCH FOR MEANING IN FILM
NARRATIVE, Chapter in Bulletin of Kyiv National
University of Culture and Arts Series in Musical Art · December 2019,p-p 35-36
[xxii]
- سامية عزي: أهمية الأرشيف السمعي البصري
في بناء الذاكرة الوطنية عبر الأفلام،دراسة تحليلية لفيلم الزردة، مذكرة مقدمة
لنيل شهادة الماجيستير في علوم الإعلام والاتصال جامعة الجزائر، 2013، ص 19.
[xxiii]
- رحموني لبنى: صورة الذات والأخر في السينما الجزائرية، دراسة تحليلية
سيميولوجية لعينة من الأفلام السينمائية، أطروحة مقدمة لنيل شهادة الدكتوراه
في علوم الإعلام والاتصال، جامعة قسنطينة 3، 2017، ص 46.
[xxiv]
- جاك أمون وميشال ماري : تحليل الأفلام،
مرجع سبق ذكره، ص ص 78،